خداع الناس،.. برحلة فضاء وهمية،.
هناك سُؤالٌ يطفو إلى السّطح عندما نُناقش موضوع خداع وكالات الفضاء لشعوب العالم وهو إلى أيّ درجة يُمكنهم التّمادي في كذبهم؟ حسنا هناك خدع تمرّ على النّاس ليس بسبب إتقانها بل بسبب سذاجة النّاس وسهولة تصديقهم لأيّ شيء فمثلا أغلب النّاس يعتقدون أنّ الرّسوم المتحرّكة الّتي تقدّمها لهم وكالات الفضاء دليل كافٍ ومُقنع على أنّهم وصلوا إلى الفضاء،.
ليس هذا هو موضوعنا،... فأنا أُريد أن أُناقش مسألة القدرة على خداع البشر وإقناعهم بوجود أمور خياليّة ورسم حدود وهميّة لعالمهم وجعلهم يُصدّقون أكاذيب عجيبة ودفعهم لعيشها بكلّ جوارحهم وكيف يُمكن لهذا الأمر أن يأخذ أبعادا استعراضيّة ويصل إلى درجة لا يمكن لأحد أن يتخيّل وجود ناس يمتلكون الجرأة للوصول إليها،. فمثلا هل يُمكن إقناع شخص ما أو مجموعة ما أنّهم قد ذهبوا إلى الفضاء وأمضوا فيه أيّاما ثمّ عادوا إلى الأرض،. حسنا، يبدو هذا الأمر دقيقا نوعا ما لكن هناك من قام به ونجح نجاحا باهرا في تمرير خُدعته!!!!!
ففي برنامج بريطاني عنوانه Space Cadets وهوّ موجود على اليوتيوب تمّ اختيار مجموعة من الشباب ليكونوا مُرشّحين مُحتملين للذّهاب في رحلة فضائيّة،. بعد خوضهم سلسة اختبارات وإقصاء من يفشل في اجتيازها تمّ استدعاء الفائزين وإعلامهم أنّه تمّ اختيارهم ليذهبوا في رحلة خارج الأرض في مكّوك فضائي،. طبعا الفائزون غمرتهم الفرحة لعلمهم بأنّهم سيصيرون روّاد فضاء،. بعدها نُقلوا في طائرة وفي رحلة ليليّة استغرقت أربع ساعات من "إنجلترا" إلى قاعدة فضائيّة في "روسيا"،.
هذه القاعدة كانت قاعدة سوفياتيّة ومركزا لتدريب رُوّاد الفضاء الرّوس وفيها بقايا عتاد فضائي يعود إلى الحقبة السّوفياتيّة وقد كانت هذه القاعدة تُستعمل لإطلاق صواريخ ومكوكات نحو الفضاء،. عند وُصول الطّائرة إلى روسيا استُقبل الشّباب من طرف ضابط روسي وتمّت مُرافقتهم إلى مكان إقامتهم في القاعدة،. وقبل أن يبدؤوا برنامجهم التّدريبي تمّ أخذهم إلى سوق في روسيا لشراء ما يلزمهم من حاجيّات خلال فترة إقامتهم،. بعدها عادوا إلى القاعدة وتمّ عزلهم عن العالم الخارجي للقيّام بتدريبات أشرف عليها ضُبّاط روس وتلقّووا دروسا حول الفضاء قدّمها لهم دكاترة روس، وخلال فترة إقامتهم اعتادوا الحياة على الطّريقة الرّوسيّة بسبب مُخالطتهم لأولئك الضبّاط،. بعد فترة من التّدريب أصبحوا مؤهّلين للذّهاب إلى الفضاء،. تمّ تزويدهم ببِزّات فضائيّة ووضعهم في مكّوك مُلتصق بصواريخ تُمكّنه من الإقلاع نحو الفضاء،.
أُطلق الصّاروخ بنجاح ووصل الروّاد إلى الفضاء الخارجي وأمضووا فيه أيّاما ثمّ عادوا إلى الأرض مُكلّلين بالنّجاح، يغمرهم إحساس بالفرحة وشعور بالإنجاز بعدما عاشوا بكلّ جوارحهم تجربة لا تُنسى خاضها قلّة من البشر وصارت جُزءا من شخصيّتهم وغيّرت نظرتهم لهذا العالم،. لكنّ الأمر الّذي سيُخبرهم به طاقم البرنامج فور عودتهم من الفضاء هوّ أنّهم في الواقع لم يُغادروا "إنجلترا" بتاتا وليسوا في "روسيا"، بل إنّ طائرتهم حطّت في مكان غير بعيد عن موقع إقلاعها، وتمّ نقلهم لمكان مهجور دائما في "إنجلترا" تمّ تحويله لما يُشبه قاعدة فضائيّة وتمّ مسح الكتابة الإنجليزيّة من العتاد القديم واستبدالها بكتابة "روسيّة" وأنّ الضبّاط الرّوس الّذي قاموا بتأطيرهم ليسوا إلّا مُمثّلين تمّ تعيينهم من طرف القناة، وأنّ المكّوك الّذي ركبوه للذّهاب إلى الفضاء ليس إلّا جهاز محاكاة الطيران وأنّهم في الحقيقة لم يُغادروا الأرض بل كانوا في مُستودع واسع جُهِّز خِصّيصا ليُشبه الفضاء الخارجي عندما تكونون داخله و تنظرون إليه من النّوافذ، وأنّه تمّ خِداعكم بطريقة لا تخطر على بال!!! نعم، خدعة بهذا الحجم مرّت على هذه المجموعة ولو لم يُخبرهم طاقم البرنامج بأنّه تمّ خداعهم لكانوا مُستعدّين أن يُقسموا أنّهم كانوا في الفضاء دون أن تنتابهم ذرّة واحدة من الشكّ!! ومن لم يُصدّقني فها هو رابط البرنامج.
https://www.youtube.com/watch?v=P3c5rsqqHjE
وليُشاهد حلقاته.
الآن،.... محطّة تلفزيونيّة محليّة وبميزانيّة برنامج محدودة إذا بالغنا فيها فلن تتجاوز 10 ملايين دولار استطاعت أن تخدع هؤلاء الشّباب بهذه الطّريقة الإستعراضيّة فماذا يُمكن لوكالة تابعة لوزارة الدّفاع الأمريكيّة وبخبرة تُقارب 60 عاما وبميزانيّة سنويّة قُدّرت بـ 19.3 مليار دولار لسنة 2016 أن تفعله؟!!!
هناك مقولة في كتاب "قواعد السّطوة الـ 48" وهي "أفضل الكذب أجرأُه"،. لا يخلو أبدا أحد من نقاط الضّعف ولا يُمكن لجهودنا أن تكون كاملة، إلّا أنّ الإقدام له تأثير السّحر في إخفاء النّقائص والعيوب، ويعرف أساتذة الإحتيال أنّ الكذبة الأجرأ تُقنع النّاس ويسهل عليهم تصديقها، فالقصّة الأكثر جُرأة وتبجّحا تُشتّت انتباه المُستمعين عن التّناقض في تفاصيلها" وهذا بالضّبط ما يفعله هؤلاء!!!!
بكيبورد، محسن الغيثي،...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق