جريمة الناسخ والمنسوخ،. [1] ⚠️ إفساد الفساد،.
محاور هذا الجزء،.
ــ مقدمة قاسية على قساة القلوب،.
ــ آيات ٱلۡقُرآن تهدم منظومة النسخ،.
ــ أسباب ودواعي النسخ ومعناه عند النُسّاخ،.
ــ الفرق بين التعارض الظاهري والحقيقي،.
ــ النسخ قائم على الإيمان بتناقض ٱلۡقُرآن،.
ــ النسخ VS الإرجاء
ــ نسخ ٱلۡقُرآن VS خلق ٱلۡقُرآن،.
ــ عدد الآيات المنسوخة،.
ــ آيات النسخ VS آيات سجود التلاوة،.
ــ كلام الله VS كلام الشيوخ،. أيهما أثبت عندهم؟!،.
ــ نسخ ٱلۡقُرآن إنما يكون بالاجتهاد،.
قال ٱلله،. ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوۤا۟ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡ، وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى لَّقُضِيَ بَیۡنَهُمۡ، *((وَإِنَّ ٱلَّذِینَ أُورِثُوا۟ ٱلۡكِتَابَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكࣲّ مِّنۡهُ مُرِیبࣲ))* فَلِذَلِكَ فَٱدۡعُ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ مِن كِتَابࣲ، وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَیۡنَكُمُ، ٱللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ، لَنَاۤ أَعۡمَالُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَالُكُمۡ، لَا حُجَّةَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُ، ٱللهُ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَا، وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ﴾ [الشورى 13 - 15]،.
الآية تتكلم عن الذين أورثوا الكتاب من بعد الذين تفرقوا قبلهم [أي من بعد أهل الكتاب الذين تفرقوا]،. ثم نحن أورثنا الكتاب من بعدهم،. نحن الذين نشك ونرتاب في الكتاب،.
وقد أذن الله لهذا أن يكون، وبيَّن السبب أنه فتنة،. ثم قال،. ﴿وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِ فَتُخۡبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمۡ وَإِنَّ ٱللهَ لَهَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِلَىٰ صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِي مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ یَأۡتِیَهُمۡ عَذَابُ یَوۡمٍ عَقِیمٍ ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَئذࣲ لله یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِیمِ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِآیَاتِنَا فَأُو۟لَئكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ [الحج 52 - 57]،.
الْحَمْد لله، والصلاة والسلام على رسُول اللّٰه ﷺ،. أما بعد،.
فهذه الدراسة،. لرد البهتان عن دين الله،. وإثبات أن علم "الناسخ والمنسوخ" ليس إلا بدعة منكرة خبيثة،. ولم يكن إلا الطعن في ٱلۡدين،.
⚠️ تحذير : هذه الدراسة تبيّن إجرام كثيرٍ ممن النُساخ ومن تبعهم في الناسخ والمنسوخ، وسخافة عقولهم،. وخبث نفوسهم، وجهلهم العميق في الدين، وفساد فهمهم للقُرآن، وإضلالهم المسلمين،. من هذا المقال ستعرف أنهم ليسوا إلا عصابة من جند إبليس، اتفقت على العداوة لدين النّبي ﷺ، قومٌ زيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدوا عن السبيل،. فإن كنت ممن يتبع هؤلاء النُساخ فتوقف هنا واخرج، ولا ترهق نفسك،. ولا تقرأ ما يغيضك ويفضح أكابرك ويفوّر دمك، لا تقرأ ما يقتلك،. أما إن كنت ممن لا يرضون بالطعن في كلام الله فهو لك، وإلا فلن تبصر النور الذي فيه،. قال اْلله عن كلامه،. ﴿..قُلۡ هُوَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ هُدࣰى وَشِفَاۤءࣱ،. وَٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ فِي ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣱ وَهُوَ عَلَیۡهِمۡ عَمًى..﴾ [فصلت 44]،.
ــــ تأصيل وتحقيق، في مسألة الناسخ والمنسوخ،.
حين نقول تأصيل أو تأويل أو تحقيق،. فنحن نرد الأمر لأصله الأول، القُرآن والسنة الصحيحة،. لنعرف أين هو الحق،. فوحي الله هو الحق،. أما قولنا وقول الناس فلا قيمة له،. قال اْلله،. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقّ﴾،. وهذا التأصيل منا لأن الله قال،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ *((فَإِن تَنَازَعۡتُمۡ فِي شَيءࣲ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللهِ وَٱلرَّسُولِ))* إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡآخِرِ ذَلِكَ خَیۡرࣱ ((وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلًا))﴾ [النساء 59]،.
وبصراحة،. كنت سأضع في المقدمة تفصيلاً عن الناسخ والمنسوخ وتعريفه وأنواعه وشروطه عند الذين أحدثوه بطريقة الأكاديميين في رسائلهم والأصوليين في كتبهم،. ولكن بسبب كثرة الدَّخن في هذه القضية، أبيت أن يكون هذا الخبث إلا في عُجُز المقال ومؤخرته، فلا يستحق التقديم ولا الصدارة،. لنقدّم كلام الرب الحكيم العليم،. رداً على البهتان الذي أتوا به على القرآن، وننوه القارئ من البداية ليحذر، أن هذا المقال ليس على نهج وأسلوب الأكاديميين المعروف لدى الدارسين،. وليس فيه تجميع لأقوال المجرمين ممن أثاروا فتنة الناسخ والمنسوخ في الأمة [إلا على سبيل فضح أعمالهم وبيان الخبث والتناقض عندهم أو لسد حلوق أتباعهم وعُبّادهم]،. بل ليس فيه تودّدٌ لهم ولا ترحّمٍ عليهم، كما يفعل السلفية بأشياخهم،. يجدونهم قد زلوا زللاً عظيماً، فيوارون زلّاتهم ويقولون أخطؤا رحمهم الله وغفر لهم، (أخطؤا ولهم الأجر!)،.
في هذا المقال، لن تجد فيه مثل هذه المجاملات الباردة، التي تنم عن غلوّ في الأشياخ، وحميّة وغيرة على السادة والكبراء، لا غيرة على دين الله،. فلن أتردد في نعت صنيعهم بالاجرام أو نعتهم بالمجرمين [وهذا ليس بتكفيرٍ]،. حيث أنهم أسرفوا في الطعن في كلام الله، فاستحقوا بذلك الطعن فيهم وفي آرائهم،. قال اْلله،. ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ﴾ [الزخرف 5]،. ولكننا لن نذكر أسماءً بعينها، كلامنا سيكون بشكل عام عمن ارتضى هذا الاجرام وتبنى مسألة الناسخ والمنسوخ وأقرها على القُرآن والسنة بعلم أو بغير علم،. وقد نصحني بعض اخوتي بالترفق والترقق في الرد،. وقد قبلت ذلك على مضض، إلا أني كلما أقرءُ قبح قولهم فيها، وتساهلهم المفرط في تمرير الباطل دون تحقيق، وتعجلهم في الحكم دون برهان، والذي كان كله على حساب القُــرآن، فأزداد حنقاً وغيضاً من الأعاجيب التي أجدها، ومن يدخل هذا العالم سيُدرك أنه يتعامل مع أوقح خلق اللّٰه ولن يلوم على شدة النبرة وقسوة الكلمات،. فلن يكون الرفق هو المنهج المتّبع في هذا المقال، بل سيكون المنهج منهج أبينا إبراهيم،. فأساً يكسر به أصناماً اتُّخِذت من دون الله أرباباً، نحمل الفأس لنكيد به الآراء التي سعت لإطفاء كلمات الله وإبطالها وإلغائها وشطبها، ونكسر بالقَدُوم أنف الذي قبض قبضةً من أثر الرَّسوْل ﷺ فنبذها،. لنجعل آرائهم جذاذاً بحول الله وقوته،.
وأقول بكل صراحة، لا أرجو من وراء تحقيقي هذا هدايةً للسلفية ولا لشيوخهم المجرمين، ولا أريد تجميع أكبر عدد من القراء والأتباع والمصفقين، ولا انتظر اللايكات والمشاركات،. ولكن نصرة لله ولرسوله ﷺ،. وتثبيتاً للحق الذي في كتابه، وأسأله أن يعينني وييسر أمري وينصرني نصراً مؤزراً،. يهمني من هذا المبحث أن تخبت قلوب الذين آمنوا بصدق كلام ربهم،. وليعلموا أن الحق كله في قول الله، وأن الباطل كله في قول الأشياخ وتُبّاعهم من المقلدة المتكبّرين والقطيع،. وأسأل الله أن يتقبل مني هذا العمل، ويجعله خالصاً لوجهه، هذا العمل الذي ما كان ليظهر لولا الله ولولا فضله علينا،.
قال اْلله،. ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا *((ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا))* وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [اﻷعراف 146]،.
استدل النُّساخ بآية،. ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا...﴾ [البقرة 106]،. على أمرين،. (الأول)،. أن معنى لفظة [نسخ] تعني الإزالة والرفع والمحو،. (والثاني)،. أن بعض آيات القُــرآن مزالة الحكم مرفوعة الهداية، أنها باطلة، ولا يصلح العمل بها،. ولكن،..
هذا الفهم المتداول للآية، يخالف آيات ٱلۡقُرآن،. والنسخ عندهم إنما يكون عند الاختلاف بين الأدلة،. فبمفهومهم هذا للنسخ [إن كان حقاً]،. فأول آية يجب أن تُشطب وتُنسخ [بمعنى تُزال] هي آية النسخ نفسها،. وإليك الآيات الكثيرة التي تخالف مفهومهم للآية [ولا تخالف الآية ذاتها]،. وهذه منا نكاية، فنفعل بهم ما فعلوه بكلام ربنا، نقاضيهم بنفس نهجهم، بنفس ضربهم ودأبهم،. نقول بأن آية النسخ تخالف آياتٍ كثيرة في ٱلۡقُرآن،. وبناءً على ذلك، فهي منسوخةٌ [بفهمكم]،. كما نسختم معظم آيات ٱلۡقُرآن بحجة التعارض،. وإليك هذه الآيات التي تثبت أنه لا يمكن للۡقُرآن أن يُرفع منه شيءٌ تحت مسمى (النسخ) ولن يزال منه شيء، ولن يمحى منه شيء، ولا يمكن أن يبطل العمل بأي آية فيه،.
1 ــــــ قال اْلله،. ﴿ألۤمۤ *((ذَلِكَ ٱلۡكِتَابُ لَا رَیۡبَۛ فِیهِۛ))* هُدࣰى لِّلۡمُتَّقِینَ ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَیۡبِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَاهُمۡ یُنفِقُونَ *((وَٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ))* وَبِٱلۡآخِرَةِ هُمۡ یُوقِنُونَ أُو۟لَئكَ عَلَىٰ هُدࣰى مِّن رَّبِّهِمۡ وَأُو۟لَئكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة 1 - 5]،.
القول بالنسخ يفضي للريبة فيما أنزله الله،. واختلاف النّساخ في النواسخ والمناسيخ شكّك المسلمين في القُرآن وأورث في قلوبهم الريبة فعلاً،.
2 ــــــ قال اْلله،. ﴿وَٱتۡلُ مَاۤ أُوحِيَ إِلَیۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ *((لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ))* وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلۡتَحَدࣰا﴾ [الكهف 27]،.
ليست بحاجة لشرح،.
3 ــــــ قال اْلله،. ﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُ لَیَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي یَقُولُونَ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ *((وَلَكِنَّ ٱلظَّالِمِینَ بِآیَاتِ ٱللهِ یَجۡحَدُونَ))* وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰۤ أَتَاهُمۡ نَصۡرُنَا *((وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللهِ))* وَلَقَدۡ جَاۤءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ [الأنعام 33 - 34]،.
فكلمات الله لا تتبدل،. وقوله لا يتبدل،.
ــ قال ٱلله،. ﴿مَا یُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَاۤ أَنَا۠ بِظَلَّامࣲ لِّلۡعَبِیدِ﴾ [ق 29]،. ــ وكذلك في الحديث الصحيح، في عروج النّبي ﷺ،. قال ٱلله،. ﴿..هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُوْن، لَا یُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ،..﴾،. أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبويعلى،.
4 ــــــ قال اْلله،. ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّهِ وَیَتۡلُوهُ شَاهِدࣱ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰۤ إِمَامࣰا وَرَحۡمَةً أُو۟لَئكَ یُؤۡمِنُونَ بِهِ *((وَمَن یَكۡفُرۡ بِهِ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ))* وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [هود 17]،.
5 ــــــ قال اْلله،. ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي *((آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا))* فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ *((ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا))* فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *((سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ))* مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [اﻷعراف 175 ــ 178]،.
6 ــــــ قال اْلله،. ﴿وَإِن كَادُوا۟ لَیَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ *((لِتَفۡتَرِي عَلَیۡنَا غَیۡرَهُ))* وَإِذࣰا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِیلࣰا وَلَوۡلَاۤ أَن ثَبَّتۡنَاكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَیۡهِمۡ شَیۡـࣰٔا قَلِیلًا إِذࣰا لَّأَذَقۡنَاكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَیَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَیۡنَا نَصِیرࣰا﴾ [الإسراء 73 - 75]،.
7 ــــــ قال،. ﴿أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللهِ كَذِبࣰا فَإِن یَشَإِ ٱللهُ یَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَ *((وَیَمۡحُ ٱللهُ ٱلۡبَاطِلَ وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ))* إِنَّهُ عَلِیمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [الشورى 24]،.
8 ــــــ قال اْلله،. ﴿أَفَغَیۡرَ ٱللهِ أَبۡتَغِي حَكَمࣰا *((وَهُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكِتَابَ مُفَصَّلࣰا وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَاهُمُ ٱلۡكِتَابَ یَعۡلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلࣱ/مُنْزَلࣱ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ))* فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقࣰا وَعَدۡلࣰا *((لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللهِ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ))* وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن یَضِلُّ عَن سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ﴾ [الأنعام 114 - 117]،.
9 ــــــ قال اْلله،. ﴿فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمࣱ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِیمٌ إِنَّهُ لَقُرۡءَانࣱ كَرِیمࣱ فِي كِتَابࣲ مَّكۡنُونࣲ لَّا یَمَسُّهُ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ *((تَنزِیلࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَالَمِینَ أَفَبِهَذَا ٱلۡحَدِیثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ))﴾* [الواقعة 75 - 82]،.
10 ــــــ قال اْلله،. ﴿فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرࣲ قَلِیلࣰا مَّا تُؤۡمِنُونَ وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنࣲ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِیلࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَالَمِینَ وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَیۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِیلِ لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡیَمِینِ ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِینَ فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَاجِزِینَ وَإِنَّهُ لَتَذۡكِرَةࣱ لِّلۡمُتَّقِینَ *((وَإِنَّا لَنَعۡلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِینَ وَإِنَّهُ لَحَسۡرَةٌ عَلَى ٱلۡكَافِرِینَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلۡیَقِینِ))* فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الحاقة 38 - 52]،.
11 ــــــ قال اْلله،. ﴿فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ وَٱلَّیۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ *((إِنَّهُ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِینࣲ))* مُّطَاعࣲ ثَمَّ أَمِینࣲ﴾ [التكوير 15 - 21]،.
12 ــــــ قال اْلله،. ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ *((ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللهِ ٱلۡكَذِبَ))* وَهُوَ یُدۡعَىٰۤ إِلَى ٱلۡإِسۡلَامِ وَٱللهُ لَا یَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّالِمِینَ *((یُرِیدُونَ لِیُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللهِ بِأَفۡوَاهِهِمۡ وَٱللهُ مُتِمُّ نُورِهِ))* وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَافِرُونَ﴾ [الصف 7 - 8]،.
بأفواههم قالوا، بأن في القُرآن آياتٍ طار حكمها، ولا ينبغي العمل بها ولا اتباعها،.
13 ــــــ قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ *((ٱدۡخُلُوا۟ فِي ٱلسِّلۡمِ كَاۤفَّةࣰ))* وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَاتِ ٱلشَّیۡطَانِ إِنَّهُ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ﴾ [البقرة 208]،.
ٱلۡقُرآن يُؤخذ كله، ولا يُستنثى منه شيءٌ بدعوى المنسوخ،.
14 ــــــ قال اْلله،. ﴿یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةࣰ مِّن دُونِكُمۡ لَا یَأۡلُونَكُمۡ خَبَالࣰا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَاۤءُ مِنۡ أَفۡوَاهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡآیَاتِ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ هَـا أَنتُمۡ أُو۟لَاۤءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا یُحِبُّونَكُمۡ *((وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَابِ كُلِّهِ))* وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡا۟ عَضُّوا۟ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَیۡظِ قُلۡ مُوتُوا۟ بِغَیۡظِكُمۡ إِنَّ ٱللهَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [آل عمران 118 - 119]،.
نعم، المؤمن يؤمن بالكتاب كله،. أما النُساخ فلا،.
15 ــــــ قال اْلله،. ﴿.. *((أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَابِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲ))* فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزي فِي ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِ وَمَا ٱللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة 85]،.
القائل بالنسخ يؤمن ببعض ويكفر ببعض،.
16 ــــــ قال ٱلله،. *﴿((ٱتَّبِعۡ مَاۤ أُوحِيَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ))* لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِینَ﴾ [الأنعام 106]،.
ــ وقال،. *﴿((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ))* وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [اﻷعراف 3]،.
أمرنا الله باتباع ٱلۡقُرآن،. ولكن علماء النسخ منعوا الناس من اتباع بعض آياته، قالوا لا تتبعوا كلام ربكم،.
17 ــــــ قال اْلله،. ﴿الر *((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ))* ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ ((حَكِيمٍ)) خَبِيرٍ﴾ [هود 1]،.
وهذه الآية وحدها كفيلة لرد الباطل والبهتان على ٱلۡقُرآن أن فيه آيات نسخت ورفع العمل بها،. بل آي ٱلۡقُرآن كله محكم،. هن الأصل، وهن المنشأ،. هن أم الكتاب،. وليس هذا فحسب،. بل ذكر الله الحكيم أن ٱلۡقُرآن حكيم،. وقال عن الكتاب بأنه حكيم،. في عدة آيات تكفي منها واحدة لمبصر يصدق كلمات ربه دون تحريفها وتحويرها،.
18 ــــــ قال اْلله،. ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ *((إِنَّهُ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ))﴾* [الطارق 11 - 14]،.
فكل ٱلۡقُرآن قولٌ فصلٌ، وليس بوسع أحد بأن يقول هذه الآية ليست فصل، أو ليست مُحكمة، فيوقع عليها صفة الهزل،.
19 ــــــ قال اْلله،. ﴿هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَابَ مِنۡهُ آیَاتࣱ مُّحۡكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتࣱ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُ إِلَّا ٱللهُ *((وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ [[یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَا]] وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیۡتَنَا))* وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةً إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ رَبَّنَاۤ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِیَوۡمࣲ لَّا رَیۡبَ فِیهِ إِنَّ ٱللهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ﴾ [آل عمران 7 - 9]،.
فمن أوضح سمات الراسخين في العلم أنهم ((يؤمنون بكل ما أنزله، لا يردون شيئاً منه، بحجة أنه متناقض!! فوجب نسخ بعضه ورفعه ليزول التناقض فيما أنزله الله))،.
20 ــــــ قال اْلله،. ﴿يس ((وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ))﴾ [يس 1 ــ 2]،.
ــ وقال،. ﴿ألم تِلْكَ آيَاتُ ((الْكِتَابِ الْحَكِيمِ))﴾ [لقمان 2]،.
ــ وقال،. ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ ((الْكِتَابِ الْحَكِيمِ))﴾ [يونس 1]،.
ــ وقال،. ﴿ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ ((الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ))﴾ [آل عمران 58]،.
ــ وقال،. ﴿حم تَنْزِيلُ ((الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ))﴾ [الجاثية 1 ــ 2]،.
21 ــــــ قال اْلله عن الذكر الذي في القُرآن،. ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ *((وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))* وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي شِیَعِ ٱلۡأَوَّلِینَ وَمَا یَأۡتِیهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا۟ بِهِ یَسۡتَهۡزِءُونَ *((كَذَلِكَ نَسۡلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِهِ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِینَ))﴾* [الحجر 9 - 13]،.
ــ وقال عنه،. *﴿..((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ))* تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت 42]،.
22 ــــــ قال اْلله،. ﴿وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللهَ حَقَّ قَدۡرِهِ إِذۡ قَالُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ عَلَىٰ بَشَرࣲ مِّن شَيءࣲ قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتابَ ٱلَّذِي جَاۤءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورࣰا وَهُدࣰى لِّلنَّاسِ تَجۡعَلُونَهُ قَرَاطِیسَ *((تُبۡدُونَهَا وَتُخۡفُونَ كَثِیرࣰا))* وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوۤا۟ أَنتُمۡ وَلَاۤ ءَابَاۤؤُكُمۡ قُلِ ٱللهُ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ یَلۡعَبُونَ *((وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلۡنَاهُ مُبَارَكࣱ))* مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا *((وَٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡآخِرَةِ یُؤۡمِنُونَ بِهِ))* وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام 91 - 92]،.
ــ وقال في نفس السورة،. ﴿ثُمَّ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَابَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِي أَحۡسَنَ وَتَفۡصِیلࣰا لِّكُلِّ شَيءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لَّعَلَّهُم بِلِقَاۤءِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ *((وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلۡنَاهُ مُبَارَكࣱ فَٱتَّبِعُوهُ))* وَٱتَّقُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ أَن تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أُنزِلَ ٱلۡكِتَابُ عَلَىٰ طَاۤئفَتَیۡنِ مِن قَبۡلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمۡ لَغَافِلِینَ أَوۡ تَقُولُوا۟ لَوۡ أَنَّاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا ٱلۡكِتَابُ لَكُنَّاۤ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡ فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَیِّنَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ *((فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآیَاتِ ٱللهِ وَصَدَفَ عَنۡهَا سَنَجۡزِي ٱلَّذِینَ یَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَایَاتِنَا سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡدِفُونَ))﴾* [الأنعام 154 - 157]،.
23 ــــــ وقال،. *﴿((كِتَابٌ أَنزَلۡنَاهُ إِلَیۡكَ مُبَارَكࣱ))* لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَاتِهِ وَلِیَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَابِ﴾ [ص 29]،. فسمى الله هذا الكتاب أنه مبارك،. والبركة تعني التثبيت، فلن يزول منه شيء،. ولن يُرفع منه شيء [لا رسماً ولا حكماً]،. وسيبقى كما هو حتى يرث الله الأرض بمن عليها،.
24 ــــــ قال ٱلله،. *﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَیۡرِ ٱللهِ لَوَجَدُوا۟ فِیهِ ٱخۡتِلَافࣰا كَثِیرࣰا﴾* [النساء 82]،.
ــ فإن لم يكن في ٱلۡقُرآن اختلاف،. فلماذا النسخ والحذف والرفع والشطب؟!،.
ويكفي للاستدلال على ثبات القُرآن بكل ما فيه، ومُكث القرآن في الناس عبر مئات الأجيال دون تغيير وتبديل وتحريف وضياع، دون رفع وإبطال لآياته، دون نسخ وإلغاء لآياته، يكفي للاستدلال لذلك أن الله العليم الخبير أسماه (ٱلۡقُرآن)،. وٱلۡقُرآن اسمٌ يدل على القرار والثبات والبركة والحفظ ولو طال الزمن، ولو تغيرت الظروف،. وهذ الاسم مشتق من القُرء، ومن عرف معنى (القُرء) أنه الاستقرار والقرار والثبات والمكث، فلن يختلط عليه،. وأَقْرَى الضيف، مكن الضيف الظاعن من السكنى فاستقر عنده، وفي الحديث قالت خديجة،. ﴿ﻛﻼ، ﺃﺑﺸﺮ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺨﺰﻳﻚ اﻟﻠﻪ ﺃﺑﺪا، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻚ ﻟﺘﺼﻞ اﻟﺮﺣﻢ، ﻭﺗﺼﺪﻕ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﺗﺤﻤﻞ اﻟﻜﻞ، ﻭﺗﻜﺴﺐ اﻟﻤﻌﺪﻭﻡ، ((ﻭﺗﻘﺮﻱ اﻟﻀﻴﻒ))، ﻭﺗﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﻮاﺋﺐ اﻟﺤﻖ﴾،. وأَقْرَت الناقةُ، أي اجتمع الماءُ في رحمها واستقرَّ،. والقروء الثلاثة للمطلقات [وفي قراءة قرُو، من غير همزة]، والقروء جمع قُرء،. [والمطلقة تمكث ثلاثة قروء تستقر في بيتها دون خروج فترة عدتها، تسكن مع زوجها حيث وُجد، تقر وتستقر، هذه هي القروء، وفي قراءة قرُوّ، وهي ثلاثة لأن الطلاق ثلاثة، ولكل تطليقة قُرء (مكث واستقرار) في البيت]،. قال ٱلله لنساء النّبي ﷺ *﴿((وَقَرۡنَ فِي بُیُوتِكُنَّ))* وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَاهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ..﴾ [الأحزاب 33]،. قرن من القرار،.
ــ وقالَ اللّٰه على لسان مؤمن آل فرعون،. ﴿یَا قَوۡمِ إِنَّمَا هَذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا مَتَاعࣱ وَإِنَّ ٱلۡآخِرَةَ هِي دَارُ ٱلۡقَرَارِ﴾ [غافر 39]،. لأن الدنيا زائلة والآخرة باقية مستقرة،.
فالقُرء القرار والتثبيت [والبركة]، والقُــرآن ممتلئ بالبركة،. الألف والنون في آخر كلمة ٱلۡقُرءان ((ءان)) تدلان على الامتلاء والإشباع [مثل سكر سكران، غضب غضبان، فرح فرحان، قرء قرءان]،. فٱلۡقُرآن ممتلئ بالقرار والبركة، فهو ثابت، مثبَّتٌ محفوظٌ، بل ومُثَبِّت حافظٌ لغيره،. بالقُرآن يرفع الله أقواماً ويضع آخرين،. القُرآن يشفع للناس فيثبّتهم في الجنة، ويُبقي آخرين في النار ثابتين، يمنعهم القرآن من الخروج منها،. يُقرهم،. هذا هو القرآن،.
ــــــــ السبب والداعي للقول بالنسخ (بمعناه السائد)،..
السبب الأول لنسخ النُسَّاخ لكثير من الآيات هو قولهم : هذه الآيات فيها اختلافٌ وتعارض وتناقض، أي فيها عوَج،. فحكموا بإبطالها وإلغائها وسموها،. [منسوخة]،. وهذه من أشد المنكرات، أن يَرى أو يظن المسلم أن في ٱلۡقُرآن تناقضاً واختلافاً،. وهذا أول وأهم وأعلى شرط من شروط علم الناسخ والمنسوخ!!،. أن تقر بأن في ٱلۡقُرآن تناقضٌ واختلاف،.
قال اْلله،. ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَابَ وَلَمۡ یَجۡعَل لَّهُ عِوَجَاً﴾ [الكهف 1]،. قال لم يجعل له عوجا، ولم يقل هنا (لم يجعل فيه عوجا)،. مع أن ٱلۡقُرآن نفسه ليس فيه عوج،. قال اْلله،. ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا ((غَيْرَ ذِي عِوَجٍ)) لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزمر 28]،. ولكن في سورة الكهف قال [لَمۡ یَجۡعَل لَّهُ عِوَجَا] أي أن الله لم يجعل لأحدٍ سبيلاً ليحدث في ٱلۡقُرآن اعوجاجاً، أو يلحد فيه أو يبدل فيه أو يغير منه شيئاً، أو يرفع بعضاً منه، أو يبطل بعض آياته،. ولكن الأشياخ يصرون على الاعوجاج، ويصرون أن بعض آياته رفعت وقد أبطلوا ورفعوا العمل بأحكامها [ولم يستطيعوا رفع آياتها]،. ليس لشيء إنما لأنهم لا يجرؤون على مخالفة ما درسوه في التعليم، وما توارثوه ممن قبلهم،.
الذي تربى في الجامعة على تربيب العلماء وتقديس كتبهم وتبجيلها،. يصيبه الذهول من نسف كلامهم في الناسخ والمنسوخ،. ويهاله الأمر ويُكبره،. ولم ينتبه البعيد، أن قبول قولهم يعني بالضرورة نسف كلام الله وإبطال العمل به،. هو بين خيارين، نسف ٱلۡقُرآن أو نسف كتب النسخ،. فهو اختار نسف ٱلۡقُرآن، واخترنا نحن نسف كتب النسخ،. ولا كرامة لمتكبر مجامل للشيوخ،.
25 ــــــ قال اْلله عن المتكبرين الذين ينكرون بعض آيات الله *نصرةً لأشياخهم ولمذهبهم الذي وجدوا عليه آباءهم،.* قال اْلله فيهم،. ﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ مَاۤ أَنزَلَ ٱللهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ *((قَالُوا۟ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَاۤ))* أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَاۤؤُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَهۡتَدُونَ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ عَلَیۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡ لَا یَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَیۡتُمۡ إِلَى ٱللهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [المائدة 103 - 105]،.
وقال،. ﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَاتُنَا بَیِّنَاتࣲ قَالُوا۟ مَا هَذَاۤ إِلَّا رَجُلࣱ *((یُرِیدُ أَن یَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُكُمۡ))* وَقَالُوا۟ مَا هَذَاۤ إِلَّاۤ إِفۡكࣱ مُّفۡتَرࣰى وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُمۡ إِنۡ هَذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ وَمَاۤ ءَاتَیۡنَاهُم مِّن كُتُبࣲ یَدۡرُسُونَهَا وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهِمۡ قَبۡلَكَ مِن نَّذِیرࣲ وَكَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُوا۟ مِعۡشَارَ مَاۤ ءَاتَیۡنَاهُمۡ فَكَذَّبُوا۟ رُسُلِي فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ﴾ [سبأ 43 - 45]،.
26 ــــــ قال الحق،. ﴿((ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ)) فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ﴾ [آل عمران 60]،.
وقال،. ﴿((وَكَذَّبَ بِهِ قَوۡمُكَ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ)) قُل لَّسۡتُ عَلَیۡكُم بِوَكِیلࣲ﴾ [الأنعام 66]،.
وقال،. ﴿وَیُحِقُّ ٱللهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ﴾ [يونس 82]،.
وقالَ،. ﴿...فَلَا تَكُ فِي مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُ ((إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ)) وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [هود 17]،.
وقال،. ﴿الۤمۤر ((تِلۡكَ ءَایَاتُ ٱلۡكِتَابِ وَٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ)) وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الرعد 1]،.
وقالَ،. ﴿لَقَدۡ ((جِئۡنَاكُم بِٱلۡحَقِّ)) وَلَكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [الزخرف 78]،.
وقال،. ﴿((یُجَادِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَیَّنَ)) كَأَنَّمَا یُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ یَنظُرُونَ﴾ [الأنفال 6]،.
وقال،. ﴿.. ((وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)) إِنَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [الشورى 24]،.
وقال،. ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَیَوۡمَ یَقُولُ كُن فَیَكُونُ ((قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّ))...﴾ [الأنعام 73]،.
أما قولنا نحن فلا قيمة له بين يدي كلام الله الحق، بل لا مقارنة،. قال اْلله،. ﴿..ذَلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَاهِكُمۡ وَٱللهُ یَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ یَهۡدِي ٱلسَّبِیلَ﴾ [الأحزاب 4]،. قول الله حقٌ كله، قديمه وجديده،. وليس في الجديد فقط،. ومن نسخ قولاً من قول الله، فقط أبطل الحق ورده وحذفه وشطبه،.
تالله لو أتينا بكل آية تدل أن كلام الله حق، ليس فيه شيء مرفوع ولا باطل،. سيرفضونها ويأبونها، ويردون كل البينات والآيات، وسيقولون : هذه الآيات (أكيييد) يعرفها علماؤنا الذين قالوا بالناسخ والمنسوخ،. (وأكيييد) لها معنى مختلف عن ظاهره،. (وأكيييد) أنكم فهمتم الآيات خطأ،. (وأكييد) كلام علماؤنا هو الصحيح،. [وأنكم تفسرون ٱلۡقُرآن بأهوائكم!!]،.
ــ قال الله،. ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ((يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا))..﴾ [الحج 72]،.
ــ وقال ﴿((وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا)) كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [لقمان 7]،.
ــ وقال،. ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ((ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا)) إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة 22]،.
ــــ عوداً على ذي بدء،..
كل تلك الآيات [أو بعضها] تعارض وتخالف وتناقض مفهوم العلماء لآية النسخ، فقد تبين منها أن الله لا يبطل قوله، ولا يمحوه ولا يرفعه، وأن قوله الحق، وهو الفصل ليس بالهزل، محكم متماسك ليس فيه عوج ولا اختلاف ولا تعارض،. ولكن العلماء قالوا بأن آية النسخ تدل على خلاف ذلك،. فبهذا يتحقق لدينا ما اشترطوه في الناسخ والمنسوخ،. ((فبه نلزمهم بنسخ آية النسخ ذاتها،. ورفعها وإبطال العمل بها [كما يقولون في مذهبهم] لأنها تعارض باقي الآيات))،.
وبنسخ آية النسخ والآيات الدالة عليه [وكلها 3 آيات يستدلون بها، سنأتي عليها إِنْ شٰاْءَ اللّٰه]،، فبنسخ استدلالاتهم، يرجع القُــرآن كله محكماً، ليس فيه آية منسوخة [بمعنى: مزالة]،. لأن الدليل الذي استخدموه نُسِخ [بمعنى: زال ورفع]،. وهذه وحدها تثبت أن ما قالوه عن الناسخ والمنسوخ باطل،. وٱلۡقُرآن كله محكم،. وصلى الله على نبينا محمد،.
لكنهم لن يقروا بنسخ آية النسخ [أي إبطالها]، لماذا؟!،. لأن الناسخ والمنسوخ عندهم (لا يخضع إلا للأهواء والشهوات)،. ولا يخضع لمنهجية واضحة كآيات وأحاديث صحيحة من تحديد اللّٰه والنّبي ﷺ للآيات المنسوخة،. إنما القضية كلها من أولها لآخرها، مجرد آراء بعض المعممين المعظمين عندهم، الذين هم ليسوا حتى من الصحابة، ارتأوا أنهم مفوّضون من عند الله، يوقّعون عنه ويقولون ما يشاؤون ويتصرفون بالقرآن تحت مسمى الاجتهاد،. فيصدّقون بعض آيات القُرآن، ويكذّبون بعضها [ليس باسم التكذيب المباشر للآيات، ولكن تحت غطاء الشاطب والمشطوب، الذي اصطلحوا بينهم على تسميته بالناسخ والمنسوخ]،. فهذه أهون وطئاً من التكذيب المباشر، وهو مدخل هادئ سوف يتقبله المسلمون،. ((رغم أن نتيجته ونتيجة التكذيب واحدة))،. ثم يختلفون بينهم، بل يخالف الواحد منهم نفسه، يقول منسوخة وليست منسوخة،. لأن القضية كلها لم تُقم على علم يُضبط، ونورٍ من الله يُقتدى به،.
ــــــــــــــ الناسخ والمنسوخ (بمعناه السائد في سوق النُساخ)،.
لا يوجد في القُرآن آية واحدة قد طار حكمها، وبقي رسمها في ٱلۡقُرآن زينة وتكملة عدد أو [Decoration]،. ولكن بعض الناس ومن تبعهم من المريدين،. يرددون كلمة "الناسخ والمنسوخ" عُدواناً وظلماً على آيات ٱلۡقُرآن، حتى ظن المسلمون أن هذه التركيبة [الناسخ والمنسوخ] خرجت من الرَّسوْل ﷺ، ولكنه والله بريء منها وكذا الصحب الكرام،. وهي لا تتعدى مجرد بهتان وافتراء زعمه الشيطان بنفسه، ثم مرره وفعل كل ما يسهّل ويعين ليجعل أولياءه "الموقعون" يمررونها على المسلمين،. فتبعه من تبعه من قساة القلوب والسفهاء،. قال اْلله،. ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِآیَاتِهِ إِنَّهُ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام 21]،.
نعم، فمن الحماقة اغتصاب آيات اللّٰه ورد العمل بها، بحجة أنها منسوخة وليست محكمة،. ومن الغباء والغفلة اللجوء إلى النسخ للخروج من وهمٍ سموه "التعارض"،. بل من السفاهة أن يقبل المسلم أنه قد يوجد في ٱلۡقُرآن "تعارضاً"،. فينتقل لما بعده من نسخ أو ترجيح أو رد أحد الآيتين،. إنما هو وهمٌ حصل في قلب إنسان غبي لا يفهم،.
من الحماقة أن ترضى بأن يقال أن في ٱلۡقُرآن اختلافاً،. ومن البهتان والحماقة أن يُفهم بأن النسخ يعني المحو والإزالة وأنه سيزيل الاشكال ويرفع التناقض، ولو قال به كل أهل الأرض!،.
في هذه الدراسة سنقوم بعون الله، بتغطية معنى النسخ من الألف إلى الياء،. ونردها لأصلها ونحقق فيها ونتعمق تأصيلاً للمسألة وللوصول للحق فيها،. ونرد على الشبهات الغبية التي لطالما رماها المجرم على المسلم ليُبعده عن ٱلۡقُرآن ويطمس النور والهدى ثم يدعوه لنفسه ولشيخه ولسان حاله : هلم إلينا، نحن نبينه لك، نحن نفسر لك،. فنحن أصحاب العلم الراسخون فيه، ونحن الأرباب العارفون بالله، ثم تُتخذ أقوالهم مصدرا لأحكام الدين ومراجعاً ونصوصاً [لا تُمحى ولا تُزال]،. أو قل كما يقولون (لا تُنسخ)!،. أما آيات القُرآن عندهم فيجوز فيها النسخ، ولكن قول أشياخهم لا ولن تُنسخ مهما حصل،. فهو الوحي الثابت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،. وحيٌ من شيطان رجيم،.
وليبرروا اختلاف فقهائهم فيما بينهم وكثرة تناقضاتهم وتضارب أقوالهم، سموهم (مجتهدين) فلا ملامة عليهم فيما فعلوا أيما فعلوا،. لأنهم يدورون بين الأجر والأجران،. مما يعني، ((إن أبطل المجتهد آيةً من القُرآن وكان قوله خطأً،. فله أجرٌ على إبطاله للقُرآن،. وسيَجزيه اللّٰهُ خَيْرَاً لأنه حاول جاهداً أن يُفسد قول الله ويبطله ويمحو حكمه، ويحكم عليه بالشطب ويلغيه،. فالله سيجزيه لأنه أزهق الحق وأبطل كلمة الله العلي الجبار))، والله سيجزيه أجراً لأنه جعل كلام الله هزلٌ ليس فيه فصلٌ ولا إحكام وأثبت أنه متناقض يخالف بعضه بعضاً،. ولْاحَوْلَ ولاْ قُوّةَ إِلاّ بِاْلله،. إلى الله المشتكى،. يقول اْلله،. ﴿قُلۡ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ﴾ [يونس 69]،. وقال عن المنافقين والمشركين،. ﴿وَیُعَذِّبَ ٱلۡمُنَافِقِینَ وَٱلۡمُنَافِقَاتِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ وَٱلۡمُشۡرِكَاتِ، *((ٱلظَّاۤنِّینَ بِٱللهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ، عَلَیۡهِمۡ دَائرَةُ ٱلسَّوۡءِ))* وَغَضِبَ ٱللهُ عَلَیۡهِمۡ، وَلَعَنَهُمۡ، وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَ، وَسَاۤءَتۡ مَصِیرࣰا﴾ [الفتح 6]،.
بعد أن وزعوا الأجور لمن أفسد آيات الله،. انتقلوا للعمل بالناسخات فاختلفوا فيها،. فقال بعضهم هي على الوجوب وبعضهم قال هي على الاستحباب،. ولكن الجمهور اتفق أن ترك العمل بالمنسوخ واجب،. فسُبْحَانَ اللّٰه،. حيثما تجد محاربة لله، تجدهم يتشددون فيه،. جعلوا ترك العمل بالآيات واجبة،. ولكن العمل بالناسخ ففيه سعة،. والحمد لله رب العالمين،.
لم يسلم القرآن منذ نزوله وانتشاره من الطعن المتكرر، لا أتحدث عن الملاحدة ولا الرافضة ولا المستشرقين ولا النصارى، إنما عن المنتسبين إلى ٱلۡقُرآن والداعين له (زعماً)،. فمرة طعنوا فيه بقولهم بأن آياته "ظنية الدلالة"،. ليقطعوا الطريق أمام كل من يفكر بالاستدلال بآيات القرآن،. ومرة طعنوا فيه بقولهم أن في ٱلۡقُرآن آيات "يعسر فهمها، لأنها مشتبهة، ليست محكمة"،. ومرة طعنوا فيه بقولهم أن ٱلۡقُرآن "حمال أوجه" كالمنافق "ذو الوجهين"،. ومرة بهذه الطعنة الكبرى (الناسخ والمنسوخ)،. هذه الطعنة التاريخية التي مر عليها معظم المشاهير فمرروها ولم يردوها،. [مجاملةً للآباء والأولين ونُصرةً للشيخ والفرقة]،. قالوا بأن في ٱلۡقُرآن آياتٌ ذاهبة الحكم مرفوعة فلا تعملوا بها،. اتركوا كلام الله،. وإن كان الله قد أخزاهم ومازال يخزيهم، فأبقاها في ٱلۡقُرآن كما هي رغماً عن أنوفهم، وأحكمها ربنا العزيز، وحفظها لنا إلى اليوم وإلى الغد،. فلْاحَوْلَ ولاْ قُوّةَ إِلاّ بِاْلله،. فلم يستطع العلماء حذفها وإخراجها وهم يشتهون ذلك، ولكنهم عاثوا حولها ليطمسوا نورها، فقالوا على مضض: النسخ أنواع، وهذه التي أبقاها الله ونحن كارهون،. هي من نوع (ما بقي رسمها ورفع حكمها)،. انظر لمدى العناد والوقاحة!!،. كلمة (بقي رسمها)،. إقرارٌ منهم لقول الله أنه أحكم آياته،. ولكن جعلوها للقراءة والأجر فقط دون العمل،.
كل ذلك لينتصروا لقولهم الأول أن في ٱلۡقُرآن تناقضاً،. وليته ذلك التناقض الظاهر في ذهن القارئ،. أي أن في ظاهره التناقض والاختلاف وفي جوهره وأصله لا تناقض، ويمكن الجمع بينهما،.. لا لا،. فتلك هينة،. ولكنهم لا يعنون هذا التناقض أبداً،. إنما يعنون التناقض الحقيقي بين الآيات،.
ــــ الفرق بين التعارض الظاهري والتعارض الحقيقي،.
التناقض الظاهري بين الآيات يزول بالتوفيق بينها وبيانها ومحاولة "تأويلها" وبهذا يُبقون الآيتين بلا إلغاءٍ لإحداها،. ولا يسمون هذا التناقض الظاهري نسخاً،. أما النسخ عندهم فهو لِما تناقض واختلف اختلافاً حقيقياً قطعياً،. هذا هو إيمانهم وتعظيمهم لكتاب ربنا،. فاعلم عمن نتحدث،.
✺ مثالٌ، للتفريق بين التناقض الظاهري والحقيقي،. ومتى يُصار للنسخ؟!،.
ــ في هداية النّبي ﷺ،. قال اْلله،. ﴿إِنَّكَ *((لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَكِنَّ ٱللهَ یَهۡدِي مَن یَشَاۤءُ))* وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ﴾ [القصص 56]،.
وقال في موضع آخر،. ﴿وَكَذَلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَا مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَابُ وَلَا ٱلۡإِیمَانُ وَلَكِن جَعَلۡنَاهُ نُورࣰا نَّهۡدِي بِهِ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَا *((وَإِنَّكَ لَتَهۡدِي إِلَىٰ صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ))* صِرَاطِ ٱللهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَلَاۤ إِلَى ٱللهِ تَصِیرُ ٱلۡأُمُورُ﴾ [الشورى 52 - 53]،.
قال بعض الجهال أن بين الآيتين تعارضاً،. فقام الشيوخ كلهم وقالوا،. "هذا تعارضٌ ظاهري وليس حقيقي"،. ويكفي أن تفهم الآيات لتخرج من التناقض الذي ظهر في ذهنك [قالوا أن الأولى هداية دين، والأخرى هداية طريق]،. ولم يقل أحدٌ منهم أن فيها نسخ،. والسبب،. أنه تم علاج المشكلة عبر توضيح معناها،. فلا داعي للنسخ،.. إنما يكون النسخ للتناقض الذي ليس له مثل هذا المخرج،. التناقض الحقيقي القطعي،.
✺ مثالٌ آخر للتعارض الظاهري،. يكثر تداوله بين الملاحدة،.
يقول الملحد بأن ٱلۡقُرآن فيه تعارض واختلاف، قال اْلله،. ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللهِ وَمَلَائكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ *((لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّن رُّسُلِهِ))* وَقَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ﴾ [البقرة 285]،.
وقال في موضع آخر،. *﴿((تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۘ))* مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللهُ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَاتࣲ وَءَاتَیۡنَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱلۡبَیِّنَاتِ وَأَیَّدۡنَاهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ..﴾ [البقرة 253]،.
وقوله،. ﴿..وَلَقَدۡ *((فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضࣲ))* وَءَاتَیۡنَا دَاوُودَ زَبُورࣰا﴾ [الإسراء 55]،.
فهل سمعتم أحدهم يقول هذه [ناسخ ومنسوخ]؟!،. لا، أبداً، إنما كان الرد عليهم أن هذا سوء فهمٍ منكم، وليس تعارضا، هذا تعارضٌ ظاهري في ذهن الملحد،. فالله حقيقةً فضل بعض الرسل على بعض ورفع بعضهم درجات،. أما نفي التفرقة بين الرسل إنما كان عن الإيمان بهم،. ففي كل مرة ينفي الله التفرقة بينهم، يذكر قبلها الإيمان بهم،. قال اْلله،. ﴿قُولُوۤا۟ *((ءَامَنَّا))* بِٱللهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَىٰۤ إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡمَاعِیلَ وَإِسۡحَاقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِیسَىٰ وَمَاۤ أُوتِيَ ٱلنَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ ((لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ)) وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ﴾ [البقرة 136]،.
وقال،. ﴿قُلۡ *((ءَامَنَّا))* بِٱللهِ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىٰۤ إِبۡرَاهِیمَ وَإِسۡمَاعِیلَ وَإِسۡحَاقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِیسَىٰ وَٱلنَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ *((لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ))* وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران 84]،.
وكذلك الآية الأولى، بدأت بــ *﴿((ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ))* كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللهِ وَمَلَائكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ *((لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّن رُّسُلِهِ))* وَقَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ﴾ [البقرة 285]،.
فنفي الفرق بين الرسل كان في الإيمان بهم، وبهذا التوضيح زال التعارض الظاهري،. دون اللجوء للنسخ،.
ولم يدعي أحد النُساخ أن في هذه الآية نسخ وإلغاء وتشطيب لحكم،. إنما عولجت المشكلة بالتوضيح،. ولم تُعالج بالنسخ،.
✺ مثال ثالث على التناقض الظاهري الذي يتم حله [بالتأويل، ولا يصل للنسخ والحذف]، وهذه المرة من الأحاديث الصحيحة،.
قال نبي ٱلله ﷺ ﴿لا عدوى﴾،. وقال في موضع آخر،. ﴿لا يوردن ممرض على مصح﴾،. فكان ترقيع العلماء أنه : لا عدوى إلا بإذن اللّٰه [بغض النظر عن صحة وسلامة هذا الترقيع الغبي]،. الشاهد، أنهم لم يقولون بأن حديث (لا عدوى) منسوخ [ولو أنهم يشتهون ذلك]،. ولكن تمت معالجة التعارض بالترقيع [والتأويل]، وليس بالنسخ، وهكذا في كل موضع فيه تعارض واختلاف ظاهري،. أما لو كان الاختلاف حقيقياً، فالعلاج هو الحذف والقلع، النسخ،.
الآن حين تأتي على جميع الآيات التي زعم النُساخ فيها النسخ،. لا تجدهم عالجوها بالتوضيح والتأويل والترقيع [كما يُفعل مع التناقض الظاهري]،. إنما عالجوها بالنسخ وأراحوا أنفسهم من التدبر والتفكير ومحاولة التوفيق،.
فاحفظ هذه،. التناقض الظاهري يتم التعامل معه بالتوضيح والتفسير والتدبر والتأويل وأحيانا بالترقيع،. أما التناقض الحقيقي المقطوع به،. يكون التعامل معه بالنسخ مباشرةً،. فالنسخ علمٌ قائم على التناقض الحقيقي في ٱلۡقُرآن،.
قدمت بهذه المقدمة حتى لا يخرج لنا غلمان السلفية فيقول [لا نؤمن بالتناقض]،. فالنسخ *[[إيمانٌ بالتناقض والاختلاف الحقيقي في ٱلۡقُرآن]]* ولكنه يستقذر هذه الكلمة ويستشنعها في حق ٱلۡقُـرآن،. بل هو الآن في صدمة نفسية مما استبان له من حقيقة النسخ فجأة،. ويريد أن يجمع بين إيمانه بالنسخ وإيمانه بخلو ٱلۡقُـرآن من الاختلاف،. ولكن هيهات، فالنسخ بسبب الاختلاف، ولا يكون نسخٌ حتى يكون تعارض واختلاف بين الآيات،. فهو الآن من هول الصدمة لا يدري ما يقول،. [فيتشبث بالنسخ]،. وسيحاول إنكار فحواه ولبه [اختلاف وتعارض آيات ٱلۡقُـرآن]،. فيناقض نفسه، يقول لا نؤمن بالتعارض،. فنقول له : إن كنت لا تؤمن بوجود التعارض في ٱلۡقُرآن، فلم تَنسَخ؟!،.
اكتف بالتوضيح بٰارَكَ اللّٰهُ فِيْك، فيزول التعارض الظاهري،. أمّا وأنك لم تكتف بالتوضيح،. ولجأت للنسخ، فأنت تؤمن أن ٱلۡقُرآن متعارض متناقض مختلف،.
ــــــــــــــ النسخ (علم التناقض في ٱلۡقُرآن)،.
ــ "علم الناسخ والمنسوخ" مبنى شاهق ومتطاول،.. بُني على أساس راسخٍ ومتين، بإيمان متجذّر في قلوب مُعتنقيه، ولولا هذا ((الأساس)) لما وُجد هذا [المبنى]،. ولا عُرف علمٌ اسمه [الناسخ والمنسوخ]،. هذا الأساس هو: التيقّن بأنّ في القرآن اختلافًا وتناقضًا،.
ــ "علم الناسخ والمنسوخ" انبثق وتولّد من إيمانٍ مسبق،. إيمانٍ تامٍّ و"عقيدةٍ" راسخة في القلب لا تختلجها ريبة،، ولا تخالطها ذرّة شكّ بأنّه يوجد تناقضٌ واختلافٌ في آيات ٱلۡقُرآن،. فلولا التناقض والاختلاف، لما اخترعوا "علم الناسخ والمنسوخ" مطلقًا،. ولا احتاجوا إليه،.
ــ فمشكلتنا مع هؤلاء القوم [الذين يؤمنون بالنسخ]،. ليست مجرد أفهام وآراء تَقبل النقاش،. إنما المشكلة معهم هو أنهم يؤمنون بالاختلاف والتناقض الحقيقي في ٱلۡقُرآن،. وهذا أصلٌ أصيل، وشرط أساسي في النسخ،. وهو أول شرط [الاختلاف والتعارض والتناقض بين الآيات أو الأحكام]،. وثاني شرط [عدم إمكانية الجمع بينهما]،. وثالث شرط [أن يُعلم المتأخر منهما]،. ورابع شرط [لا يكون النسخ في الأخبار]،. وخامس شرط "يخص الحديث" [هو تكافؤ الطرق]،. فلا ينسخ ضعيفٌ صحيحاً،.
فأول شرط لديهم هو "التَّنَـــاقُضْ"،. (نقض الله أركانهم)،. ولا تجد أهم وأوجب وأحق شرط (يُفترض) أن يكون بينهم، بل يُفترض أن يسُود كل الشروط ويسبقها في الأولوية،. وهو [أن الذي ينسخ هو الله وليس أحدٌ دونه]،. وهذا أمر غريب،. جد غريب،. لو قالوها لانقض هذا العلم كله،.
فالايمان بالتناقض أصلٌ في هذا العلم،. يعني،. رأس الإيمان عند النُساخ أن تؤمن بأنه لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله،. وأن كلام الله متناقض،. فالتناقض في ٱلۡقُـرآن أصلٌ أصيل عند العلماء الذين لا يقولون آمنا به كله،. بل آمنا بالتناقض والتعارض فيه،.
فليس من المعقول أن تأتي لآيتين ليس بينهما اختلاف ولا تناقض ولا تعارض، فتقول هذه منسوخة وتلك ناسخة،. مثل آية،. ﴿وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقۡتَلُ فِي سَبِیلِ ٱللهِ أَمۡوَاتُۢ بَلۡ أَحۡیَاۤءࣱ وَلَكِن لَّا تَشۡعُرُونَ﴾ [البقرة 154]،. فلا يصلح نسخها بآية آل عمران،. ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِي سَبِیلِ ٱللهِ أَمۡوَاتَا بَلۡ أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ﴾ [آل عمران 169]،. لا تعارض بينهما،. فلا يجوز أن تَنسخ وتُلغي آية ليس فيها تناقض واختلاف بينها وبين آية أخرى،.
من الغباء القول بالنسخ في آية،. ﴿أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَابَ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة 44]،. وآية،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفۡعَلُونَ﴾ [الصف 2 - 3]،. فهذه منسجمة ومتوافقة مع الأولى، لا تعارض بينها ليقال فيها ناسخ ومنسوخ،. ولكن الآيات التي ينسخونها التي يرون بينها تعارضاً واختلافا،. ولو اعترض علينا معترض،. نقول لا عبرة بقولكم وترقيعكم، العبرة بقول كبرائكم الذين أسسوا وقعدوا القواعد لهذا العلم، ودونوه في كتبهم، وصرتم أنتم تدرسونها اليوم،.
ــ قال ابن حزم [456 ﮬ.]،. وهو يرد على حجية القياس،. "اﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﻭﻳﺒﻄﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً، ﻭﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﺸﻲء ﻭﺿﺪﻩ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﻭاﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺣﻘﺎً ﻣﻌﺎً، *((ﻭﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﻜﺎﻥ ﻧﺴﺦ ﻭﻻ ﺗﺨﺼﻴﺺ، ﻛﺎﻷﺧﺒﺎﺭ اﻟﻤﺘﻌﺎﺭﺿﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺴﺦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً))* ﻭﻳﺨﺼﺺ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ" [المحلى بالآثار 1/79]،.
ــ قال السّرخسي [490 ﮬ.]،. *"((يقع التعارض بين الآيتين، وبين القراءتين، وبين السنتين، وبين الآية والسنة المشهورة، لأن كل واحد منهما يجوز أن يكون ناسخاً))* إذا علم التاريخ بينهما" [أصول السرخسي 2/13]،.
ــ قال ابن الجوزي [597 ﮬ.]،. "اﻟﺸﺮﻭﻁ اﻟﻤﻌﺘﺒﺮﺓ ﻓﻲ ثبوت اﻟﻨﺴﺦ ﺧﻤﺴﺔ، اﻷﻭﻝ: *((ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺳﺦ ﻭاﻟﻤﻨﺴﻮﺥ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎً))*، ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﻤﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻤﻜﻨﺎ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻧﺎﺳﺨﺎً للآخر" [نواسخ ٱلۡقُرآن 20]،.
ــ ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ اﻟﺤﺼﺎﺭ، ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ [611 ﮬ.] "ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮﺟﻊ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺦ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻞ ﺻﺮﻳﺢ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺃﻭ ﻋﻦ ﺻﺤﺎﺑﻲ ﻳﻘﻮﻝ ﺁﻳﺔ ﻛﺬا ﻧﺴﺨﺖ ﻛﺬا. ﻗﺎﻝ: *((ﻭﻗﺪ ﻳُﺤﻜﻢ ﺑﻪ ﻋﻨﺪ ﻭﺟﻮﺩ اﻟﺘﻌﺎﺭﺽ اﻟﻤﻘﻄﻮﻉ ﺑﻪ، ﻣﻊ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﻴُﻌﺮﻑ اﻟﻤﺘﻘﺪﻡ ﻭاﻟﻤﺘﺄﺧﺮ))* ﻗﺎﻝ: ﻭﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺦ ﻗﻮﻝ ﻋﻮاﻡ اﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ، ﺑﻞ ﻭﻻ اﺟﺘﻬﺎﺩ اﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻧﻘﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻭﻻ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺑﻴﻨﺔ" [اﻹﺗﻘﺎﻥ في علوم ٱلۡقُرآن 2/ 24]،.
ــ بل، من غير الإيمان بتناقض ٱلۡقُرآن، يصبح "علم الناسخ والمنسوخ" لا قيمة له، فلو كنت تؤمن بأنّ ٱلۡقُرآن لا يخالف بعضه بعضًا، لن تجد أيّ نفع لــ "علم الناسخ والمنسوخ"، ذلك أنّ النسخ لا يقع إلّا بين الآيات المختلفة والمتعارضة فيما بينها،.
ــ قال النووي [676 ﮬ.]،. "ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع؛ لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين [أو الآيتين] عن كونه مما يُعمل به.." [شرح مسلم 1/35]،.
ــ قال الزركشي [794 ﮬ.]،. "((وإن تعذر الجمع بين النصين الشرعيين)) بوجه من وجه الجمع المقبولة، فيؤخذ بالمتأخر منهما عندئذ، ((ويكون ناسخاً للأول)) وإن لم يُعلم المتقدم منهما والمتأخر، فيرجَّح بينهما بوجوه الترجيح الكثيرة، والتي أفاض العلماء في تفصيلها في كتب الأصول" [البحر المحيط 442/4]،.
ــ وقال الحافظ ابن رجب [795 ﮬ.] "وإذا أمكن الجمع بينها والعمل بها كلها وجب ذلك، (((ولم يجز دعوى النسخ معهُ)))، وهذه قاعدة مطردة" [فتح الباري لابن رجب 5/84]،.
ــ قال الشيخ ابن عثيمين [1421 ﮬ.]،. وإن تعارَضت [أي الآيات والأحاديث] وأمكن الجمع، وجب الجمعُ، ((((وإن لم يُمكِن الجمع عُمِل بالنسخ)))) إن تمَّت شُروطه، وإن لم يُمكِن النسخ، وجب الترجيح" [الأصول من علم الأصول 391]،.
احفظ هذا عندك : يُعمل بالنسخ في القُرآن! حين يتعذر الجمع بين الآيات!!،.
ــ وقال الشنقيطي [1230 ﮬ.]، "والجمع واجبٌ متى ما أمكنا * إلا فللأخير نسخٌ بيّنا" [مراقي السعود، لمبتغي الرقي والصعود]،.
وشَرَح الشنقيطي فقال،. وإنما كان قول العلماء كافة: أن الجمع إن أمكن وجب المصير إليه لأن إعمال الدليلين ((أولى من إلغاء أحدهما، كما هو معروف في الأصول))،. إﮬ. يعني، إن استطعت أن تجمع بينهما دون حذف أحدهما، كان بها وانتهينا،. أما إن لم تستطع أن تجمع بينهما [يعني تناقض محض، يستحيل فيه الجمع]،. إذاً تنسخ وتلغي وتشطب،. والقاعدة الفقهية عندهم تقول : الإعمال أولى من الإهمال،. فالإهمال والترك يكون في حال تعارض الدليلين وتعذّر الجمع بينهما،.
فالنسخ مبنيٌ على التعارض والاختلاف، فهؤلاء يؤمنون بإمكانية وقوع التناقض الحقيقي في ٱلۡقُرآن!،. التناقض الحقيقي يلزمه نسخ وحذف وإلغاء للآية،.
ــ قال عياض السلمي [من المعاصرين]،. "الدليلين إذا تساويا في الثبوت والقوَّة لا يُمكنُ الترجيحُ بينهما، وإذا اتّحدا في المحلّ والزمان والجهة لا يُمكنُ الجمعُ بينهما، ولا القولُ بنسخ أحدهما بالآخَر" [أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله 417]،.
فلا يمكن أن تزيل آية منسجمة ومتّسقة مع باقي الآيات في القرآن،. بل عليك أن تشمّر عن ساعديك،. وتبحث جاهدًا في القرآن عن الآيات التي تخالف وتناقض بعضها بعضًا، ثم تلغي وتبطل الآية الأقدم منهما،. فتعريف النسخ هو: رفعُ حُكمٍ بدليلٍ شرعيٍّ متأخّر،.
وهناك شروط أخرى للنسخ،. إنما كان يكفي أوّل شرط ليبهت المؤمن من شناعته، هذا الاشتراط يكفي المسلمين ليعرفوا أنّ هذا العلم "المصون" لم يأت عبثًا،. إنّما أتى من خلفيّة تؤمن بأنّ كتاب الله مليءٌ بالتناقضات والاختلافات،.
فمن الآن وصاعداً، كل مرة تسمع فيها كلمة (نسخ) فاعلم مباشرةً أنه ثمةُ تناقضٍ هنا،. فإن سمعت أن عدد الآيات المنسوخة 100 فهذا يعني أن في ٱلۡقُرآن 100 تناقض واختلاف،. ولو قالوا هناك فقط 20 آية، فافهم أن في ٱلۡقُرآن 20 موضعاً متناقضاً مختلفاً متعارضاً،. وكان الحل الوحيد لديهم لمعالجة هذا الخلل هو : حذف الآية المخالفة،.
ولكن لا يستطيعون أن يقولوا (سنحذف آية من القرآن)،. فهذه ستعد جريمة نكراء،.. ولن يقبلها الناس،. ولا يستطيعون أن يقولوا (سنطمس آية من القرآن)،. أو (سنبطل آية من القرآن)،. أو (سنلغي آية)، أو (سنمسح آية)،. لأنّ هذه الكلمات لها وقع ثقيلٌ على قلوب محبّي كتاب ربّهم،. المسلمين،. فوجب عليهم إيجاد كلمة أخرى [رقيقة]،. لها وقعٌ أخفّ على المسلمين من تلك الكلمات،. فأخرجوا كلمة "النسخ" (وسموه علمًا)،. وحتى يُثبتوا أركان هذا العلم، أتوا عليه بالشبهات من ٱلۡقُرآن ظنوها أدلة، وأمثلة من العقل،. فعاثوا في ٱلۡقُرآن فسادًا،. رفعًا وإلغاءً وتشطيباً،.
ــ جاء بعض العلماء [كهبة الله، وابن الجوزي والسيوطي مثلًا] ووجدوا أنّ الذين سبقوهم أفسدوا في القرآن كثيرًا في مسألة النسخ فغضبوا،. فهذا هبة الله بن سلامة [410 ﮬ.] يقول "((لمّا رأيت المفسّرين قد تهالكوا هذا العلم، ولم يأتوا منه وجه الحفظ، وخلطوا بعضه ببعض، ألّفت هذا الكتاب))" [الناسخ والمنسوخ 8]،.
ــ وهذا الإمام جلال الدين السيوطي [911 ﮬ.] يقول،. قَدْ أكْثَرَ النَّاسُ في المَنْسُوخِ مِنْ عَدَدِ *** وأدْخَلُوا فِيــهِ آياً لَيْسَ تَنْحَصِــــرُ" [الاتقان في علوم ٱلۡقُرآن]،.
ــ وهذا ابن الجوزي [597 ﮬ.] يقول في مقدّمة كتابه [نواسخ القرآن] "قد أقدموا على هذا العلم فتكلموا فيه وصنّفوه ((وقالوا بنسخ ما ليس بمنسوخٍ))" إﮬ. فمن أين أتى هذا التخبط والتقوّل على ٱلۡقُرآن؟!،. يجيب ابن الجوزي في ذات كتاب.،.
قال في الصفحة نفسها،. "وأصل الفساد الداخل على العلماء، تقلید سابقيهم وتسليم الأمر إلى معظّميهم من المتقدّمين، من غير بحث عمّا صنّفوه، ولا طلب للدليل عمّا ألِفوه، وإنّي رأيت كثيرًا من المتقدّمين على كتاب الله ((بآرائهم الفاسدة))" إﮬ.
وقال في الكتاب نفسه، بعد أن ذكر جماعة من المفسّرين حصروا السوَر التي تضمّنت الناسخ والمنسوخ، قال "واضحٌ بأنّ التحقيق في الناسخ والمنسوخ ((يظهر أنّ هذا الحصرَ تَخريفٌ)) من الذين حصروه" [نواسخ ٱلۡقُرآن 123]،. ذلك ليفتح لنفسه المجال لنسخ سورٍ غيرها،.
تصوّر،. قيل هذا الكلام قبل حوالي 1000 سنة من الآن،. قالوه عن أشخاص أسرفوا في إبطال آيات ٱلۡقُرآن قبلهم،. فأنت الآن، ستظنّ بأنّهم سيوقفون هذا المدّ والإفراط عند حدّه،. ولكنّك مخطئ، بل زادوا في عدد الآيات المنسوخة،.
وحين رأى الشّيوخ كلّ هذا التخبّط في المناسيخ،. صقلوا هذا العلم وحسّنوه، فوضعوا له قيودًا وموانع تمنع العبث والإفساد في الآيات،. وسمّوه "شروط النسخ"،. وصدحوا بها في وجه كلّ مفترٍ، فكان أوّلها أنّه لا يجوز النسخ إلّا في الآيات المتناقضة المختلفة،.
فهم منذ ذلك الحين، وهم يجتهدون لإخراج الآيات المتناقضة المختلفة في ٱلۡقُـرآن،. واعلم وتيقن،.. أنهم ليسوا وحدهم من يفعل هذا،.. بل هناك صنف آخر من البشر،. يبحثون باستماتة عن التناقض في ٱلۡقُـرآن،،.. الذين هم الملاحدة،.
هذان الصنفان من الناس، قد يَتنازلان عن كلّ شيء ويَرضيان بخسارة أيّ شيء، إلّا أن تقول لهم [[لا يوجد في ٱلۡقُرآن ناسخ ومنسوخ]]،. فهم يرون هذا القول نُكُر،. وفيه هدم وفضح لدينهم،. فالسلفيّ سيكتشف أنّ علمائه جهلة مقلدة، يطعنون في ٱلۡقُـرآن بغباء وحمق تأسيا بمن سبقهم،. وسيكتشف الملحد أنّه ألحد بسبب مغالطات أضيفت في الدين، والدين منها براء،.
فهذا سبب رفضهم وردّهم لمن ينكر النسخ، ولهذا تجدهم يصدّون من يقول [[ليس في ٱلۡقُـرآن ناسخٌ ولا منسوخ]] ويتهمونه بالشذوذ والكفر،. فالمسألة ليست مسألة حقٍّ مُتّبَع،. أو هدى مُراد، المسألة نفسيّة،. فمن طبع الإنسان أن يدافع عن (خدعة وقع فيها) ويتمادى،. لأنّه يأبى ويستثقل أن يقال عنه (مخدوع، مغفل، ساذج، ضحكوا عليك، غسلوا دماغك)،. فيرضى بالبقاء في تصديق الكذبة،. ولا يرضى بأن يعترف بأنّه استُغفل وخُدع وتم تضليله،. وهذا الأمر يزيد أكثر مع من صرّح وتكلّم ونشر،. فلو رجع إلى الحقّ الآن، سوف يسود وجهه أمام جمهوره، وسيخسر أتباعه والداعمين، والمشتركين في القناة،.
ــــ الشيخ النَّاسخ، يدخل للقرآن حاملاً معه قناعة تامة بـ(ـالتعارض بين آيات ٱلۡقُرآن)،.
فالناسخ والمنسوخ مبني على الاختلاف والتعارض [تناقضٌ حقيقي وليس ظاهري]،. هذا هو دين القوم،. يدخلون القُـرآن وفي أنفسهم أن فيه تعارضاً، يدخلون بحثاً عن الآيات المتناقضة لينسخوها،. قال اْلله،. ﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ، وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَیۡرِ ٱللهِ لَوَجَدُوا۟ فِیهِ ٱخۡتِلَافࣰا كَثِیرࣰا﴾ [النساء 82]،. وأخشى أن يأتي يومٌ ينسخون فيه هذه الآية "بإجماع أهل السنة والشيعة والملاحدة"،. لأن إيمانهم أن في ٱلۡقُـرآن اختلاف،. أقوى وأشد من إيمانهم بكلام الله في الآية الآنفة، أنه ليس في القرآن اختلاف،. فقد جربناهم كثيراً، يُصرون على وجود الاختلاف،. رغم علمهم بهذه الآية،.
ــ أجمع كل علماء طوائف وفرق المسلمين على أن القُرآن متعارض في بعض آياته [فقالوا بالنسخ]، ولم يشذ عن هذا الاجماع [أي ينكر النسخ] إلا أفراداً من آحاد الناس [وتم نبذهم وتحقيرهم وتجهيلهم]،. فحتى الضُّلال من الروافض والأشاعرة والخوارج أقروا بالاختلاف والتناقض في ٱلۡقُـرآن،. ليست الفرقة السلفية وحدها [التي تسمي من ينكر النسخ : معتزلي، لا يؤبه له]،.
طامة السلفيين والشيوخ لم تنتهي عند هذا،. بل تجاوزوا لما هو أسوء،. فزعموا أن القول بالنسخ [الذي أساسه التناقض في القرآن]،. زعموا أن عليه إجماع أئمة المسلمين كلهم،. ومن خالف الاجماع فقد كفر، أو في أحسن حالاته : فقد ضلّ وابتدع،. لأنه خالف مصدراً من مصادر التشريع وأنكر أمراً اتفق عليه المسلمون،. فبهذا، يصير الذي يؤمن بكلام الله كله : كافراً أو مبتدعاً،.
فالمسكين الذي ينكر النسخ الآن،. [كونه يأبى أن يقال عن كتاب ربه أن فيه اختلافٌ وتعارض]،. يُحارَب، ويُنبذ، ويُكفر، ويُحذّر منه،. *((ومن يؤمن بكتاب الله كله، يصير كافراً أو ضالاً))*،. بدعوى أنه خالف الاجماع،.
ــــــ ماذا يفعل المؤمن حين يواجه ما يبدو متعارضاً؟!،.
عليه أن يؤمن إيماناً قاطعا بأنه لا يوجد اختلاف ولا تعارض في كلام الله،. وأن ما بدى له من اختلاف إنما كان لقصورٍ منه في فهم الآيات،. فليسأل الله الهُدَىٰ وليستعن بالله ليعلمه، فسوف يعلمه ويزيل عنه الغمة ويدبر له معرفة الحق،. وليحذر كل الحذر أن يفعل ما فعله حُذاق الشياطين من نسخ الآيات،.
ــــــ النسخ VS الارجاء،. [الإرجاء إيمان بلا عمل]،.
حين نقول عن النساخ أنهم لا يؤمنون بكل ما أنزله الله، يردون : بل نؤمن بالآيات المنسوخة أنها من عند الله ولا ننكر ذلك، ومن أنكر ذلك فهو كافر!!،. *((ولكن لا نعمل بها، وندعوا الناس لكيلا يعملوا بها وليتركوها لأنها رُفعت وألُغيَت))* بآيات أخرى تخالفها وتضادها،.
نقول،. وما الفائدة من إيمانك بالآية إن كنت لا تعمل بها؟!،. تؤمن أنها من الله وتردها وتصد الناس عنها؟!،. الإيمان بالآيات، يلزمه عمل بها وبأحكامها،. وليس الإيمان مجرد معرفة وإقرار أنها من الله،. هذا (استهبال)،.
الآيات ليست لوحة فنية تنظر فيها فتقول وااو حلوة اللوحة، رائعة ثم تمشي وتتركها،. الآيات كلام الله، وحديث الله وأمره ونهيه، إن كنت لن تعمل بها (وأنت تؤمن أنها من الله)،. فلا فرق بينك وبين المرجئة الذين اشترطوا الايمان وتركوا العمل،.
ــــ آيات منسوخة VS آيات مخلوقة،.
الحقيقة،. أن معظم الشيوخ يكفرون من يقول بأن ٱلۡقُرآن مخلوق،. ومحنة الإمام أحمد فيها وسجنه وتصديه لهذه الفرية الضالة لا تخفى على أحد،. وما زال الناس بعده يكفرون القائل بأن ٱلۡقُرآن مخلوق،. وهذا القول ضلالة بلا شك، وهو شر وسوء [ولا نكفر أحداً بقولٍ قاله، ولسنا هنا في مقام التصويب ورد تكفير التكفيريين]،. ولكننا نتفق أن هذا القول محدَث ومنكرٌ وشرٌ خبيث،.. ولكن،...
من أشد وأنكى؟!،. الذي قال بأن القرآن مخلوق أم الذي قال بأن في ٱلۡقُرآن ناسخ ومنسوخ؟!،. دعونا نقارن وننظر في آثار القولين لنعلم من منها أشر من الآخر،. وهذا ليس بتلميع لأحد القولين، فكلاهما شرٌ محض،. ولكن ننظر أيهما أشر وأسوء،.
1 ــ الذي قال أن ٱلۡقُرآن مخلوق، لم يتهم الآيات بالاختلاف الذي يلزمه نسخ ليعالجه، بينما الذي قال بالنسخ اتهمها بالاختلاف والتناقض،.
2 ــ الذي قال بأن ٱلۡقُرآن مخلوق،. فتنته طمست وغابت واختفت وصارت من التاريخ،. ولكن الذي قال بالنسخ، فتنته بقيت وبقي أثرها إلى اليوم،.
3 ــ الذي قال بالخلق، لم يقعّد لكلامه بقواعد وأسس يسير عليها الناس بعده،. ولكن القائل بالنسخ فعل،. قعّد القواعد ووضع الأسس والشروط والأقسام، ووضع الكتب وحدد بنفسه الآيات المنسوخة،.
4 ــ الذي قال بأن ٱلۡقُرآن مخلوق، لم يمنع الناس من العمل بالقرآن،. أما الذي قال بأنه منسوخ، دعى المسلمين لترك العمل بآيات من القرآن،.
فالقول بالنسخ أشر وأخبث من الذي قال بخلق ٱلۡقُرآن،. وإن كان القائل بالنسخ قد استدل على قوله بالقرآن، فحتى القائل بخلق ٱلۡقُـرآن قد استدل على قوله بالقرآن،. وكلاهما ضال، كلاهما أتى بمحدثة، وكلهم يحسب أنه يحسن صنعاً،. ولا يدرون ولا يشعرون أنهم على ضلالة،. ﴿أَفَمَنْ *((زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)) فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ..﴾ [فاطر 8]،.
ــــــ إن سلمنا جدلاً بصدق زعمهم بأن ٱلۡقُرآن فيه ناسخ ومنسوخ، فيلزمهم بأن يأتوا به من عند النّبي ﷺ نفسه بسندٍ ثبت، فهو الذي أتى بالقرآن، ولا يحق لغيره أن يمحو منه شيءٌ، فعلى النّبي ﷺ أن يحدد الآيات المنسوخة فينسخها أو يقول لنا : هذه محكمة وهذه منسوخة غير محكمة، عليه أن يقول : هذه الآية هزلٌ وتلك فصلٌ،. هذه ظنية الدلالة، وتلك قطعية،. لا أن يأتوا بها من أكياس شيوخهم، ومن تخرصات فقهاءهم وظنون خطبائهم،. ليزيلوا بها حكماً عَلِياً أنزِل من السماء رحمةً وهدى للناس،. قال اْلله،. ﴿أَمْ لَهُمْ ((شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ)) وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى 21]،.
وقال،. ﴿..وَاللهُ يَحْكُمُ؛ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ..﴾ [الرعد 41]،.
وقال،. ﴿..وَلَا یُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِ أَحَدࣰا﴾ [الكهف 26]،.
وقال،. ﴿قُلۡ أَرَءَیۡتُم مَّاۤ أَنزَلَ ٱللهُ لَكُم مِّن رِّزۡقࣲ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامࣰا وَحَلَالࣰا قُلۡ ءَاۤللهُ أَذِنَ لَكُمۡ أَمۡ عَلَى ٱللهِ تَفۡتَرُونَ؟!﴾ [يونس 59]،.
ــــــــــــ عدد الآيات المنسوخة،.
إن سلمنا جدلاً بصدق ادعائهم أن في ٱلۡقُرآن ناسخٌ ومنسوخ،. فعليه وجب أن تكون الآيات المنسوخة معلومة لدى الجميع! وعددها معروف محدد لكل المسلمين!،. ولكن هل هي معلومة ومعروفة؟ لا،. حتى بين أوساط المجتهدين ليست محددة وليست معينة،.
والذي يجهله المقلدون الذين أخلصوا دينهم للعلماء،. أن العلماء لم يستقروا ولم يتفقوا على عدد الآيات المنسوخة في ٱلۡقُرآن،. ولم يُجمعوا فيها أبداً،. بل أقوالهم في عدد المناسيخ مضطربة،. فمنهم من قال هي 3 آيات، ومنهم القائل أنها 300 آية،. وقال بعضهم هي 7 آيات،. وقال بعضهم هي 70 آية،. وبعضهم جزم أنها 223 آية ثم تراجع هو بنفسه في ذات كتابه إلى 21 آية،. وجاء غيره وأبطل زعمه فجعلها 9 آيات، ومنهم من قال هي 5 آيات، وقال غيره بل هي 500 آية،. وهكذا دواليك،. أقلهم طعناً في الدين قال هي آيتين [المصابرة والنجوى]،. وكأنها لعبة حظ ويانصيب،. فكل إنسان منهم لديه رأيه الشخصي وعدده في المنسوخات، ولم يتفقوا إلى اليوم على عددها!،.
وهذا التخبط العريض في [عدد الآيات المنسوخة] يدل أن الآيات المنسوخة ليست من عند الله وليست من النّبي ﷺ،. وإلا،.. لَلَزمهم قبولها جميعاً والوقوف عندها، لأنها أحكام توقيفية، ولكنهم كلهم يعلمون أنه ليس في الناسخ والمنسوخ شيءٌ توقيفي [كله أهواء وأفهام شخصية تختلف حسب قوة استيعاب العالم] وسيتبين لنا لاحقاً كيف يتكلمون عن أنفسهم بأشد من قولنا هذا،.
كثرة تناقضاتهم واختلافهم بينهم في هذا العلم، ليس إلا "جزاءًا وفاقاً" من الله، بسبب شكهم وارتيابهم في الكتاب، وبسبب ما قالوه من قبل عن كلام الله أنه متناقض، هؤلاء اتخذوا دينهم لعباً ولهواً،. قال اْلله،. ﴿..وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء 82]،.
ولكن النُساخ على سنن الأولين بالتمام،. قال اْلله،. ﴿وَمَا تَفَرَّقُوۤا۟ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡ، وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى لَّقُضِيَ بَیۡنَهُمۡ، *((وَإِنَّ ٱلَّذِینَ أُورِثُوا۟ ٱلۡكِتَابَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكࣲّ مِّنۡهُ مُرِیبࣲ))﴾* [الشورى 14]،.
* إن قال قائل، "أننا كذلك لم نتفق على عدد الأنبياء رغم إيماننا بهم!!"،. نقول هذا قياس بعيد،. لأن الأنبياء، إن اختلف بعض الناس في عددهم فلم يختلفوا في النّبي ﷺ الحجة الخاتمة،. وعلينا طاعته هو بما جاء،. ولا يهمنا عدد الأنبياء قبله، ولكن حين تفقد عدد الآيات المحكمة من المنسوخة من كتابك، فأنت لا تدري هل تطيع الله أم لا فيما تقرأ،. ثم أقول، نستطيع حصر الأنبياء ومعرفة عددهم بالتحديد والْحَمْد لله،. [أنتم الذين تجهلون عددهم، فلا ترموها على غيركم، وجهلكم بهم لا يعني أن عددهم غير معلوم]،. ونعرف عدد آيات ٱلۡقُرآن،. ونعرف عدد الآيات التي فيها سجود التلاوة،. بخلاف عدد آيات النسخ المريب،.
ــــــــــــــــــ آيات النسخ VS آيات سجود التلاوة،.
لو كانت الآيات المنسوخات معلومات لدى جميع المسلمين، لوضع عليها علامات تدل على أن هذه الآية ملغية معطَّلة، كما نجد اليوم علامة السجود [۩] في المصحف عند آيات "سجود التلاوة"،. من مثل هذه العلامة،. ﴿إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِآیَاتِنَا ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ۩﴾ [السجدة 15]،. وهي للسجود (أثناء القراءة)، وكل تأثيرها هو السجود فقط،. أما الآيات المنسوخة فهي معطلة عن العمل بها كلياً، وتم إبطالها، فإن لم يستطيعوا إخراجها من المصحف،. فلتكن ثمة علامة بجوارها، تدل أنها قد نسخت، ولا يجوز العمل بها كونها منسوخة،.
الزعم بأن في ٱلۡقُرآن آيات منسوخة، يلزم هذا القول إتقانٌ وتنظيم، ولكن القوم في تيه مذ قالوا بأن بين كلام الله تناقضاً، فعاقبهم الله أن جعلهم متناقضون في كل أقوالهم، فالعالِم السمين الذي قال بأن الآيات المنسوخة 100، قام له غيره ممن زاد وزنه أكثر فيقول هي أكثر، ويأتي آخر قد خف وزنه، ليقول هذه ليست منسوخة ولا تعارض بينهما،. ويشرحها بطريقة سلسة مفهومة،. ليبهت الذي نسخ ويرد معظم المنسوخات، ثم هو ينسخ آيات أخرى،. وهكذا دواليك، كل آية سمعتَ أنها منسوخة، اذهب لسمينٍ آخر ممن يؤمنون كذلك بتناقض ٱلۡقُرآن والنسخ المرافق له، ستجده قال بأنها ليست منسوخة،. ذلك أن الذي يفتري الكذب على اللّٰه لن يفلح،. قال اْلله،. ﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَاتُنَا بَیِّنَاتࣲ قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَیۡرِ هَذَاۤ أَوۡ بَدِّلۡهُ قُلۡ مَا یَكُونُ لِي أَنۡ أُبَدِّلَهُ مِن تِلۡقَاۤء نَفۡسِي إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنۡ عَصَیۡتُ رَبِّي عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ قُل لَّوۡ شَاۤءَ ٱللهُ مَا تَلَوۡتُهُ عَلَیۡكُمۡ وَلَاۤ أَدۡرَاكُم بِهِ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِیكُمۡ عُمُرࣰا مِّن قَبۡلِهِ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللهِ كَذِبًا *((أَوۡ كَذَّبَ بِآیَاتِهِ إِنَّهُ لَا یُفۡلِحُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ))﴾* [يونس 15 - 17]،.
في هذه الآيات يقول النبي ﷺ أنه ليس بيده أن يبدل آيات ٱلۡقُرآن،. فيقول مثلاً أن هذه قد نسخت، وهذه لم تنسخ،. لأنه قال بنفسه،. ﴿مَا یَكُونُ لِي أَنۡ أُبَدِّلَهُ مِن تِلۡقَاۤء نَفۡسِي﴾،. فهل تركها للعلماء ليبدلوا من تلقاء أنفسهم؟! لا،. ليس الأمر متروكاً للناس ليعبثوا في ٱلۡقُرآن بأهوائهم وأفواههم،. العجيب أنهم رغم كثرة طعونهم بآيات ٱلۡقُرآن، إلا أن آيات ٱلۡقُرآن بقيت شامخةً كما هي، لم تمحَ ولم تُزل، لم يستطيعوا محوها وإزالتها رغم أنهم يشتهون ذلك، ولكن الله أحكمها إحكاماً وأخزى بها الشيطان وأعوانه،. [فلم يمسحوها وهم يطمعون]،. وهذا أكثر شيءٍ يُفرح قلب المؤمن ويُطمئنه أنه لم يمحَ من ٱلۡقُرآن شيء [وسنمر على جميع الروايات التي استدلوا بها على نسخ التلاوة لنبطلها لهم، ونفسدها عليهم، إِنْ شٰاْءَ اللّٰه]،.
يقول الله للنّبي ﷺ،. ﴿مَا یَكُونُ لِي أَنۡ أُبَدِّلَهُ مِن تِلۡقَاۤء نَفۡسِي﴾،. فجاء العلماء وقرؤوها هكذا،. (ما يكون لي أن أبدله من نفسي ولكن العلماء بعدي، لهم أن يبدلونه من تلقاء أنفسهم)،. فهم يرون النّبي ﷺ مسكيناً،. إنما يتبع ما يوحى إليه،. ليست بيده حيلة،.
فمثلا جمهور العلماء قالوا في آية تربص الأرملة (منسوخة) مبدلة بآية أخرى،. وإن سألتهم هل بدلها النّبي ﷺ أم أنتم؟!،. سيقولون نحن،. لأن النّبي ﷺ لا يستطيع تبديلها، ولكن نحن نستطيع،. كذلك آية المصابرة في القتال،. التي قالوا أنها منسوخة بالتي بعدها،. وآية الصيام التي أبطلوها بناء على روايات ضعيفة وموقوفة، ليست عن النّبي ﷺ الحجة، وفوق ذلك أخذوا منها جزئية (وعلى الذين يطيقونه فدية) فاستعملوها وعملوا بها، ولكن بعد تحريفها إلى،. (وعلى الذين لا يطيقونه فدية)،. وهذا من أعجب العجب،. فلو سألت أي شيخٍ اليوم عن حكم الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام؟،. والمريض الذي "لا يُرجى" برؤه؟،. سيقولون عليه الفدية عن كل يوم أفطره من رمضان، ودليلهم آية منسوخة عندهم،. والآية أساساً على الذين يطيقون الصيام، ولكن جعلوها على الذين لا يطيقون الصيام،. فلا تقل أنهم أهل تحريف،. بل هم يتفننون في التحريف،.
ــــــــــــــــــــ كلام الله VS كلام الشيخ،.
تعلمنا من الفقهاء والأكابر، أن الله قد يناقض نفسه، فإن وجدت تناقضاً في ٱلۡقُرآن،. فقم بنسخ الآية الأقدم منهما،. (وهذا هو النسخ)،. ولكن،.. ماذا يا ترى، لو وجدنا تناقضاً في كلام مجتهد من المجتهدين،. ماذا سيفعلون يا ترى؟!،. لننظر في كتب الأصوليين،. من الأعلى والأجل عندهم؟!،. هل هو كلام الله؟!،. أم هو كلام الإنسان؟!،. ومن الأولى بالحفظ والصيانة؟!،. أي قولٍ هو المنزه من الخطأ والزلل؟!،.
قالوا،. *((الاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد))،. وفي رواية،. ((الاجتهاد لا يُنقض بمثله))،. وفي رواية،. ((الاجتهاد لا يُنقض باجتهادٍ مثله))،.*
قال عياض السلمي [من المعاصرين]،. "قاعدة: الاجتهادُ لا يُنقضُ بالاجتهاد: وهي قاعدةٌ عامّةٌ صحيحةٌ، تُفيدُ أن المجتهدَ إذا أفتى أو قضى قضاءً بناءً على اجتهادٍ، ثم تغيّر اجتهادُه فإنه لا يَنقضُ حكمه السابق، ولا يرجعُ فيه بعدَ نفاذه، وكذلك إذا أفتى بفتوىً وعمل بها المقلِّدُ، فإن رجوعَه لا ينقُضُ فتواه التي اتّصلَ بها العملُ. ولا فرقَ في تطبيق القاعدة بين أنْ يكونَ اختلافُ الاجتهاد الثاني من المجتهد الأول أو من غيره، بل إذا كان الاجتهاد المتأخِّرُ من غير المجتهد الأول يكونُ أولى بعدم النقض" [أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله 472]،.
لا يمكن أن ينسخوا قول المجتهد وإن تناقض مع نفسه أو مع غيره،. كلام المجتهد *((مصون محفوظ منزّه))،. ولكن كلام الله عندهم، ((لا قيمة له))،. يمكن أن يُرفع ويُشطب ويُزال بكل يُسر،. وهذه المفارقة العجيبة المبهرة [بين كلام الله وكلام الرجال]، تُعلمك بأن هؤلاء في الحقيقة أعداءٌ للۡقُرآن،. وليسوا خدماً له،.
قد يبدو للقارئ بأن هذا قولٌ شاذ "وشاطح" من شدة نكارته وشناعته ولكنه مخطئ،. فهذه قاعدة فقهية ثابتة عند الأولين والآخرين،. بل وجدتهم يتبجحون بهذه القاعدة في عدة مجالس،. ووجدت بعض الشراح يستخدمها في غير موضعها، يقول بأن الأحكام ثابتة والفتاوى متغيرة بحسب الزمان والحال [فالفتوى الجديدة لا تُحدف ولا تلغي القديمة]،. وكل ذلك عبث في الدين ولعب بالشريعة،. فليتهم فعلوا مثل هذا بالۡقُرآن،. فهم يقولون في علة النسخ كما قالوا في الفتوى،. أن لكل وضع وزمن حكمٌ من الله يخصه [ويتغير تخفيفاً وتثقيلاً]، أما الفتاوى فلا،. هي لا تتغير ولا ينسخ بعضها بعضاً،. فمن الأجل عندهم؟! كلام الله أم كلام الشيخ المجتهد؟!،. أجب بنفسك،.
ــــــــــــــــــــ نسخ ٱلۡقُرآن إنما يكون بالاجتهاد،.
النسخ تحريفٌ للقُرآن،. وكله تحت غطاء الاجتهاد،. ولا أدري من سمح لهم بالاجتهاد في الدين أساساً؟!،.
مبدئياً، هو اسمه تشريع وليس اجتهاد،. ولكنهم اصطلحوا على لفظة الاجتهاد لأن وقعها على المسامع أخف وأهدأ، ولو سمع الناس أن العلماء يشرّعون [بدلاً من : يجتهدون]، لعرفوا أنهم نصّبوا أنفسهم آلهة على عباد الله،. ولكن حين يسمعون أن العلماء يجتهدون، تسكن أنفسهم ويرضون، مع أن المعنى والمؤدى واحد،.
إن أباحوا لأنفسهم التشريع [الاجتهاد]،. بسبب حديث الأجر والأجران، فالكلام كان فيه للحاكم وليس للعالم،. قال نبي اْلله ﷺ،. ﴿إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران،...﴾،. فالكلام فيه عن الحاكم وليس عن العالم،. وكل علماء الحديث وضعوه في باب القضاء وليس في باب العلم،. فهذا استدلال ساقط،.
وإن أباحوه لأنفسهم بسبب حديث معاذ،. ﴿اجتهد رأيي ولا آلو..﴾،. فالحديث ضعيف منكر بسبب جهالة أصحاب معاذ، رغم استغراب علماء الحديث من كثرة انتشاره في كتب الفقه،. وهذا استدلال ساقط،.
وإن كان بسبب آية الاستنباط،. ﴿لعلمه الدين يستنبطونه منهم...﴾،. فالآية لأولي الأمر (أي الحكام) وليست للعلماء،. قال اْلله،. ﴿وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ ((أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ)) أَذَاعُوا۟ بِهِ ((وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِي ٱلۡأَمۡرِ)) مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُ مِنۡهُمۡ،...﴾ [النساء 83]،. وأولي الأمر لا يعرفون النسخ وهذه الأمور،. ثم هذه الآية عن خبر الأمن والخوف، وليست عن التشريع،. وحين تقارنها بآية التشريع تجد أن الله يحيلك عند النزاع لنفسه،. ﴿..فَإِن تَنَازَعۡتُمۡ فِي شَيءࣲ ((فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللهِ وَٱلرَّسُولِ)) إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡآخِرِ،...﴾ [النساء 59]،. بينما في آية الاستنباط لم يذكر الله نفسه،. ذلك أنه ليس بتشريع، إنما هو أمر دنيوي يخص ولاة الأمور،. فهذا استدلال ساقط كذلك،.
وبهذا لم يبق لهم ممسكاً ليشرعوا في الدين [بمسمى الاجتهاد] ويستصدروا الاحكام،. كيف وقد قال اْلله،. ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..﴾ [المائدة 3]،. فلا يحق لأحد أن يشرع في الدين وقد أكمله الله،. ولم يفتح الله باب التشريع لأحد [بل سماه شركاً]،. قال اْلله،. ﴿..وَلَا یُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِ أَحَدࣰا﴾ [الكهف 26]،. وقال،. ﴿أَمْ لَهُمْ ((شُرَكَاءُ شَرَعُوا)) لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله..﴾ [الشورى 21]،.
وسنأتي لتفصيل هذا أكثر، ونبين بالبراهين ومن كتبهم أن القوم [النُساخ] يكذبون أنفسهم،. يزعمون بأن اللّٰه هو الذي ينسخ،. ولكن في الحقيقة هم الذين ينسخون وليس الله ولا رسوله ﷺ،.
ــــــ الكذب والافتراء تعدى ببعض أصحاب المذاهب حتى رفعوا أقوال شيوخهم على ٱلۡقُرآن [بدعوى الاجتهاد!]،. فجعلوا آراء الشيخ ناسخة لكلام الله،.
ــ قال أبي الحسن، عبيد الله بن الحسين الكرخي، وهو أحد علماء [عند القوم]، قال،. *"((كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تُحمل على النسخ))* أو على الترجيح والأولى أن تُحمل على التأويل من جهة التوفيق" إﮬ. [كنز الوصول إلى معرفة الأصول لعلي بن محمد البزدوي الحنفي،. وذكره كذلك أبو حفص عمر بن احمد النسفي في تفسير التيسير]،.
وكون "الاجماع" عندهم يعتبر مصدراً مُعتبراً من مصادر الدين،. فقد اعتبروه أقوى من ٱلۡقُرآن والسنة،. لأن ٱلۡقُرآن والسنة يقبلان النسخ، والاجماع لا يقبله، بدعوى أن الأمة لا تجتمع على ضلالة،. [وهذا قول إمامهم الغزالي في المستصفى¹]،. أما بقية القوم (الذين يبغضون الغزالي) فلم ينكروا عليه هذا القول،. لأنهم يرون استحالة إجماع الأمة على ضلالة،. فهم يرون أن ما قاله الغزالي حق،. فالاجماع لا يُنسخ، بينما ٱلۡقُرآن يجوز فيه النسخ والحذف،. ولا أدري كيف تقبلت الأمة هذا البهتان!،.
¹ قال أبو حامد الغزالي [505 ﮬ.] في المستصفى [أسميه مستصفى الأمراض العقلية]،. قال فيه،. "يجب على المجتهد في كل مسألة أن يرد نظره إلى النفي الأصلي قبل ورود الشرع ثم يبحث عن الأدلة السمعية المغيرة *((فينظر أول شيء في الإجماع فإن وجد في المسألة إجماعاً ترك النظر في الكتاب والسنة فإنهما يقبلان النسخ، والإجماع لا يقبله))،* فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسنة دليل قاطع على النسخ إذ لا تجتمع الأمة على الخطأ، ثم ينظر في الكتاب والسنة المتواترة وهما على رتبة واحدة لأن كل واحد يفيد العلم القاطع ولا يتصور التعارض في القطعيات السمعية إلا بأن يكون أحدهما ناسخا فما وجد فيه نص كتاب أو سنة متواترة أخذ به". إﮬ،.
قال قبله الخطيب البغدادي [463 ﮬ.]،. "ﻭﻳﺠﻮﺯ اﻟﻨﺴﺦ ﺑﺪﻟﻴﻞ اﻟﺨﻄﺎﺏ، ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻨﻄﻖ، ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻨﺴﺦ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎﻉ، ﻷﻥ اﻹﺟﻤﺎﻉ ﺣﺎﺩﺙ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺕ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻨﺴﺦ ﻣﺎ ﺗﻘﺮﺭ ﻓﻲ ﺷﺮﻋﻪ، *((ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺴﺘﺪﻝ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎﻉ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺦ، ﻓﺈﺫا ﺭﺃﻳﻨﺎﻫﻢ ﻗﺪ ﺃﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻑ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﺑﻪ اﻟﺸﺮﻉ، ﺩﻟﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺴﻮﺥ))* ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻨﺴﺦ بالقياس: ﻷﻥ اﻟﻘﻴﺎﺱ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺼﺢ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﻌﺎﺭﺿﻪ ﻧﺺ، ﻓﺈﺫا ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﺺ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﻘﻴﺎﺱ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻘﻴﺎﺱ ﺣﻜﻢ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻨﺴﺦ ﺑﻪ ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻨﺴﺦ ﺑﺄﺩﻟﺔ اﻟﻌﻘﻞ" [الفقيه والمتفقه 1/332]،.
قال يجوز النسخ بدليل الخطاب، أي بالذي تفهمه من النص، فإن فهمت أنه يعارض فلك أن تنسخ،. وقال بأن الإجماع يدلنا على أن الآية منسوخة!! فهو ينسخ ٱلۡقُرآن بكلام الناس،. بل ويرفع كلام الناس على كلام الله،. فقد قال قبل ذلك في نفس الكتاب،. *"((ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻧﺴﺦ ﺇﺟﻤﺎﻉ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻷﻥ اﻹﺟﻤﺎﻉ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺕ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ [!?What]،. ﻭاﻟﻨﺴﺦ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ، ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻧﺴﺦ اﻟﻘﻴﺎﺱ))* ﻷﻥ اﻟﻘﻴﺎﺱ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻷﺻﻮﻝ، ﻭاﻷﺻﻮﻝ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﻧﺴﺦ ﺗﺎﺑﻌﻬﺎ" [الفقيه والمتفقه 1/257]،.
ليس الخطيب وحده من قال بنسخ ٱلۡقُرآن بالإجماع، بل حتى الإمام الشوكاني [1250 ﮬ.]،. وهو يتكلم عن شروط الترجيح،. قال،. "والثاني: يُقدم ما كان دليل أصله الإجماع على ما كان دليل أصله النص [يعني بالنص أي الآيات ومتون الأحاديث]، لأن النص يقبل التخصيص، والتأويل والنسخ،،.. والإجماع لا يقبلها"،. [إرشاد الفحول 2/278]،.
وقال السخاوي [902 إﮬ.]،. "وكذا *((إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول، يعمل به على الصحيح، حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به))"* [فتح المغيث بشرح ألفية الحديث 1/350]،.
هاكَ تفضل،. يُقدّم ويرفع الاجماع على ٱلۡقُرآن والسنة، لأنه أقوى وأثبت ولا نسخ فيه، بينما ٱلۡقُرآن!! ينسخونه بلا شك!!!،. إلى هذه الدرجة صار كلام الله عندهم لا قيمة له، فقد تُزال الآية وتُمحى وتُطمس بقول عالم،. وإن كان هذا العالم قد استتيب من الكفر مرتين كصاحب المذهب الآنف [النعمان بن ثابت، أبو حنيفة]،. فإن كنت تظن بأن العلماء يوقّرون الله ويعرفون الحرمات ويقفون عند حدود الله، ويحبون ٱلۡقُرآن، وأنهم يقولون بالناسخ والمنسوخ اتباعاً لكلام الله فأنت موهوم مستغفَل،. درويشٌ مسكين،.
يقول محمد بن حزم، أبو عبدالله [ليس الإمام علي بن حزم، أبو محمد] في مقدمة كتابه،. "...ﺛﻢ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺗﺘﻤﺎﺕ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺇﺫ اﻟﺮﻛﻦ اﻷﻋﻈﻢ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻨﻘﻞ ﻭﻣﻦ ﻓﻮاﺋﺪ اﻟﻨﻘﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻨﺎﺳﺦ ﻭاﻟﻤﻨﺴﻮﺥ" [معرفة الناسخ والمنسوخ صــ 5]،.
وهذا الإمام الجويني [478 ﮬ.]،.. الذي يسمى بــ إمام الحرمين، ويسمى بــ ركن الدين،. ويسمى "مجدد الدين"، وقد تتلمذ على يديه أكابر العلماء، قال عن ٱلۡقُرآن والسنة،. "معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة" [البرهان في أصول الفقه، الجزء 2]،.
ألم يقرأ الجويني كلام اْلله،. ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..﴾ [المائدة 3]؟!،.
هؤلاء يعلمون ويتقصدون،. [لا يتأولون]،. وليسوا متوهمين،. ولم يقولوا هذا عن غفلة،. قال اْلله،. ﴿وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِیقࣰا یَلۡوونَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَابِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَابِ وَیَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللهِ *((وَیَقُولُونَ عَلَى ٱللهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ))﴾* [آل عمران 78]،.
فهؤلاء يعلمون أن كلام الله حق لا يتبدل،. ولكنهم يشتهون تقديم أقوال شيوخهم، وإن خالجهم الذنب لحظة، وتفكروا في أنفسهم أليس قول الله حق؟!،. ثم يقولون : لم يكن للشيخ أن يخطئ أبداً،.. فيقدمون كلام الشيخ على كلام الله، فهؤلاء يريدون رد كلام الله وتكذيبه ولكنهم لا يستطيعون قولها مباشرةً هكذا،. فيستخدمون الحيل الماكرة والبهتان،. فمرة يقولون هذه متشابهة وليست آية محكمة،. ومرة يقولون هذه الآية تحتمل وجهان، ومرة يقولون هذه الآية ظنية الدلالة وليست قطعية،. ومرة يقولون هذه مقيدة وليست مطلقة، وهذه خاصة ولست عامة، وهذه مجملة ليست مفصلة، ومرة يقولون لا،. يجب أن تأخذ بفهم السلف وبمذهب ابن فلانية، ومرة يقولون لا،. هذه منسوخة،. وكل هذه الحيل الباطلة لنسف كلمات الله التي لا تبديل لها، وستبقى كلمات الله كما هي رغم أنوفهم جميعاً،. قال الله،. ﴿وَیُحِقُّ ٱللهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ﴾ [يونس 82]،.
وأنت أيها العبد الفقير المحب لله ولكتابه،. لك الويل لو قلت بأن الله يقول،. ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [اﻷنعام 115]،. ولك الويل لو قلت بأن الله قال،. ﴿..ذَلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَاهِكُمۡ وَٱللهُ یَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ یَهۡدِي ٱلسَّبِیلَ﴾ [الأحزاب 4]،. ولكن قل أنهم هم الذين يهدونك للسبيل،. هكذا ستكون الطالب النجيب، الطالب الحذق الذكي المزكّى، وهكذا ستنال شهادة الدكتوراه في الشريعة وتُرفع لأعلى المناصب وتُكرم وتُستقبل في القنوات لتفتي ويُسمع لك،. وحَسْبُنَا اللّٰه وَنِعْمَ الْوَكِيْل،. قال اْلله،. ﴿..أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ قُلۡ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ﴾ [يونس 68 - 69]،.
وسنأتي إِنْ شٰاْءَ اللّٰه لعرض أدلتهم التي استندوا عليها لنُظهر بطلان قولهم الذي بنوا عليه بنيانهم طوال هذه السنين،.
ــــ نهاية الجزء الأول،.
رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.
بڪيبـورد، محسن الغيثـي،.