الاثنين، 18 فبراير 2019

تدبر في سورة الغاشية،.

تدبر في سورة الغاشية،.

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ۝ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ۝ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ۝ تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً ۝ تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ۝ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ۝ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ۝ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ۝ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ۝ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ۝ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ۝ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ۝ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ۝ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ۝ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ۝ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ۝ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۝ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ۝ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۝ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ۝ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ۝ إِلَّا مَنْ تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ۝ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ۝ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [سورة الغاشية 1 ــ 26]

لفت انتباهي أمر عجيب في سورة الغاشية،.

ــ قالَ اْللّٰه،. ولاحظ هذه،. ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ۝ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ۝ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ۝ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ۝ ..

ــ ثم بعدها مباشرةً،. ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۝ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ۝ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۝ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ))

ــ أولاً،. لا ينبغي قراءة آية ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ بمنئى عما قبلها، ففي الآية نفسها حرف الواو، (وإلى) فهي معطوفة على ما قبلها من آيات، كلها مرتبطة ببعض، تربطها حروف الــ -و-و-و- وقبلها دعوة للنظر،. حتى هذه الدعوة ابتدأت بسؤال استنكاري (أفلا؟؟) هذا السؤال له علاقة بما قبله من كلام،. يجب أن تربط بينه وبين ما قبله من كلام،. لتعي وتفهم السؤال الاستنكاري،.

ــ الآيات قبلها كانت عن الجنة، والآيات بعدها عن الدنيا، الفاصل بينهما هو قول الله ((أَفَلَا يَنْظُرُونَ؟!)) أي بعد أن ذكر لك ما في الجنة (التي لا تراها ولا تخطر على قلب بشر)، فإن كنت في ريب وشك من شكلها ونعتها بهذا الشكل،. فــ انظر إلى ما تستطيع إدراكه بنظرك، لتربط بين هذه وتلك، ((أَفَلَا يَنْظُرُونَ؟!)) فذكر أموراً بين أيدينا نستطيع أن ننظرها، فنعي وندرك شكل الجنة! فبالسؤال، كأنه يقول لك هذه كتلك، أو يقول من خلق لك هذه يستطيع خلق خير منها،. ((أَفَلَا يَنْظُرُونَ؟!)) فتعال ننظر ونربط، لعلنا نصل لشيءٍ ما بينهما،.

ــــ ألفاظ الآية،. في الجنة سُرُرٌ (جمع سرير) مَرْفُوعَةٌ (فوقك تعلوك) وَأَكْوَابٌ (جمع كوب، ما يوضع فيه من الشراب كالماء واللبن ولا يكون الكوب للطعام بل للشراب) مَوْضُوعَةٌ (أي تحت، والوضع لا يكون إلا على الأرض، وهي أرض الجنة)، وَنَمَارِقُ (النمارق الوسائد والنمرقة الوسادة أو المتكأ)، مَصْفُوفَةٌ (من الصف، كصفوف المصلين، أي متتالية متسلسلة، متصلة ومترابطة)،. وَزَرَابِيُّ (الزرابي البُسُط والمفارش وهذه الكلمات قد ذُكرت في نعت الأرض)،. مَبْثُوثَةٌ (من البَثْ أي منتشرة متناثرة موزّعة في جميع الأنحاء، كما نقول: البث الإذاعي)،.

ــ تخيل هذا المنظر الآن بين يديك،. تجلس في الجنة،. تتّكئ على وسائدها المتراصّة المصفوفة حولك،. ((وغالبا ما تكون الوسائد على الجُدران في الأطراف، لا أحد يضع الوسائد في نصف المجلس))،. والمجلس فيه فرشٌ وفيرة، وبسطٌ كثيرة، متناثرة مبعثرة،. تجد هنا وهناك أكواباً وُضعت لك،. ((والأكواب ليست للطعام، بل للسقيا والشراب))،. سقف هذه الجلسة وعريشها سررٌ رفعها الله فوقك،.

ألا يشبه هذا المنظر ما ننظر إليه نحن في الدينا من الْجِبَالِ المتراصة حولنا؟، والْأَرْضِ المبسوطة تحتنا؟،. والْإِبِلِ وسقياها وتحمّلها العطش وحملها الماء في جوفها كالأكواب؟، والسَّمَاءِ المرفوعة فوقنا كالسرر المرفوعة؟!

ــ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ⇆ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ .
ــ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ⇆ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ .
ــ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ⇆ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ .
ــ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ⇆ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ .

من لم يفهم شكل هذه (السرر والأكواب والنمارق والزرابي) في الجنة، فلينظر لشكل الدنيا، وكأنهما سواء،. رغم الفوارق بينهما،. ((أَفَلَا يَنْظُرُونَ؟!))

بكيبورد، محسن الغيثي،.

ــ ملاحظة،. كان رسُول اللّٰه ﷺ يقرأ سورة الغاشية كل جمعة في صلاة الجمعة في الركعة الثانية، حيث يجتمع الناس لصلاة الجمعة،.

ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ، ﺃﻥ اﻟﻀﺤﺎﻙ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﺳﺄﻝ اﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺑﺸﻴﺮ،. ﴿ﻣﺎﺫا ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺮﺃ ﺑﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺮ ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺠﻤﻌﺔ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺮﺃ {ﻫﻞ ﺃﺗﺎﻙ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻐﺎﺷﻴﺔ}﴾،.ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ.

واليوم،... رغم أن كثيراً من سنن النّبي ﷺ قد هجرت، إلا أني لاحظت أن الخطباء إلى اليوم يلتزمون بهذه، فيقرؤون سورة الغاشية كل جمعة، فيُسمعون الناس، كما كان يُسمع النّبي ﷺ الناس كل أسبوع ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۝ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ۝ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۝ وَإِلَى ((الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)) ۝ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية : 17 ــ 22]،.

ألا تكفي هذه كتذكرة اسبوعية من الله، عبر نبيه، للناس أجمعين، بيوم جَمعهم، بأن الأرض قد سطحت؟! ثم يخرج علينا أقوامٌ بردت قلوبهم عن هذا الذكر والتذكير الاسبوعي ليقولوا : شكل الأرض ليس من الدين؟! أجل ايش هذا؟!

ليست هناك تعليقات: