الجمعة، 17 فبراير 2023

جريمة الناسخ والمنسوخ،. [3] ⚠️ المعنى الحقيقي للنسخ

جريمة الناسخ والمنسوخ،. [3] ⚠️ المعنى الحقيقي للنسخ،.

محاور هذا الجزء،.
ــ نصيحة من القلب،. الإيمان فوق الفهم،.
ــ موارد كلمة النسخ،.
ــ نصيحة من القلب،. الإيمان فوق الفهم،.
ــ موارد كلمة النسخ،.
ــ الاحتكام للمعاجم لمعرفة معنى النسخ،.
ــ المشترك اللفظي، والأضداد في اللسان،.
ــ آية النسخ الأولى [ما ننسخ من آية]،.
ــ آية النسخ الثانية [وفي نسختها]،.
ــ آية النسخ الثالثة [إنا كنا نستنسخ]،.

في الجزء الأول والثاني أصّلنا لمسألة الناسخ والمنسوخ وهدمنا تعريفهم الفاسد، وقلنا أنه لا ينبغي القول بأن في ٱلۡقُرآن آياتٌ طُمس حكمها، وذهب نورها ورفع الله العمل بها،. وفي هذا الجزء إِنْ شٰاْءَ اللّٰه،. سنتكلم عن دلالة معنى لفظة "النسخ" على وجه اليقين،. ونثبت فيه أن كلمة النسخ لا تعني الإزالة كما هو شائع، ولا تعني الرفع أو النقل أبداً، بل على العكس، تعني التثبيت،.

وبه،.. إن ثبت لدينا ذلك،. وتم حصر دلالة ألفاظ كلمة "النسخ" في معنى التثبيت حصراً،. وتم رفع التضاد في مدلولها، فبالتالي، لا يصح بعدها استخدام لفظة "النسخ" في هذه المسألة برمتها [كدلالة على المسح والإزالة]،. ويسقط به كل بنيانٍ بني عليه،.

فمن أجل ذلك المعنى الآخر المتضاد في لفظة "النسخ"،. قالوا بأن في ٱلۡقُرآن آياتٌ منسوخة، بمعنى رُفع وأُبطل حكمها،. فلهذا قعدنا لها، نتثبت من معناها، نتحقق ونراجع ما قالوه،. وخاصة في تفسيرهم لآية "نسخ ما ألقاه الشيطان"، والتي بسببها ظن "النّساخ" منها أن لفظة النسخ تعني الإزالة والمحو،.

ولكن،.. قبل الدخول والتعمق في معنى النسخ،. نود الإشارة لأمر مهم جداً، يهم كل مؤمن يريد النجاة يوم القيامة،.

اعلم أن مسألة الناسخ والمنسوخ وانتشارها الواسع في الأمة قديماً وحديثاً، لم يكن ليكون لولا أن الله أذن له أن يكون كذلك،. فهو الذي شاء هذا،. وأرادها هكذا فتنة للناس ولابتلائهم، ولتمحيص المؤمن المتبع المصدق لكلام ربه، وتمييزه عن المدعي الذي يقول أنه مسلم متبع، ولكنه في الحقيقة يتبع أقوال شيوخه ويرفعه فوق كلام الله،. فمسألة الناسخ والمنسوخ، ليست إلا فتنة للناس،. وبلا شك، ستواجهك آيات تبدوا أنها متعارضة في ظاهرها، فستظن أن مسألة النسخ هي الحل الأفضل للخروج من التعارض،. وستظن أنه لولا النسخ الذي [قدمه لك الشيوخ] لوقعت في الاختلاف وأنك بحاجة لفهم الآيات بشكل صحيح للخروج من أزمة التعارض الظاهري،.. وهذه الظنون كلها غلط،.

الذي يريده الله منك هو الإيمان به وبكتابه كله،. وإن لم تفهم، وإن لم تعرف معاني الآيات، ولم يطالبك رب العالمين بالفهم،. ولم يسألك أن تبحث عمن يفهمك ويزيل عنك الشبهة،. ولن يحاسبك إلا على إيمانك [[[وإن لم تفهم]]]،. والله زكى الذين آمنوا بكلامه وفي أنفسهم خوف من الزيغ والضلال،. وسمى الله الذين قالوا : ﴿آمنا به، كل من عند ربنا﴾،. سماهم الراسخون في العلم،. لقوة إيمانهم،.

فإن كنت تستهدف الوصول للعلم والمعرفة والفهم،. فاعلم أن قمة العلم والرسوخ في العلم، ليس بفهم كلام الله،. إنما بالإيمان به، وبكل ما قال،. دون رده بدعوى النسخ أو الرفع، أو حتى إسقاط آية منه [في ظاهرها تعارضاً مع غيرها] أو تعطيل العمل ببعض آيات الكتاب،. إنما فقط بالإيمان بالكتاب،. ورغم يسر هذا الإيمان، إلا أنك تجده عسيراً على قلوب كثير من الناس،. فلا تكن منهم،. ولا تحرص كل الحرص على الفهم، ولكن احرص على الإيمان به من الآن،.

ولا تظن بأن هذه المقالات سوف تخرجك من الظلمات،. وأنها ستنقذك من التيهان،. إنما الذي سيخرج من الظلمات إلى النور هو الله،. بعد أن تؤمن بكلماته كلها،. فاستدرك نفسك من الآن وقل،. ﴿آمنا به، كل من عند ربنا،... ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾،. قبل قراءة المقال، فلربما تموت قبل قراءته،. فمت على إيمان لا ريب فيه بكتاب الله ولا شك،. واسأل الله الهداية والثبات عليه،. ثم اسأله ليبين لك الحق الذي يرضاه،. فسيدلك على الحق، سواء كان هنا أو هناك،. فالذي سينجيك يوم القيامة ليس فهمك،. إنما إيمانك،.

ــــــــــــ موارد كلمة النسخ في ٱلۡقُرآن،.

كلمة النسخ وردت في ٱلۡقُرآن أربع مرات،. [البقرة، والأعراف والحج والجاثية]،. مرتان واضحتان وضوح الشمس أنها تعني التثبيت،. والأخريات كذلك واضحتان مبينتان أنها تعني التثبيت، ولكنها عمّيت على البعض، فأدخل ظنونه وآراءه فيها، لم يفهمها كما ينبغي فقال أنها تعني الإزالة،. أما المتأخرون فقلدوهم فيها، فضلوا بظنون،. هما اللتان في البقرة والحج،.

ــــــ ولن نعتمد في هذا التحقيق والتأصيل على كتب المعاجم،. ولن نقتبس منها شيئاً مطلقاً، ذلك لعدة أسباب،.
ــ السبب الأول أن قولهم وتفسيرهم ليس مسنداً للنّبي ﷺ، فهو رأي محض من صاحبه والرأي ليس بحجة،. يقول ما يتوقع، وقد يصيب صدفة وقد يخطئ ككل كاتب يكتب برأيه،.
ــ السبب الثاني، هو أن اعتمادهم في قولهم كان على فهم المفسرين للآيات، والتي كانت دافعا لهم لما ذهبوا إليه،.
ــ السبب الثالث،. أن المؤلف يكتب بناء على يجده في مجتمعه من الكلمات المتداولة، ويحكم ويبني عليها، فلو وجد الناس جميعاً يتداولون كلمة ما بمعنى غير معناه الأصلي، لكتب المعنيين في كتابه، والمعلوم أن مدلول الكلمات تتغير بتغير الزمن وتلاحق الأجيال،. وقد وجدنا أمثال هذا كثيراً بين المعاجم [خاصة المعاجم المعاصرة]، فكل معجم يكتب بتأثر من زمانه،.
ــ السبب الرابع،. أننا وجدنا الكثير الكثير من الأخطاء في المعاجم مما يصعب على الباحث أن يفطن له،. ومعرفة ذلك يكون عبر السبب السادس،.
ــ السبب الخامس،. أن المعاجم تختلف كثيراً فيما بينها،. بل المعجم الواحد يختلف مع نفسه، فيعطيك معانٍ كثيرة مخالفة ويترك لك التخير منها والترجيح بينها،. وهذا لا يعين البتة، بل يزيد الشق والخلاف،. ولو رجعت لكلمة النسخ نفسها في المعاجم، تجد أنهم اختلفوا على أكثر من خمسين معنى،. وليس على معنيين كما يظن الأغلب، فكل إنسان له رأيه وتفكيره الشخصي ويريد تقديمه وطرحه للناس،. وهذا الأمر يفسد التأصيل والتحقيق،. ومن العجائب أنهم جعلوا إحدى معاني النسخ التفسير!،. لأن التفسير يزيل الاشتباه والإشكال، فطالما أزاله فقد نسخه 🤦🏻‍♂،. [يا صبر الأرض]،.
ــ السبب السادس،. أن البُعَدَاء الذين قالوا بالنسخ في ٱلۡقُرآن، تفرقوا فرقاً شتى، ومذاهب بعيدة كل البعد عن الحق الذي يريده المؤمن، فكل فرقة منهم لها معنى خاصاً للنسخ، وهم لا ينكرون هذا [الخلط الخبيث العفن]،. فتجدهم يقولون في كتبهم أن ((معنى النسخ عند اللغوين يختلف عن معناه عند الأصوليون، ويختلف عن معناه عند الصحابة، ويختلف عن معناه عن المفسرين))،. فكل حزب منهم معنى يخصه وتحريف يستأثر به،. أما المؤمن فلا يهمه تناحرهم وتشتتهم، يهمه أن يعرف الحق الذي أنزله الله في كتابه،. وليس ما اختلف عليه الناس،. فلهذا، سنرمي بكل آرائهم في الحش [المراحيض] ولن نلتفت لها مطلقاً،.
ــ السبب السابع،. معظم المعاجم تخترع أمثالاً عربية لا وجود لها في الواقع، أو تلجأ لأبيات شعرية [تخترعها في لحظتها] لتجعلها داعمة للمعنى الذي ذهبوا إليه،. حتى يقووا بها موقفهم، وقد تنسب الأبيات الشعرية لشعراء مشاهير من الجاهلية، ليثبتوا قولهم،. ولن تستطيع الوصول لتلك القصائد لتتيقن من هذه الأبيات لفقدانها،. ومثل هذه [الاختراعات اللحظية للأبيات] حاصلة بكثرة في كتب التفسير،. وبعض من تتبع مصادرها، لم يجد أصولها، واستحى أن يقول بأنها [اختراع من المصنف]،. وهو في الحقيقة اختراع، اخترعه المصنف في لحظتها، ليؤيد بها موقفه،. فتجده مثلاً يخترع لك بيتاً ينسبه للأخطل في ديوان معين، وهذا الديوان للأخطل ليس له وجود، فلن تستطيع التأكد منه،. وتجد المصنف يلجأ لاختراع أمثال شعبية، يردها على قبائل عربية قد اندثرت قديما، وليس لها أي مرجع يثبت لهجتها،. أو يخترع مثالا فيرميه على العرب،. فيقول [والعرب تقول نسخت الشمس الظل] وهذا اختراع وكذب على العرب، فالعرب لا تقول هذا مطلقاً، ولم نجد العرب يستخدمون كلمة النسخ في معنى الإزالة، إلا في المعاجم، عبر هذه الأمثال الغبية، أو الأبيات الشعرية، التي قام باختراعها المصنف لتوه،. ولا سبيل لك لتحقيق مصدره،.
ــ السبب الثامن،. أن المحقق والمؤصل إن أراد تحقيق مسألة أو معرفة معنى كلمة، فعليه الرجوع للأصول الثابتة لينطلق منها ويبني حكمه عليها، لا أن يذهب للتفرعات ويكمل منها ما بنى الآخرون،. والأصل الذي سنعتمده هنا هو القرآن نفسه، وننظر لتفسير الله نفسه لآياته في قرآنه، فالله فسر ٱلۡقُرآن بنفسه وبيّنه،. قال اْلله،. ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ ((تَفْسِيرًا))﴾ [الفرقان 33]،.
وقال،. ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ۝ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ۝ ثُمَّ إِنَّ ((عَلَيْنَا بَيَانَهُ))﴾ [القيامة 17 ـ 19]،.

ولا شك عند كل مبصر، أن ٱلۡقُرآن حاكم مهيمن على المعاجم وما دنى منها وما على فوقها من كتب الرأي والخلاف،. ثم بعد ٱلۡقُرآن ننظر وننقب في السـنة الصحيحة لاستخدام النّبي ﷺ لها،. ولن ننظر في كتب الناس،. لا لكتب الفقه ولا المعاجم ولا أي ورقة ليس فيها حجة وبرهان،. والله وليّنا في ذلك،.
✺ قال الله عن كتابه،. ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلۡنَاهُ *((حُكۡمًا عَرَبِیࣰّا))* وَلَئنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللهِ مِن وَليٍ وَلَا وَاقࣲ﴾ [الرعد 37]،. فالقرآن حاكم على كل الكتب،. فسنتبعه ولن نتبع أهواء الناس،.
✺ وقال الله كذلك،. ﴿أَفَغَیۡرَ ٱللهِ أَبۡتَغِي حَكَمࣰا وَهُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكِتَابَ مُفَصَّلࣰا وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَعۡلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلࣱ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ﴾ [الأنعام 114]،.

فلا ينبغي للمسلم بعد هذه الآيات أن يحتكم إلى كتب المعاجم المختلفة المتضاربة، ثم يجعلها هي الحاكمة على كتاب الله،.
✺ قال اْلله،. ﴿وَأَنِ ٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ *((وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن یَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ إِلَیۡكَ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یُرِیدُ ٱللهُ أَن یُصِیبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ ۝ أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَاهِلِیَّةِ یَبۡغُونَ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللهِ حُكۡمࣰا))* لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ﴾ [المائدة 49 - 50]،.

ولا شك أننا الآن في حال نزاع حول معنى النسخ،. فالذي يحكم بيننا هو الله وحده، وليس الناس والمعاجم مهما ثقلوا، فكل شيءٍ يُؤخر في النزاع والخلاف، ويُقدم قول الله على كل قول،.
✺ قال اْلله،. *﴿((وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَيءࣲ فَحُكۡمُهُ إِلَى ٱللهِ))* ذَلِكُمُ ٱللهُ رَبِّي عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ﴾ [الشورى 10]،.
✺ وقال،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ *((فَإِن تَنَازَعۡتُمۡ فِي شَيءࣲ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللهِ وَٱلرَّسُولِ))* إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡآخِرِ ذَلِكَ خَیۡرࣱ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلًا﴾ [النساء 59]،.

فالله ربنا، عالم الغيب، علام الغيب، هو يحكم بيننا فيما اختلفنا فيه،. قال الله،. ﴿إِنَّهُ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَیَعۡلَمُ مَا تَكۡتُمُونَ ۝ وَإِنۡ أَدۡرِي لَعَلَّهُ فِتۡنَةࣱ لَّكُمۡ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِینࣲ ۝ قَالَ/قُلْ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء 110 - 112]،.

فنقول،. رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّ،. وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ،..

ــــــــــ المشترك اللفظي،.

تجد بعض الكلمات، تعطيك معاني مختلفة في التطبيق،. ككلمة الصلاة،. أمرنا الله بإقامة الصلاة،. ﴿وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُوا۟ مَعَ ٱلرّاكِعِینَ﴾ [البقرة 43]،. وهي الصلوات التي علمنا النّبي ﷺ،. وأمرنا بالصلاة على النّبي ﷺ،. ﴿إِنَّ ٱللهَ وَمَلَائكَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيّ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب 56]،. ولها صيغة خاصة،. فالصلاة تختلف في الموضعين في تطبيقها، ولكن يبقى هناك جامع بينهما،. ألا وهو الصلة فصلاتنا فيها صلة بالله، وصلاتنا على النّبي ﷺ فيها دعاء وصلة بالنبي ﷺ، فالكلمة نفسها سميت بهذا الاسم لاجل الصلة،. ثم السياق هو الذي يحدد كيفيتها والأدلة تبين تطبيقها،. كذلك كلمة رجال،. فقد تأتي بالمعنى المعهود "الذكور"،. ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ..﴾ [النساء 34]،. وقد تأتي بمعنى المترجل الماشي على رجليه،. ﴿فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانࣰا..﴾ [البقرة 239]،. فرغم اختلاف المعنى بين الكلمتين، إلا أن بينهما مشتركاً، وهو الترجل في كلا الاسمين،. فالرجل سمي بهذا الاسم لكثرة خروجه وسعيه للرزق ولمسؤوليته على أهله،. بعكس المرأة التي تجلس في بيتها،. بالتالي، حتى المشترك اللفظي، يجب أن تجد بينهما مشتركاً في المعنى ولو كان ضمنياً وغير ظاهر،.

ــ ولكن لا ينبغي للكلمة الواحدة أن تعطي معنيين ليس بينهما أي مشترك،. ولو اختلفت تصاريفها ومشتقاتها،. نعم، قد يعطي اختلاف التصريف معنىً آخر مغاير،. (تستطيع إدراك ذلك عبر سياقه وموقعه في الجملة)،. ولكن يبقى هناك جامعٌ مشترك بين جميع التصاريف مهما اختلفت مبانيها،. [مثل كتاب، كاتب، مكتبة، مكاتبة، مكتوب،. ومثل حرام، محرَّم، مَحرَم، حرمة، تحريم،. ومثل سِنة، سُنة، يتسنه، آسن، سنين، أسنان، ويسن،. ومثل جَنة، جِنة، مجنون، جنين، جن عليه الليل، مجن]،. فرغم اختلاف المعاني والمباني بينهن، يبقى بين جميع التصاريف معنىً مشتركاً يجمعهم،. ولكن يستحيل أن تعطيك معانٍ متضادة متعاكسة،. [مثلا يستحيل أن تكون كلمة النور تعني الظلام في إحدى تصاريفها، أو كلمة العلم تعني الجهل في إحدى تصاريفها، أو أن كلمة السمع تعني الصمم في إحدى تصاريفها]،. كما قيل عن بعض الكلمات مثل القسط،. قيل أنها تحمل معنيين ضدين، سببه ورود كلمة القاسطون في الشر، أما المقسطين فوردت في الخير، وهذا خطأ، بل هما بنفس المعنى تماماً [بمعنى الاستقامة بلا حيد ولا تغيير] وهذا قد يُحمل على الطرفين، الخير والشر [مثل العدل، والكفر، والإيمان،..]،. قد تؤمن بالله، وتؤمن بالطاغوت، كلاهما إيمان، وقد تكفر بالله أو تكفر بالطاغوت،. كلاهما حمل لفظة الكفر،. وكذلك العدل،. العدل بالله شرك، أما العدل في القول إحسان،. ولكن الكثير يجهل هذا، فيرمي الكلمة الواحدة بالتضاد، ولأجله ألفوا كتب الأضداد، ومعظمه باطل،. لأنهم أتوا على كلمات تقع على النقيضين، مثل الزوج، الجار، وجعلوها أضداداً وهي خطأ لأن الزوج هو المثيل، والجار هو القريب ولا دخل له بالضد،. وجاءوا على شرى واشترى وباع وابتاع وجعلوها أضدادا وهي خطأ،. إنما هي سوء فهم،. فهذه الكلمات تستخدم للمقايضات، وفي كل مقايضة تجد بيع وشراء، إنما تستخدم الكلمة للمستفيد الأكثر فيها، فلو استفاد المشتري يقول الناس شراه البائع ولا تقول باعه لأن المستفيد الأكبر من هذه المقايضة هو الشاري وليس البائع،. وهكذا وسوف يكون لنا مقام آخر نبين فيه خطأ كتب الأضداد بالتفصيل إِنْ شٰاْءَ اللّٰه،. خاصة لكلمة القروء،. فهي ليست من الأضداد،.

قال ابن حزم الظاهري [456 ﮬ.] "والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد، اختلاط الأسماء، *((ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة))* فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال" [الاحكام 8/1129]،.

مثلها الآن كلمة النسخ التي قالوا أنها تعني عدة معانٍ بل معاني متضادة، (الإزالة والتثبيت في نفس الوقت)!،. ومن هنا بدأ الخطأ والزلل والفساد والخبث، ثم تراكمت الأخطاء بعد أن بنوا على الخطأ الأول،. وكل ما بُني على باطلٍ فهو باطل،. وبمجرد إسقاط الباطل الأول، وهدم الأساس الذي بُني عليه كل منظومة الناسخ والمنسوخ،. يسقط معه كل ما بُني عليه تباعاً،. ويُرد دون تردد،.

ونحن في هذه الدراسة إِنْ شٰاْءَ اللّٰه، سنثبت أن كل موارد كلمة النسخ الأربع [ننسخ، نسختها، نستنسخ، فينسخ]،. جائت لمعنى واحد فقط وهو التثبيت،. وليس بمعنيين،،. وما عليك بعد أن يتبين لك الحق، إلا رد كل من استخدم كلمة "النسخ" في سياق مختلف عن مدلولها الحق،. واستعاضة كلمة النسخ بكلمة الإزالة أو المحو أو الشطب أو الإلغاء ليستقيم اللسان بها،. ليقولوا بعدها : هذه الآية مزالة، وهذه الآية ممحوة، شاطب ومشطوب، هذه الآية ملغية،. من هذه الكلمات [إن كانوا يجرؤون قول ذلك]،. ليعلم الناس مدى تماديهم في تعديهم على ٱلۡقُرآن بوقاحة وجرءة، دون أي تقدير للكتاب ولرب هذا الكتاب،.

1 ــــــــــــــ آية النسخ الأولى،.

هذه الآية هي العُمدة عندهم،. هي التي أساؤوا فهمها فظلموا ٱلۡقُرآن واعتدوا عليه وبهتوه،.

قال اْلله فيها،. ﴿مَا نَنسَخْ/نُنْسِخ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا/تُنْسِهَا/نُنْسِئها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة 106]،.

ذهب (المبطلون لكلمات اللّٰه) لهذه الآية،. وفهمومها فهماً سقيماً ثم توارثوا هذا الفهم وتناقلوه بينهم حتى وصلتنا أفهامهم بصناديق مغلفة، كُتب عليها (هذه الباقة فيها الأدلة على محق كلام الله ورد شبهات المخالفين الذين يسعون لإحقاق كلمة الله)،. والجاهل (دكتور الشريعة) ومن دونه، يصدق ما فيه دون تحقيق ومراجعة، ودون تشكيك، ثم يردد خلفهم كترديد الببغاء، ينقل معانيهم للآية،. ولا يفكر لحظة أن يرجع وينظر إليها في سياقها ليتأكد منها،.

ــــــ سياق الآية،. ومنها تعرف دلالتها،.

لا أعرف كيف أنه مر على "المفسرين" عقوداً من الزمان، تناقلوا بينهم معنى النسخ في هذه الآية دون أن يرجع أحدهم لموقع الآية في القُــرآن وينظر في سياقها،. فلعله يجدها على غير ما يظنه وينقله، مقلدا فيه أول إنسانٍ افترى فيها وقال فيها بظنه (وفي ظني هو ليس إنسان، بل هو شيطان)،. وتبعه البقية لظنهم أن هذا الانسان (مجتهدٌ أفنى عمره في طلب العلم)،. وإن لم يكن معصوماً لديهم، ولكنهم باتباعهم الأعمى لأقواله،. ألبسوه لباس العصمة دون أن يصرحوا به،.

سياق الآيات من أهم الأمور لمعرفة معاني الآيات،. النظر في السياق، اللحاق والسباق، والحوض الذي كانت الآن فيه، والسورة التي سوّرتها وأحاطتها،. لا أن تأخذها مستقطَعَة وتنحّي ما قبلها وما بعدها،. بل أن أصغر علماء التفسير يعلم أنه من اللوازم لفهم الآيات، أن تنظر في سياقها، وأنه لو تم تجاهل هذا الأمر، ستقع في معضلات في الفهم، وستبتعد عن الطريق الذي تسير فيه الآيات،.

إن جاء شخص يريد النظر في القُــرآن ويحقق فيما قاله السابقون، يقيدونه بشروطهم التي لا يعملون بها، حتى يعجز المريد وينتكس ويبتعد عن القُــرآن،. ويكتفي بكلام الشيخ المفسر،. فعند المفتين والشيوخ شروطاً كثيرة تُعجِز من توجه للۡقُرآن مباشرةً،. أغلبها شروطٌ فاسدة، وقد تكلمنا عن معظمها بالتفصيل، ولكن هذا الشرط [معرفة السياق] هو حقٌ،. وهو أحد الشروط الصحيحة،. بل يعتبر أهمها،. ورغم ذلك لا يعملون به!،. والأمثلة كثيرة على التفسير السيء المقيت والابتعاد عن المعنى الحقيقي بسبب تجاهل النظر في سياق الآية المراد فهمها،.

ولو رجعوا للسياق لعلموا بأن الأمر على غير ما ذهبوا إليه البتة،.

قال اْلله،. ﴿مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِینَ أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَٱللهُ یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِه مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ ۝ مَا نَنسَخْ/نُنْسِخ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا/نُنْسِئْها/تُنسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة 105 ــ 106]،. تُقرأ ﴿نَنْسَخ﴾، وتُقرأ ﴿نُنْسِخ﴾،. كذلك كلمة ننسها، تُقرأ ﴿نُنْسِهَا﴾، وتُقرأ ﴿نُنْسِئها﴾،. وتُقرأ ﴿تُنسِها﴾،.

هذه الآية التي قبلها، تخبرك أن الكلام ليس عن بعض آيات القرآن، إنما عن ٱلۡقُرآن كله،. وٱلۡقُرآن كله يسمى (آية)،. كما أن بعض ما فيه يسمى (آيات)، وتسمى كل كتب الأنبياء (آيات)،. وكذلك ما سخره الله على أيديهم يسمى (آيات)،. والليل والنهار والشمس والقمر والسماوات والأرض وما فيها تسمى (آيات)،. فحين قال الله (آية)،. أي شيء عنى منهن؟!،. ترجيحك لإحداهن ينبغي أن يكون بحجة وبرهان، لا يكون بسبب قول فلان،. كان على فلان أن يأتي ببرهانه لقوله،. وإلا فلا فرق بين رأيه ورأي الضال المحدث الذي يتكلم في ٱلۡقُرآن برأيه، بلا علم ولا هدى،.

الدليل أن كتب الله تسمى (آيات)، بما فيها القُرآن نفسه، يسميه الله (آية)، هو قول الله وقول النّبي ﷺ،.

أما قول الله،.

1 ــــــ ﴿وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ((لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِ)) قُلۡ إِنَّ ٱللهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِي إِلَیۡهِ مَنۡ أَنَابَ ۝ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَئنُّ قُلُوبُهُم *((بِذِكۡرِ ٱللهِ))* أَلَا بِذِكۡرِ ٱللهِ تَطۡمَئنُّ ٱلۡقُلُوبُ ۝ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابࣲ ۝ كَذَلِكَ أَرۡسَلۡنَاكَ فِي أُمَّةࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَاۤ أُمَمࣱ *((لِّتَتۡلُوَا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلَّذِي أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ))* وَهُمۡ یَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَنِ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَاۤ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ مَتَابِ ۝ *((وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانࣰا سُیِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بَل للهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِیعًا))* أَفَلَمۡ یَا۟یۡـَٔسِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ تُصِیبُهُم بِمَا صَنَعُوا۟ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِیبࣰا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ یَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللهِ إِنَّ ٱللهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ﴾ [الرعد 27 - 31]،.

2 ــــــ وكذلك قوله،. ﴿وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ *((فِي هَذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلࣲ وَلَئن جِئۡتَهُم بِآیَةࣲ لَّیَقُولَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُبۡطِلُونَ))* ۝ كَذَلِكَ یَطۡبَعُ ٱللهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ ۝ فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللهِ حَقࣱّ وَلَا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ لَا یُوقِنُونَ﴾ [الروم 58 - 60]،.

3 ــــــ وكذلك قوله،. ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ ۝ وَإِنَّهُ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَالَمِینَ ۝ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ ۝ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍ مُّبِینࣲ ۝ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِینَ ۝ *((أَوَلَمۡ یَكُن لَّهُمۡ ءَایَةً))* أَن یَعۡلَمَهُ عُلَمَـٰۤؤُا۟ بَني إِسۡرَاءِیلَ ۝ وَلَوۡ نَزَّلۡنَاهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِینَ ۝ فَقَرَأَهُ عَلَیۡهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِ مُؤۡمِنِینَ ۝ كَذَلِكَ سَلَكۡنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ ۝ لَا یُؤۡمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ یَرَوُا۟ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِیمَ﴾ [الشعراء 191 - 201]،.

4 ــــــ وكذلك قوله في سورة الأنعام،. قال ٱلله،. ﴿وَمِنۡهُم مَّن یَسۡتَمِعُ إِلَیۡكَ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰا *((وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَا حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوكَ یُجَادِلُونَكَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَذَاۤ إِلَّاۤ أَسَاطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ))﴾* [الأنعام 25]،.

هم قالوا أساطير الأولين عن القُرآن كله،. قالَ اْلله،. ﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُم مَّاذَاۤ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوۤا۟ أَسَاطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ﴾ [النحل 24]،.
وقال،. ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ *((إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَیۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدۡ جَاۤءُو ظُلۡمࣰا وَزُورࣰا ۝ وَقَالُوۤا۟ أَسَاطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ ٱكۡتَتَبَهَا))* فَهِي تُمۡلَىٰ عَلَیۡهِ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا﴾ [الفرقان 4 - 5]،.

وقال الله في سورة الأنعام،. ﴿وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ إِلَّا مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ فَمَنۡ ءَامَنَ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ ۝ *((وَٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِآیَاتِنَا))* یَمَسُّهُمُ ٱلۡعَذَابُ بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ ۝ *((قُل لَّاۤ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَاۤئنُ ٱللهِ وَلَاۤ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ وَلَاۤ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَيّ))* قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ۝ *((وَأَنذِرۡ بِهِ))* ٱلَّذِینَ یَخَافُونَ أَن یُحۡشَرُوۤا۟ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَیۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِي وَلَا شَفِیعࣱ لَّعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ﴾ [الأنعام 48 - 51]،.

وقال فيها،. ﴿أَفَغَیۡرَ ٱللهِ أَبۡتَغِي حَكَمࣰا *((وَهُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكِتَابَ مُفَصَّلࣰا وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَعۡلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلࣱ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ))* فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ ۝ *((وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقࣰا وَعَدۡلࣰا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ))* وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ [الأنعام 114 - 115]،.

لماذا يتكلم الله عن التبديل،. قالَ اْلله في البقرة،. ﴿سَلۡ بَنِي إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ كَمۡ ءَاتَیۡنَاهُم *((مِّنۡ ءَایَةِۭ بَیِّنَةࣲ وَمَن یُبَدِّلۡ نِعۡمَةَ ٱللهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُ))* فَإِنَّ ٱللهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [البقرة 211]،.

فهم الذين حرفوا الكلم عن مواضعه،. ﴿أَفَتَطۡمَعُونَ أَن یُؤۡمِنُوا۟ لَكُمۡ *((وَقَدۡ كَانَ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ یَسۡمَعُونَ كَلَامَ ٱللهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ))* وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة 75]،.
وقال،. ﴿مِّنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ *((یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِه))*..﴾ [النساء 46]،.
وقال،. ﴿فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَاقَهُمۡ لَعَنَّاهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَاسِیَةࣰ *((یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ))* وَنَسُوا۟ حَظࣰّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِه..﴾ [المائدة 13]،.

5 ـــــــ وكذلك في قوله،. ﴿وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم ((بِآیَةࣲ)) قَالُوا۟ لَوۡلَا ٱجۡتَبَیۡتَهَا *((قُلۡ إِنَّمَاۤ أَتَّبِعُ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَاۤئرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ ۝ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ))* فَٱسۡتَمِعُوا۟ لَهُ وَأَنصِتُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الأعراف 203 - 204]،.

6 ــــــ قال ٱلله،. ﴿وَقَالُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ((ءَایَاتࣱ مِّن رَّبِّهِ)) قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡآیَاتُ عِندَ ٱللهِ وَإِنَّمَاۤ أَنَا۠ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ ۝ *((أَوَلَمۡ یَكۡفِهِمۡ أَنَّاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَابَ یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ))* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحۡمَةࣰ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾ [العنكبوت 50 - 51]،.

7 ــــــ قال اْلله،. ﴿وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ *((لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُنذِرࣱ))* وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ﴾ [الرعد 7]،.

إنما أنا منذر،. بم ينذر؟!،. قال ٱلله،. ﴿قُلۡ *((إِنَّمَاۤ أُنذِرُكُم بِٱلۡوَحۡي))* وَلَا یَسۡمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا مَا یُنذَرُونَ﴾ [الأنبياء 45]،. وقال،. ﴿..وَأُوحِيَ إِلَيَّ *((هَذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِ))* وَمَنۢ بَلَغَ..﴾ [الأنعام 19]،.

حين سأل الكفار آية،. رد النبي ﷺ بأنه منذر، بهذا ٱلۡقُرآن،. هذا ما سألتم، هذه آيته،.

8 ــــــ أما الدليل من حديث النّبي ﷺ فهو قوله،. ﴿مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ *((إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ، وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ))*، فَأَرْجُو أَن أَكُون أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ،.

9 ــــــ تكلم اْلله في سورة الرعد عن طلب الذين كفروا في بداية السورة، قال اْلله،. ﴿وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ *((لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُنذِرࣱ))* وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ﴾ [الرعد 7]،.

ثم بين الله في السورة أن الآية الباقية الخالدة هي القُرآن،. فقال،. ﴿أَفَمَن یَعۡلَمُ *((أَنَّمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰۤ))* إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَابِ﴾ [الرعد 19]،. والمقصود بالذي نزل هو القُرآن،. هي الآية الخالدة،.

ثم ذكر فيها مطالباتهم مجدداً وأخبر أنهم لن يؤمنوا بهذا القُرآن ولن يكتفوا به مهما حصل،. ﴿وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ *((لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِ))* قُلۡ إِنَّ ٱللهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَنۡ أَنَابَ ۝ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ *((وَتَطۡمئنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللهِ))* أَلَا بِذِكۡرِ ٱللهِ تَطۡمَئنُّ ٱلۡقُلُوبُ ۝ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابࣲ ۝ كَذَلِكَ أَرۡسَلۡنَاكَ فِي أُمَّةࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَاۤ أُمَمࣱ *((لِّتَتۡلُوَا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلَّذِي أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ))* وَهُمۡ یَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَنِ قُلۡ هُوَ رَبّي لَاۤ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ مَتَابِ ۝ *((وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانࣰا سُیِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بَل للهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِیعًا أَفَلَمۡ یَا۟یۡـَٔسِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا))* وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ تُصِیبُهُم بِمَا صَنَعُوا۟ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِیبࣰا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ یَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللهِ إِنَّ ٱللهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ﴾ [الرعد 27 - 31]،.

فالآية الوحيدة التي جعلها الله للناس بعد بعثة النّبي ﷺ، هي القُرآن فقط ولا توجد آية غيرها كما كانت مع الرسل قبله،. في هذه السورة، أخبر الله الذين يطالبون بالآيات أن كل خلقه آيات،. السماوات والأرض والبرق والسحاب والرعد والصواعق وماء السماء وغيرها، كلها آيات وعلامات تدل على الله الخالق،. ﴿قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللهُ قُلۡ أَفَٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِهِ أَوۡلِیَاۤءَ لَا یَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ نَفۡعࣰا وَلَا ضَرࣰّا قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ *((أَمۡ جَعَلُوا۟ لِلهِ شُرَكَاۤءَ خَلَقُوا۟ كَخَلۡقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَیۡهِمۡ قُلِ ٱللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءࣲ وَهُوَ ٱلۡوَاحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ۝ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ))* فَسَالَتۡ أَوۡدِیَةُۢ بِقَدَرِهَا...﴾ [الرعد 16 - 17]،.

فما حاجتكم للآيات؟،. هذا الكتاب آية من آيات الله العظيمة،. جعلها الله ثابتة، ومحى ما سبق، ولم يأذن للنّبي ﷺ أن يأتيهم بآية أخرى،. واقرأ قول الله الصريح هنا وانظر كيف يقول أن هذا (الكتاب/الوحي/الحكم العربي/العلم) هو آية الرَّسوْل ﷺ،. وهي الآيات التي تفسر آية النسخ،. قال اْلله،. ﴿وَٱلَّذِینَ *((ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ))* وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن یُنكِرُ بَعۡضَهُ قُلۡ إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللهَ وَلَاۤ أُشۡرِكَ بِهِ إِلَیۡهِ أَدۡعُوا۟ وَإِلَیۡهِ مَـَٔابِ ۝ *((وَكَذَلِكَ أَنزَلۡنَاهُ حُكۡمًا عَرَبِیࣰّا))* وَلَئنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللهِ مِن وَلِي وَلَا وَاقࣲ ۝ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجࣰا وَذُرِّیَّةࣰ *((وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن یَأۡتِي بِآیَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللهِ لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ))* وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ﴾ [الرعد 36 - 39]،.

قالَ اْلله في أولها،. ﴿الۤمۤر تِلۡكَ ءَایَاتُ ٱلۡكِتَابِ *((وَٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ))* وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الرعد 1]،. وقبل هذه الآية كانت سورة يوسف التي انتهت بــ،. ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةࣱ لِّأُو۟لِي ٱلۡأَلۡبَابِ مَا كَانَ حَدِیثࣰا یُفۡتَرَىٰ وَلَكِن تَصۡدِیقَ ٱلَّذِي بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَتَفۡصِیلَ كُلِّ شَيءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾ [يوسف 111]،. وانتهت سورة الرعد بــ،. ﴿وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَسۡتَ مُرۡسَلࣰا قُلۡ كَفَىٰ بِٱللهِ شَهِیدَۢا بَیۡنِي وَبَیۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُ عِلۡمُ ٱلۡكِتَابِ﴾،. ﴿الۤر كِتَابٌ أَنزَلۡنَاهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ [سورة الرعد 43 إلى سورة إبراهيم 1]،.

فهذا الكتاب (آية) من الله للنّبي ﷺ،. وهو [أي القُرآن]،. هي الآية التي يسميها الناس اليوم (معجزة النبي)،. هي آية النّبي ﷺ الثابتة الخالدة،. وقد ذكر النّبي ﷺ بكل وضوح أن آيته هي الوحي، أي القُرآن،. وحين طلب الكفار آيات،. رد الله عليه أن هذا الوحي هو الآية،. فالكلام عن ٱلۡقُرآن،. وإنما هو منذر، ينذر الناس بهذه الآية المباركة،.

وأن هذه الآية هي الآية البديلة لجميع الآيات السابقة التي اعتاد الناس عليها،. قال اْلله،. ﴿وَإِذَا بَدَّلۡنَاۤ ءَایَةࣰ مَّكَانَ ءَایَةࣲ وَٱللهُ أَعۡلَمُ بِمَا یُنَزِّلُ قَالُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُفۡتَرِۭ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [النحل 101]،. وحتى لا يظن ظان بأن الله هنا يتكلم عن بعض إيات ٱلۡقُرآن، وأن هذه الآية دليل على النسخ،. فالتفصيل فيها سيكون في الجزء الثالث إِنْ شٰاْءَ اللّٰه، تدبراً لسورة النحل كلها ولسياق الآية نفسها ومقارنتها بأخواتها [شبيهاتها] لنفهمها بحق،.

وفي الآية السابقة لآية النسخ، كان الكلام عن الخير الذي لا يود الكفار من أهل الكتاب والمشركين أن ينزله الله علينا،. قال،. ﴿مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِینَ *((أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ))* وَٱللهُ یَخۡتَصُّ *((بِرَحۡمَتِه))* مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ ۝ مَا نَنسَخْ/نُنْسِخ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا/نُنْسِئْها *((نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا))* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة 105 ــ 106]،.

الكلام كله عن الكتاب،. والذين لا يودّون هم أهل (الكتاب)،. وٱلۡقُرآن كتاب، هو أعظم خير أنزله الله على الناس،. وهو الذي سماه رحمة، وهو الذي ينقمه علينا أهل الكتاب ويحسودننا عليه!،. قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَتۡكُم مَّوۡعِظَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَاۤءࣱ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدࣰى *((وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ ۝ قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللهِ وَبِرَحۡمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلۡیَفۡرَحُوا۟ هُوَ خَیۡرࣱ))* مِّمَّا یَجۡمَعُونَ﴾ [يونس 57 - 58]،.
وقال كذلك،. ﴿وَقَالُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ هَذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ ۝ *((أَهُمۡ یَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَ))* نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَیۡنَهُم مَّعِیشَتَهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَاتࣲ لِّیَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضࣰا سُخۡرِیࣰّا *((وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ))* مِّمَّا یَجۡمَعُونَ﴾ [الزخرف 31 - 32]،.
وقال،. ﴿وَقِیلَ لِلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ *((مَاذَاۤ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ؟ قَالُوا۟ خَیۡرࣰا)) لِّلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ فِي هَذِهِ ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣱ وَلَدَارُ ٱلۡآخِرَةِ خَیۡرࣱ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِینَ﴾ [النحل 30]،.

وهذا الذي ينقمه علينا أهل الكتاب،. قال اْلله،. ﴿قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّاۤ إِلَّاۤ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ وَأَنَّ أَكۡثَرَكُمۡ فَاسِقُونَ﴾ [المائدة 59]،.

قال اْلله في الآية التي ذكرت أهل الكتاب ﴿..وَٱللهُ یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِه مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾،. رداً على حسدهم،. وفي سورة آل عمران، جاء تفصيل هذا الأمر، وكان الكلام فيها عن أهل الكتاب، وعن الكتاب تحديداً،. ولاحظ وجوه التشابه بينها،. قالَ اْلله،. ﴿مَا كَانَ إِبۡرَاهِیمُ یَهُودِیࣰّا وَلَا نَصۡرَانِیࣰّا وَلَكِن كَانَ حَنِیفࣰا مُّسۡلِمࣰا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ۝ إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَاهِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَذَا ٱلنَّبِي وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟، وَٱللهُ وَلِيّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ۝ *((وَدَّت طَّاۤئفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ لَوۡ یُضِلُّونَكُمۡ))* وَمَا یُضِلُّونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ ۝ *((یَـا أَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِآیَاتِ ٱللهِ))* وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ ۝ یَا أَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَاطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝ وَقَالَت طَّاۤئفَةࣱ مِّنۡ *((أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ ءَامِنُوا۟ بِٱلَّذِي أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟))* وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوۤا۟ ءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ ۝ وَلَا تُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِینَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللهِ، أَن یُؤۡتَىٰۤ أَحَدࣱ مِّثۡلَ مَاۤ أُوتِیتُمۡ، أَوۡ یُحَاۤجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ وَاسِعٌ عَلِیمࣱ ۝ *((یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِ مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ))﴾* [آل عمران 67 - 74]،.

هذه الآيات من آل عمران، فسرت آيات البقرة،. وسبق تبيانها أن الكلام عن ٱلۡقُرآن كله،. هو الخير الذي ضايق أهل الكتاب، حين قابلوه بالذي عندهم من كتاب [التوراة والانجيل]،.

فالآية التي قبل آية النسخ، تخبرك أن الكلام ليس عن بعض آيات القرآن، إنما عن ٱلۡقُرآن كله، بمقابل ما كان عند أهل الكتاب،.

لنتوسع في السياق أكثر،. قبل ذكر آية النسخ بأربعة آيات، تكلم الله عن اليهود والنصارى،. وذكر مشكلة معينة كانت عندهم في تعاملهم مع القُرآن لما نزل بعد كتابهم، وكرر ذكر هذه المشكلة فيهم أكثر من مرة،. فقد قال فيهم،. ﴿وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ((ءَایَاتِۭ بَیِّنَاتࣲ وَمَا یَكۡفُرُ بِهَاۤ إِلَّا ٱلۡفَـاسِقُونَ)) ۝ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُ فَرِیقࣱ مِّنۡهُم بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ ۝ وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللهِ ((مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ)) نَبَذَ فَرِیقࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَابَ ((كِتَابَ ٱللهِ وَرَاۤءَ ظُهُورِهِمۡ)) كَأَنَّهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة 99 - 101]،.

لنرجع زيادة،. لنجد الكلام كله عن كتاب الله،. وليس عن بعض آيات كتاب الله،. ﴿وَلَقَدۡ *((ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَابَ))* وَقَفَّیۡنَا مِنۢ بَعۡدِه بِٱلرُّسُلِ وَءَاتَیۡنَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱلۡبَیِّنَاتِ وَأَیَّدۡنَاهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاۤءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِیقࣰا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِیقࣰا تَقۡتُلُونَ ۝ وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِیلࣰا مَّا یُؤۡمِنُونَ ۝ *((وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ كِتَابࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللهِ مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ))* وَكَانُوا۟ مِن قَبۡلُ یَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَلَمَّا جَاۤءَهُم مَّا عَرَفُوا۟ كَفَرُوا۟ بِهِ فَلَعۡنَةُ ٱللهِ عَلَى ٱلۡكَافِرِینَ ۝ بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِ أَنفُسَهُمۡ *((أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللهُ مِن فَضۡلِهِ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ))* فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲ وَلِلۡكَافِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ ۝ وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ *((ءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ قَالُوا۟ نُؤۡمِنُ بِمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡ))* قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِیَاۤءَ ٱللهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [البقرة 87 - 91]،.

يتضح هنا ما هي مشكلة أهل الكتاب،. أنهم رفضوا القُـرآن وكفروا به رغم أنه مصدق لما معهم، ولكنهم يريدون تثبيت كتبهم التي أنزلها الله عليهم من قبل ٱلۡقُرآن،. ثم قال في إثر ذلك كله،. ﴿مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِینَ ((أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ)) وَٱللهُ یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِ مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [البقرة 105]،.

هنا كذلك تكلم الله عن الذي أنزله على النّبي ﷺ، أي الوحي،. فالكلام عن الوحي كله، وليس عن بعضه،. الآن وبعد أن تشبعت بمعاني وحيثيات الكلام الذي يذكره الله، تقرأ التالي،.

قال اْلله،. ﴿ما نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ قَدِیرٌ ۝ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللهَ لَهُ مُلۡكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللهِ مِن وَلِي وَلَا نَصِیرٍ ۝ أَمۡ تُرِیدُونَ أَن تَسۡـَٔلُوا۟ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُ وَمَن یَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَانِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ﴾ [البقرة 106 - 108]،.

فهل يبدو لك أن الله يتكلم عن بعض آيات ٱلۡقُرآن مقارنةً ببعضِ آيات ٱلۡقُرآن نفسه،. أم يتكلم عن الكتب كلها؟!،.

الآية بينة جلية،. الله نزل هذا ٱلۡقُرآن مثبَتاً ومهيمناً على ما سبقه من كتاب،. حتى أنه قال مرة بصراحة،. ﴿وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَابَ بِٱلۡحَقِّ ((مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَابِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِ)) فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّ...﴾ [المائدة 48]،. فأصل هذا القرآن أنه مصدّق للتوراة والانجيل،. وهذا هو النسخ حقيقةً، هو تكرار الكلام في نسخة أخرى وهيئة جديدة،. تحمل ذات الكلام السابق،. بغية تثبيتها،. فهذا ٱلۡقُرآن مهمين على ما سبقه من الكتب وهذا تثبيت من الله للقُرآن،.. وهذا ٱلۡقُرآن هو الذي ثَبُت [أي نَسَخَ] وبقيَ داعماً مصدقاً لما كان قبله من الكتاب،.

ــــــــ التفسير بالمتشابه،.

قال اْلله،. ﴿مَا نَنسَخْ/نُنْسِخ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا/نُنْسِئْها/تُنْسِهَا *((نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا))* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة 106]،.

هذه الآية فسرتها آية في سورة الرعد،. قال اْلله فيها،. ﴿وَٱلَّذِینَ ((ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن یُنكِرُ بَعۡضَهُ))* قُلۡ إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللهَ وَلَاۤ أُشۡرِكَ بِهِ إِلَیۡهِ أَدۡعُوا۟ وَإِلَیۡهِ مَـَٔابِ ۝ وَكَذَلِكَ ((أَنزَلۡنَاهُ حُكۡمًا عَرَبِیࣰّا)) وَلَئنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللهِ مِن وَلِيٍ وَلَا وَاقࣲ ۝ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجࣰا وَذُرِّیَّةࣰ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن *((یَأۡتِي بِآیَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللهِ لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ))﴾* [الرعد 36 - 39]،.

هذه الآية أساساً، هي تفسر آية النسخ التي في البقرة، تبينها وتظهرها،. ففي آية النسخ قال اْلله،. أنه يثبت القُرآن،. وينسي بقية الكتب وهو على كل شيء قدير،. في هذه قال أنه يمحوا ما يشاء ويثبت،. محى الكتب السابقة، وأثبت ٱلۡقُرآن،. وها هو فعلاً مثبَّتٌ محكم، وصلنا كما أُنزل دون تحريف وتبديل كما حصل للكتب السابقة،. وهذا هو النسخ [أي التثبيت]،. وسنتكلم عنها بشيءٍ من التفصيل فيما يأتي إِنْ شٰاْءَ اللّٰه،.

وقول الله قبلها،. ﴿..((لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ)) ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ))﴾ [الرعد 36 - 39]،. يدل على تأجيل نزول هذا القُــرآن لحين أجل بعثة النّبي ﷺ،. فالأجل الوقت،. ولكل وقت وأجل معين، كتابٌ خاصٌ فيه،. وقت إبراهيم الصحف، ووقت موسى التوراة، ووقت داوود الزبور، ووقت عيسى الانجيل، ووقت محمد ٱلۡقُرآن،. لكل أجل كتاب،.

هذا التأجيل هو نفسه ما قاله الله في آية النسخ،. [أو ننسئها]،. أي نؤجلها،. وقد أُنسِئَ (أي أُجّل) نزول ٱلۡقُرآن حتى بُعث النّبي ﷺ آخر الأنبياء،. فٱلۡقُرآن كله يعتبر ناسخاً مثبتاً بديلاً لما سبق من كتب الله،. ٱلۡقُرآن آية النّبي ﷺ الباقية إلى يوم القيامة،.

ٱلۡقُرآن آية من آيات الله،. وهي بخلاف الآيات السابقة، آية لا تُنسى، آيةٌ لا تُمحى، آيهٌ محفوظة،. آية منسوخة أي ثبَّتَت فيها ما كان قبلها من كتب، ثم هيمنت على ما كان قبلها، وبقيت إلى يوم القيامة،. فآية الرعد مفسرة لآية البقرة،. وللتوضيح نضع بين معقوفين،. ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجࣰا وَذُرِّیَّةࣰ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن ((یَأۡتِي بِآیَةٍ [كتاب] إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللهِ لِكُلِّ أَجَلࣲ [نهاية وقتٍ وحين وزمن وحقبة] كِتَابࣱ [كالزبور والصحف والتوراة ٱلۡقُرآن] ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ [كما محى التوراة والانجيل والصحف] وَیُثۡبِتُ [أي يَنسخُ ويُنسِخُ كٱلۡقُرآن] وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ [ٱلۡقُرآن الكريم في اللوح المحفوظ]﴾ [الرعد 38 - 39]،.

فيثبت الله [ينسخ] ما يشاء من كتبه،. أو يمحوا ما يشاء،. فينسيك إياه،. كما أنسى اليهود والنصارى كتبهم،. وقد أُنسِئَ [أُجِّلَ] نزول ٱلۡقُرآن حتى بُعثَ النّبي ﷺ،.

فالله يَنسَخ ويُنسِخ الآية [التوراة أو الانجيل أو القُرآن]،. أو يُنسي الآية [كما أنسى التوراة والانجيل] أو ينسئ الآية [أي يؤجلها لوقت نزولها كٱلۡقُرآن]،. وهذا ما حصل،. فقد تأخر وقت نزوله حتى بُعِثَ النّبي ﷺ،. وهذا هو النسيء أي التأجيل،.

وكما قلنا سابقاً وسنعيدها على عجالة لعظم فائدتها وأنها تغني عن الكلام الكثير،. وكما أثبت الله أن النسخ كان للۡقُرآن كله،. وليس لبعضه،. يثبت لنا بآية أخرى بأن الكلام فعلاً عن ٱلۡقُرآن كله وذلك عبر المتشابهات [هذا العلم الذي ضيعوه الناس]،. وعبر سياق آية النسخ،. فالآية التي قبلها مباشرةً قال اْلله فيها،. ﴿...یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِ مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ ۝ مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ...﴾ [البقرة 105 ــ 106]،.

هذه الجملة بتمامها،. ﴿یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِ مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾،. دون تغيير حرف واحدٍ فيها، ودون أي زيادة ودون أي تبديل،. ذكرها الله في ٱلۡقُرآن مرة أخرى،. تشرح وتفسر هذه،.  تلك الآية، لو قرأت تلك لعرفت ما المقصود بهذه الآية بكل وضوح، وستدرك وقتها هل يتكلم الله عن القُرآن كله وليس عن بعض آياته!،. قال اْلله فيها،. ﴿وَدَّت طَّاۤئفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ لَوۡ یُضِلُّونَكُمۡ وَمَا یُضِلُّونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ ۝ یَـا أَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ لِمَ تَكۡفُرُونَ *((بِآیَاتِ ٱللهِ))* وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ ۝ یَـا أَهۡلَ ٱلۡكِتَابِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَاطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝ وَقَالَت طَّاۤئفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ ءَامِنُوا۟ بِٱلَّذِي *((أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟))* وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوۤا۟ ءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ ۝ وَلَا تُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِینَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللهِ *((أَن یُؤۡتَىٰۤ أَحَدࣱ مِّثۡلَ مَاۤ أُوتِیتُمۡ))* أَوۡ یُحَاۤجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ وَاسِعٌ عَلِیمࣱ ۝ *((یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِ مَن یَشَاۤءُ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ))﴾* [آل عمران 69 - 74]،.

فتبين من هذه الآية الشبيهة بتلك،. أن الكلام عن ٱلۡقُرآن كله، عن الذي ((أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟)) وهو ٱلۡقُرآن بلا شك،. كذلك هدى الله،. ((أَن یُؤۡتَىٰۤ أَحَدࣱ مِّثۡلَ مَاۤ أُوتِیتُمۡ))،. الكلام عن ٱلۡقُرآن كله وليس عن بعضه،.

كذلك قال اْلله فيها،. ﴿یَخۡتَصُّ ((بِرَحۡمَتِهِ)) مَن یَشَاۤءُ ((وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ)) ٱلۡعَظِیمِ﴾،. فلو ذهبت تنقب عن فضل الله ورحمته في ٱلۡقُرآن ستجد هذه التي هي كذلك تتكلم عن ٱلۡقُرآن،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَتۡكُم مَّوۡعِظَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَاۤءࣱ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ ۝ *((قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللهِ وَبِرَحۡمَتِهِ))* فَبِذَلِكَ فَلۡیَفۡرَحُوا۟ هُوَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ﴾ [يونس 57 - 58]،. الكلام عن ٱلۡقُرآن كله، وليس عن بعض آياته،.

قال اْلله في سورة البقرة [قبل آية النسخ]،. ﴿وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ *((كِتَابࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللهِ مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ))* وَكَانُوا۟ مِن قَبۡلُ یَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَلَمَّا جَاۤءَهُم مَّا عَرَفُوا۟ كَفَرُوا۟ بِهِ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَافِرِینَ ۝ بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِ أَنفُسَهُمۡ *((أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللهُ مِن فَضۡلِهِ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ))* فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲ وَلِلۡكَافِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ [البقرة 89 - 90]،.

ــــ لنتم قراءة السياق،. في الآية التي تلي آية النسخ، قال اْلله،. ﴿أَمۡ تُرِیدُونَ أَن تَسۡـَٔلُوا۟ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُ..﴾،. فما الذي طلبوه من النّبي ﷺ، ليقارَن طلبهم بمطالبة اليهود لموسى؟!،. لنعود للوراء وننظر ما الذي يشبهه الله من سؤالهم بسؤال موسى،. ولننظر هل يتفق السياق بالذي قلناه؟ وهل ينسجم أوله وآخره أو يخالفه؟!،. فالمفترض أن يكونوا قد سألوا النّبي ﷺ عن كتاب [آية] كما نزعم،. لأننا قلنا بأن كلمة (آية) تعني الكتاب كله، وليس بعضه،. فلنرى،.

قال اْلله،. ﴿یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَابِ *((أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَابࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَقَدۡ سَأَلُوا۟ مُوسَىٰۤ أَكۡبَرَ مِن ذَلِكَ))* فَقَالُوۤا۟ أَرِنَا ٱللهَ جَهۡرَةࣰ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡ ثُمَّ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَاتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَلِكَ وَءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَانࣰا مُّبِینࣰا﴾ [النساء 153]،.

فهم سألوا النّبي ﷺ كتاباً من السماء لمجرد المعاجزة،. فشبه الله عملهم هذا بما فعلوه بني إسرائيل سابقاً مع موسى، من تعجيز ومطالبة بالآيات الكبيرة ((اشتراطاً)) حتى يؤمنوا،. فهنا مجدداً يذكرهم بما سلف من قبل، والسؤال التعجيزي الذي حصل سابقاً،. فاليهود لم يسألوا موسى رؤية الله إلا اشتراطاً للإيمان،. قال اْلله،. ﴿وَإِذۡ قُلۡتُمۡ یَامُوسَىٰ *((لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللهَ جَهۡرَةࣰ))* فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ﴾ [البقرة 55]،.

هذا الشرط الذي طلبوه لأجل الإيمان،. تكرر مجددا مع قوم النّبي ﷺ حين اشترطوا عليه إنزال كتابٍ يخصهم من السماء،. ﴿یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَابࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ..﴾،. فكان رد الله على طلبهم،. أنه أنزل هذا القُــرآن ومحى جميع كتبهم،. فليس لهم إلا اتباعه،. لن يعطي الله الناس شهواتهم،. وليس الدين بالتمني والأمنيات،. والخواطر والرغبات،.

ونقول تنزلاً،. على فرض صحة المعنى المتداول الآن أن النسخ هو المسح [وهو خطأٌ بلا شك]،. فالمسح كان للكتب السابقة وهيمنة هذا القُرآن عليها كلها، وليس مسحا لبعض آيات القُــرآن،.

ــــــ في الآية عدة أمور، نسخٌ ونسيانٌ ونسيئة،.

ــــ أما النسيان،. فهذا شأن كتب الله الأولى، أنساهم الله كتابهم،. تُنسى لو لم يتعهدها أصحابها،. وقد نبه النّبي ﷺ أن القُـرآن أشد تفلتاً من الإبل المربوطة، حضّاً منه لنا على تعاهد القُــرآن والتمسك به،. فقال،. ﴿مَثَلُ الْقُرْآنِ مَثَلُ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ تَعَاهَدَهَا صَاحِبُهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا ذَهَبَتْ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ،. واللفظ لأحمد،.

ولهذا قد أنسى اللّٰه جميع كتبه السابقة بعد أن تعبثوا فيها،. قال اْلله،. ﴿فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَاقَهُمۡ لَعَنَّاهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَاسِیَةࣰ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ *((وَنَسُوا۟ حَظࣰّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِ))* وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائنَةࣲ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡ إِنَّ ٱللهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [المائدة 13]،.

وخص الله ٱلۡقُرآن بالحفظ والثبات، ووعد النّبي ﷺ أنه لن ينسيه،. قال الله،. ﴿سَنُقْرِئُكَ ((فَلَا تَنْسَىٰ ۝ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ)) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ۝ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ﴾ [اﻷعلى 6 ــ 8]،. فتفهم منها أن الكتب الأولى قد أنسيَت،. أما هذا القُرآن فلن يُنسى،. إلا النسيان الذي يعتري الانسان بسبب طول العهد أو غيره،. فيتذكر بعدها كما حصل للنّبي ﷺ هنا،.

ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮاﻡ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ،. ﴿ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺳﻤﻊ ﺭﺟﻼ ﻳﻘﺮﺃ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺮﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ، ﻟﻘﺪ ﺃﺫﻛﺮﻧﻲ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا ﺁﻳﺔ، ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻘﻄﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا﴾.
ـ ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﴿ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ؛ ﺳﻤﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺭﺟﻼ ﻳﻘﺮﺃ ﺁﻳﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ، ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﻲ ﺁﻳﺔ ﻛﻨﺖ أنسيتها﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ.

والذي يُنسي هو الله،. وعلاجه الاستذكار،. قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ،. ﴿بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.

لهذا قال اْلله في تلك الآية،. ﴿مَا نَنسَخْ/نُنْسِخ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا/نُنْسِئْها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة 106]،. فقد أنساهم تلك الكتب، وثبت هذا الكتاب لنا،.

ــــ وأما النسيئة، فهي التأجيل والتأخير،. وقد نزل القُرآن آخر ما نزل من الكتب،. مع آخر الأنبياء،. لآخر الأمم،. وقد ذكرناها آنفاً بالتفصيل،. وأوردنا آية الرعد التي فيها،. ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَاجࣰا وَذُرِّیَّةࣰ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن یَأۡتِي بِآیَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللهِ *((لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ))* ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ﴾ [الرعد 38 - 39]،.

ــــــ نأت بخير منها أو مثلها،.

حين ذكر اللّٰه النسخ والإنساء،. ذكر مقابلهما أمران،. الإتيان بخير منها، أو مثلها،.

ــ كلمة،. ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾،. تقابل كلمة،. ﴿نُنْسِهَا﴾،.
ــ وكلمة،. ﴿مِثْلِهَا﴾،. تقابل كلمة،. ﴿نَنْسَخ﴾،.

فالنسخ هو الإتيان بالمثل، وهو المستخدم إلى اليوم عند العرب،. فحين تريد أن تأتي بكتاب مثل الكتاب الأول، تقول انسخه، وهذا هو الإتيان بمثله، والأمر على التثبيت وليس على المحو والإزالة،.

ــــ وأما النسخ في باقي ٱلۡقُرآن، فله معنى واحدٍ وليس معنيين كما قيل (اشتباهاً وتلبساً)،. قالوا بأن الأول بمعنى المسح أو المحو،. الثاني بمعنى الكتابة والتدوين، أي يثبتها ويكتبها حتى لا تُنسى،. وهذا باطل،. والذي سبب لهم هذا التفريق هي آية،. ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ ((فَيَنسَخُ ٱللهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ)) ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللهُ آيَاتِهِ وَٱللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج 52]،. فقالوا (يَنْسَخُ) هنا بمعنى يمسح أو يمحُو،. وسنأتي عليها لنثبت أن هذه كذلك تعني التثبيت وليس المحو،. فالذي نسخه الله موجود باقٍ إلى اليوم،.

كل كلمات النسخ في ٱلۡقُرآن كانت تصب في معنىً واحد لم تحد عنه لمعنى آخر مخالف ولا للمعنى المعاكس،. ألا وهو التثبيت،. فالقُـرآن كله منسوخ، أي أنه كله ثابت مستقر، أحكمه الله وسيبقى كما هو لم ولن يطاله التحريف والتبديل،. لم ولن يُحذف منها شيء،. كله منسوخ، كله ثابت،.

2 ــــــــــــ آية النسخ الثانية،.

قال اْلله،. ﴿وَلِلهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَیَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ یَوۡمَئذࣲ یَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ۝ وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةࣲ جَاثِیَةࣰ كُلُّ أُمَّةࣲ تُدۡعَىٰۤ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ۝ هَذَا ((كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ)) مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية 27 - 29]،.

نَسْتَنْسِخُ،. هنا بمعنى نكتب ونثبت عليكم أعمالكم،.

بدليل قول الله،. ﴿وَإِذَاۤ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةࣰ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّاۤءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرࣱ فِي ءَایَاتِنَا قُلِ ٱللهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًا ((إِنَّ رُسُلَنَا یَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ))﴾ [يونس 21]،. وفي قوله،. ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا ((وَلَدَیۡنَا كِتَابࣱ یَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ)) وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ﴾ [المؤمنون 62]،. وكذلك في قول الله،. ﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيي ٱلۡمَوۡتَىٰ ((وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَارَهُمۡ)) وَكُلَّ شَيءٍ أَحۡصَیۡنَاهُ فِي إِمَامࣲ مُّبِینࣲ﴾ [يس 12]،. وفي قول الله،. ﴿وَكُلَّ شَيءٍ أَحۡصَیۡنَاهُ كِتَابࣰا﴾ [النبأ 29]،. وقوله،. ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَابُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَاوَیۡلَتَنَا ((مَالِ هَاذَا ٱلۡكِتَابِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَاهَا وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرࣰا)) وَلَا یَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدࣰا﴾ [الكهف 49]،.

فكل الآيات تدل على أن معنى النسخ في آية الجاثية هو التثبيت وليس المحو، وقد خالف فيها بعض أهل المعاجم وقالوا بالمعنيين المتضادين، وهذا عيب بل قلة علمٍ وأدب،. أن تزعم بأن الله يقول قولاً يحمل وجهين متضادين متعاكسين، لا تعرف أي وجه تأخذ به!،. بل ما قاله كان مبيناً فيه النور والهدى، العلماء زعموا أن النسخ يعني المسح والإثبات [ضدين]، مرة بمعنى المحو والإزالة، مرة عكسها تماماً، بمعنى الانتقال والإثبات [واستعانوا بالمعاجم التي ليس لها إلا دليل واحد وهو نفسه المثال الذي يتكرر في كل مقام كالاسطوانة المشروخة، وهو، نسخت الشمسُ الظل]،. ويظنون بأن هذا المثال دليلٌ على المعنى!! وهكذا يجب أن تأخذها منهم، فلا تعلم أنت أين الطريق، فتتوه فيه وتتخبط بسبب التضاد والتعاكس في اللفظة الواحدة! أتذهب شرقاً أم غرباً؟!،. بينما القُــرآن ليس هكذا،. القُــرآن صريحٌ واضح،. لا خلاف فيه ولا ينافق ولا يضيّع،. ﴿..وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء 82]،. من تبعه اهتدى وعرف الطريق،. ولكن من تبع العلماء المتشاكسون تاه وحار وضاع وضل وهلك،.

3 ــــــــــــ آية النسخ الثالثة،.

قال اْلله،. ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ ((وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ)) لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف 154]،. ولا يزعم أي إنسان أن لفظة نُسْخَتِهَا تعني المحو والإزالة،. مهما قالت كتب المعاجم التي تكتب ما تتوهم وتتوقع من معنىً تظنه،. ولا ينبغي أن يؤخذ قولهم المخالف لكلام الله كدليل وحجة في العربية،. بل يُرفع القُرآن عليها،. فتكون المعاجم كلها خاضعة لعربية القُــرآن،. وليس العكس،. ومما يدل أن معنى النسخ هو التثبيت، هو كلام الصحابة أنفسهم وهم أقحاح العرب بلا منازع وهو فوق رؤوس أصحاب المعاجم والمناجم، الذين يبحثون عن الفهم في المغارات وفي حُجُر الضب، وأشعار السُكارى والكذبة،.

ﻋﻦ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ، ﺃﻥ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﻗﺎﻝ،. "ﻟﻤﺎ ((نسخنا اﻟﻤﺼﺎﺣﻒ))، ﻓﻘﺪﺕ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ اﻷﺣﺰاﺏ، ﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻤﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻘﺮﺃ ﺑﻬﺎ، ﻓﺎﻟﺘﻤﺴﺘﻬﺎ، ﻓﻠﻢ ﺃﺟﺪﻫﺎ ﻣﻊ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﻣﻊ ﺧﺰﻳﻤﺔ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ، اﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺷﻬﺎﺩﺗﻪ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺭﺟﻠﻴﻦ؛ ﻗﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﴿ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺻﺪﻗﻮا ﻣﺎ ﻋﺎﻫﺪﻭا اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ﴾" ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.

لماذا سمى الله التوراة نسخة؟!،. لأنها نسخة من الأصل، الذي هو أم الكتاب لديه،. قال اْللّثه،. ﴿..لِكُلِّ أَجَلࣲ ((كِتَابࣱ)) ۝ یَمۡحُوا۟ ٱللهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُ ((وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ))﴾ [الرعد 38 - 39]،. وكلمة أم تعني الأصل،. فالتوراة نسخة من الأصل،. ولأن الله كتب التوراة لموسى بيده [كما في الحديث الصحيح : حاج آدم موسى،...]،. فالتوراة فعلياً نسخة مكتوبة، كتبها الله وثبتها لحين،. أما ٱلۡقُرآن فنزل على قلب النّبي ﷺ مرتلاً مفرقاً،. ﴿وَقُرۡءَانࣰا فَرَقۡنَاهُ لِتَقۡرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثࣲ وَنَزَّلۡنَاهُ تَنزِیلࣰا﴾ [الإسراء 106]،. وقال،. ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةࣰ وَاحِدَةࣰ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلۡنَاهُ تَرۡتِیلࣰا﴾ [الفرقان 32]،.

فهنا يتضح لكل مجادل بغير كتاب ولا هدى منير، أن لفظة النسخ تعني في كل أشكالها التثبيت وليس الإزالة،. إلا ما كان من آخر آية فيها لفظة النسخ،.

4 ــــــــــــ آية النسخ الرابعة والأخيرة،.

*((هذه هي الآية التي فهم منها النُساخ [المُسَّاخ] أنها تعني الإزالة، وتشبثوا بفهمهم، فضربوا به آيات القُــرآن وأزالوا ومحو أحكامه [ولم يستطيعوا إزالة آياته رغم أنهم يشتهون ذلك]))،.*

الآية هي قول الله،. ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ ((فَيَنسَخُ ٱللهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ)) ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللهُ آيَاتِهِ وَٱللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج 52]،. فقالوا (يَنْسَخُ) هنا بمعنى يمسح أو يمحُو،.

ومن هذا المعنى [الذي استحدثوه] انطلق جموع العلماء يهرولون ويتنافسون ويتصدرون لحذف آيات ٱلۡقُرآن ورفعها، في كل مرة يحسون بأن ثمة تعارضٌ بين آيتين، لم يستطيعوا الجمع بينها ورفع التناقض الظاهر فيها، وهو تعارض في أذهانهم ليس إلا،.

يتبع،....

ــ نهاية الجزء الثالث،..

رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.

بڪيبـورد، محسن الغيثـي،.

ليست هناك تعليقات: