جريمة الناسخ والمنسوخ،. [4] ⚠️ فينسخ الله ما يلقي الشيطان،.
محاور هذا الجزء،.
ــ آية النسخ الرابعة [فينسخ الله ما يلقي الشيطان]،.
ــ قصة الغرانيق العلى،.
ــ معنى [إلا إذا تمنى]،.
ــ ما هي أمنية الأنبياء والرسل؟!،.
ــ ما الذي ألقاه الشيطان؟!،.
ــ نسخه الله أي ثبته له،.
ــ كيف يثبت الله للشيطان؟!،.
ــ هل تثبيته يدل على رضاه؟!،.
ــ لماذا لم يحذفه الله ويمسحه؟!،.
ــ من هم القاسية قلوبهم ومن المخبتون؟!،.
ــ ما العلة في نسخه للشيطان وإحكامه للآيات؟!،.
ــ معنى النسخ عند ابن عباس،.
ــ كلمات بديلة لمعنى النسخ المتداول،.
تكلمنا في الجزء السابق عن موارد ذكر لفظة [نسخ] ومشتقاتها في ٱلۡقُرآن، وتبين أنها كلها على التثبيت،. وبقيت آية واحدة، وهي آية الحج المشهورة عند المفسرين بقصة [الغرانيق]،. وهنا سنفصل فيها بعون اللّٰه وفضله وهدايته،.
4 ــــــــــــ آية النسخ الرابعة والأخيرة،.
ــ *((هذه هي الآية التي فهم منها النُساخ [المُسَّاخ] أنها تعني الإزالة، وتشبثوا بفهمهم، فضربوا به آيات ٱلۡقُرآن وأزالوا ومحوا أحكامه [ولم يستطيعوا إزالة آياته رغم أنهم يشتهون ذلك من كل قلبهم]))،.*
الآية هي قول الله،. ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ ((فَيَنسَخُ ٱللهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ)) ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللهُ آيَاتِهِ وَٱللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج 52]،.
فقالوا (يَنْسَخُ) هنا بمعنى يمسح أو يمحُوا أو يزيل،.
ومن هذا المعنى الذي استحدثوه عبر هذه الآية،. انطلق جموع العلماء يهرولون ويتنافسون ويتصدرون لحذف آيات ٱلۡقُرآن ورفعها، في كل مرة (يشعرون بأن ثمة تعارضاً بين آيتين يعجزون عن الجمع بينهما، ورفع التعارض الظاهر في أذهانهم)،. يقومون بحذف أقدمها، وإبطال حكمها،.
والداعم الأول، والمسبب الرئيسي بعد الشيطان في ذهاب العلماء للقول بهذا المعنى المخالف،. هو تفسير الطبري لهذه الآية بقصة [الغرانيق العلى]،. وهي قصة مكذوبة موضوعة باطلة،. قصة نجسة نكراء، قصة خبيثة دسيسة، نسبها للنّبي ﷺ،. وهو يرويها بسنده إلى التابعين عن النّبي ﷺ بثمانية طرق مختلفة، لم يأت بها أحد من أئمة الحديث والمسانيد والمصنفات والآثار، لم يأت بها إلا الطبري، الذي جاء بعد عهدهم سُبْحَانَ اللّٰه، وإن كانت مقطوعة السند،.
علماء الحديث يتنوعون في تصانيفهم، منها الصحيح، ومنها الخليط بين الصحيح وغيره، ومنها الضعيف،. كتب الضعيف لم يشترطوا جمع الصحيح فيها، كما اشترط البخاري ومسلم وابن حبان وابن خزيمة، بل كان الأئمة قبل الطبري، يفردون للأحاديث الضعيفة فقط مصنفاً خاصاً، كمراسيل أبي داوود، ومراسيل أبي حاتم، والمعجم الأوسط للطبراني، والكامل في ضعفاء الرجال للعقيلي،.. وغيرهم،. فالأحاديث الضعيفة لم تكن تُطرح بالمرة، بل كانوا يدونونها لتبيان اختلاف الطرق، ومعرفة الضعفاء وللتعليل على ضعفهم، وسرد مروياتهم، ومقارنتها بالصحيح ليُعلم الضعيف منها والسقيم،. ولكن سُبْحَانَ اللّٰه، هذه الرواية المرسلة "بالذات"،. لم يدونوها وقد دونوا ما هو أشد منه كالمكذوب والموضوع،. ولم يستخرجها إلا رجل واحد، ألا وهو الطبري،. [أما محمد بن سعد، فقد أخرج هذه الرواية في الطبقات بصيغة مختلفة تماماً عن التي وضعها الطبري]،. الذي جاء بعد موت البخاري والأئمة المحققون، وزد على ذلك أنه أصر على إثباتها بثمانِ طرق مختلفة، وكأنه أراد توثيق صدقها لئلا يشك مرتاب بأن النّبي ﷺ مدح الأصنام،. رغم أن الله قال في سورة الحج نفسها،. *﴿..فَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَانِ وَٱجۡتَنِبُوا۟ قَوۡلَ ٱلزُّورِ﴾ [الحج 30]،. ثم نجد الطبري يدعي أن النّبي ﷺ قال الزور ومدح الأوثان!!!،..*
القصة باختصار،. أنه جمع المشركين وتلى عليهم آيات من سورة النجم حتى بلغ ذكر أسماء الأصنام فقال عنها : تلك الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترتجى!،. والقصة فيها تفاصيل وتشعبات أحسن ما يقال فيها أنها فيلم هندي من إخراج الشيطان نفسه،. وهي تعارض آيات كثيرة أولها بداية سورة النجم نفسها،. ﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ وَمَا یَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰۤ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٌ یُوحَىٰ﴾ [النجم 1 - 4]،.
ــ وكذلك قول الله،. ﴿وَإِن كَادُوا۟ لَیَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ *((لِتَفۡتَرِي عَلَیۡنَا غَیۡرَهُ وَإِذࣰا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِیلࣰا وَلَوۡلَاۤ أَن ثَبَّتۡنَاكَ لَقَدۡ كِدتَّ))* تَرۡكَنُ إِلَیۡهِمۡ شَیۡـࣰٔا قَلِیلًا﴾ [الإسراء 73 - 74]،.
هذا فضلاً أن القصة المزعومة، حصلت في مكة ولكن السورة مدنية ليست مكية،. فالمدة التي بينهما لا تقل عن ثمان سنين،. فكيف هذا، والله يقول فيها ((فــ))ــينسخ الله،. والفاء فاء التوالي والتتابع ولا تفيد التراخي [والتأخير] ككلمة (ثم)،. وهكذا يكون الله نسخ ما ألقاه الشيطان بعد 8 سنين، هذا عجب،.. وغير ذلك من المنكرات الكثيرة حول هذا التفسير العبثي، بهذه القصة الخيالية،.
ونحن هنا سنتجاوز هذه القصة ولن نعرج عليها حتى لا نضيع وقتنا مع الترهات والأباطيل، ولكن اعلم عزيزي السلفي المتمسك بالنسخ، رغم أن كثيرٍ من العلماء أنكروا القصة ونصبوا لها المنجنيق لإبطالها ونسفها، إلا أن هناك من علمائك من أقرها وشدد على صيانتها كابن حجر، ورغم ذلك ذكرها في كتابه كابن كثير الذي قال سندها مرسل مقطوع [ولا أدري لماذا ذكرها وهي باطلة!]،. ثم لم يفسرها التفسير البديل الصحيح للآية،. بل انتقل للآية التي تليها بعد أن أفسدها بذكر الكذب والافتراء على النّبي ﷺ،. وبعض الذين جاؤوا بعده [كالسعدي مثلاً¹] فسر الأمنية بـمثل قول السابقين، قال الأمنية هي القول والقراءة والتلاوة، يعني، لم يقبلوا القصة المكذوبة،. ولكنهم قبلوا منها المعنى!،. ولم يخرج عالما واحداً ويقول بأن رواية الطبري منسوخة، فهذه الكلمة لا تستخدم إلا للقُرآن، أما الكتب المقدسة، لا نسخ فيها ولا إزالة،.
¹ زل السعدي في تفسير آخر هذه الآية فجعلها العزيز الحكيم، بدل العليم الحكيم،. والطبعات الجديدة تركته كما هو، ولم تعدل على الخطأ (المقدس)،. لأن كاتبه العالم العلامة، فلم يجرؤوا على نسخه [إزالته]، ولكن العلماء اتفقوا على إزالة أحكام الله ونسخها،.
ــــــ الرد على تفسيرهم لآية الحج،.
كالعادة،. يستقطعونها ويخرجونها من السياق،.. وكأن مصيبتنا الوحيدة مع هؤلاء القوم هي هذه المصيبة [الاستقطاع وإهمال السياق]،. وما أعظمها من مصيبة،. فلم يزل فينا التيه والبلاء وقلة الفهم وكثرة الغباء، إلا بسبب هذا الاستقطاع والاجتزاء،. وإخراج الآية من موضعها التي هي فيه [السياق]،. والذي لولاه لضاع القراء وتاهوا، ولولاه لما عرف الناس لكلام الله معنىً ولا مدلولاً،.
قال اْلله،. ﴿وَٱلَّذِینَ سَعَوۡا۟ فِي ءَایَاتِنَا مُعَاجِزِینَ أُو۟لَئكَ أَصۡحَابُ ٱلۡجَحِیمِ وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِيٍ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَانُ فِي أُمۡنِیَّتِهِ فَیَنسَخُ ٱللهُ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللهُ ءَایَاتِهِ وَٱللهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ *((لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ فِتۡنَةࣰ))* لِّلَّذِینَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمۡ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِینَ لَفِي شِقَاقِ بَعِیدࣲ *((وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِ فَتُخۡبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمۡ))* وَإِنَّ ٱللهَ لَهَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِلَىٰ صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ *((وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِي مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُ))* حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ یَأۡتِیَهُمۡ عَذَابُ یَوۡمٍ عَقِیمٍ﴾ [الحج 51 - 55]،.
إن كانت لفظة النسخ تعني الإزالة كما هو عندهم، وأن الله قد أزال ما ألقاه الشيطان في أمنية النّبي ﷺ،. يقتضي منه لزاماً ألا يتبقى منه شيء بعد أن أزاله الله،. فقد (أزاله ومحاه)،. أليس كذلك؟!،. فكيف يقول اْلله في الآية التي تليها مباشرةً، (لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ فِتۡنَةࣰ؟!)،. كيف يجعله وقد محاه وأزاله أصلاً؟!،. لو أزاله الله ومحاه،. فلن يبقى له أي أثرٍ بعد ذلك أبداً،. فكيف يكون [ما ألقاه الشيطان] فتنةً لبعض العلماء، أعني مرضى القلوب، وهو قد أزيل أساساً؟!،.
هنا عليك أن تراجع فهمك للآية من جديد، وتنظر للآية نظرةً مختلفة عما كنت تظن من قبل،. لأنك ترى أن (ما ألقاه الشيطان) قد زال،. فكيف زال وقد جعله الله فتنة في نفس الوقت؟!،.
فواضحٌ من السياق أن النسخ ليس الإزالة والمحو،. إنما هي كذلك بنفس المعنى المتناسق الذي وجدناه في جميع الآيات السابقة كــ [ما ننسخ، كنا نستنسخ، في نسختها]،. وكلها بمعنى التثبيت،.
اسأل السؤال المنطقي الآن، سؤال المتدبر، سؤال المسلم الذي يحب فهم القُــرآن بحق،. سؤال العالم الحق،. أين هو ما ألقاه الشيطان؟ وما هو أصلاً؟! وكيف تُفهم مع قول اللّٰه أنه أحكم آياته بعدها؟!،. بل قبل ذلك كله، ما هي أمنية الأنبياء أصلاً؟،. وهل صدق العلماء الذين قالوا بأن الأصنام غرانيقٌ عُلا! وأن شفاعتهن لترتجى كما فسرها الأولون؟!،. وهل الآية محصورة في قصة حصلت ومضت أم أن أمرها مستمر واقع إلى يومنا هذا؟!،.
ــــــ ما معنى "أمنية"؟!،.
هذ الكلمة فسرها جميع المفسرين بأن الأمنية تعني التلاوة، حتى الذين أنكروا قصة الغرانيق،. وتجاوزوا هذا الباطل، ولكنهم وقعوا في الباطل الآخر، وهو تفسير الأمنية بالتلاوة والقراءة والكلام،. وهذا الذي بسببه ضاع معنى الآية،. لأننا إذا عرفنا ماهي أمنية النّبي ﷺ، سيسهل علينا كثيراً فهم بقية الآية، لأن كل كلماتها مرتبطة ببعض، وتبدأ من أمنية النّبي ﷺ،.
الأمنيات هي ما تعلمها أخي القارئ من غير تكلّف،. ليس لها معنىً جديد أو مختلف،. هي باختصار ما تشتهيه الأنفس، أو ما يجول في الخاطر من أشياء يرجوا الإنسان أن تتحقق وتصير واقعاً،. فتستطيع تعريفها أنها مثل الخواطر والشهوات، ورغبات الأنفس طالما لم تتحقق بعد،. وترجوا تحقيقها،.
ــ نهى الله أن يتمنى الفقير ما عند الغني من فضل، ونهى الغني أن يتمنى ما عند الفقير من صحة، ونهى المرأة أن تتمنى أن تكون كالرجل، ونهى الرجل أن يتمنى أن يكون امرأة،. قال اْلله،. *﴿((وَلَا تَتَمَنَّوۡا۟ مَا فَضَّلَ ٱللهُ بِهِ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ))* لِّلرِّجَالِ نَصِیبࣱ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُوا۟ وَلِلنِّسَاۤءِ نَصِیبࣱ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَ وَسۡـَٔلُوا۟ ٱللهَ مِن فَضۡلِهِ إِنَّ ٱللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِیمࣰا﴾ [النساء 32]،.
ــ وفي قصة قارون،. تمنى البعض أن يكونوا مثله،. ولكنهم حين عرفوا مصيره، ندموا على أمنيتهم،. ﴿وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ﴾ [القصص 82]،.
ــ حتى أن إحدى آلهة المشركين اسمها مناة،. سموها كذلك رجاء أن تحقق لهم أمنياتهم،. ولكن الله أخبرنا أنه لن يتحقق للإنسان ما يتمناه،. فكل شيء بيده هو،. ولن يحصل إلا ما يريده هو،.
قال اْلله،. ﴿أَفَرَءَیۡتُمُ ٱللَّاتَ وَٱلۡعُزَّىٰ ((وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ)) أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلۡأُنثَىٰ تِلۡكَ إِذࣰا قِسۡمَةࣱ ضِیزَىٰۤ إِنۡ هِيَ إِلَّاۤ أَسۡمَاۤءࣱ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم مَّاۤ أَنزَلَ ٱللهُ بِهَا مِن سُلۡطَانٍ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُ وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰۤ *((أَمۡ لِلۡإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ فَلِلَّهِ ٱلۡآخِرَةُ وَٱلۡأُولَىٰ))﴾* [النجم 19 - 25]،.
ومن أمنياتنا أن ندخل الجنة،. هذا ما يتمناه الناس ويشتهونه،. ولكن الجنة لا تعطى لمن تمناها واشتهاها،. إنما هي فضلٌ من الله، ورحمةٌ، لمن عبد الله ولم يشرك به شيئاً،. فحتى لا يظن ظانٌ أنه من أبناء الله وأحباؤه، وأن الله اجتباه واختاره، وسيدخله الجنة مهما عمل من سوء،.
ــ قال اللّٰه لنا ولليهود وللنصارى،. ﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّاتࣲ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَارُ خَالِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰا وَعۡدَ ٱللهِ حَقࣰّا وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللهِ قِیلࣰا *((لَّیۡسَ بِأَمَانِیِّكُمۡ وَلَاۤ أَمَانِيّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ مَن یَعۡمَلۡ سُوۤءࣰا یُجۡزَ بِهِ))* وَلَا یَجِدۡ لَهُ مِن دُونِ ٱللهِ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا وَمَن یَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَئكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا یُظۡلَمُونَ نَقِیرࣰا وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِینࣰا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡراهِیمَ حَنِیفࣰا وَٱتَّخَذَ ٱللهُ إِبۡرَاهِیمَ خَلِیلࣰا﴾ [النساء 122 - 125]،.
فالأمنيات هي الخواطر والشهوات والرغبات وما يحبه الانسان،. وهذه ليست بحقائق، إنما الحق هو كلام الله،.
ــ زعم اليهودي أنه على حق وغيره على باطل، وزعم النصراني مثله،. وكذلك يزعم كل إنسان،. فقال اْلله ردا عليهم،. ﴿وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللهِ إِنَّ ٱللهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ *((وَقَالُوا۟ لَن یَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَارَىٰ تِلۡكَ أَمَانِیُّهُمۡ))* قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَانَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَادِقِینَ بَلَىٰ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ فَلَهُ أَجۡرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ لَیۡسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيءࣲ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَیۡسَتِ ٱلۡیَهُودُ عَلَىٰ شَيءࣲ وَهُمۡ یَتۡلُونَ ٱلۡكِتَابَ كَذَلكَ قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡ فَٱللهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ﴾ [البقرة 110 - 113]،.
ــ وقال الله لمن زعم أنه من أولياء الله، بالتالي ظن أنه ناجٍ ومحفوظ،. ولن يمسه السوء،. ﴿قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ هَادُوۤا۟ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ لِلهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ *((فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَادِقِینَ وَلَا یَتَمَنَّوۡنَهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ))* وَٱللهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّالِمِینَ قُلۡ إِنَّ ٱلۡمَوۡتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنۡهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِیكُمۡ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الجمعة 6 - 8]،.
ــ الأماني شهوات النفس ورغباتها، تغري الإنسان،. قال اْلله،. ﴿یَوۡمَ یَقُولُ ٱلۡمُنَافِقُونَ وَٱلۡمُنَافِقَاتُ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِیلَ ٱرۡجِعُوا۟ وَرَاۤءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُوا۟ نُورࣰا فَضُرِبَ بَیۡنَهُم بِسُورࣲ لَّهُ بَابُۢ بَاطِنُهُ فِیهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ یُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ *((وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاۤءَ أَمۡرُ ٱللهِ))* وَغَرَّكُم بِٱللهِ ٱلۡغَرُورُ فَٱلۡیَوۡمَ لَا یُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡیَةࣱ وَلَا مِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مَأۡوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوۡلَاكُمۡ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ﴾ [الحديد 13 - 15]،.
فالأمنية شهوة وتوقع، قد تتعلق بها وتغتر بها، لكن الله بين لنا أن الأماني لا تتحقق،. ولن يتحقق إلا ما أراده الله،. ليست أمنيات الناس، ولا أمنيات الأنبياء،.
ــ قال الله،. ﴿وَمِنۡهُمۡ *((أُمِّیُّونَ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَابَ إِلَّاۤ أَمَانِي))* وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ﴾ [البقرة 78]،.
الأميون هؤلاء، قوم من اليهود [ومنهم]، وليسوا كلهم، هؤلاء أرادوا اتباع التوراة [وهو الكتاب الأصل لديهم]،. وبهذا سُمّوا أميون،. يريدون الأصل الذي جمعهم كلهم وراءه [التوراة]،. ولكنهم لم يجدوا هذا الأصل، إنما وجدوا كتب العلم التي خلفها لهم الأحبار بظنونهم وشهواتهم تحريفاً لكلام الله،. بينما كان عليهم أن يأخذوا بالأصل المبين،.
قال اْلله قبلها،. ﴿أَفَتَطۡمَعُونَ أَن یُؤۡمِنُوا۟ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ *((یَسۡمَعُونَ كَلَامَ ٱللهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ))* وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا۟ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ قَالُوۤا۟ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللهُ عَلَیۡكُمۡ لِیُحَاۤجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمۡ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ أَوَلَا یَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللهَ یَعۡلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعۡلِنُونَ﴾ [البقرة 75 - 77]،.
فهناك كلام الله، وهناك تحريف وزيادة على كلام الله،. وكله موجود عند اليهود [وعندنا كذلك]،. فلو أراد أحد اليهود أن يتعلم، فسوف يختلط عليه العلم،. يأخذ قليلاً من كلام الله، وكثيراً من التحريف والزيادات التي كتبها الأحبار وجعلوها علماً وديناً [وكلها شهوات وأماني]،. لهذا قال اْلله بعدها،. ﴿وَمِنۡهُمۡ أُمِّیُّونَ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَابَ إِلَّاۤ أَمَانِي وَإِنۡ هُمۡ *((إِلَّا یَظُنُّونَ فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ یَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَابَ بِأَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ یَقُولُونَ هَذَا مِنۡ عِندِ ٱللهِ لِیَشۡتَرُوا۟ بِهِ ثَمَنࣰا قَلِیلࣰا فَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَیۡدِیهِمۡ وَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا یَكۡسِبُونَ))﴾* [البقرة 78 - 79]،.
فكل زيادة بعد الأصل ظنون وأماني من شهوات الأحبار،.
وشبيهات كلمة أماني في ٱلۡقُرآن،. تدل على أنها الشهوات والرغبات،. قال ٱلله،. ﴿وَقَالُوا۟ ((لَن یَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَارَىٰ تِلۡكَ أَمَانِیُّهُمۡ)) قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَانَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَادِقِینَ بَلَىٰ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ فَلَهُ أَجۡرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة 111 - 112]،.
ــ وقال،. ﴿لَّیۡسَ ((بِأَمَانِیِّكُمۡ وَلَاۤ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَابِ)) مَن یَعۡمَلۡ سُوۤءࣰا یُجۡزَ بِهِ وَلَا یَجِدۡ لَهُ مِن دُونِ ٱللهِ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا وَمَن یَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَئكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا یُظۡلَمُونَ نَقِیرࣰا وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِینࣰا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَاهِیمَ حَنِیفࣰا وَٱتَّخَذَ ٱللهُ إِبۡرَاهِیمَ خَلِیلࣰا﴾ [النساء 123 - 125]،.
ــ وقال،. ﴿یَوۡمَ یَقُولُ ٱلۡمُنَافِقُونَ وَٱلۡمُنَافِقَاتُ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِیلَ ٱرۡجِعُوا۟ وَرَاۤءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُوا۟ نُورࣰا فَضُرِبَ بَیۡنَهُم بِسُورࣲ لَّهُ بَابُۢ بَاطِنُهُ فِیهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ یُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَ((غَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ)) حَتَّىٰ جَاۤءَ أَمۡرُ ٱللهِ وَغَرَّكُم بِٱللهِ ٱلۡغَرُورُ﴾ [الحديد 13 - 14]،.
كل كلمات (الأماني) في ٱلۡقُرآن كانت تدل على معنى الأمنية،. وليست على معنى القراءة والتلاوة،.
وكما أن بعض المحرفين جعلوا معاني جديدة لألفاظ ٱلۡقُرآن، كمثل كلمة الضرب والنساء والقطع، قالوا النساء ليست النساء، والقطع ليس القطع، والضرب ليس الضرب، كذلك فعل السلفيون فقالوا الأمنية ليست الأمنية!!،. بل هي الأمنية من غير تنطع ولا تحريف للقول،. وهذه الكلمة هي المفتاح لفهم الآية،. وبمجرد تحريف معناها لمعنىً مختلف، فلن تفهم بقية الآية،. فالأمنية هي ما يرجوه المرء، والأماني هي الرغبات والشهوات،. وكذلك للرسل والأنبياء أماني،.
ــــــــ ماهي أمنية الأنبياء،.
بعد أن عرفنا ما معنى الأمنية نتسائل،. ما هي أمنية الأنبياء يا ترى؟،. ما الذي يحبه ويشتهيه النّبي ﷺ؟!،. وما هي رغبات وتوقعات الأنبياء؟!،. ما الذي يحبه الأنبياء أن يتحقق؟!،. ماهي أمنيات الأنبياء والرسل؟!،.
مبدئيا اعلم،. أن ما يلقيه الشيطان وينسخه الله [يثبته]،. لا يخص النّبي ﷺ وحده بل جميع الأنبياء والرسل بدليل بداية الآية،.
ولنتعرف على أمنية الأنبياء،. لأنها المفتاح لفهم بقية الآية، حين تعرفها ستعرف ما المقصود بالنسخ وكيف يثبت الله ما يلقيه الشيطان،. حين أضاع المفسرون معنى الأمنية [وعلى رأسهم الطبري وابن تيمية وابن القيم]،. أضاعوا معنى بقية الآية وطمسوها،.
نعرف أمنية الأنبياء من القرآن،. نعرفه من كلامهم هم،. وليس بالتقول عليهم من أكياسنا نحن،. لا نظن فيهم ولا نتخرص ولا نفتري عليهم بأهوائنا كما يفعل البعض،. بل ننظر ماذا قالَ اْلله عنهم،. لنعرف ماهي أمنيات الأنبياء،.
أرسل الله الأنبياء وأيدهم بالوحي والآيات حتى يؤمن الناس بالله وحده، فكان النبي يأمل أن يستجيب له الناس ويصدقوه ويؤمنوا بدعوته،. وبما أن الله بعثه للناس وأيده بالوحي والآيات، فكان يتوقع استجابة الناس كلهم له، ويشتهي سماعهم لدعوته والاستسلام لرسالة الله،. فكانوا *يتمنون دخول الناس أجمعين* في دين الله،. ولكن هذه الأمنية لم تتحقق،. ولن تتحقق،.
قال اْلله،. ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَارِهِمۡ *((إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَذَا ٱلۡحَدِیثِ))* أَسَفًا إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا﴾ [الكهف 6 - 8]،. كان الرَّسوْل ﷺ يتضايق لأنهم لم يؤمنوا،.
انظر ما الذي يحزن الأنبياء؟!،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَمَن *((كَفَرَ فَلَا یَحۡزُنكَ كُفۡرُهُ))* إِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤا۟ إِنَّ ٱللهَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمۡ قَلِیلࣰا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِیظࣲ﴾ [لقمان 23 - 24]،.
ــ وقال،. ﴿وَلَا یَحۡزُنكَ *((ٱلَّذِینَ یُسَارِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ))* إِنَّهُمۡ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللهَ شَیۡـࣰٔا یُرِیدُ ٱللهُ أَلَّا یَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظࣰّا فِي ٱلۡآخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم﴾ [آل عمران 176]،.
ــ وقال،. ﴿یَـا أَیُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا یَحۡزُنكَ *((ٱلَّذِینَ یُسَارِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ))* مِنَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِأَفۡوَاهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ...﴾ [المائدة 41]،.
انظر ما الذي يضايق الأنبياء؟!،.
ــ قال اْلله،. ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعۡضَ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَضَاۤئقُ بِهِ صَدۡرُكَ *((أَن یَقُولُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ))* كَنزٌ أَوۡ جَاۤءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَاۤ أَنتَ نَذِیرࣱ وَٱللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ وَكِیلٌ أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَاهُ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِعَشۡرِ سُوَرࣲ مِّثۡلِهِ مُفۡتَرَیَاتࣲ وَٱدۡعُوا۟ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللهِ إِن كُنتُمۡ صَادِقِینَ فَإِلَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللهِ وَأَن لَّاۤ إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا نُوَفِّ إِلَیۡهِمۡ أَعۡمَالَهُمۡ فِیهَا وَهُمۡ فِیهَا لَا یُبۡخَسُونَ أُو۟لَئكَ ٱلَّذِینَ لَیۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡآخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِیهَا وَبَاطِلࣱ مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [هود 12 - 16]،.
قال نبي ٱلله ﷺ،. ﴿مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ، وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، *((فَأَرْجُو أَن أَكُون أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ،.
فالذي يتمناه النبي ﷺ ويرجوه، هو أن يكثر أتباعه، أن يؤمن كل الناس ويتبعوه ويصدقوه،. يتمنى أن يجمعهم الله على الهُدَىٰ، يتمنى أن يصدقوا دعوته،. ولكن الله رد عليه أن هذا لن يحصل،. وأخبره عمن قبله من الأنبياء والرسل، أعلمه بأن هذه سنة الأولين،.
ــ قال الله،. ﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُ لَیَحۡزُنُكَ *((ٱلَّذِي یَقُولُونَ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ ٱلظَّالِمِینَ بِآیَاتِ ٱللهِ یَجۡحَدُونَ وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ))* فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰۤ أَتَاهُمۡ نَصۡرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللهِ وَلَقَدۡ جَاۤءَكَ مِن نَّبَئ ٱلۡمُرۡسَلِینَ وَإِن كَانَ *((كَبُرَ عَلَیۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ))* فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِي نَفَقࣰا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمࣰا فِي ٱلسَّمَاۤءِ فَتَأۡتِیَهُم بِآیَةࣲ *((وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَاهِلِینَ))﴾* [الأنعام 33 - 35]،.
هنا أعلم اللهُ النّبيَ ﷺ أنه يستطيع جمع الناس كلهم على الهُدَىٰ لو شاء وذلك بأن ينزل آية تجعلهم يخضعون كلهم،. ولكن الله لن يكرههم على الإيمان هكذا، بل سيتركهم في فتنة وبلاء،. من غير آياتٍ مخضعةٍ مُلزمة،. وسينظر كيف يعملون،.
ــ قال اْلله،. ﴿طسۤمۤ تِلۡكَ ءَایَاتُ ٱلۡكِتَابِ ٱلۡمُبِینِ لَعَلَّكَ بَاخِعࣱ نَّفۡسَكَ *((أَلَّا یَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ ءَایَةࣰ فَظَلَّتۡ أَعۡنَاقُهُمۡ لَهَا خَاضِعِینَ))* وَمَا یَأۡتِیهِم مِّن ذِكۡرࣲ مِّنَ ٱلرَّحۡمَنِ مُحۡدَثٍ إِلَّا كَانُوا۟ عَنۡهُ مُعۡرِضِینَ فَقَدۡ كَذَّبُوا۟ فَسَیَأۡتِیهِمۡ أَنۢبَـٰۤؤُا۟ مَا كَانُوا۟ بِهِ یَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [الشعراء 1 - 6]،.
ــ وقال الله في بداية القُرآن،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [البقرة 6]،.
ــ وقال،. ﴿كَذَلِكَ أَرۡسَلۡنَاكَ فِي أُمَّةࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَاۤ أُمَمࣱ لِّتَتۡلُوَا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلَّذِي أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَهُمۡ یَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَنِ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ مَتَابِ وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانࣰا سُیِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰ *((بَل للهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِیعًا أَفَلَمۡ یَیۡأسِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا))* وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ تُصِیبُهُم بِمَا صَنَعُوا۟ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِیبࣰا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ یَأۡتِي وَعۡدُ ٱللهِ إِنَّ ٱللهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ﴾ [الرعد 30 - 31]،.
فحتى لا يظن النّبي ﷺ أنه وحده من بين الأنبياء والرسل، الذي صد عنه الناس،. فأخبره الله أنها سنة الله في خلقه، وبقية الرسل قبلك كانوا مثلك كذلك،. فبدأ الآية بــ ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِيٍ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ...﴾،. أخبره أنه ليس لوحده، فالناس قبله كذبت الرسل والأنبياء كلهم،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَإِن یُكَذِّبُوكَ *((فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ)) وَإِلَى ٱللهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ﴾ [فاطر 4]،.
ــ وقال،. ﴿وَإِن یُكَذِّبُوكَ *((فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم))* بِٱلۡبَیِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَابِ ٱلۡمُنِیرِ﴾ [فاطر 25]،.
ــ وقال عن الرسل بعد نوح،. ﴿ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَا *((كُلَّ مَا جَاۤءَ أُمَّةࣰ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ))* فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضࣰا وَجَعَلۡنَاهُمۡ أَحَادِیثَ فَبُعۡدࣰا لِّقَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ﴾ [المؤمنون 44]،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَكَمۡ أَرۡسَلۡنَا مِن نَّبِي فِي ٱلۡأَوَّلِینَ وَمَا یَأۡتِیهِم مِّن نَّبِي إِلَّا كَانُوا۟ بِهِ یَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [الزخرف 6 - 7]،.
ــ وقال،. ﴿وَكَذَلِكَ مَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡیَةࣲ مِّن نَّذِیرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَاۤ إِنَّا وَجَدۡنَاۤ ءَابَاۤءَنَا عَلَىٰۤ أُمَّةࣲ وَإِنَّا عَلَىٰۤ ءَاثَارِهِم مُّقۡتَدُونَ قَالَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَكُمۡ قَالُوۤا۟ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف 23 - 24]،.
ــ وقال،. ﴿كَذَلِكَ مَاۤ أَتَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا۟ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ أَتَوَاصَوۡا۟ بِهِ؟ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ طَاغُونَ فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَمَاۤ أَنتَ بِمَلُومࣲ وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الذاريات 52 - 55]،.
ــ قال الله في سورة "الأنبياء"،. ﴿مَاۤ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَاهَاۤ، أَفَهُمۡ یُؤۡمِنُونَ؟﴾ [الأنبياء 6]،.
ــ وقال في نفس السورة [سورة الأنبياء]،. ﴿وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَاهَاۤ أَنَّهُمۡ لَا یَرۡجِعُونَ﴾ [الأنبياء 95]،.
كل هذه الآيات من الله ليخبر النّبي ﷺ،. أن كثرة العداء والصد والكفر من الناس،. سنةُ الله في جميع المرسلين قبلك وأن أمنيتك (بجمع الناس على الإيمان) لن تتحقق أبداً،. ﴿وَأَقۡسَمُوا۟ بِٱللهِ جَهۡدَ أَیۡمَانِهِمۡ لَئن جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ لَّیَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِ *((فَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا ٱسۡتِكۡبَارࣰا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّء وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّء إِلَّا بِأَهۡلِهِ فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِینَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللهِ تَبۡدِیلࣰا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللهِ تَحۡوِیلًا))﴾* [فاطر 42 - 43]،.
فاللّه أخبر النّبي ﷺ أن ما يتمناه لن يحصل،. وأن الناس سيكفرون، سيعرضون، ولكن لماذا كفروا؟!،. لما ألقاه الشيطان،.
ــــــ ما الذي ألقاه الشيطان؟،. وكيف نسخه الله وثبته؟!،.
الناس يكفرون بسبب ما ألقاه الشيطان في أمنية النّبي ﷺ،. الذي ألقاه الشيطان من التزيين والتسويل، هو الشيء الذي فتن به الناس،. هو الذي زين لهم، فصار وليهم،.
ــ قال اْلله،. ﴿تَٱللهِ لَقَدۡ *((أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ أَعۡمَالَهُمۡ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ ٱلۡیَوۡمَ))* وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾ [النحل 63]،.
ــ وقال،. ﴿وَعَادࣰا وَثَمُودَا۟ وَقَد تَّبَیَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمۡ *((وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ أَعۡمَالَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ))* وَكَانُوا۟ مُسۡتَبۡصِرِینَ﴾ [العنكبوت 38]،.
ــ وقال الهدهد،. ﴿إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةࣰ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِیَتۡ مِن كُلِّ شَيءࣲ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِیمࣱ وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا یَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللهِ *((وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ أَعۡمَالَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ))* فَهُمۡ لَا یَهۡتَدُونَ﴾ [النمل 23 - 24]،.
السبب الأول في صد الناس كان ((تزيين الشيطان لهم))،. وهذا التزيين لم يكن فوق إرادة الله وفوق مشيئته،. بل كان بإذن الله للشيطان أن يغوي ويزين لهم،. فحين أقسم الشيطان أنه سيضل بني آدم،. لم يمنعه الله،. بل تركه يفعل واستثنى قلة قليلة من الناس،. ولولا أن أذِن الله له، لما استطاع أن يغوي أحداً البتة،. ولكنه استطاع ذلك لأن الله ((نسخ ما توعد به الشيطان))،. أي ثبَّت له ما أراد، وأذن له بأن يستمر ويبقى، وذكر الله السبب فقال ليجعل ما يلقي الشيطان فتنةً للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم،. ولأسباب أخرى ذكرها الله في الآيات التي بعدها،.
قال اْلله،. ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَائكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِآدَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ قَالَ ءَأَسۡجُدُ لِمَنۡ خَلَقۡتَ طِینࣰا قَالَ أَرَءَیۡتَكَ هَذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَیَّ *((لَئنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَامَةِ))* لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّیَّتَهُ إِلَّا قَلِیلࣰا *((قَالَ ٱذۡهَبۡ))* فَمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاۤؤُكُمۡ جَزَاۤءࣰ مَّوۡفُورࣰا *((وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم))* بِصَوۡتِكَ *((وَأَجۡلِبۡ))* عَلَیۡهِم بِخَیۡلِكَ وَرَجِلِكَ *((وَشَارِكۡهُمۡ))* فِي ٱلۡأَمۡوَالِ وَٱلۡأَوۡلَادِ *((وَعِدۡهُمۡ))* وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطانُ إِلَّا غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَیۡسَ لَكَ عَلَیۡهِمۡ سُلۡطَانࣱ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِیلࣰا﴾ [الإسراء 61 - 65]،.
استأذن الشيطان من الله فقال،. (لئن أخرتني،.. لأحتنكن ذريته،...)،. فأذن الله له ذلك،. (قال فاذهب، واستفزز، وأجلب، وشارك، وعدهم،..)،. وهذا ما نسخه الله من إلقاء الشيطان،. أي ثبت له وعْده،.
ــــ قال ٱلله،. ﴿إِنَّ ٱللهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن یَشَاۤءُ وَمَن یُشۡرِكۡ بِٱللهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَالَۢا بَعِیدًا إِن یَدۡعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّاۤ إِنَاثࣰا وَإِن یَدۡعُونَ إِلَّا شَیۡطَانࣰا مَّرِیدࣰا لَّعَنَهُ ٱللهُۘ *((وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِیبࣰا مَّفۡرُوضࣰا وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّیَنَّهُمۡ وَلَآمُرَنَّهُمۡ فَلَیُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمۡ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللهِ))* وَمَن یَتَّخِذِ ٱلشَّیۡطَانَ وَلِیࣰّا مِّن دُونِ ٱللهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانࣰا مُّبِینࣰا *((یَعِدُهُمۡ وَیُمَنِّیهِمۡ))* وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء 116 - 120]،.
ما هو النصيب المفروض الذي يتكلم عنه الشيطان؟!،. ومن أعطاه هذا النصيب [الجزء والمقدار المحدد]؟!،. ومن الذي فرضه عليه ليفعل هذا؟! هل تظن بأنه غير الله من يستطيع أن يفترض عليه نصيباً ((مفروضاً))؟!،. لا،. بل هو الله وحده من أذن له،. هذا النصيب المفروض من إضلاله لعباد اللّٰه،. هو بالتحديد الجزء الذي نسخه الله له، وثبته له،. نصيباً مفروضاً عليه،. لا يستطيع الشيطان تجاوز هذا القدر الذي نسخه الله له [أي ثبته له]،.
ولتعلم معنى [النصيب المفروض]،. اقرأ هذه الآية ستفهم مباشرةً أن النصيب المفروض يشبه النسخ تماماً،. قال ٱلله [في نفس السورة]،. ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَالِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَاۤءِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَالِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ *((مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَ نَصِیبࣰا مَّفۡرُوضࣰا))﴾* [النساء 7]،. النصيب المفروض هنا هو مقدار معين تركه الميت فكان من نصيب الوارث،. ولا يحق له أن يستزيد منه،. وهذا هو الذي أعطاه الله للشيطان،. مقدار معين من الإضلال، كتبه له، وأذن لهذ وسمح به،. وهذا هو نسخه لما ألقاه،.
ــــ قال اْلله،. ﴿قَالَ فَٱهۡبِطۡ مِنۡهَا فَمَا یَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِیهَا فَٱخۡرُجۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِینَ قَالَ أَنظِرۡنِي إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِینَ ((قَالَ فَبِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَاطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ ثُمَّ لَآتِیَنَّهُم مِّنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَیۡمَانِهِمۡ وَعَن شَمَاۤئلِهِمۡ)) وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَاكِرِینَ قَالَ ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومࣰا مَّدۡحُورࣰا *((لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ))* أَجۡمَعِینَ﴾ [الأعراف 13 - 18]،.
ثم قال الله،. ﴿یَا بَنِي ءَادَمَ لَا یَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّیۡطَانُ كَمَاۤ أَخۡرَجَ أَبَوَیۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ یَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوۡءَاتِهِمَاۤ إِنَّهُ یَرَاكُمۡ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنۡ حَیۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡ *((إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّیَاطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ لِلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ))﴾* [الأعراف 27]،.
قول الله،. ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّیَاطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ لِلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ،﴾،. هو تفسير قوله،. ﴿فَيَنسَخُ ٱللهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ﴾،. وهذا ذاته النصيب المفروض الذي قال الشيطان أنه سيتخذه من عباد الله بعد إضلالهم واستحواذه عليهم،.
وعد الشيطان أن يغوي بني آدم ويقعد لهم [هذا القعود هو ما ألقاه الشيطان]،. فأذِن الله له،. وقال لنا *((أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون))*،. فمن ظن بأن ما ألقاه الشيطان قد ذهب وألغي وأُزيل فقد توهّم،. بل هو حاضر إلى اليوم،. يزين للناس ويفتنهم ويغويهم،. كل ذلك بإذن اللّٰه،.. والجميع سيناله شيءٌ من فتنة الشيطان،. إلا المخلصين الذين استثناهم اللّٰه،.
ــــ قال اْلله،. ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِي إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِینَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ ((قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِي لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ)) وَلَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَیَّ مُسۡتَقِیمٌ إِنَّ عِبَادِي لَیۡسَ لَكَ عَلَیۡهِمۡ سُلۡطانٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِینَ﴾ [الحجر 36 - 42]،.
هنا اعترف الشيطان بها، وقال لله (ربِي)،. (ربِ بما أغويتني لأزينن لهم) [هذا هو ما ألقاه الشيطان]،. فهو يعلم يقيناً، أن كل شيء بإذن الرب، فهو يطلب منه الاذن ابتداءً ليغوي ويفتن،. فلولا إذن الرب لن يقدر الشيطان على شيء،. ولكن الرب أذن له،. وحصر الاذن في الذين اتبعوه من الغاوين،.
ومما يدل أن هذا التزيين الذي يفعله الشيطان ما هو إلا إذن الله له،. هو قول الله أنه يزين للكافرين،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَلَا تَسُبُّوا۟ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللهِ فَیَسُبُّوا۟ ٱللهَ عَدۡوَۢا بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ ((كَذَلِكَ زَیَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ)) ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَیُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام 108]،.
ــ وقال،. ﴿أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَاهُ وَجَعَلۡنَا لَهُ نُورࣰا یَمۡشِی بِه فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَاتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَا ((كَذَلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَافِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ))﴾ [الأنعام 122]،.
ــ وقال،. ﴿أَفَمَنۡ هُوَ قَاۤئمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ وَجَعَلُوا۟ لِلهِ شُرَكَاۤءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡ أَمۡ تُنَبِّـُٔونَهُ بِمَا لَا یَعۡلَمُ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَاهِرࣲ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ ((بَلۡ زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّوا۟ عَنِ ٱلسَّبِیلِ)) وَمَن یُضۡلِلِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِنۡ هَادࣲ﴾ [الرعد 33]،.
ــ وقال،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡآخِرَةِ ((زَیَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَالَهُمۡ فَهُمۡ یَعۡمَهُونَ))﴾ [النمل 4]،.
فتزيين الشيطان أساساً خاضعٌ لتزيين الله،. ولن يتحصل للشيطان تزيين لو لم يشأ الله ذلك،.
ــــ قال اْلله،. ﴿وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَیۡهِمۡ إِبۡلِیسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِیقࣰا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَیۡهِم مِّن سُلۡطَانٍ *((إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یُؤۡمِنُ بِٱلۡآخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكࣲّ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٍ حَفِیظࣱ))﴾* [سبأ 20 - 21]،.
ــــ أخبرنا اْلله عن الشيطان، أنه حين توعد أقسم بعزة الله فقال،. ﴿..((فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ)) إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ﴾ [ص 71 - 83]،. أقسم الشيطان بعزة الله،. لأنه يعلم أنه لن يستطيع أن يغوي أحداً إلا إذا سمح له العزيز به،. والعزيز هو المنيع الممتنع الذي لا يحصل شيءٌ إلا بإذنه،. قال اْلله،. ﴿..وَمَن یُضۡلِلِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِنۡ هَادࣲ وَمَن یَهۡدِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَیۡسَ ٱللهُ بِعَزِیزࣲ؟..﴾ [الزمر 36 - 37]،.
فحين أقسم الشيطان هنا أقسم بالعزة، أي كأنه يقول : (رب، لو أذنت لي، لأغويتهم، ولو منعتني، لن أستطيع أن أغويهم)،. فالشيطان ليس له سلطان ولا حكم ولا عزة ولا سيطرة من نفسه،. إن لم يأذن الله له فلن يحرك ساكناً،. وكما قال نبي اْلله ﷺ،. ﴿..فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقاً..﴾ أخرجه البخاري ومسلم،. ولكن طالما أغوى بني البشر، فهذا يدل أن الله أذِن له أن يغويهم باستثناء،. ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص 83]،. وفي قراءة ﴿..الْمُخْلِصِينَ﴾،. فهؤلاء الْمُخْلَصِينَ المُخْلِصِين، لم يأذن الله للشيطان بأن يغويهم،. فهو العزيز، والعزة الامتناع والاحكام،. قال اْلله،. ﴿..وإنّهُ لَكِتَابٌ *((عَزِيْزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ))* حَمِيدٍ﴾ [فصلت 41 - 42]،.
بالتالي،. ما ألقاه الشيطان موجود لم يذهب ولم يُزَل،. بل جعله الله فتنة لبعض الناس،. ليطعنوا في دين الله ويفتروا عليه،. ما ألقاه الشيطان هو التزيين نفسه،. يزين الشيطان لهم أعمالهم،. يفتنهم،. وكل هذا بإذن الله له،. وتزيين الشيطان للناس معلوم،. وهذا يقر به كل مسلم، بل ويردده في نفسه كل حين،. كذلك أتباع الفرق الإسلامية،. سواءً الفرقة الناجية أو غيرها،.
فلنسأل السلفي مثلاً،. ألا ترى أن الشيطان قد أضل الأشاعرة فجعلهم يقولون بأن اللّٰه ليس في مكان؟!،. وأضل المعتزلة فعطلوا الصفات؟!،. وأضل الصوفية فجعلهم يطوفون حول القبور؟،.
ــ ونسأل الصوفي،. ألا تقول بأن الشيطان زين للسلفية أعمالهم فجعلهم يكفّرون المتوسل بالميت؟!،.
ــ ونسأل الأشعري،. ألا ترى أن الشيطان قد أضل السلفية فجعلهم يقتلون المسلمين ويفجرون المساجد؟!،.
ــ ونسأل الشيعي،. ألا تقول بأن الشيطان زين للسلفي وصرفه عن ولاية علي؟!،.
ــ ونسأل القرآني،. ألا ترى بأن الشيطان زين للسلفية فجعلهم يتخذون العلماء أربابا من دون الله؟!،.
ــ ونسأل المسطح،. ألا ترى بأن الشيطان أضل الكماميج عن آيات الله؟!،. وجعلهم يظنون بأن العلم الحديث كأنه قرآنٌ آخر، لا يعارض ٱلۡقُرآن؟!،. فآمنوا بوهم الفضاء وأن أرضهم صغيرة حقيرة تدور بهم كالراقصة حول نفسها والشمس؟!،.
ــ ونسأل الكروي،. ألا ترى بأن الشيطان زيّن للمسطحين وجعلهم يصدقون كلام الله؟!،. بلا تفاسير العلماء!،. ويصدقون ما يشاهدونه بأعينهم من ثبات الأرض وحركة الشمس واستواء الماء؟!،.
ــ ونسأل الداعشي السلفي، أليس الشيطان من جعل الناس يرتدون عن الدين لسيتحقوا التكفير وجز الرقاب؟!،.
ــ ونسأل العلماني والمتنور والأصولي والأزهري والسني والإباضي،. كلٌ بحسب ما يراه ويؤمن به،. يتهم غيره بأن الشيطان أضله،.
نسألهم كلهم عن أعدائهم من بقية الأحزاب والفرق،. كلهم يشهدون بأن الشيطان حاضرٌ وبقوة، ويعمل فيهم ما وعده وأذن الله به،. يحاول قدر الإمكان أن يعطل الدين ويضل المسلمين ويصد الناس عن السبيل،.
فما ألقاه الشيطان موجودٌ حاضرٌ لم يذهب، ولم يمحه الله، ولم يُزِله كما ظن الناس من قراءة الآية،. بل أبقاه الله ونسخه [أي ثبته]،. ولا يزال الشيطان يعمل ليل نهار ليبعد الناس عن أمنيات الأنبياء والرسل،. التي كانت : هداية الناس أجمعين،. فالآية لها وقعها إلى اليوم، ولم تختص بحادثة كانت ومضى زمانها في مشركي قريش، كما يتصورها الناس،.
والحق باقٍ،. فقد أحكم الله آياته،. وحفظ ٱلۡقُرآن، فلا يستطيع الشيطان أن يغير فيه شيئاً،. إنما يستطيع أن يغويهم ويفتنهم عن ٱلۡقُرآن ويصرفهم عن آيات الله بوضع القواعد الفقهية والأدوات والشروط التي ستعمل على طمس ٱلۡقُرآن، واستحالة وصول الناس للآيات،. وسيرمونها بالباطل،. فمثلاً سيسعى الشيطان ليجعلهم يقولون : ٱلۡقُرآن حمال وجوه [وقد قيل فعلاً]،. ٱلۡقُرآن فيه آيات متشابهة ليست محكمة [وقد قيل فعلاً]،. فَهمُ ٱلۡقُرآن ينبغي أن يكون بفهم السلف [وقد قيل فعلاً]،. يجب أن تتحصل على الآلة والأدوات والشروط لتفسر ٱلۡقُرآن [وقد قيل فعلاً]،. لا يعلم تأويل ٱلۡقُرآن إلا الله والراسخون [وقد قيل فعلاً]،. ٱلۡقُرآن فيه آيات منسوخة [وقد قيل فعلاً]،. وخير شاهدٍ على ذلك هو الواقع المرير بين أيدينا، فعلماء الأمة قاطبة يقولون بالنسخ وأن معناه الإزالة والرفع،. ولْاحَوْلَ ولاْ قُوّةَ إِلاّ بِاْلله،. حتى الذين لا يؤمنون بأن في ٱلۡقُرآن ناسخٌ ومنسوخ،. يرون بأن كلمة النسخ تعني الإزالة،. بينما هي تعني التثبيت،.
ــــ *((قول الناس بأن ٱلۡقُرآن فيه آيات منسوخة [بمعنى مرفوعة الحكم]،. هو شيءٌ مما ألقاه الشيطان))* وهو ضمن حدود ما أذن الله به للشيطان،. ففتن به مرضى القلوب، والقاسية قلوبهم،. وقصة الغرانيق برمتها، هي مما ألقاه الشيطان على أمنيات الأنبياء، حتى يصرف الناس عن معنى الآية ويظنون بأن تفسيرها هو تلك القصة التي فيها مدحٌ للنُصب،.
أما ٱلۡقُرآن فقد أحكمه الله فبقي محكماً،. لن يدخله شيءٌ، ولن يخرج منه شيءٌ،. سيبقى كما هو حتى يرث الله الأرض،. فٱلۡقُرآن كله منسوخ،. هو نسخة من الكتب السابقة، نسخةٌ مصدقةٌ لما سبقه من الكتب المنسية [التي أنساها الله]،. أُجّل الله إنزال هذه النسخة لوقتها [أنسأها الله]، وثبتها الله [نسَخَها]،. هذا هو النسخ،.
ــــــــ تفسير آية نسخ الله لما ألقاه الشيطان من ٱلۡقُرآن،. عبر المتشابهات،.
اقرأ هذه الآيات التالية من سورة الأنعام، هذه الآية تفسر آية "أمنية الرسل والأنبياء وما ألقاه الشيطان وما نسخه الله"،. هذه الآية تفسرها وتبينها وتشرحها وتظهرها تماماً، وهي الآية الشبيهة بها، أخت آية الحج، توءمها،. وهي تُغني عن الشرح والتبيان وكثير الكلام،. لا تفسرها فحسب، إنما كذلك تشرح وتفسر الآية التي بعدها،. حين قال اْلله أنه يجعل ما يلقيه الشيطان فتنة،. في هذه الآية سيبين الله كيف فعل ذلك كله،.
قال اْلله،. ﴿وَكَذَلِكَ ((جَعَلۡنَا)) لِكُلِّ نَبِيّ ((عَدُوࣰّا شَیَاطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ)) یُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورࣰا ((وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)) فَذَرۡهُمۡ وَمَا یَفۡتَرُونَ ((وَلِتَصۡغَىٰۤ إِلَیۡهِ أَفۡـِٔدَةُ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡآخِرَةِ وَلِیَرۡضَوۡهُ)) وَلِیَقۡتَرِفُوا۟ مَا هُم مُّقۡتَرِفُونَ ((أَفَغَیۡرَ ٱللهِ أَبۡتَغِي حَكَمࣰا وَهُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكِتَابَ مُفَصَّلࣰا وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَعۡلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلࣱ/مُنْزَلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ)) فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ ((وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقࣰا وَعَدۡلࣰا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ)) وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللهِ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن یَضِلُّ عَن سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ﴾ [الأنعام 112 - 117]،.
والله لو اكتفينا بدراسة هذه الآية لوحدها كتفسيرٍ وبيان جلي لآية إلقاء الشيطان لكفتنا وأكفتنا وملأت أبصارنا وقلوبنا وأفئدتنا بالعلم والفهم واليقين،. وهذا أحسن التفسير الذي أخبر الله به،. ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ ((وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا))﴾ [الفرقان 33]،. وقال،. ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ ((عَلَيْنَا بَيَانَهُ))﴾ [القيامة 17 ـ 19]،.
وسورة الحج نفسها تتشابه كثيراً مع سورة الأنعام،. خاصةً أن الله حين ذكر فيها الحج، ذكر العلة من الحج،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ *((بِٱلۡحَجِّ))* یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ لِّیَشۡهَدُوا۟ مَنَافِعَ لَهُمۡ *((وَیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللهِ فِي أَیَّامࣲ مَّعۡلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَامِ))* فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡبَاۤئسَ ٱلۡفَقِیرَ﴾ [الحج 27 - 28]،.
ــ وقال،. ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةࣲ جَعَلۡنَا مَنسَكࣰا ((لِّیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَامِ)) فَإِلَهُكُمۡ إِلَهࣱ وَاحِدࣱ فَلَهُ أَسۡلِمُوا۟ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ﴾ [الحج 34]،.
فلا عجب أن يكون تفسير هذه الآية التي من سورة (الحج)، موجودة في سورة (الأنعام)،. والذي أذهلني في سورة (الأنعام)،. أن الله ذكر فيها (حجته) البالغة، (وحجة) إبراهيم على قومه حين (حاججوه)،. ولم ينسب الله الحجة إليه إلا في سورة (الأنعام)،.
ــ قال اْلله في سورة الأنعام،. ﴿((وَحَاۤجَّهُ)) قَوۡمُهُ قَالَ ((أَتُحَـاجُّوۤنّي)) فِي ٱللهِ وَقَدۡ هَدَان..﴾ [الأنعام 80]،.
ــ وقال،. ﴿وَتِلۡكَ ((حُجَّتُنَاۤ)) ءَاتَیۡنَاهَاۤ إِبۡرَاهِیمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِ..﴾ [الأنعام 83]،.
ــ وقال،. ﴿قُلْ فَـ((ـلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ)) فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [اﻷنعام 149]،.
ــ وفي آخرها،. ﴿قُلۡ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ *((صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ دِینࣰا قِیَمࣰا مِّلَّةَ إِبۡرَاهِیمَ))* حَنِیفࣰا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ *((قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي))* وَمَحۡیَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ ٱلۡعَالَمِینَ لَا شَرِیكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [الأنعام 161 - 163]،.
ــ والنسك يكون في ((الأنعام والحج معا))،. بدليل،. ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا ((مَنْسَكًا لِـيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)) فَـإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَـلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج 34]،. ومن قوله،. ﴿((وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ)) وَٱلْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ ((فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)) فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن ((تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ)) فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾ [البقرة 196]،.
والعجيب بعد هذا كله،. أن الاسم الآخر لسورة الأنعام، هو سورة "الحجة"،. فالحج والأنعام قرائن،. فالله حجنا بنعمه علينا،. والأنعام كانت السبيل لمعرفة ربنا،. عبر نعمه الكثيرة المجتمعة فيها،. [وتفصيل هذه الجزئية في دروس ومقالات الأنعام]،.
والشيطان يعلم هذا يقيناً، يعلم أن الله سخر لنا الأنعام آية لنا، تأذن لنا بمعرفة الله عبرها،. لنشكره ولنؤمن به عبر النعمة والأنعام،. ولهذا كان من جملة ما توعد به الشيطان وألقاه،. أن يقطع هذا السبيل المؤدي لمعرفة الرب،. يقطع ما تأذن به الأنعام،. فقال بعد أن لعنه الله،. ﴿لَّعَنَهُ ٱللهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِیبࣰا مَّفۡرُوضࣰا *((وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّیَنَّهُمۡ وَلَآمُرَنَّهُمۡ فَلَیُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمۡ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللهِ))* وَمَن یَتَّخِذِ ٱلشَّیۡطَانَ وَلِیࣰّا مِّن دُونِ ٱللهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانࣰا مُّبِینࣰا﴾ [النساء 118 - 119]،.
فالشيطان توعد ببتك ما تأذن به الأنعام،. لأن الأنعام تأذن لنا بمعرفة أنه لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله،. كما قال ٱلله،. ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةࣲ جَعَلۡنَا مَنسَكࣰا [[لِّیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَامِ]] فَـ((ـإِلَهُكُمۡ إِلَهࣱ وَاحِدࣱ)) فَلَهُ أَسۡلِمُوا۟ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ﴾ [الحج 34]،. وتفصيل هذا كان في مقالٍ منفصل، ليس هذا مقامه،.
ــــــــ عِبَر من آية الأنعام، التي فسرت آية الحج،..
ــ قال اْلله في سورة الأنعام أن قول شياطين الإنس مزخرفٌ، يوحونه لبعضهم، يتناقلونه بينهم [كمسألة الناسخ والمنسوخ، يبدو جميلاً في ظاهره، وفيه أدلة كثيرة تدعمه، ويضربون له الأمثال كالطبيب الذي يعطي الدواء مختلفاً لكل مرحلة من المرض، فيظهر لهم وكأنه وحي يرضاه الله، ولكنه زخرف من القول]،. ويقابله في آية الحج،. ﴿..أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَانُ فِي أُمۡنِیَّتِهِ...﴾،.
ــ وقال أنه غرور،. [وهذا يعني أنهم يفرحون بما عندهم ولا يعلمون أنه خلاف الحق، مضحوك عليهم، مُغررٌ بهم]،.
ــ وقال أنه لو شاءالله ما فعلوه،. [وهذا يدل أنه شاء ذلك، وهذا هو نسخ الله لما ألقاه الشيطان]،.
ــ وقال أنه ((جعل)) لكل نبي عدواً من الجن والإنس،. [أي أن ذلك حصل بإذنه هو وإرادته، وليس فوق إرادته]،. يقابله في آية الحج،. ﴿..فَیَنسَخُ ٱللهُ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ..﴾،. وهذا هو النصيب المفروض،.
ــ وذكر أن السبب في ذلك هو لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة،. أي أن هؤلاء يريدون الدنيا،. [وأشكال ذلك كثيرة، كحب الظهور، الشهرة، التشرف بالعلم، الجاه، السمعة، التزكية، التصدر وكثرة الاتباع (Subscribers & Followers)، المال، كثرة المطبوعات وما تدره]،. ويقابل ذلك في الحج،. ﴿لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُم..﴾
ــ وفيها أنهم سيرضونه،. [تفهم أنهم سيحبونه وسيدافعون لأجله كما يفعل الأشياخ اليوم مع قضية الناسخ والمنسوخ]،.
ــ وفيها أن الله أنزل هذا الكتاب مفصَّلاً، وفعلاً هو مفصلٌ، وهذا الذي نراه أمامنا هو تفصيلً لآية الحج بكل ما تحمل من معنى، فسُبْحَانَ اللّٰه [الآية التي ذكرت التفصيل هي بنفسها تفصيل]،.
ــ وفيها تحذير من ابتغاء غير الله حكماً،. [كأن يُحكم على هذه الآية أنها منسوخة مرفوعة، وتلك منسوخة، فهذا الحكم حق لله وحده، وليس لغيره]،. ويقابله في آية الحج،. ﴿وَٱللهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ﴾،.
ــ وفيه أن كلام الله عدل وصدق لا يتبدل [والله كأنه يرد على مسألة الناسخ والمنسوخ]،. ويقابله في الحج،. ﴿..ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللهُ ءَایَاتِهِ وَٱللهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ﴾،.
ــ وفيه أن أكثر الناس سيضلون عن الحق،. [وفعلاً أكثر الأشياخ مقتنعون بالناسخ والمنسوخ، بل يؤيدونه وينصرونه ولو أطعتهم لأضلوك عن سبيل الله]،.
ــ وفيه أن الأشياخ المجرمون¹،. يتبعون الظن، ويتخرصون،. [وحقاً، قولهم بأن هذه منسوخة معتمدٌ على الظن المحض، وليس على الوحي البتة، ولأجل ذلك تراهم بعد مدة يتراجعون عن ظنونهم، أو يراجعهم أقرانهم، ولو كان وحياً لما تجرأ أحدٌ على رده ومراجعته]،.
¹ لماذا سميتهم مجرمين؟،. لأن الله قال فيهم،. *﴿((وَكَذَلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوࣰّا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِینَ))* وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِیࣰا وَنَصِیرࣰا وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةࣰ وَاحِدَةࣰ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلۡنَاهُ تَرۡتِیلࣰا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان 31 ــ 33]،.
بل حتى آية الأنعام نفسها التي فيها ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلۡنَا..﴾، بعدها بآيات،. قال اْلله،. ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَابِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَا وَمَا یَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ وَإِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَةࣱ قَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللهِ، ٱللهُ أَعۡلَمُ حَیۡثُ یَجۡعَلُ رِسَالَتَهُ ((سَیُصِیبُ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ صَغَارٌ)) عِندَ ٱللهِ وَعَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَمۡكُرُونَ﴾ [الأنعام 123 - 124]،.
قال اْلله عن هؤلاء المجرمين،. [اقرأ وتعلم كيف تفسر ٱلۡقُرآن بالمتشابهات التي نبذها الناس]،. وهذه الآية تفسر آية الحج كذلك، كما فسرتها آية الأنعام،. قال اْلله،. *﴿((وَقَیَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَاۤءَ فَزَیَّنُوا۟ لَهُم مَّا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ))* وَحَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِي أُمَمࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ خَاسِرِینَ وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ *((لَا تَسۡمَعُوا۟ لِهَذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ))* فَلَنُذِیقَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ عَذَابࣰا شَدِیدࣰا وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ ذَلِكَ جَزَاۤءُ *((أَعۡدَاۤءِ ٱللهِ ٱلنَّارُ لَهُمۡ فِیهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُوا۟ بِآیَاتِنَا یَجۡحَدُونَ وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ رَبَّنَاۤ أَرِنَا ٱلَّذَیۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ))* نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِیَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِینَ﴾ [فصلت 25 - 29]،.
وجوه التشابه بين آين الحج [52] وبين هذه الآيات،.
1 ــ هذه فيها عداوة لله، وتلك فيها عداوة للرسول ﷺ،.
2 ــ في كليهما طعن وصد عن ٱلۡقُرآن وتقوّلٌ فيه [وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ]،.
3 ــ تكرر فيها ذكر الجن والإنس، والقرناء، والقرين جني يقترن بالإنسي،.
4 ــ أن الله يزيد الضالين ضلالة،. قال اْلله،. ﴿قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَالَةِ فَلۡیَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَنُ مَدًّا حَتَّىٰۤ إِذَا رَأَوۡا۟ مَا یُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَیَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضۡعَفُ جُندࣰا﴾ [مريم 75]،.
تلاحظ من كلمة الشياطين في الآيات التي تتكلم عن الصد عن الكتاب وعداوة النّبي ﷺ،. أن الأَولى بهذا المسمى [الشياطين] هم الإنس وليسوا الجن،. حيث قدم الله ذكر الانس قبل الجن فيها،. بينما في مواضع أخرى [ليس فيها الصد عن ٱلۡقُرآن والنّبي ﷺ]،. يقدم الله فيها الجن على الإنس،. فقد قدم الجن في العبادة، وفي نفاذ أقطار السماوات والأرض،. ولكن حين كان الكلام عن إتهام ٱلۡقُرآن بالباطل قدم فيها شياطين الإنس على شياطين الجن،. ولو أن أصل العمل من الشيطان نفسه،. ثم يتوارثه البشر شيخاً عن شيخ، لتصير بعد مدة من المسلمات ومن ثوابت الدين،. وهو لا يعدوا كونه تبعية عمياء لمن سبق من المفسرين،.
قال اْلله،. *﴿((وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللهِ))* وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا للهِ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ *((إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِینَ ٱتُّبِعُوا۟ مِنَ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوا۟ وَرَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوا۟ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةࣰ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُوا۟ مِنَّا))* كَذَلِكَ یُرِیهِمُ ٱللهُ أَعۡمَالَهُمۡ حَسَرَاتٍ عَلَیۡهِمۡ وَمَا هُم بِخَارِجِینَ مِنَ ٱلنَّارِ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُوا۟ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَالࣰا طَیِّبࣰا *((وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَاتِ ٱلشَّیۡطَانِ إِنَّهُ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینٌ إِنَّمَا یَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوۤءِ وَٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ))* *((وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ))* قَالُوا۟ بَلۡ نَتَّبِعُ مَاۤ أَلۡفَیۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَاۤ *أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَاۤؤُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَهۡتَدُونَ﴾* [البقرة 165 - 170]،.
ــــــ هل يدل نسخُ الله لما ألقاه الشيطان،. على رضاه بما ألقاه أو إقراره به؟،.
كونه أذن له أن يفعل هذا بل ثبته له ونسخه، لا يلزم ولا يقتضي منه أن الله أقره ورضيه، إنما أذن به ليجعله فتنة للمبطلين،. كذلك يفعل الله ما يشاء،. قال اْلله،. ﴿((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا)) لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)) فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [اﻷنعام 112]،.
فهو الذي يأذن بالضلال والشر أن يحصُلا فتنةً وبلاء للناس،. فلا تتصور بأن الشر قد يحصل من غير مشيئة الله أو فوق إذنه، أبداً،. ولا تظن لحظة بأن شيئاً في الخلق يستطيع التصرف بذاته دون مشيئة الله وإرادته قال اْلله،. ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ..﴾ [التكوير 29]،. الشر تحت مشيئة الله، والفساد كذلك،. والله يكره كل ذلك،. ولكنه موجود كسنة من سنن الله التي أذن بها مسبقاً أن تقع [ليقضي ويحقق الله به أمراً كالبلاء والفتنة،. قال الله،. ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا *((لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا))﴾* [الكهف 7]،. وقال،. ﴿لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ فِتۡنَةࣰ﴾،. فالله يبتلي ويفتن،. لينظر كيف يعملون،.
فلا شيء فوق إرادة الله،. كل شيء تحت إرادته ومشيئته حتى الشر،. قال اْلله،. ﴿أَلَمْ تَرَ ((أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ)) تَؤُزُّهُمْ أَزًّا فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم 83 ــ 84]،. فالله أرسل الشياطين،.
ــ وقال،. ﴿وَكَذَٰلِكَ ((جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ)) وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان 31]،. فالذي جعل المجرمين هو اللّٰه،.
ــ وقال،. ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ ((إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا)) أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [اﻷحزاب 17]،. فقد يريد الله السوء،.
ــ وقال،. ﴿...((قُلۡ فَمَن یَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللهِ شَیۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢا)) بَلۡ كَانَ ٱللهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرَا﴾ [الفتح 11]،. وقد يريد الضرر،.
ــ وقال،. ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ((يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)) إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾ [الرعد 11]،. لتعلم أن الشر إن جائك فهو من الله، ولا يمنعه إلا الله،. هو الله يحفظك من أمره هو،.
ــ وقال الله،. ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق 1 - 2]،. فهو الذي خلق الشر أساساً، وجعله لبعضهم فتنة وللآخرين بلاءً واختباراً،.
ــ قال اْلله،. ﴿كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤئقَةُ ٱلۡمَوۡتِ ((وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰ)) وَإِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ﴾ [الأنبياء 35]،. فالله يبتلينا ويختبرنا بالشر،. *((وكل ذلك لا يدل ولا يقتضي أنه يرضى به،. إنما ليقضي أمراً كان مفعولاً))،.*
ولتتيقن أن ما يلقيه الشيطان هو إضلاله للناس ليصدهم عن سبيل الله،. ارجع واقرأ بداية السورة [سورة الحج التي فيها إلقاء الشيطان]،. لتجد فيها أن الله تكلم عن البعث الذي أنكره أكثر الناس وجادلوا فيه،. وهذا مما ألقاه الشيطان فنسخه الله وثبته،. قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِیمࣱ یَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّاۤ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَكِنَّ عَذَابَ ٱللهِ شَدِیدࣱ *((وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَادِلُ فِي ٱللهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ *[[وَیَتَّبِعُ كُلَّ شَیۡطَانࣲ مَّرِیدࣲ كُتِبَ عَلَیۡهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ یُضِلُّهُ وَیَهۡدِیهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِیرِ]]* یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَیۡبࣲ))* مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَاكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةࣲ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةࣲ مُّخَلَّقَةࣲ وَغَیۡرِ مُخَلَّقَةࣲ لِّنُبَیِّنَ لَكُمۡ...﴾ [الحج 1 - 5]،.
فما يلقيه الشيطان هو الضلال، وأعظم الضلال الكفر بالبعث،. وفعلاً هذا الذي وجدناه في ٱلۡقُرآن في أكثر الناس،. قال اْلله،. ﴿أَوَلَمۡ یَتَفَكَّرُوا۟ فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ ٱللهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلࣲ مُّسَمࣰّى *((وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَاۤء رَبِّهِمۡ لَكَافِرُونَ))﴾* [الروم 8]،. فما نسخه الله للشيطان قد ثَبُت وبقي في أكثر الناس، فكفروا بالبعث والآخرة،. ويجادلون فيه،. كل ذلك بسبب ما ألقاه الشيطان وثبته الله له كما أراد بالضبط [نسخه]،. نسخة،.
ثم قال اْلله بعدها،. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّهُ یُحۡيي ٱلۡمَوۡتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ قَدِیرࣱ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ *((فِیهَا وَأَنَّ ٱللهَ یَبۡعَثُ مَن فِي ٱلۡقُبُورِ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَادِلُ فِي ٱللهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَابࣲ مُّنِیرࣲ ثَانِي عِطۡفِهِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللهِ))* لَهُ فِي ٱلدُّنۡیَا خِزۡيٌ وَنُذِیقُهُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ﴾ [الحج 6 - 9]،.
ــــــ لمن كانت الفتنة؟!،.
بعد أن نسخ الله [أي ثبَّت] ما ألقاه الشيطان،. جعل ما ألقى الشيطان فتنة لصنف معين من الناس حدد سماتهم، أخبرنا أنهم الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم،. ﴿..فَیَنسَخُ ٱللهُ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللهُ ءَایَاتِهِ وَٱللهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ *((لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِي ٱلشَّیۡطَانُ فِتۡنَةࣰ))* لِّلَّذِینَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمۡ..﴾،. فلننظر في ٱلۡقُرآن من هم الذين في قلوبهم مرض؟ وبماذا مرضت قلوبهم؟!،. ومن هم قساة القلوب؟،. وما الرابط بين مرض القلب وبين قسوة القلب؟،.
ــــــــ لماذا جعل الله ما ألقاه الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم على وجه التخصيص؟،.
الذي نسخه الله [ثبته]،. جعله فتنة للذين في قلوبهم مرض،. فلننظر ماذا قالَ اْلله عن هذه الفتنة التي وقع فيها الذين في قلوبهم مرض،.
اعلم ابتداء،. أن الشيطان توعد بإضلال البشر منذ طرده الله، وأن الله أذن له بذلك، ولكن حصر ذلك للذين اتبعوه وليس للمخلصين ولو شاء الله لمنعه على كل البشر ولكنه أذن له،. فكيد الشيطان ووعده نافذ في الناس،. هم الذين يتولون الشيطان،. قال اْلله،. ﴿إِنَّهُ لَیۡسَ لَهُ سُلۡطَانٌ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلۡطَانُهُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَتَوَلَّوۡنَهُ وَٱلَّذِینَ هُم بِهِ مُشۡرِكُونَ﴾ [النحل 99 - 100]،.
بالتالي،. كل ما أذن الله به للشيطان اسمه نسخٌ،. وهو الثابت الذي أذن به الله للشيطان،. هذا الذي نسخه الله مما ألقاه الشيطان،. أي ثبته وجعله فتنة لمن تبعه، من الذين في قلوبهم مرض وغيرهم من الكافرين والمنافقين،.
ــــــ الذين في قلوبهم مرض،.
مرض القلب يلزمه شفاء كأي مرض آخر،. ولكن هذا المرض خاص بالقلب وليس ببقية الأعضاء،. والقلب محله داخل الصدر،. قال اْلله،. ﴿أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبࣱ یَعۡقِلُونَ بِهَاۤ أَوۡ ءَاذَانࣱ یَسۡمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَارُ وَلَكِن تَعۡمَى *((ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ))﴾* [الحج 46]،. فلننظر في ٱلۡقُرآن ماهو شفاء هذا المرض الذي يصيب ما في الصدور،.
قال اْلله،. ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ *((ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَاۤءࣱ))* وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَا یَزِیدُ ٱلظَّالِمِینَ إِلَّا خَسَارࣰا﴾ [الإسراء 82]،. وهذا الشفاء، تجد تخصيصه في آية أخرى، هي كذلك عن ٱلۡقُرآن،. قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ *((قَدۡ جَاۤءَتۡكُم مَّوۡعِظَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَاۤءࣱ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ))* وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللهِ وَبِرَحۡمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلۡیَفۡرَحُوا۟ هُوَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ﴾ [يونس 57 - 58]،.
فشفاء القلب المريض في الصدور، لا يكون إلا بٱلۡقُرآن،. بالتالي، الذي يبتعد عن ٱلۡقُرآن ويكذب بآيات ٱلۡقُرآن، قلبه يمرض،. ولن يشفى حتى يرجع للۡقُرآن،. ففيه شفاء القلوب التي في الصدور،. قال اْلله،. ﴿وَلَوۡ جَعَلۡنَاهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِیࣰّا لَّقَالُوا۟ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَایَاتُهُ ءَا۬عۡجَمِيٌ وَعَرَبِيٌ *((قُلۡ هُوَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ هُدࣰى وَشِفَاۤءࣱ))* وَٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ فِي ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣱ وَهُوَ عَلَیۡهِمۡ عَمًى أُو۟لَئكَ یُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِ بَعِیدࣲ﴾ [فصلت 44]،. فشفاء مرض القلوب يكون بٱلۡقُرآن،. بالتالي مرض القلب هو ترك ٱلۡقُرآن،.
قال اْلله في الذين في قلوبهم مرض،. ﴿وَإِذَا مَاۤ ((أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ)) فَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ أَیُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَذِهِ إِیمَانࣰا فَأَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فَزَادَتۡهُمۡ إِیمَانࣰا وَهُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِینَ *((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ فَزَادَتۡهُمۡ رِجۡسًا))* إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُوا۟ وَهُمۡ كَافِرُونَ أَوَلَا یَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ یُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامࣲ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَیۡنِ ثُمَّ لَا یَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ یَذَّكَّرُونَ﴾ [التوبة 124 - 126]،.
ما الذي زادهم رجسا وفتنوا به كل عام؟! هي السورة التي نزلت في ٱلۡقُرآن!،. بسببها كانوا مرضى القلوب،. وفي نفس السورة قال اْلله،. ﴿وَإِذَاۤ ((أُنزِلَتۡ سُورَةٌ)) أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِٱللهِ وَجَاهِدُوا۟ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَـٔۡذَنَكَ أُو۟لُوا۟ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُوا۟ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَاعِدِینَ رَضُوا۟ بِأَن یَكُونُوا۟ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ ((وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَفۡقَهُونَ))﴾ [التوبة 86 - 87]،.
وفيهم قال كذلك،. ﴿وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ((لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةࣱ فَإِذَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ مُّحۡكَمَةࣱ)) وَذُكِرَ فِیهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَیۡتَ ٱلَّذِینَ ((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ)) یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيّ عَلَیۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِ..﴾ [محمد 20]،. فمرض القلب مرتبطٌ بالقرآن،. يصرفهم الشيطان عنه، فتمرض قلوبهم،. قال اْلله بعدها بآيات،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱرۡتَدُّوا۟ عَلَىٰۤ أَدۡبَارِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ((ٱلشَّیۡطَانُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ))﴾ [محمد 25]،.
ــــ القاسية قلوبهم،.
ننظر الآن لقسوة القلوب، هل سيكون بينها وبين مرضى القلوب علاقة؟!،.
قسوة القلب (في ٱلۡقُرآن) كانت مرتبطة بالبعد عن كلام الله وعن الذكر،. قالَ اْلله،. ﴿أَلَمۡ یَأۡنِ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ((أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ)) وَلَا یَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَابَ مِن قَبۡلُ ((فَطَالَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ)) وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد 16]،. فالذي أقسى قلوبهم هو بعدهم عن الذكر،.
قال اْلله،. ﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللهُ صَدۡرَهُ لِلۡإِسۡلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِ فَوَیۡلࣱ *((لِّلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللهِ))* أُو۟لَئكَ فِي ضَلَالࣲ مُّبِینٍ﴾ [الزمر 22]،.
قسوة القلب ⇜ لها علاقة بالذكر [ذكر الله]،.
وقال اْلله،. ﴿فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَاقَهُمۡ لَعَنَّاهُمۡ وَجَعَلۡنَا *((قُلُوبَهُمۡ قَاسِیَةࣰ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا۟ حَظࣰّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِ))* وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَاۤئنَةࣲ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡ إِنَّ ٱللهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [المائدة 13]،. كذلك الآية واضحة، أنه لما جعل الله قلوبهم قاسية، صاروا يحرفون كلام الله ونسوه،.
ــــ القسوة ضدها هو اللين،.
العجيب أن القلب المتعلق بالقرآن والذكر يلين واللين عكس القسوة،. قال اْلله،. ﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللهُ صَدۡرَهُ لِلۡإِسۡلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِ فَوَیۡلࣱ *((لِّلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللهِ))* أُو۟لَئكَ فِي ضَلَالࣲ مُّبِینٍ ٱللهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَابࣰا مُّتَشَابِهࣰا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ *((ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللهِ))* ذَلِكَ هُدَى ٱللهِ یَهۡدِي بِه مَن یَشَاۤءُ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِنۡ هَادٍ﴾ [الزمر 22 - 23]،.
فالقلب القاسي يلين مباشرةً بذكر الله،. بل ويطمئن ولا يضطرب من كثرة تقلبه،. قال اْللّٰه،. ﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَئنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللهِ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾ [الرعد 28]،.
ــ وقال الله عن قلوب المؤمنين،. ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ *((إِذَا ذُكِرَ ٱللهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ))* وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَاتُهُ زَادَتۡهُمۡ إِیمَانࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَاهُمۡ یُنفِقُونَ أُو۟لئكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقࣰّا لَّهُمۡ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ﴾ [الأنفال 2 - 4]،.
ــ وقال،. ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةࣲ جَعَلۡنَا مَنسَكࣰا لِّیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَامِ فَإِلَهُكُمۡ إِلَهࣱ وَاحِدࣱ فَلَهُ أَسۡلِمُوا۟ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ *((ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ))* وَٱلصَّابِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِیمِي ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَاهُمۡ یُنفِقُونَ﴾ [الحج 34 - 35]،.
وجه التشابه والترابط بين مرض القلب وقسوة القلب، هو أن كلاهما ارتبط بكلام الله،. ﴿فَلَوۡلَاۤ إِذۡ جَاۤءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُوا۟ *((وَلَكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِ))* فَتَحۡنَا عَلَیۡهِمۡ أَبۡوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّىٰۤ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَاۤ أُوتُوۤا۟ أَخَذۡنَاهُم بَغۡتَةࣰ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ [الأنعام 43 - 44]،.
ــــ قال الله،. ﴿وَإِذۡ *((زَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ أَعۡمَالَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارࣱ لَّكُمۡ))* فَلَمَّا تَرَاۤءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءࣱ مِّنكُمۡ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّي أَخَافُ ٱللهَ وَٱللهُ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ إِذۡ یَقُولُ ٱلۡمُنافِقُونَ *((وَٱلَّذِینَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ))* غَرَّ هَؤُلَاۤءِ دِینُهُمۡ وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللهِ فَإِنَّ ٱللهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ [الأنفال 48 - 49]،.
هنا بين الله أن الشيطان يزين للذين في قلوبهم مرض،. وهذا التزيين هو مما ألقاه الشيطان في أمنية الأنبياء،. ليضل به الناس ويبعدهم عن دعوة الأنبياء والرسل،. هذا هو الذي نسخه الله ليجعله فتنة،.
نستخلص من ذلك كله،. أن ما ألقاه الشيطان كان له علاقة مباشرة بالصد عن ٱلۡقُرآن، وقد تم ذلك فعلاً، عبر اتهام ٱلۡقُرآن بالأباطيل كالمنسوخ والمشتبه وذو الوجوه،. ((ولكن الله أحكم آياته))،.
ــــــ ثم يحكم الله آياته،.
فبقيت كما هي للمؤمنين،. أما مرضى القلوب والقاسية قلوبهم، فما يزالون يتهمون ٱلۡقُرآن بالباطل، فتنهم الله بما ألقاه الشيطان،. وتبقى آيات الله كلها محكمة يفرح بها المؤمن،. قال اْلله بعد الكلام عن نسخ ما ألقاه الشيطان وأنه جعله فتنة لمرضى وقساة القلوب [من نفس السورة]،. قال الله،. ﴿وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ *((أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِ فَتُخۡبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمۡ))* وَإِنَّ ٱللهَ لَهَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِلَىٰ صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ *((فِي مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُ))* حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ یَأۡتِیَهُمۡ عَذَابُ یَوۡمٍ عَقِیمٍ ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَئذࣲ لله یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِیمِ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ *((وَكَذَّبُوا۟ بِآیَاتِنَا))* فَأُو۟لَئكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ [الحج 52 - 57]،.
فكما ترى، حتى سياق الآيات عن تكذيب آيات الله،. وسُبْحَانَ اللّٰه،. وكأن الأمر خاص بالذين يؤمنون بكل آيات ٱلۡقُرآن،. ولا يقولون بأن فيه آياتٌ ذاهبة الحكم افتراءً على ٱلۡقُرآن،. والسياق كان واضحاً جداً،.
فالله فعل شيئين،. وذكر لهما علتين،.
نسخ ما ألقاه الشيطان،. ⇜ لتكون فتنة لقساة القلوب،.
أحكم آياته،. ⇜ ليُعلم المؤمنين أن كلامه حق،. فيخبتوا له،.
وهذا بالفعل ما يشعر به المؤمن اليوم،. حين يعرف مدى كذب وتدليس العلماء على مر السنين وكثرة الخبث الذي استشرى في الأمة بسبب النسخ، فالآن يعرف أن كله دجل وكذب، يكبر ربه، ويحب ربه، ويؤمن بربه، ويزداد إيمانا وطمأنينة، ويخبت قلبه لله،. وفعلاً فعلاً، نشعر بهذا الآن،. وكأن الله ترك في ٱلۡقُرآن رسالة لنا،. لنعرفها بعد 1400 سنة،.
حتى كلمة المخبت، لها علاقة بالذكر وٱلۡقُرآن [من نفس السورة]،. قال اْلله،. ﴿..وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِینَ *((ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ))* وَٱلصَّابِرِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِیمِي ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَاهُمۡ یُنفِقُونَ﴾ [الحج 34 - 35]،.
قالَ اْلله في أول السورة،. ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَادِلُ فِي ٱللهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّبِعُ كُلَّ شَیۡطَانࣲ مَّرِیدࣲ﴾ [الحج 3]،. وكرر مثلها،. ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَادِلُ فِي ٱللهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَابࣲ مُّنِیرࣲ ثَانِيَ عِطۡفِهِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللهِ لَهُ فِي ٱلدُّنۡیَا خِزۡيّ وَنُذِیقُهُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ یَدَاكَ وَأَنَّ ٱللهَ لَیۡسَ بِظَلَّامࣲ لِّلۡعَبِیدِ﴾ [الحج 8 - 10]،.
قال اْلله فيها،. ﴿...إِنَّ ٱللهَ یَفۡعَلُ مَا یُرِیدُ مَن كَانَ یَظُنُّ أَن لَّن یَنصُرَهُ ٱللهُ فِي ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡآخِرَةِ فَلۡیَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ ثُمَّ لۡیَقۡطَعۡ فَلۡیَنظُرۡ هَلۡ یُذۡهِبَنَّ كَیۡدُهُ مَا یَغِیظُ ((وَكَذَلِكَ أَنزَلۡنَاهُ ءَایَاتِۭ بَیِّنَاتࣲ وَأَنَّ ٱللهَ یَهۡدِي مَن یُرِیدُ))﴾ [الحج 14 - 16]،.
وقال الله كذلك في سورة الحج،. ﴿وَیَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِ سُلۡطَانࣰا وَمَا لَیۡسَ لَهُم بِهِ عِلۡمࣱ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِن نَّصِیرࣲ *((وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَاتُنَا بَیِّنَاتࣲ تَعۡرِفُ في وُجُوهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡمُنكَرَ یَكَادُونَ یَسۡطُونَ بِٱلَّذِینَ یَتۡلُونَ عَلَیۡهِمۡ ءَایَاتِنَا))* قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرࣲّ مِّن ذَلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ﴾ [الحج 71 - 72]،.
الآية التي قبلها،. ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ *((أَنَّ ٱللهَ یَعۡلَمُ مَا في ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ))* إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللهِ یَسِیرࣱ﴾ [الحج 70]،.
التي قبلها،. ﴿لِّكُلِّ أُمَّةࣲ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُ ((فَلَا یُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِ))، وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدࣰى مُّسۡتَقِیمࣲ وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ ٱللهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ فِیمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ [الحج 67 - 69]،.
ــــ الآيات كلها تحوم حول ٱلۡقُرآن، حربا وجدالا ومنازعة وتكذيباً وإنكاراً،.
ــ والذين في قلوبهم مرض، بسبب بعدهم عن ٱلۡقُرآن،.
ــ والقاسية قلوبهم، بسبب تركهم للۡقُرآن،.
ــ والذين أوتوا العلم، يعلمون أن ٱلۡقُرآن حق،.
ــ والمخبتون، الذين يخافون إذا ذكر الله،.
ــ ويحكم الله،.. يحكم آيات ٱلۡقُرآن،.
ــ والذين يعاجزون، يعاجزون في الآيات،.
فانظر الآن من أولى الناس بها؟!،. من الذي يطعن في ٱلۡقُرآن بقوله أن فيه ناسخاً ومنسوخاً وحكما باطلاً مرفوعاً لا يُعمل به،. [أخذاً من الآباء والشيوخ]،. هم الذي تولاهم الشيطان وكانوا للنّبي ﷺ أعداءً،. هم الذين يسميهم الناس بــ [العلماء]،. هم المجرمون المعنيون أولى الناس بما ألقاه الشيطان،.
بعد هذا كله، نتبين بحمد الله أن كلمة النسخ في جميع مواردها في ٱلۡقُرآن تعني التثبيت، (((ولا تعني الإزالة مطلقاً))) ولم يبقى لدى المخالف أي مستمسك لقوله أن النسخ يدل على الإزالة،. فهذه هي الآية العمدة والعمود الذي اتكؤوا عليها ليذهبوا لمعنى الإزالة أساؤوا فهمها،. وأسقطنا لهم فهمهم وعمودهم،. فقد بين الله لنا بكتابه أن النسخ تثبيت وليس محو ولا إزالة،. فكفوا وانتهوا عن استخدام الكلمة في غير موضعها،. ولا تقولوا [ناسخ ومنسوخ]،. انتهوا خيرٌ لكم، والسلام على من اتبع الهُدَىٰ،..
روى الطبري في تفسيره،. ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻋﻠﻲ [هو بن داوود] ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪ، ﻗﺎﻝ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺣﺒﻴﺐ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺛﺎﺑﺖ، ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻓﻲ ﻗﻮل الله،. ﴿ﺇﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﺘﻨﺴﺦ ﻣﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ﴾ ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: "ﺃﻟﺴﺘﻢ ﻗﻮﻣﺎً ﻋﺮﺑﺎً؟!،. ﻫﻞ ﺗﻜﻮﻥ اﻟﻨُﺴﺨﺔ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﺻﻞٍ، ﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ؟!"،. [ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺒﻴﺎﻥ 25/ 95]،.
هذا هو النسخ وهذا معناه،. أما الإزالة والمحو في العربية، فهناك ألفاظ كثيرة تدل عليها،. [المحو، المسح، الجباية، الذهاب] وهذه كلها كلمات استخدمها الرسول ﷺ، كمثل كلمة (جُب)،. كما في الحديث المشهور،.
ــ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ شماسة اﻟﻤﻬﺮﻱ، ﺃﻥ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ اﻟﻌﺎﺹ ﻗﺎﻝ:
«لَمَّا أَلْقَى اللهُ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ؛ لِيُبَايِعَنِي فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: لَا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: *"((يَا عَمْرُو، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ؟! يَا عَمْرُو، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ))* مِنَ الذُّنُوبِ؟!» ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ. ﻭاﻟﻠﻔﻆ ﻷﺣﻤﺪ (18107) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻟﻴﺚ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ، ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺒﻴﺐ، ﻋﻦ اﺑﻦ شماسة، ﺑﻪ. ✅،.
قال ﴿يَجُبّ ما قبله﴾،. أي يمحو ويزيل ويهدم ويرفع ويقطع ما قبله،. ولم يقل (الهجرة تنسخ ما قبلها،. الإسلام ينسخ ما قبله)،. فهذه هي الكلمة السليمة التي وجب على العربي استخدامها للتعبير عن إزالة ورفع ما مضى،. وليست كلمة النسخ، فقد تم تحريف معناها الواضح [التثبيت] إلى معنى مختلف تماماً،. بينما طمست الكلمة الصحيحة [يَجُبّ جَباً وجباباً]،.
ومنه ﴿جابوا الصخر بالواد﴾،. أزالوا الصخر وحفروا، فكان جامعاً للماء جواباً،. ومنه (الجُب) حفرة في الأرض [أزيل جزء من الأرض ليصير بئراً] جامعاً للماء،. وجمع الزكاة (جباية) كونها تزيل من مالك وترفع ما عليك،. ومنه (المجتبى) الذي أُخرج من الناس فاصطفيَ منهم فهو صافٍ أزيلت منه الشوائب والدَّرَن فهو مصطفى، ومنه (الجواب الشافي)، القاطع لداء الجهل، الذي يرفع ما قبله من سؤال،. ويقال (يجوب البلاد) لتنقله من مكان لآخر، لا يثبت في مكانه،. كان فيها فزال منها لغيرها فهو يجوب،.
حتى كلمة المحو التي تدل بكل وضوح على الإزالة والرفع، قد ذكرت في ٱلۡقُرآن،. قال ٱلله،. ﴿وَجَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَایَتَیۡنِ *((فَمَحَوۡنَاۤ ءَایَةَ ٱلَّیۡلِ))* وَجَعَلۡنَاۤ ءَایَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةࣰ لِّتَبۡتَغُوا۟ فَضۡلࣰا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِینَ وَٱلۡحِسَابَ وَكُلَّ شيءࣲ فَصَّلۡنَاهُ تَفۡصِیلࣰا﴾ [الإسراء 12]،. ولم يقل (فنسخنا آية الليل)،. فكلمة النسخ لها معنىً مختلف عن المحو،.
كذلك من الكلمات الدالة على النسخ كلمة الذهاب،. كما قال ٱلله في كتابه،. ﴿مَن كَانَ یَظُنُّ أَن لَّن یَنصُرَهُ ٱللهُ فِي ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡآخِرَةِ فَلۡیَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ ثُمَّ لۡیَقۡطَعۡ *((فَلۡیَنظُرۡ هَلۡ یُذۡهِبَنَّ كَیۡدُهُ))* مَا یَغِیظُ﴾ [الحج 15]،. لم يقل،. (هل ينسخن كيده)،.
ــ وقال،. ﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَي ٱلنَّهَارِ وَزُلَفࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِ *((إِنَّ ٱلۡحَسَنَاتِ یُذۡهِبۡنَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ))* ذَلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّاكِرِینَ﴾ [هود 114]،. ولم يقل (إن الحسنات ينسخن السيئات)،.
في المقال القادم إِنْ شٰاْءَ اللّٰه، سنعرج على بقية الأدلة التي أخضعوها لفهمهم المسبق، ليثبتوا مذهب الناسخ والمنسوخ، سنرد على فهمهم ونبطل استدلالاتهم كلها بإذن اللّٰه من كلام الله، لننصر كلمة الله، وليحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الناسخين،.
ــــ نهاية الجزء الرابع،..
سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.
بڪيبـورد، محسن الغيثـي،.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق