الاتجاهات،. اتجاهات الخريطة،. وهل مكة وسط الأرض ومركزها؟!
بخصوص موضوع مكة، وأنها مركز الأرض ووسطها،.
هو بصراحة نحن كمسلمين نحب أن يكون هذا،. لكن الأمر (للأسف) ليس على ما نحب ونشتهي،. حتى حين قلنا بأن الأرض مسطحة، لم يكن عناداً بالغرب، أو حب المخالفة والتفرد، أو بمجرد الخروج بشيء جديد وملفت للأنظار، لا أبداً، بل كل ذلك كان بسبب البينات والبراهين، والأدلة الوفيرة على هذا الأمر،. وبسبب زهق مزاعم الذين قالوا بأن الأرض كروية،.
فلو وجدنا مثل هذه الأدلة الواضحة الجلية على موضوع مكة أنها مركز الأرض، فلن يمنعنا شيء من تبنيه والصدع به، والتصريح به، ولو خالفنا فيه كل أهل الأرض،. فالحق أحب إلينا، ولا نلتفت للناس ولا تهيبنا كثرتهم.
نأتي الآن للأدلة التي استدلوا بها على هذا القول،.
1 ــ استدلالهم بالآية ﴿وَكَذَٰلِكَ ((جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)) لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة 143]
أولاً هذه الآية لا تتكلم عن الأرض، بل عنا كأمة، فنحن أمة وسط، نعم أمة وليست أرض، وسط بين الأمم، وليست وسط في الأرض، فالآية لا تتحدث عن أي اتجاه أرضي،. الآية عنا كأمة، والأمة واسعة (كأرض) من أندونيسيا إِلى موريتانيا،. (وكأمة) هذه تسع كل مسلم أينما كان،.
ثم المعيار هو (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فكل من فعل هذا دخل في الأمة الوسط، سواءً كان في مكة أو في نواكشوط، أو في جاكرتا، فالمحصلة، الآية ليست بدليل على ما قالوا،.
2 ــ استدلالهم بالآية ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ((لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ)) وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى 7]
كذلك ليست بدليل على قولهم بأن مكة وسط الأرض،. فليس كل كلمة (حول) تعني أن المراد هو الوسط، هذه لبداية الإنذار، فمن الطبيعي أن النّبي ﷺ لن يذهب لينذر قرى العالم ويترك قريته! بل سيبدأ بها هي، وخاصة أنها أصل كل القرى، فالموضوع أصلاً متعلق بالنذارة كما هي الآية، وقد قال الله ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء 214]، فهل هذه تعني بأن عشيرته وسط الأرض؟! لا بالتأكيد،.
الحق أن هذه الآية لا تدل على وسط، بل تدل على أصل القرى ومبدؤها ومنشؤها وأحسنها، وليس لها علاقة بالوسط أو المركز،. فقد يكون كل ذلك لقرية في طرف الأرض،. وليس بالضرورة أن تتوسطهم.
3 ــ استدلالهم بالآية ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ 28]
حتى لا نعيد ما قلناه سابقاً، الآية كذلك عن النذارة والتبشير، وليست عن المكان والموقع، وكذلك ليست عن مكة، بل عن النّبي ﷺ نفسه، فلو حق الاستدلال بها، لوجب القول أن النّبي ﷺ هو المركز بين الناس، وهذا لا يقوله عاقل! لأن النّبي ﷺ سيد الناس،. وليس مركزهم أو وسطهم.
ــ الآن نأتي للأدلة المقابلة، التي ترد هذا القول،.
ــ كلمة الوسط لها معنيين في اللسان العربي، فمرة تعني المنتصف كما هو شائع ومعروف، ومرة تعني الأخير،. بدليل (أ) ــ نحن أمة وسط، أي آخر الأمم، وفعلا نحن كذلك،. (ب) ــ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهي آخر صلاة في اليوم، ثم بالمغرب ندخل يوماً جديداً،. فمن استدل بآية كذلك جعلناكم أمة وسطاً، للمكان والموقع، وجب عليه أن يقول نحن في الطرف الأخير للأرض!! وهذا كذلك خطأ.
ــ النّبي ﷺ أمرنا في الحديث الصحيح أن إذا ذهبنا لقضاء الحاجة ألا نستقبل الكعبة ولا نستدبرها، بل نشرق ونغرب، فلو أردت أن أستدل بطريقتهم لقلت أن المدينة هي الوسط، ومنها نعرف الشرق والغرب! ولكن هذا الاستدلال خطأ.
ــ مكة نفسها لها شمال، فلو قلنا أنها مركز الأرض ووسطها،. فكيف نفعل بشمال مكة؟! الكعبة لها أربعة أركان، ركن منها يسمى بالركن الشامي (أي الشمالي باتجاه الشام)،. يقابلها الركن اليماني المتجه إلى اليمن في الجنوب، فمكة حالها حال بقية الأماكن التي لها شمال وجنوب، ولو كانت هي المركز، لكان كل اتجاه بالنسبة لها هو اتجاه الجنوب،. لانها هي الشمال، فلا يصلح أن يكون لها شمال!!
ــــــــ تزكيات مكة،.
قالوا : تعامد الشمس بتحديد القبله والله اعلم أن مكه نصف الارض بديهيا وأول بيت وضع للناس للذي ببكه وفي الاثر ان البيت المعمور لو لخر لخر عليه واليه يتوجه المصلين من كافة بقاع الارض واليه يحج الحجيج ويطوف الطواف وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره لتنذر ام القرى ومن حولها يوحي انه مركز الارض.
ــــ كل اللي ذكرته مش دليل، هذه كلها من فضل مكة، وتزكيتها على غيرها، وأقدميتها ولكن لا دليل حتى الآن أنها مركز الأرض،.
أستطيع أن آتيك بتزكيات كثيرة كذلك للقدس، لنرى هل ستقبل أنها مركز الأرض؟! القدس محط الرسل والأنبياء، القدس فيه البيت المقدس الذي صلى فيه إبراهيم ومعظم الأنبياء،. القدس في أرض مباركة، فيها الشجرة المباركة،. القدس تقاتل عليها جميع الأمم ولم تسكن ولم تهدأ حتى اليوم لمعرفتهم بقدسيتها! القدس كان فيها موسى ودفن فيها وبل معظم الأنبياء (بالمقابل لا يوجد ولا نبي دفن في مكة)، القدس كان فيها عيسى ورفع منها، القدس أسري بالنبي ﷺ وصلى فيها ومنها عرج للسماء،. القدس فيها قبة الصخرة التي ربط النّبي ﷺ فيها فرسه، القدس سيرجع عيسى ابن مريم إليها ويجمع الناس ولن يرجع لمكة، وفيها يُدمر يأجوج ومأجوج، وفيها يُقتل الدجّال،. وفيها وفيها وفيها،. وهي أرض المحشر والمنشر، فالناس كلهم سيحشرون إليها ليوم القيامة،. هذه الأمور ألا تكفي لجعلها مركز الأرض؟!
لا طبعاً، هذه تزكيات ومناقب، وليس فيها دليل على مركزيتها، ولكننا لاننا نحب أن تكون مكة مركز الأرض فنخترع لها أدلة لتعجبنا ونعيش الجو،. هذا هوى.
ثم الأمر الآخر، أليست الشمس تدور في فلك دائري كبير؟! طيب هذا الفلك بديهياً فوق الأرض، وبالبداهة هذا الفلك له مركز، وكذلك هو نفسه مركز الأرض،. فلو كانت مكة مركز الأرض، والشمس تتعامد فوقها أحياناً، فكيف تكون الشمس في فلكها فوق مركز الأرض؟! هذا لا يمكن.
ــــــــ بخصوص الاتجاهات،. وأن الخريطة مقلوبة!!
أولاً، الاتجاهات في الخريطة تعتمد المشرق والمغرب والشمال والجنوب، (وليس فوق وتحت) لا يوجد شيء اسمه فوق وتحت في الخريطة،. هذه تعتمد على مكانك منها، ونظرتك لها، ومهما دورت الخريطة ستبقى الاتجاهات كما هي ولن تختلف،.
والاتجاهات المعروفة الآن صحيحة،. نعرف الشروق والغروب من حركة الشمس، هذه الاسماء (شرق وغرب) بسبب مشارق ومغارب الشمس،. وكذلك ذكرت في القُــرآن،.
ــ ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ ((الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)) إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ [المعارج 40]
ــ ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن 17]،. وهذه التثنية (واللّٰه أعلم) التثنية للشمس والقمر، القمر كالشمس في مطالعها، دائما يطلع القمر من الشرق ويختفي في الغرب،. فعندنا مشرقين ومغربين،.
أما كلمة الجنوب والشمال، فكلمة (الجنوب) كمصطلح، لم يأت ذكره في آية ولا حديث نهائياً،. إنما هي (اليمين والشمال)، وهكذا ذكرت في القُــرآن،.
ــ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ ((الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ)) سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [النحل 48]
ــ ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ((وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ)) وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [اﻷعراف 17]
ــ وذكَر النبيُّ ﷺ ﴿اللهمَّ بارِكْ لنا في ((شأمِنا))، اللهم بارك لنا في ((يَمَنِنا))...﴾ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي.
واليمن سميت اليمن لأنها أقصى اليمين في جزيرة العرب، فالكعبة مثلاً، يمينها اليمن، الاتجاه المقابل للركن (اليماني)، وهذا ما يسميه الناس اليوم بالجنوب،.... وشمال مكة هو الشام،. الاتجاه الذي يواجه للشام، (لذا يسميها البعض الركن الشامي)،.
كذلك تقال لليد، (اليمين) وضدها كما في الاتجاهات، (الشِمال)، بكسر الشين أو فتحها،.
ــ ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ((الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ)) قَعِيدٌ﴾ [ق 17]
ــ ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ ((يَمِينٍ وَشِمَالٍ)) كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ 15]
وبصراحة، كلمة (الجنوب) التي نستخدمها كبديل لليمين، لست أدري لماذا سميت بهذا الاسم (جنوب)، لكن،.... ثبت لدينا أن اتجاه الجنوب ومنتهاه يقع في (جوانب) الارض المسطحة وهذه الحقيقة،. فلاحظ (جنوب، وجوانب)،. والجُنُبْ في اللسان العربي هو البعيد،. وما نعلمه أنه لا أحد يستطيع بلوغ هذه الجوانب (الجنوب) البعيد،.
أما الشَمال، فلو اتجهنا شمالاً في أي نقطة من الارض، لاجتمع (شَملُنا) في القطب (الشَمالي)،. لاحظ (شَمال، شَمل)،. وهذا من العجب في اللسان العربي،.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق