ــــــــــ شبهة آية النمل! (دليل دوران الأرض)
هذه، من أعظم أدلة من استدل (بالقرآن) علىٰ دوران الأرض،. بل كل من قال بدوران الأرض استدل بهذه الآية،. مع أن الآية ليس فيهما لفظة (الدوران)،. ولا فيها الألفاظ التي فيها تخص الــ (أرض)،. ولكنهم هم، يريدونها أن تدور فقالوا: هذا القُــرآن نزل قبل 1400 سنة، يخبرنا أنها تدور!! ولكن بشكل غير مباشر، حتّىٰ أنها مرت علىٰ المسلمين العرب جميعاً ونقلوه لنا دون أن يعرفوا المعنى والمقصد منها، ونحن الذين ظفرنا بها وعلمناها بعد 1400 سنة، يا سُبْحَانَ اللّٰه،.
الآية 88 من سورة النمل،. قالَ اْللّٰه ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾،. فقالوا أنها دليل على دوران الأرض! لأن الجبال لن تدور حتّىٰ يدور الأرض فيهن،. فلنقرأ الآية في سياقها:
قالَ اْللّٰه قبلها،. ﴿(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ)) فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرين وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل : 87 ــ 88]
فالآية تتحدث عن آخر الزمان، حيث قال سبحانه (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ)
قالَ اللّٰه في سورةٍ أخرى،. ﴿((يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ)) فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ((وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ)) فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ [النبأ : 18 ــ 20]
فهذه الآية مفسرة وشارحة لآية النمل،.
وذلك ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ ((غَيْرَ الْأَرْضِ)) وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم : 48]
كلها على يوم القيامة (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) فهذه ليست حجة لمن قال بأن الأرض تدور الآن حول نفسها!
وهكذا ينبغي أن يُفسّر القُــرآن،. بالقرآن نفسّر القُــرآن، لا بالعقل أو اقحام العلم الحديث لنصل لنتيجة نقول فيها أن القُــرآن معجزة، فالله لا ينقصه العلم الحديث حتّىٰ يصدقه الخلق،.
ثانياً،. الآية وااضحة، عن مرور الجبال، فكيف جعلوها في دوران الأرض؟! سيقولون، هذا لقوله (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) ولكن،... هل كل شيءٍ (يمُر) يعني يدور ويفتل حول نفسه؟!
قالَ اْللّٰه عن عباد الرّحمنْ،. ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا ((مَرُّوا)) بِاللَّغْوِ ((مَرُّوا)) كِرَامًا﴾ [الفرقان : 72]،. هيا،. قولوا أن عباد الرحمن يدورون ويفتلّون حول أنفسهم!! لأنهم مروا باللغو هههههه،.
ــ لتفهم أنها تدور، كان المفترض أن يقال تدور دوران السحاب، وليس -تمر- مر السحاب! ..
وبعدين (كيف تمر الجبال وانت ثابت مكانك لا تمر)؟ أم أرضك غير أرض الجبال؟
ثالثاً : قالوا (وهي تمر مر السحاب) دليل على دوران الأرض!،. طيب، نسألهم بما يدينون به،.
كم سرعة السحاب؟
الاجابة : من 80 الى 180 كيلو/ساعة.
وكم سرعة دوران الارض حول نفسها (عندكم)؟
الاجابة : 1666 كيلو/ساعة.
هكذا تمر الجبال مر السحاب؟! يعني بكرة اذا سألني أحد كم سرعة سيارتك الفيراري! سأقول له هي تمر مر الكورولا! وعندي دليل من القُــرآن . الجبال سرعتها 1600 تمر مر السحاب التي سرعتها 180! هذا هراء.
لو كانت الأرض كروية وتدور، فسوف يكون عليها نقطتين لا يدوران دوران الجبال، القطب الجنوبي والقطب الشمالي، هذان سيلفان حول انفسهما، لا يدوران،. تورطنا والله، الآن كيف نسقط الآية على جبال القطبين؟!
بل الحق هو كما قال اللّٰه،. يوم ينفخ في الصور، سنحسب الجبال ثابتة، ولكنها تمر في الواقع على غير ما نحسب،. وليست الآية عن دوران الأرض،.
وأخيراً، هذا الذي يستدل بآية النمل ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ..﴾ [النمل 88] فيقول الأرض تتحرك،. طيب يا عزيزي، في سورة النمل نفسها قال الله كذلك،. ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ ((قَرَارًا)) وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا ((وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ)) وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل 61]،. ايش الحين؟! تتحرك ولا ما تتحرك؟! شو أخبارك بعد؟!
العجيب أن في سورة النمل تكرر هذا الحسبان الخطأ،. فقال اللّٰه عن ملكة سبأ أنها (حسبته) لجة،. ولكنه ليس لجة،. بل عكسها تماماً (صرح)!
ــــــــــــ هنا تدبّر يسير مني في سورة النمل وعلاقتها بـ(ـالرؤية والابصار)!
الرؤية ــ الجزء الأول ــ
سورة النمل والرؤية،.
بدأت السورة بأن هذا القُــرآن مبين ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ ((مُبِينٍ))﴾ [النمل : 1]
ثم تكلم عن (التزيين)،. (والعمَه) للذين لا يؤمنون! والفرق بين العمَهِ والعمى، أن العمى يكون للبصر، أما العَمَه فهو للبصيرة وهذا أشد،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ((زَيَّنَّا لَهُمْ)) أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ ((يَعْمَهُونَ))﴾ [النمل : 4]
والتزيين من العَمَه كذلك، فهو يخفي عليك الحق فتحسبه حسناً وهو ليس بحسن، كما قالَ اْللّٰه في فاطر،. ﴿أَفَمَنْ (زُيِّنَ) لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ((فَرَآهُ حَسَنًا)) فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ..﴾ [فاطر : 8]
ثم تجد السورة كلها تتكلم عن ((الرؤية))!! التي هي أساس البصر والبصيرة!
فعن موسى ﷺ،. ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ؛ فَلَمَّا ((رَآهَا)) تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ..﴾ [النمل : 10]
وعن سليمان ﷺ،. ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا ((أَرَى)) الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ (مِنَ الْغَائِبِينَ)﴾ [النمل : 20]
وما الفرق بين (لَا أَرَى) و (مِنَ الْغَائِبِين)؟! قد يظن البعض أنها نفس الشيء!
هذان ضدّان في المعنى,. أحدها غيب والأخرى شهادة ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ ((الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)) هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر : 22]
((الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)) تضادان في المعنى.
كلمة (لا أرى) ــ أنت لا ترى! لسببٍ فيك لا ترى، وقصورٍ منك لا ترى! قد يكون شاهداً لكنه خلفك مثلاً فلا تراه، لأنك لا ترى إلا ما بين يديك، ولا تستطيع أن ترى خلف الجدار.
أمّا كلمة (من الغائبين) ــ فهذا غيبٌ (غائبين)، فلن تراه أبداً ولو كان بين يديك، لن تراه لأنه غيب، لكن الهدهد ليس من عالم الغيب، فكان سؤال سليمان ﷺ سؤالاً استنكارياً! هو يعني ما يقول، وليس محتاراً بين هذه وتلك،.
هو كأنه يقول : الهدهد ليس من عالَم الغيب (كالملائكة)،. بل هو من عالم الشهادة (مثلنا)،. فلمَ لا أراه؟! أين هو؟! لهذا قال بعدها،. ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل : 21]،. هدَّد بهذا التهديد، لأن الطير (مُوزَع) لسليمان ﷺ فيفترض حضوره، ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ((وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ))﴾ [النمل : 17]،. ويُوزَعُونَ أي يُلزَمون،.
وقد ردت مثلها في النمل،. قال سليمان ﷺ ﴿...وَقَالَ رَبِّ ((أَوْزِعْنِي)) أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ..﴾ [النمل : 19]،. فعلىٰ الهدهد أن يكون حاضراً عنده، هذا هو الايزاع، وحين لم (يره) سليمان حاضراً، بعد أن تفقدهُ، قال ما قال مغضباً،.
ثم ذكر اللّٰه في هذه السورة أن هناك أموراً كثيرة ((تراها)) بعينك؛ فتحسبها على أمر وهي علىٰ خلاف ما حسبتَ، رغم أنك ((رأيتها)) بعينك!
فقال عن ملكة سبأ،. ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا ((رَأَتْهُ)) ((حَسِبَتْهُ)) لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل : 44]
هاتان الكلمتان "صرح ــ لجة" (الصَّراحة ــ اللَّجاجة)،. أضداد،.
هي ((حَسِبَتْهُ)) لجة! لكن هل هو حقيقةً لجة؟! لا، بل كان صرحاً (صريحاً) واضحاً مبيناً، لكنها حين اعتمدت علىٰ (عينها) فقط، ((حَسِبَتْهُ)) العكس تماماً؛ ظلمة ولجة! واللجة عكس الصراحة،. تقول العرب: الحق أبلج والباطل لجلج!
نتعلم من هذا: أن إن رأيتَ أمراً وحسبته لجةً، غير واضحٍ، فلا تستعجل بحكمٍ وتقضِ فيه، بل اصبر حتى تتضح لك الصورة؟! فملكة سبأ ما صبرت! مباشرةً بعد أن حسبته لجة دخلت فيها! واستعجلت وهذا خطأ! كان عليها أن تصبر، هي ما صبرت بل (كَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا)! وكشف الساق دليل علىٰ الاستعجال،. كان العرب يقولون (كشف عن ساقيه وفر هاربا) كناية عن الاسراع والتعجّل في الأمر، فكان عليها أن تصبر ولا تستعجل،. الآية التي بعدها مباشرةً،. ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ قَالَ يَا قَوْمِ ((لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ)) بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل : 45 ـ 46]
فالأمر علىٰ العجلة وعدم التبصر في الامر! يستعجلون أمرهم ولم يستبصروا! فكانوا كالعميان وسمى اْللّٰه ثمود في موضع آخر أنهم ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ((فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ)) فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [فصلت 17]،. استعجلوا، لم يستبصروا .. حين يكون طريقك ضباباً لا ترى، أراك تحذر! لماذا لا تسرع ولا تتجاوز؟! لأنك لا ترى أمامك!! فالعاقل لا يستعجل، يصبر ويستبصر طريقه،. فكيف تتسارع وتكشف ساقيك لتحكم في أمر وهو لجة كالضباب؟! هو بالنسبة لك لجة،. غمامة،. فإن رأيتَ أمراً بعينك ورؤيتك؛ فلا تستعجل ولا تقضِ، بل استهدِ بنور القرآن وبهدي القرآن،.
واللّٰه لا يكلفنا بشيئٍ إلا بعد أن (نتبين ونبصر)،. فلا نصلي الفجر ﴿..حَتَّىٰ ((يَتَبَيَّنَ لَكُمُ)) الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ..﴾ [البقرة : 187]،. وهكذا في كل أمرك،. ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ((عَلَىٰ بَصِيرَةٍ)) أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي..﴾ [يوسف : 108]،. ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ((حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)) إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التوبة 115]
ــــ كذلك في هذه السورة ((ترى)) فـ((ـتحسب)) :
﴿((وَتَرَى)) الْجِبَالَ ((تَحْسَبُهَا)) جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل : 88]
هذه الآية عن يوم القيامة، ترى الجبال بعينك فتحسبها ثابتة بل لا شيء أثبت منها،. لكنك أخطأت، وحسبتك غير صحيحة،. رغم أنك رأيتها بعينك،. المَلِكة كذلك رأت؛ فحسبته لجة،. وهو ليس لجة،. بل صرحٌ صريح،.
قال اللّـه في هذه السورة ﴿أَلَمْ ((يَرَوْا)) أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النمل : 86]
علاقة الليل والنهار واضحة بالصراحة واللجة،. لكن
هنا،. اللّٰه ذكر الليل وما يقابلها : أي النهار،. وهذا واضح! فالليل يقابل النهار،. لكنه حين ذكر (السكون)،. يفترض (بعقلنا القاصر) أن يذكر "ما يقابل السكون"، وهي الحركة والسعي! أو أن يقول : الليل مظلما والنهار مبصرا!
لكنه ذكر السكون مقابلها "الابصار" قال ﴿اللَّيْلَ ((لِيَسْكُنُوا)) فِيهِ وَالنَّهَارَ ((مُبْصِرًا))﴾!، عكس السكون هو الحركة وليس الإبصار!! فما الحكمة من ذكر الإبصار مقابل السكون؟!
الناس حين (يبصرون) في النهار،. يتحركون ويقضون ويعملون،. ولكن في الليل يسكنون لأنهم لا ((يبصرون))، ظلمة، عتمة،. (لجة) لا تستطيع أن تخرج وتعمل أو تصيد أو تشتغل في اللجاجة والظلمة، ففي الصيد مثلاً قد تقتل إنساناً وأنت تظنه دابة لأنك لا تراه! ففي الليل لا ترى، ولا تبصر،. فلا تعرف الذي أمامك هو رجلٌ أم امرأة، فلا تستطيع أن تقضي،. فبالتالي،. تمسك علىٰ نفسك وتصبر ولا تقضِ بشيءٍ حتى تُبصر،.
مفهوم الآية باختصار: في الليل أنت تسكن،. لأنك لا تبصر ولا ترى،. فكل ما بين يديك يصير (غيب ولجة) فتسكن عن الحركة،. هذا أنت يا إنسان،. تسكن لأنك لا تبصر،. فكيف تحكم وتقضي في غيبٍ غاب عنك وأنت لا تراه!؟
فلا تقض ولا تحكم حتى تكون في بينةٍ من أمرك،. بينةٍ كالنهار الواضح البين!! وليس ظلاماً لجياً!
والعجيب أن هذه الآية لها أختٌ تشبهها في سورة يونس!! ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ((اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس : 67]
العجيب في آية يونس أن اللّٰه ذكرها ليبطل بها الشرك،. فهذه الآية توسطت آيات الشرك،. ليست مصادفة، بل مقصودة ولها معاني كبيرة،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ)) وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ((اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ((إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَٰذَا؟ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس : 66 ـ 70]
هذه من الآيات العظام التي يبطل الله بها الشرك،. كل الكلام عن الشرك والخوض بالغيب، ولكن في وسطها آيات عن الليل والنهار! لماذا؟
هنا،. اللّـه ذكر الليل وما يقابله : أي النهار،. لكن حين ذكر السكون للّيل،. يفترض أن يذكر ما يقابلها في النهار،. ألا وهي الحركة،.. لكنه قال ﴿اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ وقال في النهار ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ عكس السكون هو الحركة وليس الإبصار،. الناس حين (يبصرون) في النهار .. يتحركون ويقضون ويعملون .. ولكن في الليل يسكنون .. لماذا ؟ لأنهم لا ((يبصرون))، الليل ظلمة .. عتمة .. لا تستطيع أن تخرج أو تعمل في الظلمة أو تصيد أو تشتغل في الظلمة في الصيد،. قد تقتل إنساناً وأنت تظنه دابة،..
في الليل،. أنت لا ترى،. ولا تبصر،. فلا تعرف الذي بين يديك رجل أم امرأة؟ فلا تستطيع أن تقضي .. فبالتالي .. تمسك ولا تقضي بشيء حتى تبصر،.
بإختصار : في الليل أنت تسكن،. لأنك لا تبصر ولا ترى،. فكل ما بين يديك يصير غيب في العتمة فتسكن،.
هكذا أنت يا إنسان في الليل،. فحين لا تبصر؛ تسكن ولا تحكم بشيءٍ،. فكيف حكمت علىٰ اللّٰه (وهو غيب) أن له ولد؟!
أين رأيتَ الولد؟! أين أبصرت الشريك؟! أنت لم تر اللّٰه،. ولا ترى الغيب،. ثم تقضي وتحكم كما تشاء؟؟!!
أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ؟! إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَٰذَا؟! قالوها بالظن،. إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
واسم يونس (من المآنسة والرؤية!) ففي قصة موسى،. ﴿إِذْ ((رَأَىٰ)) نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي ((آنَسْتُ)) نَارًا...﴾ [طه : 10]
والرؤية بصَر، وبصيرة، ومن الرؤية تتحصل العلم،. فتجد في سورة يونس، قالَ اللّٰه،. ﴿بَلْ كَذَّبُوا ((بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ)) وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس : 39]
وقال مثلها في النمل ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي ((وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا)) أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل : 83 ــ 84]
ختم اللّٰه سورة النمل بــ ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَـ((ـيُرِيكُمْ)) آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل : 93]
حين ختمها قال ﴿..سَـ((ـيُرِيكُمْ آيَاتِهِ)) فَتَعْرِفُونَهَا..﴾ كأنه يخبرنا أن لا نصدق ما ((نرى)) نحن بأعيننا،. وأن لا نصدق إلا الآيات أي: القُــرآن!
فكل أمرٍ عرفته من خارج الآيات ستحسبه وتظنه حقاً،. وهو ليس كذلك،.
إن جاءك علمٌ من القُــرآن فاعلم أنه الحق بعينه،. هذا كتابٌ ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت : 42]
هذا كتاب بديع السماوات والأرض الذي قال،. ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص : 84]
﴿..وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [اﻷحزاب : 4]
﴿..وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء : 122]
﴿..وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء : 87]
وكل أمرٍ غير القُــرآن، قد يصيب وقد يخطئ، ليس كالقرآن ﴿..وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء : 82]
العلم، كل العلم في هذا القُــرآن، وهذا كلام الذين أوتوا العلم ﴿وَيَرَى الَّذِينَ ((أُوتُوا الْعِلْمَ)) ؛ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ : ((هُوَ الْحَقَّ))، وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ : 6]
أكثر الناس لا يؤمنون،. ﴿المر، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ، وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ((وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ))﴾ [الرعد 1]
ــــــــ وحقيقةً؛ من يَبنِ علىٰ {رأيتُ} و {لم أرَ}، غداً سيأتي الدجال ومعه نهرٌ من ماء ونهرٌ من نار،. فإذا كانت عمدتك هي (عينيك)،. فهيّئ نفسك من الآن لاتباعه،. لأنك سترى بـ(ـعينيك) منه العجب،. وسترى بعينيك ما يدعوك لاتباعه،.
أما إذا كانت عمدتك الآيات، (ما قاله اللّٰه، وما قال رسوله ﷺ)،. فأنت على خيرٍ، لأن النّبي ﷺ، أمرنا إذا أدركه أحدنا ﴿..فليأت النهر الذي ((يراه)) ناراً، وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماءٌ بارد﴾ أخرجه مسلم.
وفي رواية ﴿ﻷﻧﺎ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻣﻊ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﺪﺟﺎﻝ، ﺇﻥ ﻣﻌﻪ ﻧﺎﺭا ﺗﺤﺮﻕ، ﻭﻧﻬﺮ ﻣﺎء ﺑﺎﺭﺩ، ﻓﻤﻦ ﺃﺩﺭﻛﻪ ﻣﻨﻜﻢ ﻓﻼ ﻳﻬﻠﻜﻦ ﺑﻪ، ((ﻓﻠﻴﻐﻤﻀﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ، ﻭﻟﻴﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻧﺎﺭ))، ﻓﺈﻧﻪ ﻧﻬﺮ ﻣﺎء ﺑﺎﺭﺩ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺴﻠﻢ.
أما إذا خالفت النّبي ﷺ، وشربت من النهر الذي ((تراه بعينيك)) ماءً،. فاعلم أنك أصلا مرتابٌ في دين محمدٍ ﷺ وقد كذّبته وصدّقت عينيك،. فكان جزاؤك أن تدخل النار بسبب تكذيبك للنبي ﷺ وتصديق ((عينيك))،. بل كن مؤمنا به صديقاً، وإن ((رأيت)) خلاف ما سمعت،. فقوله الحق وعينك كثيراً ما تخطئ،.
نفعنا اللّٰه وإياكم بالقرآن العظيم،.
رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق