الجمعة، 17 فبراير 2023

جريمة النسخ في القرآن،. [15]،. آية المصابرة

جريمة النسخ في القرآن،. [15]،. آية المصابرة،. ✅،.

محاور هذا الجزء،.
ــ الحق لا يتبدل ولا يتغير،.
ــ الفترة الزمنية بين الآيتين،.
ــ كيف التوفيق بينهما؟!،.
ــ لماذا تغيّر العدد بينهما؟!،.

قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِي حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَى ٱلۡقِتَالِ إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَابِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ وَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ ۝ ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰا فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ بِإِذۡنِ ٱللهِ وَٱللهُ مَعَ ٱلصَّابِرِینَ﴾ [الأنفال 65 ــ 66]،.

قالوا بأن جزءًا من الآية الأولى منسوخة بالآية التي تليها،. لأن الله قال في التالية [ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللهُ عَنكُمۡ]،. ففهموها أن الله غيّر قوله بعد أن رَأَى ضعف الناس،. فلهذا قالوا بأن الآية الأولى منسوخة،. والحقيقة أنها ليست منسوخة، إنما هي آية محكمة وحكمها باقٍ،. لماذا؟!،. وكيف نرد بهتانهم؟!،. وكيف نفهم الآية على وجهها الصحيح؟!،.

قبل أن نرد ونثبت أنها ليست منسوخة وليست زائلة الحكم، نود التذكير بشيءٍ مهم جداً،. ألا وهو أن النُسّاخ الذي تبنوا جريمة الناسخ والمنسوخ،. من باب التنظيم والعقلانية والتوسط،. وحتى لا يتحمّس أحدهم ويشطح فيها ويدرعم، فيقوم بنسخ الأخضر واليابس [ويجيب العيد]،. فنحتوا شروطاً صارمة محددة لتقييد من أراد دخول هذا الحمّام العَفِن [ورغم كل ذلك جاوزوها!!]،. من هذه الشروط أنه لا يجوز القول بالنسخ في آيات الأخبار والحقائق،. [لأنها حقائق قد حصلت في الماضي وقُدِّرَت، فهي تاريخٌ لا يقبل التبديل أو التغيير]،. إنما يقع النسخ "عندهم" فقط في آيات الأحكام أو الأوامر [التي فيها النواهي والأوامر والحلال والحرام وهكذا]،.

ملاحظة،. لتعرف تزيِين الشيطان لهم مجدداً عند تسمياتهم للأمور،. هذه التسميات المضلِّلة [الأخبار والأحكام]،. سموها هكذا لغرض التفريق بين الآيات لما يجوز نسخه وما لا يجوز فيه النسخ، فجوّزوا النسخ في الاحكام بعد هذه التقسيم،. بينما التسمية الصحيحة للآيات هي كما يسميها الله،. فالله سمى كلامه كله [الحق]،. أي حقيقة، وهو ما يندرج تحت قسم [الأخبار] لأن الأخبار [حقائق]،.
ــ قال اْلله،. ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص 84]،.
ــ وقال،. ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَیَوۡمَ یَقُولُ كُن فَیَكُونُ ((قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّ)) وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَ یُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَالِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَادَةِ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ﴾ [الأنعام 73]،.
ــ وقال الحق،. ﴿((ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ)) فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ﴾ [آل عمران 60]،.
ــ وقال،. ﴿((وَكَذَّبَ بِهِ قَوۡمُكَ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ)) قُل لَّسۡتُ عَلَیۡكُم بِوَكِیلࣲ﴾ [الأنعام 66]،.
ــ وقال،. ﴿..((لَقَدۡ جَاۤءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ ۝ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِآیَاتِ ٱللهِ)) فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَاسِرِینَ﴾ [يونس 94 - 95]،.
ــ وقال،. ﴿...فَلَا تَكُ فِي مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُ ((إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ)) وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [هود 17]،.
ــ وقال،. ﴿الۤمۤر ((تِلۡكَ ءَایَاتُ ٱلۡكِتَابِ وَٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ)) وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الرعد 1]،.
ــ وقال،. ﴿((یُجَادِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَیَّنَ)) كَأَنَّمَا یُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ یَنظُرُونَ﴾ [الأنفال 6]،.
ــ وقال،. ﴿..ذَلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَاهِكُمۡ ((وَٱللهُ یَقُولُ ٱلۡحَقَّ)) وَهُوَ یَهۡدِي ٱلسَّبِیلَ﴾ [الأحزاب 4]،.

وغيرها الكثير من الآيات،. التي تثبت أن جميع قول الله حق، ولا أحد يماري في هذه،. فسِمة الحق [الحقيقة والحقائق]،. سمةٌ لا تنفك عن آيات الله،. فلا يجوز تقسيمها بطريقة تنفي عنها الحق، فإخراج بعض الآيات لقسم [الأحكام] يوحي بأنها ليست من القسم الآخر المسمى [حقائق]،. بل قل هذه حق فيها أمر،. وتلك حق فيها خبرٌ وقدَر ماضٍ،. (ولن تقول هذا)،. لأنك لو قلت هذا،. ستهدم على نفسك كل ما بنيته،. ولن يكون لعلم الناسخ والمنسوخ وجوداً،. لأن شرطه المؤكد والمتفق عليه أنه لا يجوز نسخ آيات الحق والحقائق،. وقد تبين لك الآن أن ٱلۡقُرآن كله حق وحقائق،. يقول الحق سبحانه،. ﴿فَذَلِكُمُ ((ٱللهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَالُ)) فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ﴾ [يونس 32]،.
ــ ويقول،. ﴿..وَیَمۡحُ ٱللهُ ٱلۡبَاطِلَ *((وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ))* إِنَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [الشورى 24]،.

هنا يتجلى لك قول الله،. ﴿وَیُحِقُّ ٱللهُ *((ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ))* وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ﴾ [يونس 82]،. فعلاً إنهم مجرمون،.

فالحقائق "التي يسمونها الأخبار عندهم"،. لا يحل القول بنسخها البتة "عندهم"،. وذلك حتى لا يأتي شيخٌ منهم وينسخ ذهاب موسى لفرعون فيقول أنه لم يذهب (غيّرت كلامي!!)،. فالخبر الأول خبرٌ صادق من الله،. فكيف يتغير الصدق لغيره؟!،. أو مثلاً : ينسخ النُساخ كفر والد إبراهيم فيقول أنه لم يكن كافراً، أو ينسخ قصة آدم ويوسف ويونس وسليمان، أو ينسخ الكلمات،.. كأن يقول بأن كلمة إبليس منسوخة، والناسخة مثلاً كلمة الشيطان وهكذا،. فهذه أخبار وحقائق، لا يجوز التغيير فيها بأي شكل من الاشكال،. يخبر الله عن خلق آدم، أنه من تراب وماء وطين لازب وصلصال كالفخار، وصلصال من حمأ مسنون، فلا يجوز إبطال شيءٍ من هذا، وكذلك لا يجوز نسخ الأماكن والأزمان، فمثلا يقول بأن الله،. سبحان الذي أسرى بعبده ليلا، ثم يقول الشيخ هذه منسوخة، إنما أسرى به نهاراً!!،. فمثل هذا لا يحل، لأنها أخبارٌ [حقائق] ولا يجوز نسخها "عندهم"، أو يخبر الله عن سننه في خلقه وعلى ماذا فطرهم، أو أنه خلقهم من عَجَل، ضعفاء،. أو عن إخباره للناس بحقائق معينة،. فلا يحل نسخها بأي حالٍ من الاحوال،.

كهذه الآية [المسكينة] التي بين أيدينا،.. هي حقٌ وخبر، ورغم ذلك نسخوها،.

هذه الآية عندهم ((خبرٌ))، وليست من الأحكام بشيء،. فالجزء المنسوخ من الآية هو ما بين الأقواس فقط،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِي حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَى ٱلۡقِتَالِ ((إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَابِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ وَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟)) بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ﴾ [الأنفال 65]،.

أما الجزء الذي فيه قول اللّٰه،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِي حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَى ٱلۡقِتَالِ﴾،. فليست منسوخة،. فقد أمر ٱلله النبي ﷺ في عدة مواضع بالجهاد والنفير وتحريض المؤمنين على القتال،. قال ٱلله،. ﴿فَقَاتِلۡ فِي سَبِیلِ ٱللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَ ((وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ)) عَسَى ٱللهُ أَن یَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَٱللهُ أَشَدُّ بَأۡسࣰا وَأَشَدُّ تَنكِیلࣰا﴾ [النساء 84]،.

فالجزء المنسوخ من الآية،. هو فقط ما كان يخالف الآية التي بعدها [مخالفة ظاهرية فقط وليست حقيقية كما سنبين]،. وهي،. ﴿إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَابِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ وَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟﴾،. وهذا الجزء المنسوخ حق وحقيقة،. وكما يسميه النُساخ [خبر لا يجوز نسخه] فكيف نسخوه؟!،.

هذا الجزء من الآية، ليس فيه حلال وحرام، وليس فيه أمرٌ ونهي،. إنما هو ((حق)) يذكره الله، أن كذا من المقاتلين يقابلون كذا من المشركين،. فتورطوا فيها المعاصرون،. فلم يكن لهم بُداً للخروج من هذا المأزق، إلا استخدام الحِيَل الماكرة [واللّف والدوران]، فقد أحسوا أنه من اللازم عليهم إدخال طرفٍ ثالثٍ لحل هذه الأزمة واستخدام بعض الاسلحة لمواجهة هذه المعضلة،. وهذا الطرف الثالث كمثل سلاح (قال فلان من العلماء)،. أو باستخدام سلاح (الاجماع)،. أو بأي حيلة رخيصة، ولو (بالاستهبال والاستعباط)،. كل ذلك لغرض التخلّص من هذا "الخازوق الكبير"،. والأسلحة جاهزة لنسف أي معترض، وأي شرط سيعكّر مسيرة النسخ سنُخرج له أحد الاسلحة [[كروت الجوكر]]، التي تدمر كل اعتراض على النسخ،. ليتسنى لنا تمرير النسخ بكل يسر،. وأحسن هذه الأسلحة فتكاً هو،. ((أجمع السفهاء أعني العلماء))،. وهذا الذي استخدموه هنا للخروج من ورطة الأخبار 😏،.

عَفواً، لم يستخدموا الاجماع، لأن معظم شيوخهم الأغبياء لم ينتبهوا أساساً أن الآية حقٌ [خبر] وليست [بأمر]،. ولم يفطن لها إلا شخصين،. الطبري وابن حجر،. فجاؤوا بقول ابن جرير الطبري المفسر صاحب التصانيف [الشيعي، كما قال عنه الذهبي]،. فتم تبديل سلاح [الاجماع] إلى سلاح [قال الفهامة العلامة، شيخنا المعظم المبجل]،. وهكذا تم إخراج الخازوق،.

وتأييداً [تسليكاً] لموقف طبريهم الشاذ المتفرّد المتمرّد،. [أتوا بــ]ــابن حجر العسقلاني ليعزّز موقفه،. وبهذين النفرين (فقط) من جملة الموصوفين بالعلماء، استطاعوا نسف هذا الشرط ودحضه، فقد قرّر [الطبري وابن حجر] بأن "هذه الآية ليست من آيات الأخبار،. إنما هي من الأوامر، ولكنها جائت بصورة خبر" [يعني هي آية متنكّرة، عاملة نفسها خبر، جاءت في لباس خبر، ولكنها في حقيقتها أمر وحكمٌ وليست بخبر!!]،. وهكذا استطاعوا الهروب من الشرط بكل أريحيّة،. ولكنها في الحقيقة حيلة مضحكة، وغبية بخبث، ولن تنطلي إلا على السلفيّة مرضى القلوب ونكارى العقول،. ولن يصدقها إلا خروفٌ مقلّد أحمق، متنكرٍ بلباس إنسانٍ طالبٍ للحق [كما تنَكَّرت الآية بزعم الأصنام]،. ظن المقلّد بأن ٱلۡقُرآن مسرحية وتمثيلية، وأن الآيات تتنكر بزي الهالووين،. وأنها تمزح معنا بعمل المقالب،. سُبْحَانَ اللّٰه،.

أقول،. إن كنتم ستحتالون على الشروط التي وضعتموها بأنفسكم [أو وضعها شياطينكم المؤسسون لهذا العلم]،. فلم لا توسّعون الضِّيق من الشروط؟!،. لتفتحوا الباب للنسخ دون منغصات!؟،. لتأخذوا به راحتكم في الشطب والحذف دون مسائلة وتوريط [أو خازوق]؟!،. فــ بلاش هذا التقسيم من الأول،. ولتعبثوا براحتكم فهو دين أمكم!،...

لا نقول سوى حَسْبُنَا اللّٰه وَنِعْمَ الْوَكِيْل،.

ــــ الآية حق فيها خبرٌ، وحقيقةٌ يخبر الله بها،. وليس فيها أمر بالنزال مقابل الضعفين ولا العشرة أضعاف،. ولكن ليوهموا الناس أنها أوامر، استخدموا فيها رواية كاذبة، نسبوها لخالد بن الوليد [في معرفة عدد جند المسلمين ومقابلتهم بعدد العدو]،. ليجعلها النُسّاخ دليلاً على النسخ، وليجعلها السلفيون دليلاً على فهم السلف الفذ الفريد،.

ــــــ روايات في الآية،.

1 ــــ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ،. بسندهم عن (ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻫﺎﺭﻭﻥ، ﻭﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ) ﻋﻦ ﺟﺮﻳﺮ ﺑﻦ ﺣﺎﺯﻡ [ثقة اختلط، ينفرد بأوهام ❌]، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﺑﻦ ﺧﺮﻳﺖ [يُعتبر به ❌]، ﻋﻦ ﻋﻜﺮﻣﺔ ﻣﻮﻟﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ [مدلس، ولم يصرح بالسماع ❌]، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﻗﺎﻝ:
«ﻛﺎﻥ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺗﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﺸﺮﺓ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ، ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺻﺎﺑﺮﻭﻥ ﻳﻐﻠﺒﻮا ﻣﺌﺘﻴﻦ ﻭﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺌﺔ ﻳﻐﻠﺒﻮا ﺃﻟﻔﺎ}، ﻓﺸﻖ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ، ﻓﺠﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﻳﻘﺎﺗﻞ اﻟﺮﺟﻠﻴﻦ، ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻓﺈﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺌﺔ ﺻﺎﺑﺮﺓ ﻳﻐﻠﺒﻮا ﻣﺌﺘﻴﻦ}، فخفف ﻋﻨﻬﻢ ﺫﻟﻚ، ﻭﻧﻘﺼﻮا ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺮ ﺑﻘﺪﺭ ﺫﻟﻚ» (اللفظ لابن أبي شيبة).
- ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ: «ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ: {ﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺻﺎﺑﺮﻭﻥ ﻳﻐﻠﺒﻮا ﻣﺌﺘﻴﻦ} ﺷﻖ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺣﻴﻦ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﺮ ﻭاﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ، ﻓﺠﺎء اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ، ﻓﻘﺎﻝ: {اﻵﻥ ﺧﻔﻒ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻜﻢ ﻭﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻓﻴﻜﻢ ﺿﻌﻔﺎ ﻓﺈﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺌﺔ ﺻﺎﺑﺮﺓ ﻳﻐﻠﺒﻮا ﻣﺌﺘﻴﻦ}، ﻗﺎﻝ: ﻓﻠﻤﺎ ﺧﻔﻒ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺪﺓ، ﻧﻘﺺ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﺧﻔﻒ ﻋﻨﻬﻢ» (اللفظ للبخاري).

ضعيف معلول بتدليس عكرمة، وهو موقوف ❌،. لم يسنده للنبي ﷺ الحجة على الأمة،. وليس أحدٌ بعده حجة،.

2 ــــ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ (4652) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ [مدلس، ولم يصرح بالسماع ❌]، ﻋﻦ ﻋﻤﺮﻭ بن دينار [تفرد بها عن ابن عباس، في سماعه منه شك ❌]، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ؛ «ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ: {ﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺻﺎﺑﺮﻭﻥ ﻳﻐﻠﺒﻮا ﻣﺌﺘﻴﻦ}، ﻓﻜﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﺮ ﻭاﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ، (ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺓ: ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﺮ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﻣﺌﺘﻴﻦ) ﺛﻢ ﻧﺰﻟﺖ: {اﻵﻥ ﺧﻔﻒ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻜﻢ}
اﻵﻳﺔ، ﻓﻜﺘﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﺮ ﻣﺌﺔ ﻣﻦ ﻣﺌﺘﻴﻦ». ﺯاﺩ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻣﺮﺓ: ﻧﺰﻟﺖ: {ﺣﺮﺽ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎﻝ ﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺻﺎﺑﺮﻭﻥ}. [موقوف، ليس بحجة، واستدلال خاطئ ❌]،.

وﺃﺧﺮﺟﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺯاﻕ [سيء الحفظ ❌] (9525) ﻋﻦ اﺑﻦ ﺟﺮﻳﺞ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﺃﻧﻪ ﺑﻠﻐﻪ [منقطع، وهذا يؤيد أنه لم يسمع منه الرواية السابقة ❌]، ﺃﻥ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: «ﺟﻌﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺎﺭ، ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺻﺎﺑﺮﻭﻥ ﻳﻐﻠﺒﻮا ﻣﺌﺘﻴﻦ}، ﻓﺈﻥ ﻟﻘﻲ ﺭﺟﻞ ﺭﺟﻠﻴﻦ ﻓﻔﺮ، ﺃﻭ ﺭﺟﻼ، ﻓﻔﺮ ﻓﻬﻲ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻭﺇﻥ ﻟﻘﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻓﻔﺮ ﻣﻨﻬﻢ، ﻓﻼ ﺑﺄﺱ». [موقوف، ليس بحجة، واستدلال خاطئ ❌]،.

3 ــــ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ (4773) ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻬﻤﺪاﻧﻲ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻘﺪاﻡ اﻟﻌﺠﻠﻲ [صدوق، ليس بحجة ❌]، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻭﻫﺐ ﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻲ [اختلط، ينفرد بمناكير ❌]، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ [ضعيف متهم بالكذب ❌]، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻧﺠﻴﺢ [مدلس، ولم يصرح بالسماع ❌]، ﻋﻦ ﻋﻄﺎء بن أبي رباح [مدلس، ولم يصرح بالسماع ❌]، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: «اﻓﺘﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺗﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﺸﺮﺓ، ﻓﺜﻘﻞ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻭﺷﻖ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﻮﺿﻊ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺗﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﺭﺟﻠﻴﻦ، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ: {ﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺻﺎﺑﺮﻭﻥ} ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻵﻳﺔ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: {ﻟﻮﻻ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﻖ ﻟﻤﺴﻜﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺧﺬﺗﻢ ﻋﺬاﺏ ﻋﻈﻴﻢ} ﻳﻌﻨﻲ ﻏﻨﺎﺋﻢ ﺑﺪﺭ، ﻟﻮﻻ ﺃﻧﻲ ﻻ ﺃﻋﺬﺏ ﻣﻦ ﻋﺼﺎﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻘﺪﻡ ﺇﻟﻴﻪ». [موقوف، ليس بحجة ❌]،.

ــــــ رواية خالد بن الوليد،..

تقول الاسطورة، أن خالد بن الوليد رَضِيَ اللّٰه عَنْهُ، حين واجه الروم وعرف أن عددهم أكثر من المسلمين، بما يفوق (العشرة مقابل الواحد)، فانسحب واستدل بهذه الآية،. فلهذا، استخدم بعض المعاصرين هذه الرواية الاسطورية للقول بالنسخ،. وهذه القصة لا وجود لها في أي كتاب من كتب السنن والأمهات، هي من القصص التي تُروى في السيَر والمغازي مما لا يعول عليها بشيء،. وعلى فرض صحة سندها، فالحكم عليها أنها موقوفة على الصحابي، وليست مرفوعة للنّبي ﷺ،. وليس فيها حجة على نسخ الآية، لا من قريب ولا من بعيد،. ولا يتم نسخ الآية من تحليل قصة أو بخاطرة أو بعمل الناس، أو بفهم شخص،.

وحقيقة،. هذه الرواية فيها تشويه لخالد بن الوليد،. فالذي اخترع الرواية، أساء لسيف الله، وأظهره كالجبان الذي يخشى كثرة العدد،. ونسي بأن خالد بن الوليد، سماه النّبي ﷺ بــ سيف الله المسلول،. ولم يكن لسيف الله أن يهرب من الكفار،. ويتعذر بآية ليبرر هروبه،. هذا عيب،. ففي معركة الفراض، قاد خالد بن الوليد المسلمين ضد الفرس والروم معا،. كان المسلمون يومها  15 ألفاً،. بينما كان جيش الكفار 150 ألفاً مجتمعين،. وانتصر المسلمون انتصاراً ساحقاً،. ولم يهرب خالد، بينما كان العدد 10 مقابل واحد،.

ــــ الأمر الآخر [قبل الرد وتوضيح الآية الواضحة]،.

ما هي الفترة الزمنية التي تُركت للناس، ليعملوا بالآية المنسوخة؟!،.

هل هي ثانية واحدة؟!،. جزء من ثانية؟!،. فالآيتان متتاليتان لا يفصل بينهما فاصل إلا العلامة [النجمة] التي تفرق بين الآيات،. أين شرط التأخر في نزول الآية الناسخة عن المنسوخة؟!،. أليس هذا من شروط النسخ عندكم؟!،.

ألم يكن من المفترض أن ينزل الحكم، فيعمل الناس به مدة من الدهر،. ثم يغير الله الحكم لحكمٍ آخر أيسر أو أشد أو متساوٍ؟!،. ليترك الناس الحكم القديم [الذي عملوا به زمناً]،. ثم تبقى الآية القديمة في ٱلۡقُرآن ليشعر الناس بنعمة الله عليهم، وكيف كان الأمر قاسياً سابقاً فرحمهم وخفف عليهم؟!،.

فكيف ينسخ الله حكماً بهذه السرعة الفائقة؟!،. ولم يعمل بالمنسوخ أحد مطلقاً!!،. أم ستفترون مجدداً على الله وعلى النبي ﷺ [من غير دليل]،. أن الآيتان نزلتا متفرقتان في أوقات متباعدة،. ولكن سُبْحَانَ اللّٰه، بقدرة قادر، شاء الله أن يجعلهما في المصحف بجوار بعض،. فنحن فهمناها خطأ؟!،.

قال أبو جعفر النحاس،. "ﻭﺃﺟﺎﺯ ﻗﺎﺋﻞ [مجهول، لا يُدرى من هذا الذي يجيز ويشرّع بهواه ❌] ﻫﺬا، ﺃﻥ ﻳﻨﺴﺦ اﻟﺸﻲء ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳُﻌﻤﻞ ﺑﻪ، ﻭاﺣﺘﺞ ﺑﺄﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻤﺴﻮﻥ ﺻﻼﺓ ﺛﻢ ﻧﻘﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺧﻤﺲ ﻭاﺣﺘﺞ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺇﺫا ﻧﺎﺟﻴﺘﻢ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻓﻘﺪﻣﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﻧﺠﻮاﻛﻢ ﺻﺪﻗﺔ} [اﻟﻤﺠﺎﺩﻟﺔ 12] ﻭﺃﻥ ﺑﻌﺪﻩ {ﻓﺈﺫ ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻠﻮا} [اﻟﻤﺠﺎﺩﻟﺔ 13] اﻵﻳﺔ، ﻭﺑﻘﻮﻟﻪ {اﻵﻥ ﺧﻔﻒ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻜﻢ ﻭﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻓﻴﻜﻢ ﺿﻌﻔﺎ} [اﻷﻧﻔﺎﻝ 66] ﻭاﺣﺘﺞ ﺑﻘﻮﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﺇﺫا ﻓﺮﺽ ﺷﻴﺌﺎ اﺳﺘﻌﻤﻞ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﺃﺣﺐ، ﺛﻢ ﻧﻘﻠﻬﻢ ﺇﺫا ﺷﺎء،. ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ: ﻓﻬﺬا ﻗﻮﻝ، ﻭاﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﻧﻲ ((ﺇﻥ ﻫﺬا ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻓﻴﻪ ﻧﺴﺦ)) ﻷﻧﻪ ﺃﻣﺮ ﺑﺸﻲء ﻟﻴﺲ ﺑﻤﻤﺘﺪ، ((ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﻧﺴﺦ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا. ﻟﻮ ﻗﺎﻝ ﻗﺎﺋﻞ ﻟﺮﺟﻞ: ﻗﻢ, ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻻ ﺗﻘﻢ, ﻟﻜﺎﻥ ﻫﺬا ﺑَﺪاء, ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ اﻟﻠﻪ، ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: اﺫﺑﺢ، ﺛﻢ ﻳﻘﺎﻝ: ﻻ ﺗﺬﺑﺢ، ﻓﻬﺬا ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻝ ﻻ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ ﻧﺎﺳﺦ ﻭﻻ ﻣﻨﺴﻮﺥ)) ﻭﻗﺎﻝ ﻗﺎﺋﻞ: ﻫﺬا اﻟﺬﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻘﻄﻊ ﻭﻗﺪ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﷺ ((ﻭاﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺇﻥ ﻫﺬا ﺃﻳﻀﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻧﺴﺦ)) .....[إلى أن قال]..... ((ﻭاﻟﻘﻮﻝ اﻷﻭﻝ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻝ ﻭاﺣﺘﺠﺎﺝ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺤﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺃﻧﻪ ﺃﻣﺮ ﺃﻥ ﻳﺄﻣﺮ ﺃﻣﺘﻪ ﺑﺨﻤﺴﻴﻦ ﺻﻼﺓ ﺛﻢ ﻧﻘﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺧﻤﺲ ﻻ ﺣﺠﺔ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻧﺴﺦ)) ﻭﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﺣﺪا ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻗﺎﻝ ((ﻧﺴﺦ اﻟﺸﻲء ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻨﺰﻝ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﺇﻟﻰ اﻷﺭﺽ)) ﺇﻻ اﻟﻘﺎﺷﺎﻧﻲ ﻓﺈﻧﻪ ﺧﺮﺝ ﻋﻦ ﻗﻮﻝ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ, ﻟﻴﺼﺢ ﻟﻪ ﻗﻮﻟﻪ ﺇﻥ اﻟﺒﻴﺎﻥ ﻻ ﻳﺘﺄﺧﺮ ((ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺃﻥ ﻳﺄﻣﺮ ﺃﻣﺘﻪ ﺑﺨﻤﺴﻴﻦ ﺻﻼﺓ ﻓﻤﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺄﻣﺮﻫﻢ ﺭاﺟﻊ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﺃﻥ ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺑﺸﻲء ﻓﻴﺮاﺟﻊ ﻓﻴﻪ ﻓﻴﻨﻘﺺ ﻣﻨﻪ ﺃﻭ ﻳﺰاﻝ، ﻓﻼ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺬا ﻧﺴﺦ" إﮬ. [الناسخ والمنسوخ  637/635]،.

هذا كله لتدركوا أنكم ورطتم أنفسكم بقولكم أنها ناسخة ومنسوخة،.. فليس في ٱلۡقُرآن نسخ ولا إبطال ولا [إلغاء]،. البتة،.

ــــــ نرجع للرد على فرية النسخ في هذه الآية،. ونثبت إحكامها،.

حال الناس وقوّتهم وضعفهم ومدى صدق ادعائهم بالإيمان، وقوة إيمانهم، تختلف من زمن لزمن،. وتختلف بحسب المعطيات والمعنويات، وبحسب المغريات والدوافع،. وتختلف بلا شك بوجود نبي أو من غير نبي،. فالناس ليسوا سواء في كل الأوقات ولا في كل المقامات،. حتى أن النّبي ﷺ بنفسه زكى الناس الذين في جيله وعهده وجعلهم أخير من الذين جاؤوا بعدهم،. فقال ﴿خير الناس قرني ثم الذين يلونهم﴾،. وذكر أنه ﴿لا يأتي عليكم عام إلا والذي يليه أشر منه حتى تلقوا ربكم﴾،. وقال حنظلة لأبي بكر مرة: نافق حنظلة، حين يكون عند النّبي ﷺ يكون وكأن على رؤوسهم الطير، في خشوع وخضوع وذكر للآخرة،. ولكن حين يذهب لأهله ويعافس العيال ينقلب حاله،. فقال النّبي ﷺ ﴿لو دمتم على حالكم عندي، لصافحتكم الملائكة في الطرقات﴾،.

وهذا كله يدل أن الناس أحوالهم تختلف بحسب أزمانهم ومقامهم وهل معهم نبي أم لا؟!،. فالناس من غير نبي،. ليسوا كالناس ومعهم نبي،.

الآية الناسخة عندهم، فيها ضَعف في القتال، وقلة همة وحماس وقلة تذكير وضعف في المعنويات،. سببه أن ليس فيها تحريض كتحريض النّبي ﷺ الذي كان في الآية الأولى،. ففي هذه الحالة يكون الشخص مقابل اثنين فقط،. وهذا بديهي جداً لضعفهم كون النّبي ﷺ ليس معهم،.

في الآية الأولى قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِي *((حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ))* عَلَى ٱلۡقِتَالِ [والنتيجة ⇜] إِن یَكُن مِّنكُمۡ *((عِشۡرُونَ صَابِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ وَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟))* بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ﴾ [الأنفال 65]،.

حرَّضَ يحرّض تحريضاً،. أي حثَّ واجتهدَ وظهر الأمر عليه حتى أقنعَهم وبشّرهم، ووَعدهم بالخير والعز والتمكين،. يقول لهم ألا يكفيكم أن يمدكم ربكم بالملائكة مردفين يقاتلون معكم؟!،. فزادت عندهم الثقة حين تيقنوا أن الله معهم بجنوده،. رفعَ النبي ﷺ معنوياتهم، فالمحرض يُظهر كل ما يملك ليقنعك ويزداد إيمانك،.

تخيل لو كان المحرض هو نبيٌ مبعوث مؤيد بالوحي والملائكة وعنده من خبر الجنة ومافيها؟!،. وسيقاتل هذا النّبي ﷺ معك؟!،. كيف ستكون معنوياتك وحماسك وقتها؟!،. بالتأكيد ستقابل عشرة مثلك دون تردد وخوف،. فقد امتلئت إيماناً ويقيناً بما سيكون مهما حصل، سواء انتصرت أو قتلت،. خاصةً أن المؤمنون قد تألفت قلوبهم وصاروا كرجل واحد،. قال اْلله قبل آية المصابرة،. ﴿وَإِن یُرِیدُوۤا۟ أَن یَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللهُ *((هُوَ ٱلَّذِي أَیَّدَكَ بِنَصۡرِهِ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِینَ ۝ وَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا في ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مَّاۤ أَلَّفۡتَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَكِنَّ ٱللهَ أَلَّفَ بَیۡنَهُمۡ))* إِنَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ [الأنفال 62 - 63]،.

ولكن من غير تأليفٍ لقلوب المقاتلين، ومن غير تحريض النّبي ﷺ وخطبه لرفع معنوياتهم،. ومن غير كل هذه المثبّتات التي ترفع حمية المؤمن وتذكرهم بالجنة وبما ينتظرهم من عز،.... ستكون النتيجة أقل بلا شك،. لهذا كان التخفيف في الآية التي تليها،. لأنها من غير تحريض النّبي ﷺ،. فالآية ليست لزمن النّبي ﷺ، ولكن لمن سيأتي بعده من أزمان [ليس فيها تحريض الأنبياء]،. قال اْلله،. ﴿ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰا *((فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ بِإِذۡنِ ٱللهِ))* وَٱللهُ مَعَ ٱلصَّابِرِینَ﴾ [الأنفال 66]،.

حين لا يكون بيننا نبي،. ولا نسمع تحريضاً كتحريض الأنبياء،. وقد تعلقت قلوبنا بالحريم والعيال والأموال وزخارف الدنيا، وابتعدنا عن الله،. سنضعف لزاماً، ولن نقاتل مقاتلة الشجعان،. ففي وقت الضعف سيكون كل رجل منا برجلين،. بسبب ضعفنا الذي كان بسبب غياب النّبي ﷺ،. وغياب التحريض [التي كان حاضراً في الآية الأولى]،.

فالآية الأولى [المنسوخة] ليست منسوخة، بل حكمها باقٍ،. وحين يرجع لنا نبي الله عيسى بن مريم عَلَيْه اْلصَّلَاْة وَاْلسَّلَاْم، سيحرضنا ويحثنا من جديد، ويخبرنا عما خبأه الله لنا، ويقيناً سنزداد شِرَةً وحميّةً لله،. سترتفع معنوياتنا بكلامه وتحريضه،. بوجوده هو بيننا،. حينها سنقاتل بقوة الله الذي أمدنا به،. العشرون منا بمائتين، والواحد منا بعشرة،. الحسبة كلها متعلقة بوجود النبي وتحريضه،. وليس أن الله بدل قوله أو غير رأيه،.

وهذا أشبه بالصلاة بين الحضر والسفر، يصليها الرجل أربعاً في الحضر، فإن تغير وضعه وارتحلَ قَصَر الصلاة،. ولم يقل أحد أن [[صلاة الحضر قد نسخت]]، إنما تعلق حكمها بحال المصلي،. فإذا رجع المسافر من سفره رجعت صلاته لتمامها،. ثم يسافر (والسفر قطعة من العذاب)،. ففي عذابه يقصر، وفي حضره يتم،. فأين الناسخ والمنسوخ؟!،.

حين يكون الرَّسوْل ﷺ بينهم، يختلف الوضع تماماً،. وهذا فضل عظيمٌ آتاه الله الصحابة والسابقين،. حيث جعلهم مع نبيه ﷺ،. يقول اْلله،. ﴿وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ((فِیكُمۡ رَسُولَ ٱللهِ)) لَوۡ یُطِیعُكُمۡ فِي كَثِیرࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ ((وَلَكِنَّ ٱللهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَانَ وَزَیَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَ أُو۟لَئكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ ۝ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللهِ وَنِعۡمَةࣰ)) وَٱللهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ﴾ [الحجرات 7 - 8]،.

من بعض صور الحث على الجهاد،. قول النّبي ﷺ في غزوة بدر،. [وانظر إلى ردة فعل الصحابي عند ذلك]،. في قول نَبي اْلله ﷺ [استقطع من الحديث موضع الشاهد]،. ﴿....((ﻗﻮﻣﻮا ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺔ ﻋﺮﺿﻬﺎ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ))، ﻗﺎﻝ: ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻤﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﻤﺎﻡ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺟﻨﺔ ﻋﺮﺿﻬﺎ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ؟! ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻗﺎﻝ: ﺑﺦ، ﺑﺦ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ : ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻚ ﺑﺦ، ﺑﺦ؟ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻭاﻟﻠﻪ، ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﻻ ﺭﺟﺎء ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻗﺎﻝ: (((ﻓﺈﻧﻚ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﺧﺮﺝ ﺗﻤﺮاﺕ ﻣﻦ ﻗﺮﻧﻪ، ﻓﺠﻌﻞ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻨﻬﻦ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻟﺌﻦ ﺃﻧﺎ ﺣﻴﻴﺖ ﺣﺘﻰ ﺁﻛﻞ ﺗﻤﺮاﺗﻲ ﻫﺬﻩ ﺇﻧﻬﺎ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺮﻣﻰ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮ)))، ﺛﻢ ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ، ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺎﺻﻢ، ﻓﻲ "اﻟﺠﻬﺎﺩ"، ﻭﺃﺑﻮ ﻋﻮاﻧﺔ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ. ✅،.

كان الصحابة يعلمون تأثير النّبي ﷺ عليهم،. فعن حنظلة رَضِيَ اللّٰه عَنْهُ قال،. ﴿ﻛﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﻓﺬﻛﺮﻧﺎ اﻟﺠﻨﺔ ﻭاﻟﻨﺎﺭ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﺎ ﺭﺃﻱ ﻋﻴﻦ، ﻓﺄﺗﻴﺖ ﺃﻫﻠﻲ ﻭﻭﻟﺪﻱ، ﻓﻀﺤﻜﺖ ﻭﻟﻌﺒﺖ، ﻭﺫﻛﺮﺕ اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻓﻴﻪ، ﻓﺨﺮﺟﺖ، ﻓﻠﻘﻴﺖ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ، ﻓﻘﻠﺖ: ﻧﺎﻓﻘﺖ، ﻧﺎﻓﻘﺖ، [فأخبروا النّبي ﷺ فقال], ﻟﻮ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻜﻮﻧﻮﻥ ﻛﻤﺎ ﺗﻜﻮﻧﻮﻥ ﻋﻨﺪﻱ، ﻟﺼﺎﻓﺤﺘﻜﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻗﻜﻢ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ. وغيرهم،.

فحضرة النّبي ﷺ لها هيبة وفخامة وأبهة، وحضوره مدعاة قوية للتقوى والايمان،. والحال مع النّبي ﷺ، ليس كالحال بعد النّبي ﷺ،. مطلقاً،.

ــ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺩﻳﻨﺎﺭ اﻟﻤﺪﻧﻲ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ، ﻗﺎﻝ،. ﴿ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻘﻲ اﻟﻜﻼﻡ ﻭاﻻﻧﺒﺴﺎﻁ ﺇﻟﻰ ﻧﺴﺎﺋﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻫﻴﺒﺔ ﺃﻥ ﻳﻨﺰﻝ ﻓﻴﻨﺎ ﺷﻲء، *((ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻓﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻭاﻧﺒﺴﻄﻨﺎ))﴾*
- ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ،. ﴿ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻘﻲ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ اﻟﻜﻼﻡ ﻭاﻻﻧﺒﺴﺎﻁ ﺇﻟﻰ ﻧﺴﺎﺋﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﻨﺰﻝ ﻓﻴﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁﻥ، *((ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎﺕ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ. ✅،.

ليس هذا نفاقاً من ابن عمر، إنما هو لهيبة النبي ﷺ حين كان معهم،. وهكذا هي الآية الأولى، لما كان فيها نبي اْلله ﷺ،. يحرّضهم ويخطب فيهم ويحدثهم عن الجنة وفضل الجهاد وأن الآخرة خير وأبقى،. ويعدهم بما يشتهونه، والناس تؤمن بكلامه ووعده، فتجاهد العشرات دون ذرة خوف،.

فالآية ليست ذاهبة الحكم، وليست "منسوخة"،. بل هي كما هي، محكمة،. إنما المفارقة بينهما، أن الآية الأولى تحت أمر النّبي ﷺ وتحريضه،. والأخرى ليس فيها نبي ولا تحريضه،. والفرق كبير جداً حين يقاتل المسلم مع نبي، أو يقاتل من غير نبي،.

ــــــ القتال من غير نبي [مع ولي الأمر]،.

من غير النّبي ﷺ يكون المسلم في شك من جهاده هذا، فتجده يتسائل بينه وبين نفسه،.
ــ هل هذا الجهاد يرضاه الله؟!،. أم فيه دخن ومصالح شخصية لدى الحاكم؟!،. ومطامع بامتلاك أراضي وثروات ومال ودنيا؟!،.
ــ هل هو جهاد شرعي حقيقي لوجه الله،. أم أنه سياسي شعوبي وقبائلي؟!،.
ــ هل هذا العمل في سبيل الله فعلاً، أم هو مجرد رد اعتبار، وسيكون فيه قتال لمسلمين أبرياء؟!،.
ــ هل هذا العمل خالص لوجه الله،. أن الحاكم قد ساقنا إليه مستغلا اسم الجهاد؟!،. وهو يريد ثروات تلك البلاد ومواقعها الاستراتيجية ليقوي بها بلاده؟!،.
ــ هل هذا الجهاد أتى بجميع الشروط التي استوجبها الله علينا أم هناك خلل بسبب سوء فهم المُفتين والمشايخ لأحكام القتال!،.
ــ هل الذين نقاتلهم كفارٌ فعلاً عند الله،. أم شيوخ السلفية وأتباع ابن تيمية وابن عبدالوهاب هم الذين حكموا عليهم بالكفر والشرك؟!،.
ــ هل هو جهاد في سبيل الله أم هي فتنةٌ سقطنا فيها نحسبها جهاداً؟!،.

كل هذه الأسئلة والشكوك والريبة، تزول مباشرةً في وجود نبي من الأنبياء يوحى إليه من رب السماء أنه والذين معه على الحق،. ولكن من غير نبي،. تظهر هذه الاسئلة التي تورث التردد والحيرة،. بالتالي سيكون حالهم الضعف،. وهذا الذي ذكره الله في الآية التالية [الناسخة عندهم]،.

فلا تقل بأن الآية منسوخة،. الذي قال هي منسوخة لم يعيها ولم يفهمها،. هذا كل ما في الأمر،. ولو أدرك أن القتال تحت راية نبي، ليست كالقتال بدونه، لما قال هذا،. وانظر لهذه الآية لترى تبشير النبي ﷺ لمن معه،. وتخيل وضعهم بعد سماعهم لبشاراته،.

قال اْلله،. ﴿وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱ فَٱتَّقُوا۟ ٱللهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ۝ *((إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ ءَالَافࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَائكَةِ مُنزَلِینَ ۝ بَلَىٰۤ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَافࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَائكَةِ مُسَوِّمِینَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ ٱللهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئنَّ قُلُوبُكُم بِهِ))* وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ ۝ لِیَقۡطَعَ طَرَفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَوۡ یَكۡبِتَهُمۡ فَیَنقَلِبُوا۟ خَاۤئبِینَ﴾ [آل عمران 123 - 127]،.

هكذا يحرّض النبي ﷺ المؤمنين،. وأي إنسان يسمع من النبي ﷺ أن الملائكة تقاتل معه،.. لن يتردد في الإقدام والدخول في جيش العدو بقوة وحماس وشدة، يعلم أن الملائكة تعينه وتقاتل معه،. فيتشجع وينطلق كالأسد ولا يخاف أبداً،. وهذا الأمر [الذي أتى بسبب تحريض النبي ﷺ]،. مفقودٌ بدونه،. فالوضع يختلف تماماً،.

وفي القتال [بالأخص من دون بقية الأعمال] أنت تحتاج للطمأنينة والسكينة واليقين [بعكس الريبة والشك]، لأن حياتك على المحك، وقد تذهب بلا عودة ولا تستطيع تصحيح ما فات بعد القتل،. وهذا أمر بديهي، ولن يطمئن قلب المقاتل الذي يحمل معه الشك، ستضعف همته وتقل عزيمته!،. كل هذا يحدث في النفوس عند القتال من غير نبي،. ولكن حين تقاتل بتحريض نبي من أنبياء اللّٰه (يوحى إليه)،. فهل ستشك فيه؟!،. هل ستقول هو جهاد شرعي حقيقي أم لا؟!،. بالتأكيد لا،. فمع النّبي ﷺ أنت على يقين بأنك تقاتل بالوحي الغض الصافي الذي لا دخن فيه ولا فتنة،.

ثم كيف تُنسخ الآية أصلاً وهي من آيات الأخبار [الحقائق] التي [بشروط النساخ] لا يجوز نسخها!؟،. يخبرك الله بحقيقة ثابتة من علمه الذي لا يعتريه زلل ولا نقص ولا ظن ولا وهم، ثم ترفعها أنت وتزيلها؟!،. يقول الله،. ﴿إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَابِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ﴾،. أتظن أن الله قالها بالرأي؟!،. حاشاه ربنا،. أتظنه يجامل المؤمنين فقط؟!،. حاشاه تعالى الله،. ولكنه يقول الحق،. ويحق الحق بكلماته،. والآية ليست من الأحكام والأوامر إنما هي حقيقة متعلقة بتحريض النّبي ﷺ،. ولا نسخ في الحق ولا في الأحكام،. وشروطكم [التي تنحتونها ثم تحتالون عليها] ليست بشيءٍ،. فلم ينزل الله بها من سلطان،. ولكننا نذكّر الناس، أن انظروا لشيوخكم كيف يخونون الله ويخونون أنفسهم ويخونون شروطهم التي وضعوها على أنفسهم،. ليقولوا هذه نسخت تلك غشاً وتدليساً على المسلمين،. وليس عندهم عن نبي الله حديث واحد يقول بأن هذه نسخت تلك، إنما هو الفهم الشخصي لأحد الأصنام، واتبعه أتباعه من غير سؤال عن دليل،.

ــــــــ هل كلمة،. ﴿الآن﴾،. تدل على تغيير القول؟!،.

كل من قرأ الآية، ظن بأن فيها تراجعاً بسبب هذه الكلمة،. ولكن في الحقيقة، هذه الكلمة لا تدل على التراجع كما سنبينها إِنْ شٰاْءَ اللّٰه،. بل حتى لا تدل على التسلسل الزمني بين الآيتين،. ((ولا أتكلم عن وقت نزولها،. وأنها نزلت قبل الآية التي قبلها، لا))،. إنما، وإن كان موقعها بعد الآية،. إلا أنها هي الأصل في المسألة وهي الأساس، والآية التي قبلها طارئة حادثة على الأصل،. تكون مؤقتاً ثم يرجع الوضع للأصل، والأصل هو الذي في الآية الثانية،.

كلمة،. ﴿الآن﴾،. التي في بداية الآية 56،. وهي نفسها التي قالها الله في آية الصيام،. ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ *((فَالْآنَ))* بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة 187]،.

وقد تبين في المقال السابق، أن الآية كانت تصويباً للناس،. وردهم للأصل،. فما أتى بعد كلمة،. ﴿الآن﴾،. كان هو الأصل الثابت، وكذلك في آية المصابرة،. فالأصل ليس ما كان في الآية الأولى، إنما الأصل هو الذي في الآية الثانية،. ﴿ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللهُ،...﴾،. التي يسمونها آية التخفيف،.

ــــ الآية فيها تخفيف،. وفيها ضَعف،. قد قال ٱلله فيها،. ﴿ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰا...﴾ [الأنفال 66]،.

والحقيقة،. أن الإنسان ضعيفٌ في أصله، ولأجل ضعفه هذا، خفّف الله عنه جميع أحكامه،. وليس الضعف طارئٌ مستحدثٌ عليه،. إنما ضعف الإنسان هو الأصل في الإنسان،. قال ٱلله،. ﴿یُرِیدُ ٱللهُ أَن *((یُخَفِّفَ عَنكُمۡ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَانُ ضَعِیفࣰا))﴾* [النساء 28]،.
ــ وقال،. ﴿ٱللهُ ٱلَّذِي *((خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ))* ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ﴾ [الروم 54]،.

وكما أن الأصل في الإنسان أنه ضعيف،. كذلك الأصل في الدين التخفيف وليس التعسير،.
ــ قال ٱلله،. ﴿یُرِیدُ ٱللهُ أَن *((یُخَفِّفَ عَنكُمۡ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَانُ ضَعِیفࣰا))﴾* [النساء 28]،.
ــ وقال،. ﴿ٱللهُ ٱلَّذِي *((خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ))* ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ﴾ [الروم 54]،.
ــ وقال عن إنزال ٱلۡقُرآن،. ﴿طه ۝ *((مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ ۝ إِلَّا تَذۡكِرَةࣰ))* لِّمَن یَخۡشَىٰ﴾ [طه 1 - 3]،.
ــ وقد دعونا ٱلله بــ،. ﴿..رَبَّنَا *((وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))* وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤ أَنتَ مَوۡلَانَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَافِرِینَ﴾ [البقرة 286]،.
ــ وقال عن الدين عموماً،. ﴿وَجَاهِدُوا۟ فِي ٱللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجۡتَبَاكُمۡ *((وَمَا جَعَلَ عَلَیۡكُمۡ فِي ٱلدِّینِ مِنۡ حَرَجࣲ))* مِّلَّةَ أَبِیكُمۡ إِبۡرَاهِیمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَـٰذَا..﴾ [الحج 78]،.

فهذه الآية التي بدأت بــ،. ﴿ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰا...﴾ [الأنفال 66]،. هي الأصل الثابت في الإنسان،. فالضعف فينا، والتخفيف هو الأصل،. وإنما التشديد حادثٌ على الأصل،. يأتي "مؤقتاً" لأسباب يقدّرها الله، تجعل المسلم في قوة وأنفة وترفع معنوياته وتزيده إيماناً [وهذا مؤقت، ليس هذا الأصل فيه]،. وهذه الأسباب "المؤقتة" في آية المصابرة، هي تحريض النّبي ﷺ،. كما سبق بيانه،. وبقية الحروب التي ليس فيها نبي،. هي على الأصل [الذي فيه تخفيف]،.

فالله يفتن الضال والظالم ليزداد ضلالةً، وليقول المجرمون انظروا، هذا تناقض واختلاف، فظنوا أن الآية التالية حادثة على الأصل،. بينما في الحقيقة، الله خفف عنا منذ خلقنا وليس لحظة نزول هذه الآية،. هو القائل سبحانه،. ﴿یُرِیدُ ٱللهُ أَن *((یُخَفِّفَ عَنكُمۡ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَانُ ضَعِیفࣰا))﴾* [النساء 28]،.
ــ وقال،. ﴿ٱللهُ ٱلَّذِي *((خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ))* ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ﴾ [الروم 54]،.

وأمثال هذا التخفيف [الذي هو الأصل]،. لا يعتبر شاطباً لما قبله،. ولا غيره يعتبر شاطباً له، وضربنا لذلك مثالاً بصلاة السفر، فهي ركعتان تخفيفاً،. وليس في هذا التخفيف نسخٌ لصلاة المقيم،. إنما الحكم على حسب حالك ووضعك،. كذلك آية المصابرة،. حين يكون الناس تحت راية وتحريض نبيد ليسوا كمثل حالهم من غير نبي،.
ــ وقال الله في الصيام،. *﴿..یُرِیدُ ٱللهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ..﴾* [البقرة 185]،. ولم يقل أحد بأن إفطار المريض والمسافر ناسخٌ لصيام رمضان،.
ــ وقال في الطهور والتيمم،. *﴿...((مَا یُرِیدُ ٱللهُ لِیَجۡعَلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ حَرَجࣲ))* وَلَكِن یُرِیدُ لِیُطَهِّرَكُمۡ وَلِیُتِمَّ نِعۡمَتَهُ عَلَیۡكُمۡ...﴾ [المائدة 6]،. ولم يقل أحد بأن التيمم ناسخٌ للوضوء،. ولكنهم عند آية المصابرة، قالوا هذا نسخٌ! عجيب،.
ــ وقال الله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَى ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُ مِنۡ أَخِیهِ شَيءࣱ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَانࣲ *((ذَلِكَ تَخۡفِیفࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةࣱ))* فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِیمࣱ ۝ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِي ٱلۡأَلۡبَابِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة 178 - 179]،.

فلو عفى أهل المقتول من القاتل وقبلوا الدية، فعليك الأداء، وهذا تخفيف من الله بصريح قوله،. ورغم أنه تخفيف من الله، لم يقل أحدٌ بأنها نسخت القصاص،. إنما الدية تخفيف من الله،. والحكم الأول يبقى ثابتاً، كذلك آية المصابرة،. التخفيف لا يدل على تغيير الحكم الأول،.

وبهذا يتبيّن بحمد الله،. أنه لا ناسخ ولا منسوخ في آية المصابرة،. وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ،.

ــــــ لماذا تغير العدد بين الآيتين؟!،. (هذا من لطائف التدبر)،.

قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِي حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَى ٱلۡقِتَالِ إِن یَكُن مِّنكُمۡ ((عِشۡرُونَ صَابِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ)) وَإِن یَكُن مِّنكُم ((مِّا۟ئَةࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفࣰا)) مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ ۝ ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰا فَإِن یَكُن مِّنكُم ((مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِ)) وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ ((أَلۡفࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ)) بِإِذۡنِ ٱللهِ وَٱللهُ مَعَ ٱلصَّابِرِینَ﴾ [الأنفال 65 ــ 66]،.

السؤال بصيغة أخرى،.. في الآية الأولى قال (عشرون ومائة) وما يقابلها من الكفار، بينما في الثانية لم يقل عشرون ومائة كما قال في الآية الأولى، بل قال (مائة وألف) وذكر مقابلهم من الكفار،. ولا شك أن النسبة المئوية لن تتغير لو قال في الثانية (عشرون ومائة) كما هي في الأولى،. بل هي نفسها بالنسبة والتناسب وإن تغير الرقم،. فألف مقابل ألفين [ضعفين]،. هي نفسها وعشرون مقابل أربعين [ضعفين] لو قالها الله، ولكن الله بدل الرقم واختار عدداً كبيرا جداً [مائة مقابل مائتين وألف مقابل ألفين]،. وهو يتكلم عن الضعاف!،. لماذا؟!،.

ــ السؤال بصيغة أوضح، لماذا ازداد عدد الضعفاء، وقل عدد الأقوياء؟!،.

الجواب،. في حال الضعف،. يكون الناس كثرة وعددهم غفير وسوادهم عظيم،. فلا تتعلق قلوبهم بالله وحده لينصرهم، بل يستنصرون الآن بكثرتهم، وتعجبهم كثرتهم، فيغترون بها ويعتمدون عليها للنصر،. كما حصل في غزوة حنين، قال اْلله،. ﴿لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِیرَةࣲ وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَضَاقَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّیۡتُم مُّدۡبِرِینَ﴾ [التوبة 25]،. لهذا بدأ العدد بــ مائة مقابل مئتين، وألف مقابل ألفين، وهو عدد كبير،. ولكن لا قيمة للعدد في حروب المسلمين، خاصة في ظل غياب النّبي ﷺ وتحريضه، ورفع المعنويات بالملائكة وغير الملائكة، وتذكيره لهم بالله والآخرة،.

أما الآية الأولى، التي كان فيها النّبي ﷺ معهم حاضراً، فهو الذي يحركهم ويقودهم، ((ويحرضهم))، يبشرهم بالجنة والوعد والخيرات ويعلمهم فضل الشهادة ويحمسهم ويرفع معنوياتهم،. هنا وضع مختلف تماماً عن الآخرين الذين من غير نبي،. فهنا قل عددهم [كعادة المؤمنين الذين يستنصرون بالله، وليس بعددهم]،. فبدأ عدد الأقوياء بــ عشرين مقابل مائتين،. ومائتين تقابل ألفين،. وهذا عدد قليل [عدد المؤمنين]، فالعبرة بقوة الإيمان بالآخرة،. بالإيمان على ماهم مقدمون عليه من جهاد وشهادة في سبيل الله، ولا يعنيهم كم عددهم، فهم يعلمون أن الله ينصر الفئة القليلة المؤمنة التي تريد الآخرة،. كما حصل لجنود طالوت،. ﴿..قَالَ ٱلَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا۟ ٱللهِ كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللهِ وَٱللهُ مَعَ ٱلصَّابِرِینَ﴾ [البقرة 249]،.

وحقيقةً *((كل إنتصارات المسلمين في التاريخ، كان عدد المسلمين فيها أقل من عدد الكافرين))،.* وكانت أحيانا تكون 1 مقابل 100، وأحيانا 1 مقابل عشرة،. يكون الجيش الكافر 100 ألف، بينما المسلمون 12 ألفاً فقط،. ثم ينتصرون بهذا العدد القليل،.

ــ في بدر [2 ﮬ.] انتصر المسلمون بــ 313 رجلاً مقابل 1000 مشرك،.
ــ وفي أحد [3 ﮬ.] كان عدد المسلمين 700 مقابل 3000 آلاف مشرك،.
ــ وفي الأحزاب [5 ﮬ.] كان أهل المدينة كلها 3000 [مع اليهود] والأحزاب كانوا 10,000 بين مشركين وكفار،.
ــ وفي معركة اليرموك انتصر المسلمون بــ 39 ألف مقابل 200 ألف رومي،.
ــ وفي معركة القادسية، انتصر المسلمون بــ 32 ألف مقابل 250 ألف فارسي في عقر دارهم، بعيدون جداً عن المدد والدعم والمعونة،.
ــ وفي معركة الفراض، بقيادة خالد بن الوليد، ضد الفرس والروم معا،. كان المسلمون 15 ألفاً،. بينما كان جيش الكفار 150 ألفاً مجتمعين،. وانتصر المسلمون انتصاراً ساحقاً،.
ــ والأندلس فتحت بــ 12 ألف مسلم فقط، مقابل 100 ألف أسباني وفي عقر دارهم!،.

فهذا [العدد القليل مع تحريض النبي ﷺ في الآية الأولى] يدل أن الآية الأولى كانت تتكلم عن المقاتلين من الصحابة المتقين، الذين مع النبي ﷺ،. وأن الآية التالية تتكلم عن عموم المقاتلين من غير نبي،. وهو مصداق قول النبي ﷺ،. *﴿ﺧﻴﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﻗﺮﻧﻲ ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ،..﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ،.

ولا نسخ بين الآيتين، لأنه لا يوجد تعارض ولا اختلاف من الأساس حتى يصار للنسخ،.

نهاية الجزء الخامس عشر،.

رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.

بڪيبـورد، محسن الغيثـي،.

ليست هناك تعليقات: