الثلاثاء، 22 يناير 2019

علم الأسماء 1 هل في القُــرآن عجمة؟

علم الأسماء! 1 هل في القُــرآن عجمة؟

ــــ مقدمة،...

الكثير من الناس لا يعير اهتماماً لمعاني الأسماء، ويظن أن ليس لها أهمية في الدين، ولا تضر من لا يعلمها!! وهذا خطأ كبير،. إن أول أمر علمه العليم لأول البشر آدم هو علم (الأسماء)! مما يدل على مكانتها،. ولكن الناس أهملوها.

كل شيء سماه الله اسما ما، ثمة سبب ما في هذا الاسم،. إما لعمل ووظيفة هذا الشيء سماه به هكذا، أو بسبب شكله، أو بسبب أصله، أو بما يسبب به لاحقاً،. فإسمه يدل على شيء فيه،.  ليس جزافاً ولا صدفة، فالسماء سميت بالسماء لأنها سامية عالية، والإسلام سمي هكذا لأنه تسليم للنفس للّٰه،. والإيمان أمان، والدنيا لأنها أدنى شيء في الخلق، والإنسان لأننا ننسى،. فلكل اسم معنى متعلق به،.

فبسسب بعد الناس عن هذا العلم اليوم،. تجدهم يخلطون بين معاني الكلمات، فتجد من الحجاج من يبقى قائماً على رجليه ويهلك نفسه، فقط لأنه سمع أن الحج (وقوفٌ) في عرفة! وهو يظن أن الوقوف هو أن تقف على رجليك! ولا يفرق بين الوقوف والقيام!

وفي الصلاة، يعلم أنه عليه الخشوع، فترى الرجل يشدد على نفسه جداً حتى يخشع، يظن أن الخشوع استحضار القلب! لو علم ((معنى)) الخشوع لما ضغط على نفسه وأهلك نفسه، الخشوع أمرٌ يسير وسهل وليس كما يظنه العامة اليوم! الخشوع هو الثبات دون حراك،.

وبعضهم يرى أن القُــرآن فيه ترادف (أي كلمتين مختلفتين لهما معنىً واحد)! فقالوا الإنابة هي التوبة! وقالوا الذكر هو الكتاب! وقالوا الجب هو البئر! وقالوا السوءة هي العورة! بل تعدى بعضهم حدود الأدب في تبيان معاني بعض الكلمات، فقال الآية هي المعجزة! واللسان هو اللغة،. ولا فرق بين الملة والعقيدة!

الأسوء من هذا كله أن يقال عن اسم في القُــرآن جهلوا معناه أنه أعجمي، بينما القُــرآن عربي،. وقد بين رب العالمين أنه ليس بأعجمي ولكن الشيطان أبى إلا أن يجعل القُــرآن غير مفهوم، وهذه إحدى حيله! هو يكفي بمجرد قوله أنه هناك أسماء أعجمية، فهذه تعني بالضرورة أن لا معنىً لها، أو ليس لها معان في اللسان العربي، فماذا لو كانت تحمل معاني؟! هل ستبقى أعجمية؟!

ــــــ وهل في القرآن عجمة أو أسماء أعجمية!؟

((أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ))! فما معنى العجمة!؟ وما هي العربية؟ ولنعلم هذا علينا أن نعلم أولاً الفرق في القُــرآن؛ بين كلمة (عربي) وكلمة (بلسان عربي)! كل ما تجد في القُــرآن كلمة (عربي) هكذا لوحدها؛ من غير ذِكر ((اللسان))؛ كمثل :

﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ((قُرْآنًا عَرَبِيًّا))..﴾ [الشورى : 7]
﴿((قُرْآنًا عَرَبِيًّا)) غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزمر :28]
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ((قُرْآنًا عَرَبِيًّا)) لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف : 2]
﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ ((قُرْآنًا عَرَبِيًّا)) لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف : 3]
﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ((قُرْآنًا عَرَبِيًّا)) لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت : 3]
﴿وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ ((حُكْمًا عَرَبِيًّا))..﴾ [الرعد : 37]

فليس المقصود هنا اللسان العربي، أو كما تقول العامة (اللغة العربية)،. بل المقصود أنه واضح مبين؛. كما تقول العرب : أعرب لي :: أي بيّن لي، ووضّح لي؛ ومنها الإِعراب في النحو؛ ومنها الأَعراب؛ الذين من البادية؛ ولاحظ أنهم تسموا بالبادية!! بدى، يبدو، ظهر، بان وانكشف وتجلى! لهذا اسمهم الأَعراب! أي متكشفينَ واضحينَ بادِين.

قال اللّـه ﴿((عُرُبًا)) أَتْرَابًا﴾ [الواقعة : 37] . أي: واضحاتٍ؛ متكشفاتٍ لأزواجهن،. وكذلك يسميهن (الحور العين) والحور هو الوضوح التام،. ومنها الحواريين: أي الواضحين جداً! قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ عن ﺃﻭﻝ ﺯﻣﺮﺓ ﺗﻠﺞ اﻟﺠﻨﺔ ﴿....ﻭﻟﻜﻞ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺯﻭﺟﺘﺎﻥ ((ﻳﺮﻯ ﻣﺦ ﺳﺎﻗﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻭﺭاء اﻟﻠﺤﻢ)) ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻦ...﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.

فــ ((قُرْآنًا عَرَبِيًّا)) أي: واضحٌ وجليٌ وبائنٌ مبين.

أما حين يذكر اللّه معها كلمة (اللسان) من مثل ﴿بِـ((ـلِسَانٍ)) عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء :195] فهنا يعني اللسان العربي أي هذا اللسان الواضح المبين أو كما تسميه العامة (لغة عربية)!! ويعنون به اللسان ولكن هذا خطأ، فالقُـرآن ليس لغوٌ ولا لاغية!

فكلمة (عربي)،. قيلت في اللسان، وقيلت في القُــرآن نفسه، فهذا اللسانُ مبينٌ واضحٌ، والقُــرآنُ مبينٌ واضح.

وعندما نقول أن في القرآن أسماء أعجمية فنحن نسيئ الأدب مع الله -تَبٰارَكَ اْسْمُهُ-! لماذا؟ لأن العجمة نقصٌ في الوضوح، والعرب كانت إذا أرادت أن تعيبَ أحداً من الناس تقول: إن فلاناً لسانه مُعجَم، أي لا يحسن البيان، وتقول العرب فلان مُعرِب يعني كلامه واضح بيّن،. والعرب تسمي الدواب التي لا تُفهم! عجماوات لذات السبب، وإن لم تفهم كلمةً عربية فستبحث عنها في (المعاجم)، لتفهم تفصيلها، فقد سميت هكذا لغير الواضح وغير المفهوم، لتجد فيها تفصيل معناها!

قال الله -تَبٰارَكَ اْسْمُهُ- ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا (أَعْجَمِيًّا) لَقَالُوا لَوْلَا ((فُصِّلَتْ آيَاتُهُ))..﴾ [فصلت 44]

ولأن العجمة ليس فيها تفصيل ووضوح، الأعجمي يستحيل أن يكون مفصلاً، لأنه لا بيان فيه ولاتبيين ولا تفصيل،. ولهذا يُقال للبهائم والدواب والأنعام: عجماوات!

فقال الله بعدها عجباً من قولهم ((أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ))؟ كيف؟ هذا ضد هذا؟! ولاحظ أن الله -تَبٰارَكَ اْسْمُهُ- لم يقل أأعجمي ومفصل؟! بل قال: أأعجمي وعربي؟،. فيُفهم منه أن العربيَ مفصل، لهذا قال اللّـه في بداية هذه السورة ﴿كِتَابٌ ((فُصِّلَتْ)) آيَاتُهُ قُرْآنًا ((عَرَبِيًّا)) لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت 3]

وتفهم أن العجمة لا تفصيل فيها ولا بيان ولا وضوح؛ قال اللّـه ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ ((أَعْجَمِيٌّ)) وَهَٰذَا لِسَانٌ ((عَرَبِيٌّ مُبِينٌ))﴾ [النحل 103]

﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا (أَعْجَمِيًّا) لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ((أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)) قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت : 44]

فعندما تقول أن في القرآن أسماء أعجمية كأنك تقول أن الله -تَبٰارَكَ اْسْمُهُ- لم يستطع أن يوضحها أو يعرِّبها ويُبيِّنها فجعلها أعجمية،. تعالى الله عن هذا القول، بل كل كلامه عربيٌ مبينٌ، ولكن نحن الذين أستعجمت ألسنتنا،. فلم نعد نفهم بعض الكلمات،. وبدلاً من اتهام أنفسنا، اتهمنا القُــرآن بما لا ينبغي له.

ــــــــــ النّبي ﷺ وعلم الأسماء!

ــ ﻋﻦ ﺣﻨﻈﻠﺔ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻋﻦ ﺧﻔﺎﻑ ﺑﻦ ﺇﻳﻤﺎء اﻟﻐﻔﺎﺭﻱ، ﻗﺎﻝ:
"ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻲ ﺻﻼﺓ: اﻟﻠﻬﻢ اﻟﻌﻦ ﺑﻨﻲ ﻟﺤﻴﺎﻥ، ﻭﺭﻋﻼ، ﻭﺫﻛﻮاﻥ، ﻭﻋﺼﻴﺔ ﻋﺼﻮا اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻏﻔﺎﺭ ﻏﻔﺮ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﺎ، ﻭﺃﺳﻠﻢ ﺳﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ" ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﻋﻮاﻧﺔ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.

ــ ﴿أتي بالمُنذِرِ بنِ أُسَيدٍ إلى النبيِّ ﷺ حين وُلِد، فوضَعَه على فَخِذِه، وأبو أُسَيدٍ جالسٌ، فلها النبيُّ ﷺ بشيءٍ بينَ يدَيه، فأمَر أبو أُسَيدٍ بابنِه، فاحتُمِل من فَخِذِ النبيِّ ﷺ، فاستَفاق النبيُّ ﷺ فقال (أينَ الصبيُّ) فقال أبو أُسَيدٍ: قَلَبْناه يا رسولَ اللهِ، قال (ما اسمُه) قال: فُلانٌ، قال (ولكنَّ اسمَه المُنذِرُ) فسمَّاه يومَئذٍ المُنذِر﴾ صحيح البخاري - 6191.

ــ عن سعيد بن المسيب (أنَّ جَدَّه حَزْنًا قدِم على النبيِّ ﷺ فقال ﴿ما اسمُك؟﴾. قال: اسمي حَزْنٌ، قال ﴿بل أنت سهلٌ﴾. قال: ما أنا بمُغَيِّرٍ اسمًا سمَّانيه أبي، قال ابنُ المُسَيَّبِ: فما زالَتْ فينا الحُزونَةُ بعدُ) صحيح البخاري - 6193.

فكما ترى، يسمع النّبي ﷺ الاسم فيثبته أو يتفاءل به ويسعد،. أو يغيره، وهذا من علمه العميق بما تعنيه الأسماء وما تدل عليه،. ومن هنا أتى المثل الذي يتداوله الناس : لكل امرء من اسمه نصيب،. حتى في الرؤى عليك أن تنظر في الأسماء التي رأيتها في الرؤيا، وتؤول رؤياك بناء عليه،. فعن ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﷺ "ﺭﺃﻳﺖ ﺫاﺕ ﻟﻴﻠﺔ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮﻯ اﻟﻨﺎﺋﻢ، ﻛﺄﻧﺎ ﻓﻲ ﺩاﺭ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﺭاﻓﻊ، ﻓﺄﺗﻴﻨﺎ ﺑﺮﻃﺐ ﻣﻦ ﺭﻃﺐ اﺑﻦ ﻃﺎﺏ، ﻓﺄﻭﻟﺖ اﻟﺮﻓﻌﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭاﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ، ﻭﺃﻥ ﺩﻳﻨﻨﺎ ﻗﺪ ﻃﺎﺏ" ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ، ﻓﻲ "ﺩﻻﺋﻞ اﻟﻨﺒﻮﺓ".

فعلم الأسماء علم عظيم، فهل يعقل بعد هذا أن يسمي الله رجالاً بعثهم للناس، يعتبرون رموزاً لهم وقدوات، يتأسى الناس بأعمالهم وأقوالهم وأسمائهم، وتكون أسماؤهم أعجمية؟! كلا ومقلب القلوب، كانت أسماء عربية أصيلة، ذات معنىً ودلالة،.

فما معنى إبراهيم وإسماعيل؟ وما معنى جبريل وميكائيل؟، ويوسف وموسى وفرعون؟، وما معنى داوود وعيسى ومريم وقارون؟! وما معنى حواريون، وهل "إسرائيل ويهود" كلمات عبرية؟ ما معنى لوط؟! ما معنى هود؟ وثمود؟! عمران ونوح؟! يتبع بيان وتفصيل هذه الاسماء بالبينات في الجزء الثاني بإذن اللّٰه،...

نهاية الجزء الأول،..

ليست هناك تعليقات: