الجمعة، 17 فبراير 2023

جريمة الناسخ والمنسوخ،. [6] ⚠️ يمحوا الله ما يشاء

جريمة الناسخ والمنسوخ،. [6] ⚠️ يمحوا الله ما يشاء،.

الآية الثانية التي استدل بها المبطلين لآيات ٱلۡقُرآن،. على إبطال العمل ببعضها،. من سورة الرعد،. في قول الله،. ﴿یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ﴾ [الرعد 39]،.

نقول،. لْاحَوْلَ ولاْ قُوّةَ إِلاّ بِاْلله،. كان يكفيكم أن ترجعوا للسياق ليتبين لكم بطلان عملكم هذا،. هذه الآية تفسيرٌ وتفصيلٌ محض لآية النسخ التي في البقرة [ما ننسخ من آية.....]،.

قال اْلله فيها،. ﴿وَٱلَّذِینَ *((ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن یُنكِرُ بَعۡضَهُ))* قُلۡ إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللهَ وَلَاۤ أُشۡرِكَ بِهِ إِلَیۡهِ أَدۡعُوا۟ وَإِلَیۡهِ مَآبِ ۝ وَكَذَلِكَ *((أَنزَلۡنَاهُ حُكۡمًا عَرَبِیࣰّا))* وَلَئنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللهِ مِن وَلِيٍ وَلَا وَاقࣲ ۝ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجࣰا وَذُرِّیَّةࣰ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن *((یَأۡتِي بِآیَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللهِ لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ))﴾* [الرعد 36 - 39]،.

هذه الآية أساساً تفسر آية النسخ التي في البقرة، تبينها وتظهرها،. ففي آية النسخ الأولى،. ﴿مَا نَنسَخْ/نُنْسِخ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا/تُنْسِهَا/نُنْسِئها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة 106]،. بين اْلله أنه يثبت ٱلۡقُرآن،. ويُنسي بقية الكتب، وهو على كل شيء قدير،. في هذه قال أنه يمحوا ما يشاء ويثبت من الكتب،. محى الكتب السابقة، وأثبت ٱلۡقُرآن،. وها هو فعلاً مثبَّتٌ محكم، وصلنا كما أُنزل، دون تحريف وتبديل كما حصل للكتب السابقة،. وهذا هو النسخ [أي التثبيت]،.

وقول الله قبلها،. ﴿..((لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ)) ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ))﴾ [الرعد 36 - 39]،.

كلمة الأجل تدل على تأجيل نزول هذا ٱلۡقُرآن لحين بعثة النّبي ﷺ،. فالأجل تعني نهاية مدة معينة،.

قال ٱلله،. ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِینࣲ ((ثُمَّ قَضَىٰۤ أَجَلࣰا وَأَجَلࣱ مُّسَمًّى عِندَهُ)) ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ﴾ [الأنعام 2]،.
وقال،. ﴿وَلِكُلِّ ((أُمَّةٍ أَجَلࣱ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ)) لَا یَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةࣰ وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ﴾ [الأعراف 34]،.
وقال،. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآیَةࣰ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡآخِرَةِ ذَلِكَ یَوۡمࣱ مَّجۡمُوعࣱ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ یَوۡمࣱ مَّشۡهُودࣱ ۝ ((وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلࣲ)) مَّعۡدُودࣲ﴾ [هود 103 - 104]،.
وقال،. ﴿مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ ((أَجَلَهَا وَمَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ))﴾ [الحجر 5]،.
وقال،. ﴿وَأَنفِقُوا۟ مِن مَّا رَزَقۡنَاكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَیَقُولَ ((رَبِّ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنِي إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِینَ ۝ وَلَن یُؤَخِّرَ ٱللهُ نَفۡسًا إِذَا جَاۤءَ أَجَلُهَا)) وَٱللهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [المنافقون 10 - 11]،.
وعند انقضاء عدة الطلاق، قال الله،. ﴿فَإِذَا ((بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ)) فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفࣲ..﴾ [الطلاق 2]،.

فالأجل نهاية مدة محددة،. وحين قال الله ﴿لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ﴾،. أي لكل نهاية فترة وعهد، كتابٌ خاصٌ ينزله الله،. فنهاية وقت موسى كان الأجل، فبعث الله عيسى وآتاه الانجيل، وفي نهاية وقت عيسى كان الأجل، فبعث الله محمداً ﷺ وأنزل معه ٱلۡقُرآن،. لكل نهاية عهد كتاب، لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ،.

وهذه الآية تتكلم عن ٱلۡقُرآن كله وليس بعض آياته،. وتلاحظ فيها، أن الذي يمحوا هو الله نفسه،. والذي يبدل هو الله نفسه، والذي ينسي هو الله نفسه، فلا يمكن لبشر أن يزيل ويحذف آية دون الرجوع لله فيها، دون أن يكون لديه آية أو حديث يقول بذلك،. وإلّا صار القُرآن عبثاً، والكل سيستغل آية المحو [أو كما يسمونه النسخ] فيحذف ويشطب كل ما يراه لا يليق من آيات، أو لم يستطع فهمه، فيقول هذه منسوخة!!،.

ــــ تفسير آية الرعد من ٱلۡقُرآن،،. بل من نفس السورة،.

قال اْلله في سورة الرعد ذاتها موضحاً أن القُرآن هو الآية الباقية البديلة للآيات التي يسألها الكفار،. ابتدأ السورة بالكلام عن هذا الكتاب، وأقسم بنفسه،. ﴿الۤمۤر، تِلۡكَ ءَایَاتُ ٱلۡكِتَابِ وَٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الرعد 1]،.

ثم بين آياته العظيمة الدالة عليه، وكلها آيات مشاهدة للجميع، السماوات والأرض والشمس والقمر،. وأنه سخرها لنا وجعلها آيات لمن سأل الآيات،. قال،. ﴿ٱللهُ ٱلَّذي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَیۡرِ عَمَدࣲ تَرَوۡنَهَا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ كُلࣱّ یَجۡرِي لِأَجَلࣲ مُّسَمࣰّى یُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ ((یُفَصِّلُ ٱلۡآیَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاۤءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ)) ۝ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِیهَا رَوَاسِيَ وَأَنۡهَارࣰا وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِیهَا زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ یُغۡشِي ٱلَّیۡلَ ٱلنَّهَارَ ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآیَاتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ)) ۝ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعࣱ مُّتَجَاوِرَاتࣱ وَجَنَّاتࣱ مِّنۡ أَعۡنَابࣲ وَزَرۡعࣱ وَنَخِیلࣱ صِنۡوَانࣱ وَغَیۡرُ صِنۡوَانࣲ یُسۡقَىٰ بِمَاۤءࣲ وَاحِدࣲ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فِي ٱلۡأُكُلِ ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآیَاتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ))﴾ [الرعد 2 - 4]،.

ولكن الكفار، كعادتهم، يرون هذا كله ولا يعقلون، ولا يرونها علامات تدلهم على ربهم، فيطالبون بالآيات تعجيزا وكبراً،. قال اْلله في سورة الرعد عن الكفار،. *﴿((وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِ))* إِنَّمَاۤ أَنتَ مُنذِرࣱ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ﴾ [الرعد 7]،.

وكررها مجدداً في نفس السورة [سورة الرعد]،. قال اْلله،. ﴿وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ((لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِ)) قُلۡ إِنَّ ٱللهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِي إِلَیۡهِ مَنۡ أَنَابَ﴾ [الرعد 27]،.

فكان الرد عليهم بأن هذه هي الآية الوحيدة، ٱلۡقُرآن، وأنهم لن يؤمنوا به مهما حصل،. فقال،. ﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَئنُّ قُلُوبُهُم *((بِذِكۡرِ ٱللهِ))* أَلَا بِذِكۡرِ ٱللهِ تَطۡمَئنُّ ٱلۡقُلُوبُ ۝ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَآبࣲ ۝ كَذَلِكَ أَرۡسَلۡنَاكَ فِي أُمَّةࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَاۤ أُمَمࣱ *((لِّتَتۡلُوَا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلَّذِي أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ))* وَهُمۡ یَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَنِ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَاۤ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ مَتَابِ ۝ *((وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانࣰا سُیِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بَل لله ٱلۡأَمۡرُ جَمِیعًا أَفَلَمۡ یَا۟یۡـَٔسِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا))* وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ تُصِیبُهُم بِمَا صَنَعُوا۟ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِیبࣰا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ یَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللهِ إِنَّ ٱللهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ﴾ [الرعد 28 - 31]،.

فالقرآن هو الآية الوحيدة ولن يرسل لهم غيرها،. وأخبر أنهم لن يؤمنوا بها، لأن الله طبع على قلوبهم بسبب كفرهم الأول،. فحين كفروا أول مرة بالآيات التي يرونها كل يوم،. من السماوات والأرض ومن أنفسهم،. ولم يؤمنوا بالله، فلن يؤمنوا كذلك لو أرسل لهم آية جديدة،.

ثم قال اْلله عن الأحزاب التي أنكرت بعض ٱلۡقُرآن،. قال،. ﴿وَٱلَّذِینَ *((ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن یُنكِرُ بَعۡضَهُ))* قُلۡ إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللهَ وَلَاۤ أُشۡرِكَ بِهِ إِلَیۡهِ أَدۡعُوا۟ وَإِلَیۡهِ مَـَٔابِ ۝ وَكَذَلِكَ *((أَنزَلۡنَاهُ حُكۡمًا عَرَبِیࣰّا))* وَلَئنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللهِ مِن وَلِيٍ وَلَا وَاقࣲ ۝ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجࣰا وَذُرِّیَّةࣰ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن *((یَأۡتِي بِآیَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللهِ لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ))﴾* [الرعد 36 - 39]،.

وهذا كله من سورة الرعد ذاتها التي فيها يمحوا الله ما يشاء ويثبت من آياته،. فهو يتكلم عن القُرآن وكتب الله آيات،. وقال نبي اْلله ﷺ،. ﴿مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ *((إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ، وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ))*، فَأَرْجُو أَن أَكُون أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.

والسورة والسياق يدلان بكل وضوح أن الذي يمحوه الله، ليس بعض آيات القُرآن،. إنما كتب الله السابقة، محاها بعد أن حرفوها وغيروها،. وأبقى هذا القُرآن آية ثابتة، ليس لهم سبيلٌ لتحريفها،.

واقرأ شبيهتها في ٱلۡقُرآن لتعرف أن الله يرد بأن هذا الكتاب آية كافية للذي سأل الآيات،. قال اْلله،. ﴿وَلَا تُجَادِلُوۤا۟ ((أَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ)) إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ وَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا بِٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَیۡنَا وَأُنزِلَ إِلَیۡكُمۡ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمۡ وَاحِدࣱ وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ ۝ *((وَكَذَلِكَ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَابَ فَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یُؤۡمِنُونَ بِهِ وَمِنۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ مَن یُؤۡمِنُ بِهِ وَمَا یَجۡحَدُ بِآیَاتِنَاۤ إِلَّا ٱلۡكَافِرُونَ))* ۝ وَمَا كُنتَ تَتۡلُوا۟ مِن قَبۡلِهِ مِن كِتَابࣲ وَلَا تَخُطُّهُ بِیَمِینِكَ إِذࣰا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ۝ بَلۡ هُوَ ءَایَاتُۢ بَیِّنَاتࣱ فِي صُدُورِ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ وَمَا یَجۡحَدُ بِآیَاتِنَاۤ إِلَّا ٱلظَّالِمُونَ ۝ وَقَالُوا۟ *((لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَاتࣱ مِّن رَّبِّهِ))* قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡآیَاتُ عِندَ ٱللهِ وَإِنَّمَاۤ أَنَا۠ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ ۝ *((أَوَلَمۡ یَكۡفِهِمۡ أَنَّاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَابَ یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ))* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحۡمَةࣰ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ ۝ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللهِ بَیۡنِي وَبَیۡنَكُمۡ شَهِیدࣰا یَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاواتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡبَاطِلِ وَكَفَرُوا۟ بِٱللهِ أُو۟لَئكَ هُمُ ٱلۡخَاسِرُونَ﴾ [العنكبوت 46 - 52]،.

فالقُـرآن [الوحي] هو آية النّبي ﷺ الباقية،. بديلاً عن الآيات التي اعتادوا عليها الأولين،.

ــــ لماذا قال اْلله هنا (يمحوا)؟،. ولم يقل يبدل كما في آية النحل؟!،.

فآية النحل كانت تتكلم عن الآيات السابقة التي يسميها الناس اليوم (المعجزات) التي كانت على أيدي الأنبياء [وهي حق وليست باطل ليمحوها]،. ولكن الله أنزل مكانها الوحي للنّبي ﷺ، وهذا تبديل وليس محو،.

أما آية الرعد [التي ندرسها]،. تتكلم عن الكتب التي طالها تحريف وعبث أحبار ورهبان اليهود والنصارى،. فاختلط فيها الحق والباطل،. ولم تعد كلام الله محضاً خالصاً،. فذكر الله هنا في آية الرعد كلمة المحو، لأن الأمر باطل،. كونهم أدخلوا في كتبهم ما ليس من كلام الحق نفسه، فصار باطلاً، فمحاه الله،. قالَ اْلله في سورة الشورى،. ﴿أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللهِ كَذِبࣰا فَإِن یَشَإِ ٱللهُ یَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَ *((وَیَمۡحُ ٱللهُ ٱلۡبَاطِلَ وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ))* إِنَّهُ عَلِیمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [الشورى 24]،. فمحو الكلام يكون للباطل منه، وليس للحق،. ولو أطلقنا هذه اللفظة على الناسخ والمنسوخ، لكانت الآية [المرفوعة لديهم] باطلة، وهي أصلاً كلام الله المحض، وهذا إجرام بحق الله،. ولا يشفع لهم تقسيمهم للمناسيخ أن هذه فيما بطل حكمها دون رسمها،.

قال ٱلله لبني إسرائيل،. ﴿وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَاطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة 42]،.
ــ وقال لهم في آل عمران،. ﴿یَا أَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ *((لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَاطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ))﴾* [آل عمران 71]،. فالقوم لبسوا وخلطوا الحق بالباطل فمحاه الله كله،. ثم أنزل الله ٱلۡقُرآن ولم يجعل له عوجاً،.

قال اْلله،. ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَابَ وَلَمۡ یَجۡعَل لَّهُ عِوَجَاً﴾ [الكهف 1]،. قال لم يجعل له عوجا، ولم يقل هنا (لم يجعل فيه عوجا)،. مع أن ٱلۡقُرآن نفسه ليس فيه عوج،. قال اْلله،. ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا ((غَيْرَ ذِي عِوَجٍ)) لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزمر 28]،. ولكن في سورة الكهف قال [لَمۡ یَجۡعَل لَّهُ عِوَجَا] أي أن الله لم يجعل لأحدٍ سبيلاً ليحدث في ٱلۡقُرآن اعوجاجاً، أو يلحد فيه أو يبدل فيه أو يغير منه شيئاً، أو يرفع بعضاً منه، أو يبطل بعض آياته،.

المصدرون للناسخ والمنسوخ،. وأتباعهم المتصدرين في هذه المسألة، يتهمون الله بالباطل،. "ولا نقول بغير قصد بسبب إصرارهم وتكرار طعونهم"،. قالوا قبل ذلك في ٱلۡقُرآن قولاً لا يقال إلا للمنافق،. قالوا عنه أنه (حمّال أوجه) والمنافق هو ذو الوجهين كما قال الرَّسوْل ﷺ،. والآن يقولون عن بعض الآيات أن الله محاها وأبطلها،. رغم أن الذي يمحوه الله (من الكلام) يكون باطلاً وكذباً،. والله لا يمحوا كلامه لأنه ليس بباطل ولا كذب،. قال اْلله،. ﴿أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللهِ كَذِبࣰا فَإِن یَشَإِ ٱللهُ یَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَ *((وَیَمۡحُ ٱللهُ ٱلۡبَاطِلَ وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ))* إِنَّهُ عَلِیمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [الشورى 24]،.

فقولهم أن الله محى بعض الآيات فيه اتهام لله أنه قال بالباطل سابقاً،. أو أنه قد أنزل قبل ذلك باطلاً (تعالى الله)،. ولكن الحق، أن الله يمحوا ما حرفه الناس ووضعوه من باطلٍ على كتب الله السابقة تلبساً وخلطاً،. ويبدلها [بٱلۡقُرآن] ويؤجل تنزيل [ٱلۡقُرآن]،. ويثبت [ٱلۡقُرآن]،. ويأت بخير من الكتب السابقة [وهو ٱلۡقُرآن]،.

حتى تقول بأن هذه آية منسوخة [مرفوعة] وهذي ناسخة [رافعة]،.. يجب أن يكون لك فيها بينة من الله، وإلا لنال الكتاب تحريفٌ وعبث، ولضاعت أحكامه، وزاد شق الخلاف بين المسلمين،. فقد وجدنا أكثر الذين يقولون بالنسخ وضعوا فيها أفهامهم الخاصة وعقولهم البشرية في المتعارضات الظاهرية، فردوا كثيراً من الآيات بحجة النسخ،. ولكن بتوفيق الله وهدايته، ثم بالمراجعة والفحص والتدقيق والتحقيق والتدبر تكتشف أنه لا تعارض، ولكنه سوء فهم أدى للقول بالنسخ،. وسنبين ذلك إِنْ شٰاْءَ اللّٰه في مواضعها،.

ويخطئ من يحسن الظن بهؤلاء المجرمين، الذين اتهموا ٱلۡقُرآن بالباطل،. (كما كنت أفعل سابقاً)،. حتى تبين لي "من كلام الله" أنهم يكذبون على الله [[وهم يعلمون]]،. فصدقت ربي، وكذبت ظني "الحسن" فيهم،. يقول الله عن أمثالهم،. ﴿وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِیقࣰا یَلۡوونَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَابِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَابِ وَیَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللهِ *((وَیَقُولُونَ عَلَى ٱللهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ))﴾* [آل عمران 78]،.

فلا تظن لوهلة، أنهم يجهلون ماهم فيه،. أو أنهم مفتونون وهم لا يعلمون، أو تبرر لهم بأنهم قد فاتتهم بعض البينات والآيات والأحاديث،. إنما هو كما قال اْلله،. ﴿وَیَقُولُونَ عَلَى ٱللهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ﴾ يعلمون أنهم يكذبون،. ليسوا مساكين، بل يتعمدون الكذب على الله،. ومن قال بأن الآية خاصة بأهل الكتاب، قلنا بأن النّبي ﷺ الصادق، أخبرنا وتنبأ بأننا سنتبع سننهم،. ﴿ﻟﺘﺘﺒﻌﻦ ﺳﻨﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﺷﺒﺮا ﺑﺸﺒﺮ، ﻭﺫﺭاﻋﺎ ﺑﺬﺭاﻉ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺳﻠﻜﻮا ﺟﺤﺮ ﺿﺐ ﻟﺴﻠﻜﺘﻤﻮﻩ، ﻗﻠﻨﺎ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﻤﻦ؟!﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ،.

فهاهم اليوم على سننهم،. يكذبون كما يكذب علماء اليهود والنصارى،. يقولون على الله الكذب وهم يعلمون،. وليست هذه الآية وحدها،. قال اْلله،. ﴿یَابَنِي إِسۡرَاءِیلَ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتِي ٱلَّتِي أَنۡعَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ وَأَوۡفُوا۟ بِعَهۡدِي أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِیَّاي فَٱرۡهَبُونِ ۝ ((وَءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَكُمۡ)) وَلَا تَكُونُوۤا۟ أَوَّلَ كَافِرِۭ بِهِ وَلَا تَشۡتَرُوا۟ بِآیَاتي ثَمَنࣰا قَلِیلࣰا وَإِیَّاي فَٱتَّقُونِ ۝ *((وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَاطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ))﴾* [البقرة 40 - 42]،.
ــ وقال اْلله،. ﴿ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَعۡرِفُونَهُ كَمَا یَعۡرِفُونَ أَبۡنَاۤءَهُمۡ ((وَإِنَّ فَرِیقࣰا مِّنۡهُمۡ لَیَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ))﴾ [البقرة 146]،.
ــ وقال،. ﴿وَدَّت طَّاۤئفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ لَوۡ یُضِلُّونَكُمۡ وَمَا یُضِلُّونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ ۝ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِآیَاتِ ٱللهِ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ ۝ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ ((لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَاطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ))﴾ [آل عمران 69 - 71]،.

وإِنْ شَاْءَ اللّٰه،. ستكون لنا وقفةُ تبيانٍ في الأجزاء التالية، لمعظم الآيات التي قالوا فيها كذباً متعمداً بأنها منسوخة، لنثبت أن قولهم خطأ، وأنها آيات محكمةٌ تامة صحيحة، ليست مرفوعة وليست "منسوخة بزعمهم" وليست مزالة وليس بينها تعارضاً،. وأقل شيء يمكننا فعله لرد قولهم، هو أنهم لم يأتوا بالبرهان، إنما كان من الأولين "[[تنصلاً وتسسلاً ولواذاً لما ظنوه تعارضاً]]"،. ومن الآخرين "[[هذا ما وجدنا عليه آباءنا]]"،. ولو أنهم آمنوا بالكتاب كله، أنْ ليس فيه آية تخالف أختها لما قالوا هذا،. قال اْلله،. ﴿..وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء 82]،. فالذي من عند الله لا يوجد فيه اختلاف أبداً ولا باطل،. ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت 42]،. فالقُرآن كله محكم، أحكمه الحكيم،. وحَسْبُنَا اللّٰه وَنِعْمَ الْوَكِيْل،.

ــــــ هذا القسم خاص بالسلفية [أتباع الكبراء]،.

حين ندخل سوقكم [كتب التفسير]،. لا نجدهم فسروها كما فسرها النُساخ،. بل قالوا بأن الآية تتكلم عن القدر، وليست عن النسخ،..

ــ وهذا الطبري يقول،.
"في تأويل،. ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾،. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
1 ــ فقال بعضهم: يمحو الله ما يشاء من أمور عبادِه، فيغيّره، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما لا يُغَيَّران،....
2 ــ وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتابٍ سوى أمّ الكتاب الذي لا يُغَيَّرُ منه شيء،......
3 ــ وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد،........
4 ــ وقال آخرون: ((بل معنى ذلك: أنّ الله ينسخ ما يشاء من أحكام كِتَابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسَخُه))،.....
5 ــ وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله،......
6 ــ وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر،......
قال أبو جعفر: ((وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك)) بتأويل الآية وأشبهُها بالصّواب، القولُ الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد، وذلك أن الله تعالى ذكره توعَّد المشركين الذين سألوا رسولَ الله ﷺ الآياتِ بالعقوبة، وتهدَّدهم بها، وقال لهم: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾، ((يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مُثْبَتًا في كتاب))، هم مؤخَّرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل، ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل، يجيء الله بما شَاء ممن قد دَنا أجله وانقطع رزقه، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مالٍ، فيقضي ذلك في خلقه، فذلك مَحْوُه، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه. وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله ﷺ،. إﮬ،.

فهذا الطبري المعظَم عندكم، بعد أن طرح عدة آراء متشاكسة ومختلفة كما يعرض البائع معروضاته للزبائن ليتخيروا منها ما يشتهون،. قال رأيه ورجح أن معنى الآية عن المقدر والمكتوب في الرزق والعمر، ولم يرجح النسخ والتشطيب،.

ــ وهنا القرطبي في تفسيره،.
قوله تعالى: (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ) أَيْ يَمْحُو مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ مَا يَشَاءُ أَنْ يُوقِعَهُ بِأَهْلِهِ وَيَأْتِيَ بِهِ. "وَيُثْبِتُ" مَا يَشَاءُ، أَيْ يُؤَخِّرُهُ إِلَى وَقْتِهِ، يُقَالُ: مَحَوْتُ الْكِتَابَ مَحْوًا، أَيْ أَذْهَبْتُ أَثَرَهُ. "وَيُثْبِتُ" أَيْ وَيُثْبِتُهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ﴾ [الأحزاب 35] أَيْ وَالذَّاكِرَاتِ اللهَ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ "وَيُثْبِتُ" بِالتَّخْفِيفِ، وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاخْتِيَارِ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عبيد لكثرة من قرأ بها، لقول: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [إبراهيم 27]. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ وَالْمَوْتَ".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا أَشْيَاءَ، الْخَلْقَ وَالْخُلُقَ وَالْأَجَلَ وَالرِّزْقَ وَالسَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ، وَعَنْهُ: هُمَا كِتَابَانِ سِوَى أُمِّ الْكِتَابِ، يَمْحُو اللهُ مِنْهُمَا مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ منه شي. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ السَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ وَالْخَلْقُ وَالْخُلُقُ وَالرِّزْقُ لَا تَتَغَيَّرُ، إﮬ،.

حتى القرطبي، خذلكم أيها السلفية الخونة،..

ــ وهنا تفسير ابن كثير،. [أستقطعت منه لأجل الاختصار، استقطاعا لا يخل بالمعنى]،.
﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذلك، فقال الثوري، ووَكِيع، وهُشَيْم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ، إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَالْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ...
وَقَالَ مَنْصُورٌ: .... يَقْضِي فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنة مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، فَأَمَّا كِتَابُ الشَّقَاوَةِ  وَالسَّعَادَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغير.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيق بْنِ سَلَمَةَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْثُرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أَشْقِيَاءَ فَامْحُهُ، وَاكْتُبْنَا سُعَدَاءَ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا سُعَدَاءَ فَأَثْبِتْنَا، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي حَكِيمَةَ عِصْمَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدي؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَبْكِي: اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ شِقْوَةً أَوْ ذَنْبًا فَامْحُهُ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ، فَاجْعَلْهُ سَعَادَةً وَمَغْفِرَةً.
وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ خَالِدٍ الحذَّاء، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ أَيْضًا.....
وَمَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ: أَنَّ الْأَقْدَارَ يَنْسَخُ اللهُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَيُثْبِتُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ،...
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "إِنَّ الدُّعَاءَ وَالْقَضَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ لِلهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا دَفَّتَان مِنْ يَاقُوتٍ -وَالدَّفَّتَانِ: لَوْحَانِ -لِلهِ، عَزَّ وَجَلَّ [كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُمِائَةٍ]  وَسِتُّونَ لَحْظَةً، يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظي، عَنْ فُضَالة بْنِ عُبَيد، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "[إن الله] يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهَا يَنْظُرُ فِي الذِّكْرِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.....
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ [منكر الحديث، لم يدرك ابن عباس، فالسند منقطع معلول ❌]، عَنِ ابْنِ عباس: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ يَقُولُ: يُبَدِّلُ مَا يَشَاءُ فَيَنْسَخُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ، ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يَقُولُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، النَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوخُ، وَمَا يُبَدِّلُ، وَمَا يُثْبِتُ كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ.
وَقَالَ قتادة في قوله: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [الْبَقَرَةِ 106] وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ،..... فَنَمْحُو وَنُثْبِتُ مَا نَشَاءُ مِنْ أَرْزَاقِ النَّاسِ وَمَصَائِبِهِمْ، وَمَا نُعْطِيهِمْ، وَمَا نَقْسِمُ لَهُمْ.
وَقَالَ الحسن البصري: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ قَالَ: مَنْ جَاءَ أَجْلُهُ، فَذَهَب، وَيُثْبِتُ الَّذِي هُوَ حَيٌّ يَجْرِي إِلَى أَجْلِهِ.
وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللهُ. إﮬ،.

كذلك ابن كثير،. معظم نقولاته التي سرقها أساساً من الطبري،. كانت عن القضاء والقدر،. وقولٌ واحد ضعيف عن النسخ،. لا قيمة له،. وأتى من ضمن الخيارات، ما نقول له نحن،. قولٌ نسبه لقتادة أن آية الرعد تفسر آية البقرة،. ولم نحتج بها لأن السند معلق، وهي ليست عن النبي ﷺ،. ويكفينا الذي وجدناه في ٱلۡقُرآن،.

ــ وهذا تفسير السعدي،.
﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ من ((((الأقدار)))) ﴿وَيُثْبِتُ﴾ ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص أو خلل ولهذا قال: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب. فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ. إﮬ،.

غريب جداً،.. أليس كذلك؟!،. أشهر المفسرين فسروها على القضاء والقدر، والسعادة والشقاء، وليس على محو آيات ٱلۡقُرآن كما استدل بها النُساخ في كتبهم،. فما حجة السلفية الآن وقد خذلهم المفسرون؟!،.

نهاية الجزء السادس،.

رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.

بڪيبـورد، محسن الغيثـي،.

ليست هناك تعليقات: