الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

كيف نتعامل مع المستجدات

ڪيف نتعامل مع المستجدات؟!،.

أولاً؛ اعلم أخي المسلم، المؤمن بأن الدين ڪَمُل، ولم يترك الله أمراً إلا بَيَّنَه،. صغيراً كان أو ڪبيراً،. وبمجرد ادعائك [أو ظنك] أن هناك أموراً في الدين لم يفصّل الله فيها، أو ترڪَها ولم يتكلم عنها، فهذا كأنه إنڪارٌ لهذه الآيات،.

✺ ﴿..الْيَوْمَ ((أَڪْمَلْتُ لَكُمْ)) دِينَكُمْ..﴾،.
✺ ﴿..((وَڪُلَّ شَيْء)) فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾،.
✺ ﴿..((مَا فَرَّطْنَا)) فِي الْڪِتَابِ ((مِنْ شَيْءٍ))..﴾،.
✺ ﴿..وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ((ڪُلِّ شَيْء))..﴾،.
✺ ﴿..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ((تِبْيَانًا لِڪُلِّ شَيْءٍ))..﴾،.
✺ ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِڪِتَابٍ ((فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ)) هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾،.
✺ ﴿كِتَابٌ أُحْڪِمَتْ آيَاتُهُ ((ثُمَّ فُصِّلَتْ)) مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾،.
✺ ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ((إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ)) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾،.
✺ ﴿..((وَمَا ڪَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا))﴾،.
✺ ﴿..قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ﴾،.
✺ ﴿..وَقَدْ ((فَصَّلَ لَڪُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)) إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِـ((ـالْمُعْتَدِينَ))﴾ 
✺ ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾،.

فالدين ڪامل، قد اڪتمل،.. ليس بحاجة لأي إضافة،.

ــ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ، ﻋﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ اﻟﻔﺎﺭﺳﻲ، ﻗﺎﻝ،. ﴿ﻗﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﺸﺮﻛﻮﻥ: ﺇﻧﺎ ﻧﺮﻯ ﺻﺎﺣﺒﻜﻢ ((ﻳﻌﻠﻤﻜﻢ، ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻜﻢ اﻟﺨﺮاءﺓ!؟))،. ﻗﺎﻝ: ﺃﺟﻞ،.....﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﺒﺰاﺭ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺪاﺭﻗﻄﻨﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.

فلم يترك لنا النّبي ﷺ شيئاً إلا علمنا إياه،. وقد تكفّل اللّٰه بتوصيل وحيه لنا،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص 51]،.
ــ وقال،. ﴿إِنَّ عَلَيْنَا ((جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)) ۝ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة 17 ـ 19]،. 

ثانياً،. اعلم أن الأنبياء فضلاً على العلماء، ليس لهم من دون الله حكمٌ، ولا مشاركة لله في التشريع،. فــلا تجتهد لتصدر حكماً في الدين من عقلك، لا تُعمل تفكيرك في التشريع، لا تستنبط (بالمعنى السائد "أي تستخرج من وراء النص") ولا تقترح، ولا تقس، ولا تقدم رأياً، ولا تتكهن، ولا تظن، ولا تستحسن شيئاً في الدين، ولا تتفلسف في دين الله،،. لأن الله لا يرضى أن يشرّع معه أحدٌ،. بدليل،.

✺ ﴿وَلَا ((يُشْرِكُ فِي حُڪْمِهِ)) أَحَدًا﴾،.
✺ ﴿أَمْ لَهُمْ ((شُرَڪَاءُ شَرَعُوا)) لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾،.
✺ ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَىٰ ((عَمَّا يُشْرِڪُونَ))﴾،.
✺ ﴿وَاللهُ يَحْڪُمُ ((لَا مُعَقِّبَ)) لِحُڪْمِهِ﴾،.
✺ ﴿قُلْ ((أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينڪُمْ))﴾،.
✺ ﴿((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا)) بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ۝ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ۝ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾،.
✺ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا ((وَحْيٌ يُوحَى))﴾،.
✺ ﴿((لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ))﴾،.
✺ ﴿قُلْ ((إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي))﴾،.
✺ ﴿((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ))﴾،.
✺ ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَڪُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ((قُلْ آللهُ أَذِنَ لَڪُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ؟!))﴾،.
✺ ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُڪُمُ الْڪَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْڪَذِبَ..﴾،.

ثالثاً،. كيف نتعامل مع المستجدات، والأمور النازلة المستحدثة، وهي تحصل في كل زمانٍ ومكان وليس لها "نصٌ" خاص؟!،. ومن ذلك مثلاً ـ الإستنساخ ـ أطفال الأنابيب ـ السعي والطواف في التوسعة ـ المخدرات ـ سلس البول ـ تعاطي التبغ ـ الإبر (متعددة الإستعمالات) ـ وكل أمر لم يرد فيه نص!،.

لا تستنبط لا تجتهد لا تقس لا تتڪهن لا تقترح،. وإليك هذه البينات تڪفي لكل شيءٍ مستجد،.

ــ ﻋﻦ اﻷﻋﺮﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ،. *﴿(((ﺩﻋﻮﻧﻲ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺘﻜﻢ))،* ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻠﻚ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﺑﺴﺆاﻟﻬﻢ ﻭاﺧﺘﻼﻓﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺒﻴﺎﺋﻬﻢ، ﻓﺈﺫا ﻧﻬﻴﺘﻜﻢ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻓﺎﺟﺘﻨﺒﻮﻩ، ﻭﺇﺫا ﺃﻣﺮﺗﻜﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﻓﺄﺗﻮا ﻣﻨﻪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ.

ــ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ ﴿ﺧﻄﺒﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ، ﻗﺪ ﻓﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﺤﺞ ﻓﺤﺠﻮا، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ: ﺃﻛﻞ ﻋﺎﻡ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ؟ ﻓﺴﻜﺖ، ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺛﻼﺛﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: ﻟﻮ ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ، ﻟﻮﺟﺒﺖ، ﻭﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: *((ﺫﺭﻭﻧﻲ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺘﻜﻢ))،* ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻠﻚ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺳﺆاﻟﻬﻢ ﻭاﺧﺘﻼﻓﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺒﻴﺎﺋﻬﻢ، ﻓﺈﺫا ﺃﻣﺮﺗﻜﻢ ﺑﺸﻲء ﻓﺄﺗﻮا ﻣﻨﻪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ، ﻭﺇﺫا ﻧﻬﻴﺘﻜﻢ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻓﺪﻋﻮﻩ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ.

فكل مستجدٍ، لم تجد في الكتاب والسنة له نصاً عاماً أو خاصاً أو بينة،. فاعلم أن هذا أمرٌ متروك وكل أمرٍ متروك (ومنه ما استجد عليك)، فهو تحت هذا الحديث، ﴿دعوني ما تركتكم﴾،. ﴿ذروني ما تركتكم﴾،.

فطالما لم يرد فيه وحي، فهو متروك،. تأخذه أو تتركه هذا شأنك ولن تحاسب على شيء طالما لم يشرع فيه الله حكماً،. فإن ارتبت في نفسك، ولم تطمئن، فدعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يريبك،. فالحلال بينٌ واضحٌ لا ريبة فيه،. والحرام بينٌ واضحٌ لا ريبة فيه،. وما لم يتضح لك، أهو حلال أم حرام، فعامله كشبهة، ودعها،.

ــ ﻋﻦ ﻋﺎﻣﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺑﺸﻴﺮ ﻳﺨﻄﺐ ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ،. *﴿((ﺇﻥ اﻟﺤﻼﻝ ﺑﻴﻦ، ﻭاﻟﺤﺮاﻡ ﺑﻴﻦ، ﻭﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﺸﺘﺒﻬﺎﺕ))* ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﻤﻦ اﺗﻘﻰ اﻟﺸﺒﻬﺎﺕ اﺳﺘﺒﺮﺃ ﻓﻴﻪ ﻟﺪﻳﻨﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ، ﻭﻣﻦ ﻭاﻗﻌﻬﺎ ﻭاﻗﻊ اﻟﺤﺮاﻡ، ﻛﺎﻟﺮاﻋﻲ ﻳﺮﻋﻰ ﺣﻮﻝ اﻟﺤﻤﻰ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﻊ ﻓﻴﻪ، ﺃﻻ ﻭﺇﻥ ﻟﻜﻞ ﻣﻠﻚ ﺣﻤﻰ، ﻭﺇﻥ ﺣﻤﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ...﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.

فــ (ﺣﻼﻝٌ ﺑﻴﻦ، ﻭﺣﺮاﻡٌ ﺑﻴﻦ، ﻭﺷﺒﻬﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺫﻟﻚ، ﻓﻤﻦ ﺗﺮﻙ ﻣﺎ اﺷﺘﺒﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻹﺛﻢ ﻛﺎﻥ ﻟﻤﺎ اﺳﺘﺒﺎﻥ ﻟﻪ ﺃﺗﺮﻙ ﻭﻣﻦ اﺟﺘﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ﺃﻭﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﻮاﻗﻊ اﻟﺤﺮاﻡ)،.

فإن اضطُررت، قال اْلله،. ﴿..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾،.

ــــــ أخي المسلم المتبع لأثر النبي ﷺ،.

أول خطوة تفعلها إن واجهت أمراً لا تعلم حكمه، أن تسأل الله الهداية وتنيب إليه،. ثم تتعلم وتنقب عن حكمه في (ٱلۡقُرآن والحديث)،. وإن لم تعلم فاسأل من يعينك ممن هو أعلم منك بالـ(ـالكتاب والسنة) فيعينوك لتصل للوحي،. لأنهم أجمع للوحي،. (فيدلوك على الوحي)،. فإن أعطوك وحياً (كتابا وسنة) فخذ به، وإن أعطوك رأياً فرده عليهم،. ولا تأخذ منهم إلا الوحي،.

ولا تعبأ لما يقوله الشيوخ والمُفتُون ولو كثروا، ولو اتفقوا جميعاً على أمرٍ لم يشرعه الله،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [اﻷنعام 116]،.
ــ وقال،. ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ((قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ؟)) أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس 59]،. 
ــ وقال،. ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِڪَافٍ عَبَادَهُ ((وَيُخَوِّفُونَكَ)) بِالَّذِينَ مِنْ دُونِــهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر 36]،.
ــ وقال،. ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ! ((وَإِذَا ذُڪِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ))﴾ [الزمر 45]،.

ملاحظة: إياك أن تسمع حديثاً عن النبي ﷺ لم يعجبك، ولم يدخل عقلك، فتتركه بحجة،. ﴿ذروني ما تركتكم﴾! بل تكملة الحديث،. ﴿ﻓﺈﺫا ﻧﻬﻴﺘﻜﻢ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻓﺎﺟﺘﻨﺒﻮﻩ، ﻭﺇﺫا ﺃﻣﺮﺗﻜﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﻓﺄﺗﻮا ﻣﻨﻪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ﴾،.

والاضطرار لا يكون إلا في الطعام بدليل كل آيات ((الإضطرار)) كانت في الطعام فقط،. (يعني خشية الموت من الجوع)،. حتى لا يستخدم كل من شاء كلمة [أنا مضطر] حيث يشاء!،.
ــ قال اْلله،. ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْڪُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْڪُمْ ((إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه))﴾،.
ــ وقال،. ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَڪُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ((فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))﴾،.

وإياك وكثرة السؤال،. لأنها تحدث الخِلاف،. ﴿مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ ((مَا اسْتَطَعْتُمْ))، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِڪُمْ ((ڪَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ)) وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ﴾،.

ــ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ ﴿إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ﴾ أَخرجه الحُميدي، وأَحمد، والبُخاري، ومسلم، وأَبو داوُد، والبزار، وأَبو يَعلَى، وابن حِبَّان.

قال اْلله،. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ((لَا تَسْأَلُوا)) عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَڪُمْ تَسُؤْڪُمْ..﴾ [المائدة 101]،.

وإياك وضرب الأمثال بالعقل والمنطق، لأنها تبطل الوحي وتضلّك،. ﴿انظُرْ ڪَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ((الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ)) فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء 48]،.

واعلم أنه :-
ــ قال اْلله،. ﴿لَا يُڪَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا..﴾ [البقرة 286]،.
ــ وقال،. ﴿..لَا يُڪَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا..﴾ [الطلاق 7]،.
ــ وقال،. ﴿فَاتَّقُوا اللهَ ((مَا اسْتَطَعْتُمْ)) وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِڪُمْ..﴾ [التغابن 16]،.

وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ،. رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِڪُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُـولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.

بڪيبــورد، محسن الغــيثي،.

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022

الأمانة،.

الأمانة،.

ماهي الأمانة التي ذكرها الله في سورة الأحزاب؟!،. ولماذا رفضت السماوات والأرض والجبال حملها؟!،. ولماذا حملها الإنسان بعد أن رُفضت؟! وماذا فعل الانسان بالأمانة؟!،.

ــــــــ طلب ورجاء،. حتى تعي المقال أكثر وتفهم الأمانة بدقة، أعد قراءة (بداية المقال) بعد الانتهاء منه،. لأني كتبته بطريقة، قد يجد فيها القارئ نوعاً من الغموض في البداية، ووضعت نتائجها في آخرها،. فمن يقرأ المقال أول مرة، سيجد صعوبة في ربط الأدلة،. ولكن حين يعيد قراءتها بعد أن يعرف الأمانة [في نهاية المقال]، سيفهم الأدلة في المقدمة ويسهل عليه ربط النقاط كلها،.

قال ٱلله،. ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [اﻷحزاب 72]،.

هل الأمانة هي غسل الجنابة كما قالت بعض التفاسير؟!،. أم هي الفرائض والواجبات الدينية كما ظن بعض الناس؟!،. أم هي التكاليف الشرعية التي منها غسل الجنابة كما قالت التفاسير؟!،.

قبل الخوض فيها ننبه على أمر هام،. لا ينبغي تسمية الأمانة بأمرٍ آخر غير الأمانة،. [كأن يقال : الأمانة الدين، الأمانة قول لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله،. الأمانة هي التكاليف الشرعية]،. فهذا كله خطأ محض وغباء [وسيتبيّن لماذا]،. إنما علينا معرفة ماهية (الأمانة) نفسها، وعظيم محل هذه الكلمة،. وما هي مقتضيات الأمانة،.

ولا شيء مما سبق هي الأمانة،. الأمانة أعظم من ذلك كله،. ومن السفاهة الظن بأن السماوات والأرض والجبال أبين التكاليف الشرعية والفرائض والواجبات، واستثقلن غسل الجنابة!!،. هذه من السفاهة والحُمق،.

هذه القصة [عرض الأمانة، وحملها] حين حصلت، كانت قبل مجيئنا للدنيا،. كانت في عالم آخر غير عالمنا هذا،. والله ذكّرنا بها كما ذكّرنا كذلك بالميثاق حين أشهدنا على أنفسنا وشهِدنا،. كل ذلك كان قبل مجيئنا للدنيا،. ولكننا لا نذكر منها شيئاً، فقد أنسانا الله هذا الموقف وحذفه من ذاكراتنا، ولكن،...

من رحمته أنه أرسل رسلاً يذكروننا بها،. وأرسل كتباً تذكرنا بها،. وطالما أخبرنا الله عنها فهي حق، وقد حصلت بالفعل،. ولا يُشترط أن نتذكر كل ما فعلنا لنقطع بوقوعه، فنحن ننسى ما حصل قبل سنين،. ولا نذكر ما فعلناه ونحن صغار، فقد يذكر والداك حدثاً كنت تفعله وأنت طفل، ولكنك لا تذكر منه شيئاً، الذاكرة ليست العبرة والحجة،. فلا نرد الحق لمجرد أننا لا نذكره،. ولهذا يحصي الله ويستنسخ أعمالنا في صحف، ستنشر لنا يوم القيامة،. ﴿یَوۡمَ یَبۡعَثُهُمُ ٱللهُ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤا۟ *((أَحۡصَاهُ ٱللهُ وَنَسُوهُ))* وَٱللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ شَهِیدٌ﴾ [المجادلة 6]،. ففي يوم الدين،. سيعرض الله علينا كل أعمالنا في الدنيا، وسنكون قد نسيناها، ولكنها وقعت،. وكذلك الأمانة والميثاق،. قال ٱلله،. ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤ، أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِینَ ۝ أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾ [الأعراف 172 - 173]،.

فهاتين الواقعتين [الأمانة والميثاق] قد حصلتا فعلاً قبل مجيئنا للدنيا، ولكننا نسينا،. وسنرجع لنفس المكان الذي كنا فيه بعد هذه الدنيا،.

قال بعضهم "بأن الأمانة هي حرية الاختيار لأن الإنسان حر في اختياراته، قد يقبل وقد يرفض بخلاف باقي الخلق الذي جُبل على شيء محدد فلا يستطيع الخروج عنه، كالملائكة جبلت على الطاعة، والشياطين جبلت على الشر"،. ولكن هذا خطأ،. لأنه حتى السماوات والأرض والجبال أبت حمل الأمانة والله لم يؤاخذها بهذا الإباء [الرفض]،. فكانت مخيرة، تملك حرية الاختيار،.

إباء السماوات والأرض والجبال للأمانة التي عرضها الله عليهم،. هذا الإباء يخبرك أن الأمانة لم تكن الدين ولا الخضوع ولا التسليم ولا السجود لله ولا الإيمان ولا الشهادة بأنه لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله،.. لأن كل ذلك حاصلٌ وموجودٌ الآن في السماوات والأرض والجبال،. كلها مسلمة لله، تؤمن به وتخضع له وتدين له،.

❀ كل شيء يدين لله،. ﴿وَلَهُ *((مَا في ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّینُ وَاصِبًا))* أَفَغَیۡرَ ٱللهِ تَتَّقُونَ﴾ [النحل 52]،.
❀ وكل شيء أسلم لله حقا،. قال ٱلله،. ﴿أَفَغَیۡرَ دِینِ ٱللهِ یَبۡغُونَ *((وَلَهُ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا))* وَإِلَیۡهِ یُرۡجَعُونَ﴾ [آل عمران 83]،.
❀ وكل شيء يخضع له،. ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ *((إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللهُ مِن شَيءࣲ یَتَفَیَّؤُا۟ ظِلَالُهُ عَنِ ٱلۡیَمِینِ وَٱلشَّمَاۤئلِ سُجَّدࣰا لله))* وَهُمۡ دَاخِرُونَ ۝ وَلِلهِ یَسۡجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَاۤبَّةࣲ وَٱلۡمَلَائكَةُ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [النحل 48 - 49]،.
❀ وكل شيء يسجد له،. ﴿وَلِلهِ *((یَسۡجُدُ مَن في ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا))* وَظِلَالُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡآصَالِ﴾ [الرعد 15]،.
❀ وكل شيء يسبح بحمده،. *﴿((تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّ وَإِن مِّن شَيءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِ))* وَلَكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡ إِنَّهُ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا﴾ [الإسراء 44]،.
❀ ومن المستحيل لهذه المخلوقات الخاضعة المسلّمة لله، الساجدة المسبحة، التي تشهد بأن الله له كل شيء،. ثم يعرض الله عليها كلمة الاخلاص (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله) فترفضها وتأباها،.

فالأمانة لم تكن الدين،. ولا الخضوع والطاعة، ولا كلمة (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله)،. بل من الحماقة أن نظن هذا بالسماوات والأرض والجبال،. لأنها كلها تعلم أن الله هو خالقها،. ولا تشرك بالله آلهة أخرى،. بل تكاد تنفطر السماوات حين يشرك بالله أحد من البشر،. وتكاد الجبال تخر هداً، وتنشق الأرض لمجرد أن ادعى الانسان أن لله الولد [تعالى ربنا]،.
❁ قال ٱلله،. ﴿وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَنُ وَلَدࣰا ۝ لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَیۡـًٔا إِدࣰّا ۝ *((تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا))* ۝ أَن دَعَوۡا۟ لِلرَّحۡمَنِ وَلَدࣰا﴾ [مريم 88 - 91]،.
❁ وقال كذلك،. ﴿تَكَادُ *((ٱلسَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّ وَٱلۡمَلَائكَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ))* أَلَاۤ إِنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾ [الشورى 5]،.

فكيف نقول أن السماوات والأرض والجبال، رفضت قول (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله)؟!،. أو نقول بأنها رفضت الدين؟!،. هذا محال، بالتالي، الأمانة ليست الدين، وليست كلمة (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله)،. وليست التشريعات والأوامر التي أمر الله بها،. لأن كل هذه المخلوقات تخضع لله طوعاً وكرهاً وتسبح بحمده وتطيعه وتسجد له،. ولم يعاند ويرفض العبادة إلا البشر،. قال ٱلله،. ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللهَ یَسۡجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَاۤبُّ وَكَثِیرࣱ مِّنَ ٱلنَّاسِ *((وَكَثِیرٌ حَقَّ عَلَیۡهِ ٱلۡعَذَابُ))* وَمَن یُهِنِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكۡرِمٍ إِنَّ ٱللهَ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ﴾ [الحج 18]،.

هذه الكلمة [الأمانة]،. يعرف معناها كل البشر،. ومن معانيها بل من مقتضياتها : الحفاظ عليها دون عبثٍ فيها،. ودون تبديلها وتغييرها، دون المساس بها واستخدامها لمصالح شخصية،. والصبر عليها حتى تؤدى لمن اءتمنك عليها،. فالأمانة شيءٌ مُصان، وجب الحفاظ عليها بصبر وإخلاص،.

ــــــــــــ الأمانة لم تُعرض على الإنسان،..

حين تتدبر آية الأمانة في ٱلۡقُرآن،. عليك أن تدرك، أن الأمانة لم تُعرض على الانسان أبداً، لا قبل ولا بعد،. إنما عُرضت على السماوات والأرض والجبال فحسب،. قال ٱلله،. ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ *((عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَیۡنَ أَن یَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا))* وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا﴾ [الأحزاب 72]،.

فالأمانة لم تُعرض "أساساً" على الإنسان، إنما فُتن بها الإنسان، وأحبها، وسال لعابه عليها، وتمناها وأرادها هو من نفسه،. فطلبها هو، فأُعطي وحملها،.

ــــــــ ما هو العرض الذي عرضه الله؟!،.

أولاً، عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال فقط،. ولم يعرضها على الانسان،. ولكن الانسان هو الذي طلبها فحملها ذلك بعد أن رَأَى أن السماوات والأرض والجبال رفضنَها [فَأَبَیۡنَ أَن یَحۡمِلۡنَهَا]،.

والإباء هو الرفض،. قال ٱلله،. ﴿یُرِیدُونَ أَن یُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللهِ بِأَفۡوَاهِهِمۡ *((وَیَأۡبَى ٱللهُ إِلَّاۤ أَن یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَافِرُونَ))﴾* [التوبة 32]،.
وقال،. ﴿فَسَجَدَ ٱلۡمَلَائكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ ۝ *((إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰۤ))* أَن یَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِینَ﴾ [الحجر 30 - 31]،.
وقال،. ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَائكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِآدَمَ فَسَجَدُوۤا۟ *((إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ))﴾* [طه 116]،.
وقال،. ﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلࣲ *((فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا))﴾* [الإسراء 89]،.
وقال،. ﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَاهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ *((فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا))))* [الفرقان 50]،.

السماوات والأرض والجبال، رفضن حمل الأمانة لسبب، لم يكن مجرد هوى،. إنما لسبب قوي،. رفضنها وأشفقن منها،. فالواضح أنها كانت مخيفة،.

ــــــــ الأمانة كانت مخيفة،.

قال ٱلله،. ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ((وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا))﴾،. الإشفاق هو شدة الخوف حتى يتأثر الخائف فيتغير لونه خوفاً،. قال ٱلله،. ﴿وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ ((مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ))..﴾ [الكهف 49]،.
وقال،. ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ *((وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ))﴾* [الأنبياء 28]،.
قال ٱلله،. ﴿ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ *((وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ))﴾* [الأنبياء 49]،.
قال ٱلله،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم *((مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ))﴾* [المؤمنون 57]،.
قال ٱلله،. ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا *((وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ))* أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾ [الشورى 18]،.
قال ٱلله،. ﴿تَرَى ٱلظَّالِمِينَ *((مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ))* وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ﴾ [الشورى 22]،.
قال ٱلله،. ﴿قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ [الطور 26]،.

والشفق هو تغير لون الأفق للحمرة بعد غروب الشمس،. قال ٱلله،. ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ﴾ [الانشقاق 16]،.

فالجبال والأرض والسماوات أشفقن من الأمانة جداً جداً،. فالأمانة لم تكن حلوة، بل كانت مخيفة جداً، وفيها فتن عظيمة جليلة، ولكن الإنسان سعى لها وطلبها بنفسه،. سالت لعابه على الأمانة،. فيبدوا أنها كانت مغرية جداً بالنسبة للإنسان،. وفي نفس الوقت كانت مخيفة وخطيرة [ولم يلاحظ الانسان خطورتها]،. كانت مفزعة، بحيث أن هذه المخلوقات العظيمة خافت منها بل أشفقن منها فرفضن الأمانة،. حملها الإنسان، وهي لم تكن معروضة عليه أساساً،. فلماذا أرادها الإنسان؟!،.

ــــــ الأمانة كانت مغرية [رغم أنها مخيفة]،.

العرض الذي عرضه الله على السماوات والأرض والجبال، لم يكن ملزماً لهم ولم يكن واجباً عليهم حملها،. إنما كان عرضاً، وهم في قبوله بالخيرة،. ولهذا اختاروا الرفض ولم يقبلوها،. ولو كانت الأمانة ملزمة، لما استطاعوا ردها ورفضها،. ولكنها رفضت، فماذا حصل لهم؟!،. ما هو الخيار الآخر مقابل الأمانة؟!،.

الحقيقة،. أن هذا الأمر تستطيع إدراكه بمقارنة مصير هذه المخلوقات بمصير الإنسان الذي حمَل الأمانة،. فضع السماوات والأرض والجبال في كفة، والإنسان في كفة،.. وقارن بين الكفتين،. لتعرف ما الذي سيحصل للإنسان، وما الذي سيحصل للسماوات والأرض والجبال،.

الإنسان مصيره بعد هذه الدنيا هو الخلود في الآخرة، إما في نعيم الجنة أو عذاب النار،. أما السماوات والأرض والجبال فلا،. لا جنة لهم ولا ولا نار،. أي أنه لا جزاء عليها ولا حساب (ولا خلود)،.

بالتالي، السماوات والأرض والجبال التي أبت حمل الأمانة، فمصيرها الزوال والتبديل حين تُقام الساعة،. فهي لن تبقى للأبد كالإنسان،. وهذا هو ما نجده في ٱلۡقُرآن فعلاً،.

ــــــــــــ حال السماوات حين تقوم الساعة،.

قال الله،. *﴿((وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَهِيَ یَوۡمَئذࣲ وَاهِیَةࣱ))* ۝ وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰۤ أَرۡجَائهَا وَیَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَئذࣲ ثَمَانِیَةࣱ﴾ [الحاقة 16 - 17]،.
وقال،. ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ۝ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ۝ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ۝ *((يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ))﴾* [المعارج 5 - 8]،.
وقال،. ﴿فَإِذَا *((ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةࣰ كَٱلدِّهَانِ))﴾* [الرحمن 37]،.
وقال،. *﴿((إِذَا ٱلسَّمَاۤءُ ٱنشَقَّتۡ ۝ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ))﴾* [الانشقاق 1 - 2]،.
وقال،. *﴿((یَوۡمَ نَطۡوِی ٱلسَّمَاۤءَ))* كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِ كَمَا بَدَأۡنَاۤ أَوَّلَ خَلۡقࣲ نُّعِیدُهُ وَعۡدًا عَلَیۡنَاۤ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِینَ﴾ [الأنبياء 104]،.
وقال،. ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعࣱ ۝ مَّا لَهُ مِن دَافِعࣲ ۝ *((یَوۡمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاۤءُ مَوۡرࣰا))* ۝ وَتَسِیرُ ٱلۡجِبَالُ سَیۡرࣰا ۝ فَوَیۡلࣱ یَوۡمَئذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ﴾ [الطور 7 - 11]،.
وقال،. ﴿فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتۡ ۝ *((وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ فُرِجَتۡ))* ۝ وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ نُسِفَتۡ﴾ [المرسلات 8 - 10]،.
وقال،. *﴿((يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ۝ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا))﴾* [النبأ 18 ــ 19]،.
وقال،. ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعࣱ ۝ *((فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتۡ ۝ وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ فُرِجَتۡ))﴾* [المرسلات 7 - 9]،.
وقال،. *﴿وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ﴾* [التكوير 11]،.

ــــــــــــ حال الأرض حين تقوم الساعة،.

قال ٱلله،. ﴿يَوْمَ *((تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ))* وَبَرَزُوا لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم 48]،.
وقال،. ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةࣱ وَاحِدَةࣱ ۝ *((وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةࣰ وَاحِدَةࣰ))* ۝  فَیَوۡمَئذࣲ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ﴾ [الحاقة 13 - 15]،.
وقال،. ﴿یَوۡمَ *((تَرۡجُفُ ٱلۡأَرۡضُ))* وَٱلۡجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلۡجِبَالُ كَثِیبࣰا مَّهِیلًا﴾ [المزمل 14]،.
وقال،. ﴿كَلاَّ إِذَا *((دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً))﴾* [الفجر 21]،.
قال الله عن الأرض يوم القيامة،. *﴿((إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا ۝ وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا ۝ وَقَالَ ٱلۡإِنسَانُ مَا لَهَا ۝ یَوۡمَئذࣲ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا))* ۝ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا﴾ [الزلزلة 1 - 5]،.
وقال،. ﴿إِنَّ ٱللهَ *((یُمۡسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَا))* وَلَئن زَالَتَاۤ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا﴾ [فاطر 41]،.
وقال،. ﴿وَإِذَا *((ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ۝ وَأَلۡقَتۡ مَا فِیهَا وَتَخَلَّتۡ ۝ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ))﴾* [الانشقاق 3 - 5]،.
ــ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺯﻡ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺳﻬﻞ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ ﴿ﻳﺤﺸﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺑﻴﻀﺎء ﻋﻔﺮاء، كقرصة ﻧﻘﻲ﴾ ﻗﺎﻝ ﺳﻬﻞ، ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ: ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻠﻢ ﻷﺣﺪ،.
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ،.

ــــــــــــــ حال الجبال حين تقوم الساعة،.

قال ٱلله،،. ﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ *((یَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفࣰا ۝ فَیَذَرُهَا قَاعࣰا صَفۡصَفࣰا ۝ لَّا تَرَىٰ فِیهَا عِوَجࣰا وَلَاۤ أَمۡتࣰا))﴾* [طه 105 - 107]،.
وقال،. ﴿إِذَا رُجَّتِ ٱلۡأَرۡضُ رَجࣰّا ۝ *((وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسࣰّا ۝ فَكَانَتۡ هَبَاۤءࣰ مُّنۢبَثࣰّا))﴾* [الواقعة 4 - 6]،.
وقال،. *﴿وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾* [القارعة 5]،.
وقال،. ﴿یَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ *((وَكَانَتِ ٱلۡجِبَالُ كَثِیبࣰا مَّهِیلًا))﴾* [المزمل 14]،.
كيف تكون كثيباً مهيلاً هباءً منبثاً، كالعهن المنفوش؟!،.
قال اللّٰه،. *﴿((يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ))* فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ۝ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ۝ *((وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا))﴾* [النبأ 18 ــ 20]،.
وهذه الآية فسرها الله فقال،. *﴿((وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ))* فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرين ۝ *((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ))* صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل 87 ــ 88]،.
وقال،. ﴿وَیَوۡمَ *((نُسَیِّرُ/تُسَيَّرُ/تَسِيْرُ ٱلۡجِبَالَ))* وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةࣰ وَحَشَرۡنَاهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدࣰا﴾ [الكهف 47]،.
وقال،. *﴿وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ﴾* [التكوير 3]،.

❒ فالسماوات ستأذن لربها، فتنشق وتنفطر وتُطوى وتصير كالمهل وتتبدل لتكون وردة كالدهان فتمور،. والأرض ستأذن لربها، وستتزلزل وتمتد وتنشق وتتخلى وتلقي ما فيها وتتبدل لأرض بيضاء نقية كقرص خبز نقي، ليس فيه معلم ولا شاهق،. والجبال ستُدك وتُسيَّر وتُهد وتكون كالعهن المنفوش وتصير هباءً منبثاً، وتُسوَّى بالأرض لتكون قاعاً صفصفا، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً،.

فلن تدوم السماوات والأرض والجبال،. ولكن الإنسان سيدوم، وهكذا كان العرض الذي أغرى الإنسان،.

العرض الذي عرضه الله، كان فيه خيارين،. إما أن يقبلها [المعروض عليه] فيدوم خالداً، أو يرفضها فينتهي دوره عند قيام الساعة، فأبتها السماوات والأرض والجبال، وحملها الإنسان بجهله وطمعه في الخلود [غريزة البقاء]،.

ــــــــــ العرض كان على الآخرة والحياة الأبدية،..

كانت خيارات العرض كالتالي:-

❊ الخيار الأول،. إما أن تحمل الأمانة، فتنزل للدنيا، دار الاختبار والفتن العظيمة والبلايا والمحن الثقيلة والصعبة حتى تقوم الساعة،. فيدخلهم الله النار جميعاً، خالدين فيها أبداً، لا يخفف عنهم العذاب ولا يخرجون منها،. ويتمنون أن يكونوا تراباً ولن يكونوا،. ولن يموتوا أبداً، ويستثنى منهم عدد قليل، فيدخل الجنة نفسٌ واحدة،. من كل ألف نفس،. تسعمائة وتسعُ وتسعون نفساً تملؤ النار للأبد خالدين فيها [كما في حديث بعث النار]،. وواحد في الجنة خالداً فيها، منعّماً أبداً،.

بل أسوء من هذه النسبة بكثير،. ففي نفس حديث [بعث النار]،. أخبر النّبي ﷺ فيه أن مثل المؤمنين في الكافرين يوم القيامة، كشعرة بيضاء في جلد الثور الأسود،. فالمؤمنون لا يكادون يرون، فعددهم بالنسبة للكافرين ليس بشيء،. فكل البشر سيدخل جهنم،. إلا النذر اليسير الذي لا يكاد يُرى،.

قال ٱلله،. ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ *((الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا))* ۝ فَوَرَبِّكَ *((لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا))* ۝ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ۝ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا ۝ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ۝ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم 68 ـ 72]،.

وقال ٱلله،. ﴿وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَاحِدَةࣰ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ ۝ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمۡ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ *((لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ))﴾* [هود 118 - 119]،.

فالناس والجن، سيدخلون جهنم أجمعين،. هذا يعني أن الإنسان لن يحافظ على الأمانة وسيخسر فعلاً،. فيكون مصيره أن يدخل النار خالداً فيها،. ولكن،...

ــــــ لماذا سيفشل الجميع؟!،. سيدخل الجميع النار؟!،.

سبب الخلود في النار هو الفتن العظيمة التي سيجعلها الله عليهم في الدنيا،. سيكون فيها فتنٌ جليلة وتناقضات كثيرة ستحصل للإنسان،. كلها متحققة الآن فينا، أودعها الله فينا ليتحقق البلاء والفتنة،.

ــ كنا عنده وشاهدناه وشهِدنا، ولكنه نزع عنا تذكر هذا، وذكّرنا هو بها عبر رسله وكتبه، فلا سبيل لمعرفة الحقيقة إلا بها،.
ــ جعل اللّٰه نفسه غيباً عنا، وأمرنا بالإيمان به دون أن نراه،.
ــ زين لنا الدنيا وزَخرَفَها لنا، وحذّرنا منها، وحث على الآخرة، وجعلها كل شيءٍ، وجعلها غيباً عنا،.
ــ جعلك تحب الزيادة في المال والبنين، وأخبرك أنه استدراج وكيد وفتنة ومتاع قليل،.
ــ جعلك تجل صاحب المال، وجعل الغنى والأموال في يد الكفار والمنافقين،.
ــ جعلك تكره الفقر وتبغضه،. وجعله في أتباع الأنبياء،.
ــ زرع فينا الخوف والحرص على الأخذ بالأسباب، فتحسب لنفسك ألف حساب وتقدّر وتفكّر،. وقال أن الرزق منه وحده، قدره لك مسبقاً،. وأمرنا بالتوكل عليه وحده،. وقال لن ينفعكم شيء دوني،.
ــ أعطاك قدرةً على التفكير والتخطيط والإدارة لتدر به رزقك، وأمرك أن تنسب الرزق له ولا تنسبه لنفسك،.
ــ سَهّل للشر أن ينتشر ويشتهر، وجعل لأصحاب الشر شُهرة وسُمعة وقُبول، وأغلق أبواب الشهرة والانتشار على الخير وضيّق عليه، وجعل الحق لطائفة قليلة لا تكاد تُرى،.
ــ جعل الناس تُجمع وتتفق على أشياء، فتشتهي أن تكون معهم، ظناً أن الجماعة لا يمكن أن تتفق على ضلال،. وجعل الحق بخلاف ما عند الأكثرية، جعلها مع القلة القليلة الغريبة،.
ــ جعل الهداية من عنده حصراً، فلا يهدي إلا هو،. ولن تعرف نفسٌ أين الهُدَىٰ إلا بالله،.
ــ يسر القُرآن للذكر، وأمرك بتدبره،. وجعله يعمي كثيراً من الناس ويضلهم،.
ــ أودع فيك فكراً حراً مستقلاً، وجعل الدين تسليماً وعبودية،.
ــ أعطاك منطقاً تزن به وتقيس به كل شيء،. وجعل الدين بخلاف المنطق،. لينظر من تتبع، الدين أم المنطق،.
ــ أعطاك قوة ومكنك، وقال لا قوة لك ولا حول من دوني،.
ــ أعطاك حريةً في التصرف،. وقال تصرفك تحت مشيئتي،.
ــ حبب إليك المال والأبناء، وقال لن تنفعكم أموالكم ولا أولادكم،.
ــ أمرك بالعمل،. وقال لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله،.
ــ أمرك أن تعبده كأنك تراه، دون أن تراه،.

كل هذه فتن وبلاءات ومَصدَّات وحواجز [في الدنيا]، يصعب من ينجو منها ويفوز بالآخرة أحد،. فمعظم الناس سيفشلون،. وسيدخلون النار للأبد،. ولن ينجو من النار إلا واحد من كل ألف إنسان،. أي [0.01%]،. فقط سيدخلون الجنة،. أما البقية [99.99%]،. ففي النار خالدين فيها،. بل أشد من ذلك،. ففي نفس الحديث [حديث بعث النار]، بين النّبي ﷺ أن عدد المؤمنين في الكافرين يوم القيامة،. *((كشعرة بيضاء في جلد الثور الأسود))،.

ــ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺴﻤﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ: ﻳﺎ ﺁﺩﻡ ﻗﻢ، ﻓﺎﺑﻌﺚ ﺑﻌﺚ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻟﺒﻴﻚ ﻭﺳﻌﺪﻳﻚ، ﻭاﻟﺨﻴﺮ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻚ ﻳﺎ ﺭﺏ، ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺚ اﻟﻨﺎﺭ؟ ﻗﺎﻝ: *((ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﻟﻒ ﺗﺴﻊ ﻣﺌﺔ ﻭﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ))*، ﻗﺎﻝ: ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻳﺸﻴﺐ اﻟﻤﻮﻟﻮﺩ، ﻭﺗﻀﻊ ﻛﻞ ﺫاﺕ ﺣﻤﻞ ﺣﻤﻠﻬﺎ، ﻭﺗﺮﻯ اﻟﻨﺎﺱ ﺳﻜﺎﺭﻯ، ﻭﻣﺎ ﻫﻢ ﺑﺴﻜﺎﺭﻯ، ﻭﻟﻜﻦ ﻋﺬاﺏ اﻟﻠﻪ ﺷﺪﻳﺪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻓﺄﻳﻨﺎ ﺫﻟﻚ اﻟﻮاﺣﺪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: ﺗﺴﻊ ﻣﺌﺔ ﻭﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻳﺄﺟﻮﺝ ﻭﻣﺄﺟﻮﺝ، ﻭﻣﻨﻜﻢ ﻭاﺣﺪ ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺎﺱ: اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﺭﺑﻊ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﺛﻠﺚ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻧﺼﻒ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﺒﺮ اﻟﻨﺎﺱ، ﻗﺎﻝ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: *((ﻣﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻻ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮﺓ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻓﻲ اﻟﺜﻮﺭ اﻷﺳﻮﺩ، ﺃﻭ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮﺓ اﻟﺴﻮﺩاء ﻓﻲ اﻟﺜﻮﺭ اﻷﺑﻴﺾ))»* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ. ﻭاﻟﻠﻔﻆ ﻷﺣﻤﺪ (11457) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻭﻛﻴﻊ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﻟﺢ، ﺑﻪ. ✅،.

يعني : الذي سيحمل الأمانة،. سيدخلون النار جميعاً ما عدا عدد قليل جداً، غير مرئي كالشعرة البيضاء الضائعة التي لا تكاد تُرى في الشعر الأسود،.

وهذه الأمور، كانت هي السبب الأول في تنازل السماوات والأرض والجبال لإغراء الخلود مقابل حمل الأمانة،. لما وجدوا فيها من استحالة من النجاة،. ولهذا أبيْنَ حملها،. لأن احتمال العذاب الأبدي فيه كبير جداً،.

❊ الخيار الثاني،. أن تُرفض حمل الأمانة،. فلا أبدية،. ولا خلود،. ولا جنة ولا نار،. ولا اختبار ولا فتن،. إنما حين يأتي يوم القيامة تفنى وتزول وتتبدل،. ففط،.

فاختارت [السماوات والأرض والجبال] الخيار الثاني،. وتركت حمل الأمانة المخيفة، لأن الذي سينجوا منها واحدٌ مقابل (999)،. وهذا سبب رفضها الأول،.

فالأمر كان مخيفاً جداً، لم تضمن السماوات أن تكون هي الناجية، ولا الأرض ولا الجبال، لم تقل كما يقول الإنسان : لعلي أكون ذاك الشخص الناجي من الألف،. فلهذا أبوا أن يحملنها شفقةً وخشيةً من الهلاك الأبدي،.

أما الإنسان، فكل شخص منهم، طمع أن يكون ذاك الواحد، رأى ثمة أمل وبريق للحياة الأبدية،. ولو كانت فرصتها ضيقة، ولكن أمله بالخلود كبير،. وحبه للبقاء شديد،. على الأقل في الخيار الثاني، هناك أمل،. فحملها الإنسان مجازفاً ومخاطراً بنفسه،. كل نفس تقول أنا سأكون الناجي، وأنا صاحب الحظ السعيد،.

فحين شاهد الإنسان، أن السماوات والأرض والجبال تركت وردت العرض الأول وأبت حمل الأمانة، اشتهى الإنسان حمل الأمانة،. فأعطاهم الله بناءً على طلبهم هم،.

ــــــــ الإنسان والخلود،.

الإنسان لا يحب الموت،. يخافه ويخشاه، ويشتهي الخلود، ويسعى للبقاء بكل ما يمكنه،. وهو الذي عبّر عنه ملاحدة علوم الأحياء بــ (غريزة البقاء)،. وتخرّصوا له بعض الفرضيات مثل (يكون البقاء للأقوى، والبقاء للأصلح)،. ويسعى الغرب اليوم لإيجاد حل للخلود، أو في أقل حالاته، حلاً يُبقي الإنسان أمداً أطول من الواقع، فتجده يكرس حياته ليحارب الشيخوخة وكل مظاهرها ولو بالتزييف والتجميل والغش وشد الجلد وصبغ الشعر، وزراعة الأسنان،. كله لأجل البقاء أمداً أطول،. فالإنسان يكره الموت،. وهذا هو الشيء الذي أغرى آدم فأكل من الشجرة،. لأجل الخلد،. قال له الشيطان،. ﴿..مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ *((تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَالِدِینَ))﴾* [الأعراف 20]،. وقال كذلك،. ﴿..یَا آدَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ *((شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ))* وَمُلۡكࣲ لَّا یَبۡلَىٰ﴾ [طه 120]،. فأكل آدم من الشجرة ابتغاء الخلد، وهكذا أبناء آدم كلهم،. يبتغون الخلد،. حتى في هذه الدنيا المؤقتة،. وينسون كثيراً أن الموت مصيرهم، وأن الخلد الحقيقي هو ما سيكون بعدها،. ولأجل هذا الخلد المغري لبني آدم، حمل الإنسان الأمانة،.

ــــــــ مثال على هذا العرض،.

القارئ الذي يسمع عن هذا العرض الآن، سيقول في نفسه: لن أقبلها، سأذهب للخيار الثاني الذي ذهبت إليه السماوات والأرض والجبال،. ولكنه مُتوهّم، فالإنسان لا يفكر هكذا أبداً،. ولتفهم العرض بشكل أكبر، نضرب له مثالاً ليتضح أنه لو عرض عليك مثله اليوم، ستختار الخيار الأول، الذي فيه بارقة أمل، وستجازف بنفسك ظنا بنفسك الخير،. فلنضرب لها مثلاً،.

افترض أنك ذهبت لتقدّم على وظيفة في إحدى الشركات، فعرض عليك صاحب الشركة عرض عمل فيه خياران،.

✺ العرض A أن يستخدمك كموظف لمدة سنة براتب شهري جيد، تكون فيه تحت المراقبة والاختبار،. ثم بعد عام من العمل الشاق المتعب، يقيّمك صاحب العمل، فإن نجحت خلال السنة، أعطاك إجازة لبقية حياتك بأضعاف هذا الراتب [مع إخبارك أن معظم الذين سبقوك بالوظيفة لم ينجحوا فيها]،. ولكن إن فشلت خلال هذه السنة،... سيقتلك،.

✺ والعرض B هو أن يستخدمك كرمز أو علامة فخرية لعراقة الشركة أو يستخدمك كمجسم يمثّل صاحب الشركة، يتباهى بك،. ولن يكلفك بأي عمل،. إنما سيستخدمك فخراً له،. وعند تمام السَّنة،... سيقتلك،.

فماذا ستختار؟!،. كل الناس سيختارون العرض الأول،. لأن فيه أمل للحياة، ولو كان الاختبار صعباً عسيراً،. لن يختار أحد ذاك العرض المؤقت، الذي نهايته فناء في كل الأحوال، فليس فيه أي أمل بالبقاء،.

هكذا كان العرض على المخلوقات العظمى، السماوات والأرض والجبال،. ((ولله المثل الأعلى))،. ولكنها رفضت الخيار الأول وأبت من شدة الخوف،. أما الإنسان الذي أُشرِب في قلبه حب الخلود والنعيم، طلبها فحمل الأمانة الثقيلة،. فكانت النتيجة،. ﴿... وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَانُ *((إِنَّهُ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا ۝ لِّیُعَذِّبَ ٱللهُ ٱلۡمُنَافِقِینَ وَٱلۡمُنَافِقَاتِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ وَٱلۡمُشۡرِكَاتِ وَیَتُوبَ ٱللهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَاتِ))* وَكَانَ ٱللهُ غَفُورࣰا رَّحِیمَۢا﴾ [الأحزاب 72 - 73]،.

أنزل الله علينا كتابا ((لنتذكر)) هذا الأمر،. لأننا سننساه،. والذكر في اللسان هو ما يضاد النسيان والغفلة، كالإظهار والتبيان،. والذكر في ٱلۡقُرآن على هذا،. يظهر لك ما غفلت عنه ونسيته [يوم حملت الأمانة]، يحذرك وينذرك من العقاب [أن من كل ألف، سينجو واحداً]،. حتى تنتفع فتتقي،. وإلا فالعقاب قادم على الجميع،. قال ٱلله،. ﴿وَلَوۡ شِئۡنَا لَآتَیۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَاهَا وَلَكِنۡ *((حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ ۝ فَذُوقُوا۟ بِمَا نَسِیتُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَذَاۤ))* إِنَّا نَسِینَاكُمۡ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [السجدة 13 - 14]،.

ــــــ فالذكر تذكيرٌ وإنذارٌ وزجرٌ لما سيأتي،.

قال ٱلله،. ﴿الۤمۤصۤ ۝ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَیۡكَ فَلَا یَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجࣱ مِّنۡهُ *((لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ))﴾* [الأعراف 1 - 2]،.
ثم قال،. ﴿ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ مِن دُونِهِ أَوۡلِیَاۤءَ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ ۝ *((وَكَم مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَاهَا فَجَاۤءَهَا بَأۡسُنَا بَیَاتًا أَوۡ هُمۡ قَاۤئلُونَ))﴾* [الأعراف 3 - 4]،.

في سورة يس، قال اْلله،. ﴿وَسَوَاۤءٌ عَلَیۡهِمۡ *((ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ ۝ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِيَ ٱلرَّحۡمَنَ بِٱلۡغَیۡبِ))* فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةࣲ وَأَجۡرࣲ كَرِیمٍ﴾ [يس 10 - 11]،.
قال اْلله قبلها،. ﴿یسۤ ۝ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِیمِ ۝ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ ۝ عَلَىٰ صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ ۝ *((تَنزِیلَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلرَّحِیمِ ۝ لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أُنذِرَ ءَابَاۤؤُهُمۡ فَهُمۡ غَافِلُونَ ۝ لَقَدۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَىٰۤ أَكۡثَرِهِمۡ))* فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [يس 1 - 7]،.

فالله أنزل الذكر ليذكرنا وينذرنا، بأن العقاب الشديد وراءكم، فاحذرو،. قال ٱلله،. ﴿إِنَّ عَلَیۡنَا لَلۡهُدَىٰ ۝ *((وَإِنَّ لَنَا لَلۡآخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ ۝ فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارࣰا تَلَظَّىٰ))﴾* [الليل 12 - 14]،.

هذا ٱلۡقُرآن ذكر، لأننا ننسى ما نحن مقبلون عليه من العذاب،. قال،. ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا *((فِيهِ ذِكْرُكُمْ))* أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [اﻷنبياء 10]،.
وقال،. ﴿..بَلْ أَتَيْنَاهُمْ *((بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ))﴾* [المؤمنون 71]،.

فلأجل هذا أنزل الله ٱلۡقُرآن، وذكّر الإنسان وأخبره في ٱلۡقُرآن بأنه ضَعِيفٌ؛ طَاغِيَةٌ؛ ظَلُومٌ؛ كَفَّارٌ؛ عَجُولٌ؛ قَتُورٌ؛ يَؤُوسٌ؛ قَنُوْطٌ؛ كَفُورٌ مبينٌ؛ جَدِلٌ؛ عَجولٌ؛ ظَلُومٌ؛ جَهُولٌ؛ خَصِيمٌ؛ فَاجِرٌ؛ مُعرِضٌ؛ لِرَبه كَنُود!!،. فهذا الخلق مستحقٌ للعقاب الآجل يوم الساعة،. *﴿إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَآتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ فِیهَا وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾* [غافر 59]،.

هذا اليوم، يتمنى الكافر [شعر الثور الأسود] أنه لم يحمل الأمانة،. فيكون حاله كحال السماوات والأرض والجبال،. فيختفي للأبد،. لا جنة ولا نار،. بل تراب،. أي لا شيء،. قال ٱلله،. ﴿ذَلِكَ ٱلۡیَوۡمُ ٱلۡحَقُّ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَـَٔابًا ۝ *((إِنَّاۤ أَنذَرۡنَاكُمۡ عَذَابࣰا قَرِیبࣰا یَوۡمَ یَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ یَدَاهُ وَیَقُولُ ٱلۡكَافِرُ یَا لَیۡتَنِي كُنتُ تُرَابَۢا))﴾* [النبأ 39 - 40]،.

ــــــــــ الحياة الدنيا، والموت بعدها،. ليست شيئاً،.

منذ حمل الإنسان الأمانة، صار خالداً للأبد، لن يموت،. إما إلى جنة أبدية، أو إلى نار أبدي،. أما الدنيا، والبرزخ بعدها،. فليست بشيء مقارنةً بالحياة الأبدية،. فهمها طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا ولو كان عمره كعمر نوح،. لو وضعت عمره مقابل الرقم اللانهائي ∞ فيصير لا شيء،. ولو كان عمره ألف ألف سنة،. وكذلك لو أضاف إليها فترة موته وقبره قبل البعث،. كلها لا شيء مقابل الآخرة، فالآخرة هي الأصل الذي سنكون فيه،. وهذه الدنيا ليست بشيء، لأنها مؤقتة قصيرة جداً جداً،. وكلنا أحببناها وغرقنا فيها وتركنا الآخرة،. قال ٱلله،. ﴿كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ ۝ وَتَذَرُونَ ٱلۡآخِرَةَ﴾ [القيامة 20 - 21]،. وقال،. ﴿إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ یُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَرَاۤءَهُمۡ یَوۡمࣰا ثَقِیلࣰا﴾ [الإنسان 27]،.

فالدنيا في الحقيقة خدعة،. فترة يسيرة حقيرة، ليست بشيء مقابل الآخرة الأبدية،. مهما طال العمر فيها، هي (صفر) مقابل اللانهائية،. والله لم يخلقنا للدنيا،. ليست هي المصير،.

ــــــــــــــــ خلقنا الله لأجل الآخرة،.

ــ قال ٱلله،. ﴿وَلَقَدۡ *((جِئۡتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقۡنَاكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ))* وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَاكُمۡ وَرَاۤءَ ظُهُورِكُمۡ...﴾ [الأنعام 94]،.
ــ قال ٱلله،. ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا *((خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ))﴾* [المؤمنون  115]،.
ــ وقال،. ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا ((خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا))﴾ [الكهف 48]،.

لم يخلقنا الله للبقاء في هذه الدنيا،. إنما خلقنا للآخرة، أما الدنيا فهي مؤقتة سريعة، تعتبر لا شيء بالمقارنة بالآخرة الأبدية،. لهذا، الدنيا أهون على الله من الجدي الأسك،. وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة،. وحين أراد النّبي ﷺ تشبيه قيمتها بقيمة الآخرة قال،. *«ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ، ﺇﻻ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺇﺻﺒﻌﻪ ﻫﺬﻩ ﻓﻲ اﻟﻴﻢ، ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ ﺑﻢ ﺗﺮﺟﻊ»*
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ. ✅،.

لهذا، حذرنا الله الدنيا كثيراً،. قال ٱلله،. ﴿ٱللهُ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ *((وَفَرِحُوا۟ بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا فِي ٱلۡآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعࣱ))﴾* [الرعد 26]،.

ــ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ:
"ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﻮﻕ، ﺩاﺧﻼ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻛﻨﻔﺘﻪ، ﻓﻤﺮ ﺑﺠﺪﻱ ﺃﺳﻚ ﻣﻴﺖ، ﻓﺘﻨﺎﻭﻟﻪ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﺄﺫﻧﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺃﻳﻜﻢ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻫﺬا ﻟﻪ ﺑﺪﺭﻫﻢ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻣﺎ ﻧﺤﺐ ﺃﻧﻪ ﻟﻨﺎ ﺑﺸﻲء، ﻭﻣﺎ ﻧﺼﻨﻊ ﺑﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﺗﺤﺒﻮﻥ ﺃﻧﻪ ﻟﻜﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮا: ﻭاﻟﻠﻪ، ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﻴﺎ، ﻛﺎﻥ ﻋﻴﺒﺎ ﻓﻴﻪ ﻷﻧﻪ ﺃﺳﻚ، ﻓﻜﻴﻒ ﻭﻫﻮ ﻣﻴﺖ؟!،. ﻓﻘﺎﻝ: ﻓﻮاﻟﻠﻪ، ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺃﻫﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻋﻠﻴﻜﻢ".
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻓﻲ "اﻟﺰﻫﺪ"، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻓﻲ "اﻷﺩﺏ اﻟﻤﻔﺮﺩ"، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺎﺻﻢ، ﻓﻲ "اﻟﺰﻫﺪ"، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.

ــــ وفي الضعيف ماهو أسوء من هذا التشبيه ⚠️،.

فقد ﺃﺧﺮج ﺃﺣﻤﺪ (15839) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ، ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺟﺪﻋﺎﻥ [ضعيف جداً ❌]، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮﻱ [مدلس، عنعنه، ليس بحجة ❌]، ﻋﻦ اﻟﻀﺤﺎﻙ ﺑﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ اﻟﻜﻼﺑﻲ؛ «ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺿﺤﺎﻙ، ﻣﺎ ﻃﻌﺎﻣﻚ؟ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، اﻟﻠﺤﻢ ﻭاﻟﻠﺒﻦ، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢ ﻳﺼﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺫا؟ ﻗﺎﻝ: ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺈﻥ اﻟﻠﻪ، ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺿﺮﺏ ﻣﺎ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻣﺜﻼ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ»

وﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ (35977) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻷﺳﺪﻱ، ﻋﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ﻳﻮﻧﺲ، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ [مدلس ❌]، ﻋﻦ ﻋﺘﻲ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ، ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﻃﻌﺎﻡ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺿﺮﺏ ﻣﺜﻼ، ﻭﺇﻥ ﻣﻠﺤﻪ ﻭﻗﺰﺣﻪ ﻋﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺮ.

وﺃﺧﺮج ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ، ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ [ضعيف في سفيان ❌]، ﻋﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ﻳﻮﻧﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮﻱ [مدلس ❌]، ﻋﻦ ﻋﺘﻲ ﺑﻦ ﺿﻤﺮﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ ﻣﻄﻌﻢ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺟﻌﻞ ﻣﺜﻼ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺇﻥ ﻗﺰﺣﻪ ﻭﻣﻠﺤﻪ، ﻓﺎﻧﻈﺮﻭا ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺮ» (الصحيح أنه موقوف على أبي بن كعب).

هذه أحاديث ضعيفة، ولا حاجة لنا بها، فالله أغنانا بالصحيح،. ونعت الدنيا بأسوء النعوت والخصال لنحذرها،. كيلا نخون أماناتنا فيها،.

ــــــــــ فالشيء الذي سيفسد الأمانة، هي الدنيا،.

قال ٱلله عن الدنيا،. ﴿وَٱضۡرِبۡ لَهُم *((مَّثَلَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِیمࣰا تَذۡرُوهُ ٱلرِّیَاحُ وَكَانَ ٱللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ مُّقۡتَدِرًا ۝ ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا))* وَٱلۡبَاقِیَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف 45 - 46]،.

فالدنيا،. مال وبنون،. قال ٱلله كذلك،. ﴿ٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا لَعِبࣱ وَلَهۡوࣱ وَزِینَةࣱ وَتَفَاخُرُۢ بَیۡنَكُمۡ *((وَتَكَاثُرࣱ فِي ٱلۡأَمۡوَالِ وَٱلۡأَوۡلَادِ))* كَمَثَلِ غَیۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَاهُ مُصۡفَرࣰّا ثُمَّ یَكُونُ حُطَامࣰا وَفِي ٱلۡآخِرَةِ عَذَابࣱ شَدِیدࣱ وَمَغۡفِرَةࣱ مِّنَ ٱللهِ وَرِضۡوَانࣱ *((وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَاعُ ٱلۡغُرُورِ))﴾* [الحديد 20]،.

فالدنيا [وهي الممر الذي سندخله كلنا]،. عبارة عن مالٌ وبنون وتكاثر ولعب ولهو،. وزينة مغرية وتفاخر وشهوات وملذات وحرص على البقاء،. كل هذه الأمور تعين على إفساد الأمانة وخيانتها،. والله حذرنا منها، بل حذر خيانة الأمانة وهو يتكلم عن فتن الدنيا،.

قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللهَ وَٱلرَّسُولَ *((وَتَخُونُوۤا۟ أَمَانَاتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ۝ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أَمۡوَالُكُمۡ وَأَوۡلَادُكُمۡ فِتۡنَةࣱ))* وَأَنَّ ٱللهَ عِندَهُ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ ۝ یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللهَ *((یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا))* وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال 27 - 29]،.

وذكرها في سورة الأنفال، التي هي أموال الغنائم [معدن الدنيا]،. وقد قال قبل تلك الآيات،. ﴿یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡ ((وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِ)) وَأَنَّهُ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ ۝ وَٱتَّقُوا۟ *((فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰ))* وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الأنفال 24 ــ 25]،. ما هي هذه الفتنة؟!،.

الدنيا فتنة، وهذه الفتنة ستصيب الجميع،. ليس الذين ظلموا فقط،. لَّا تُصِیب ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ فحسب،. بل ستصيب الكل،. التقي والعاصي، المذنب والمؤمن،. كما قال اْلله،. ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ *((أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ))﴾* [العنكبوت 2]،.

فهذه الدنيا،. هي المفسدة الأكبر للأمانة،. هي التي بسببها سنبدل ونغير ونحذف ونزيد حتى نخون الأمانة التي سلمنا الله إياها، وحين نرجع عنده يوم القيامة،. سنرد الأمانة مشوهة، ليست كما كانت حين سلمنا،.

ــــــــ ما هي الأمانة تحديداً؟!،.

حين كنا عند ربنا،. عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال، ثم رفضنها، وجئنا نحن وحملناها،. فسلمنا الله الأمانة،. وحذرنا أول ما حذرنا من يوم القيامة،. لنرد الأمانة كما كانت في ذاك الوقت،.

قال ٱلله،. ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ *((وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ، أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡ؟ قَالُوا۟ بَلَىٰ، شَهِدۡنَاۤ))* أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِینَ ۝ أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾ [الأعراف 172 - 173]،.

هذه الآية تتكلم عن تسليم الأمانة بالتحديد،. هنا سلمنا الله إياها بقوله،. ألست بربكم؟!،. وهذا السؤال يدل أن المسؤول يعلم حقيقة الأمر،. وعليه أن يجيب بــ (بلىٰ)،. فمثل هذا السؤال، لا يكون جوابه (نعم) أو (لا) فلم يبدأ السؤال بــ (هل؟!،...)،. إنما حين يبدأ السؤال بـالنفي كــ [أليس؟! ألست؟! أليسوا؟! ألم يكن؟! ألم تقل؟!،....]،. يكون الجواب حينها [بلىٰ]،. لأنك تسأل من يعرف مسبقا،. فكنا نعرف ربنا حق المعرفة مسبقاً، لهذا أجبنا بــ ﴿بَلَىٰ﴾،.

ــــ فشهدنا كلنا أنه ربنا،. *((وطالما شهدنا حينها أنه ربنا،. وأنه إلهنا، وأنا خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا وأنه خالق كل شيء،. فكنا مسلمين مؤمنين مخلصِين حينها،. هذه الحالة التي كنا عليها هي الأمانة التي شهدنا جميعاً عليها،. وهي التي سوف يستردّها اللّٰه منا يوم القيامة،. يريد الله أن نحافظ عليها،. يريدنا أن نرجع إليه ونحن على ذات الحال التي كنا فيها عنده))،.*

سلّمنا الله الأمانة، وسيستردها يوم القيامة، فذكرنا بيوم استرداد الأمانة مباشرةً،. قال،. ﴿أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِینَ﴾،. فكأنه يقول: لا تنسوا هذا اليوم، ولا تنسوا يوم القيامة،. وستنسون،.. وسأنزل عليكم ذكراً يذكّركم به وينذركم لقاء يوم الدين،. وسأنزل كتباً فيها ذكركم،. ورسلاً معهم الذكر لينذرونكم ما سيأتي عليكم،. وأنبياءً يذكرونكم أن معظمكم سيدخل النار للأبد، ولن ينجوا إلا القليل القليل،. فاحذروا،.

ــ قال ٱلله،. ﴿یُنَزِّلُ ٱلۡمَلَائكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ *((أَنۡ أَنذِرُوۤا۟ أَنَّهُ لَاۤ إِلَهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ))﴾* [النحل 2]،.
ــ وقال،. ﴿رَفِیعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ یُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ *((لِیُنذِرَ یَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ))﴾* [غافر 15]،.
ــ وقال،. ﴿وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ *((إِلَّا مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ))* فَمَنۡ ءَامَنَ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [الأنعام 48]،.
ــ وقال،. ﴿وَمَاۤ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡیَةٍ *((إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ۝ ذِكۡرَىٰ))* وَمَا كُنَّا ظَالِمِینَ﴾ [الشعراء 208 - 209]،.
ــ ولكن للأسف،. ﴿وَكَذَّبُوا۟ وَٱتَّبَعُوۤا۟ أَهۡوَاۤءَهُمۡ وَكُلُّ أَمۡرࣲ مُّسۡتَقِرࣱّ ۝ وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَاۤءِ مَا فِیهِ مُزۡدَجَرٌ ۝ حِكۡمَةُۢ بَالِغَةࣱ *((فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ))﴾* [القمر 3 - 5]،.

ــ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ *«ﺇﻧﻤﺎ ﻣﺜﻠﻲ ﻭﻣﺜﻞ اﻟﻨﺎﺱ، ﻛﻤﺜﻞ ﺭﺟﻞ اﺳﺘﻮﻗﺪ ﻧﺎﺭاً، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺿﺎءﺕ ﻟﻪ، [جعل اﻟﻔﺮاﺵ ﻭاﻟﺠﻨﺎﺩﺏ ﻳﻘﻌﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻳَﺬُﺑْﻬﻦ ﻋﻨﻬﺎ¹]، ﻓﺄﻧﺎ ﺁﺧﺬ ﺑﺤﺠﺰﻛﻢ ﻋﻦ اﻟﻨﺎﺭ، ﻭﺃﻧﺘﻢ [ﺗَﻔﻠَّﺘُﻮﻥ ﻣﻦ ﻳﺪﻱ¹] ﺗﻘﺘﺤﻤﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ»* الحُجز: موضع شد الإزار،.
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، عن أبي هريرة،.
¹ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، عن جابر،.

ــــــ من مقتضيات أي (أمانة)،. هي الحفاظ عليها دون عبث،. وألا تبّدلها وألا تغيّرها، وألا تمسها وتستخدمها لمصالح شخصية،. وأن تصبر عليها حتى تؤديها لمن ائتمنك،. فالأمانة شيءٌ مُصان، يجب الحفاظ عليها بصدق وإخلاص،.

كنا عند الله مخلَصين مخلِصين [أنقياء مزَكَّين]،. أمننا الله أنفسنا المؤمنة النقية، فعلينا أن نبقى [أتقياء مزَكَّين]،. نحافظ على إيماننا ذاك، كما كنا عنده، لا نبدله ولا نمسه، علينا أن نصون أنفسنا المؤمنة، ولا نستغلها للتفاخر والرياء والسمعة ولا نتكسب بها ثمناً قليلاً [مالاً، ومتابعين، ومريدين، ومشتركين، وداعمين وفانزات، ومادحين،.....]،. إنما علينا أن نحافظ عليها كما كانت، إلى أن نردها لله دون إفساد للأمانة،. فإن رجعنا لله فاسدين [ملوَّثين]، فقد كان ذلك بسبب حبّنا للدنيا،. بسبب فِتَنها تغيّرنا فأفسدنا أنفسنا ولوّثناها، وأفسدنا الأمانة وطمسناها،. وحينها لا سبيل للرجوع للدنيا لأصلاح ما أفسدناه في الدنيا،.
ــ قال ٱلله،. *﴿((وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّاهَا))* ۝ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَاهَا ۝ *((قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّاهَا))﴾* [الشمس 7 - 10]،.
ــ وقال،. ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ *((وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ))* ۝ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾ [النازعات 40 - 41]،.

لاحظ في الآيات التالية، التفرقة في كلام الله، بين النفس [المخلصة النقية التي كانت عنده قبل استلام الأمانة]،. وبين الإنسان [الذي حمل الأمانة] كيف أفسد في نفسه فشوّهها ولوَّثها،.

ــ قال الله في سورة القيامة،. ﴿لَاۤ أُقۡسِمُ بِیَوۡمِ ٱلۡقِیَامَةِ ۝ *((وَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ))* ۝ أَیَحۡسَبُ *((ٱلۡإِنسَانُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُ))* ۝ بَلَىٰ قَادِرِینَ عَلَىٰۤ أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُ ۝ بَلۡ یُرِیدُ *((ٱلۡإِنسَانُ لِیَفۡجُرَ أَمَامَهُ))﴾* [القيامة 1 - 5]،.
ــ وقال،. ﴿وَجِيءَ یَوۡمَئذِۭ بِجَهَنَّمَ یَوۡمَئذࣲ *((یَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ ۝ یَقُولُ یَالَیۡتَنِي))* قَدَّمۡتُ لِحَیَاتِي ۝ فَیَوۡمَئذࣲ لَّا یُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدࣱ ۝ وَلَا یُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدࣱ ۝ *((یَـٰۤأَیَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئنَّةُ ۝ ٱرۡجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ))* رَاضِیَةࣰ مَّرۡضِیَّةࣰ ۝ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَادِي ۝ وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر 23 - 30]،.

الأمانة التي يحملها الإنسان هي نفسه المؤمنة المطمئنة النقية المخلصة الطاهرة السوية الزكية،. ﴿وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ﴾،. وعليه أن يحافظ على هذه الأمانة،. حتى ترجع لربها كما كانت،. فيسلمه نفسه دون تشويه وتبديل وخيانة،.

ــــــــــ مراحل خلق الإنسان،،.

قال ٱلله،. ﴿قَالُوا۟ رَبَّنَاۤ *((أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَیۡنِ وَأَحۡیَیۡتَنَا ٱثۡنَتَیۡنِ))* فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجࣲ مِّن سَبِیلࣲ﴾ [غافر 11]،.

ماهي هذه الموتتان والحياتان؟!،.

قال ٱلله في سورة البقرة، قبل أن يقول أنه سيجعل في الأرض خليفة،. قال،. ﴿كَیۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللهِ *((وَكُنتُمۡ أَمۡوَاتࣰا فَأَحۡیَاكُمۡ ثُمَّ یُمِیتُكُمۡ ثُمَّ یُحۡیِیكُمۡ ثُمَّ إِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ))﴾* [البقرة 28]،.

هذه هي كل المراحل التي مررنا بها،.

1 ❊ وَكُنتُمۡ أَمۡوَاتࣰا [حيناً من الدهر لم نكن شيئاً مذكوراً]،.
2 ❊ فَأَحۡیَاكُمۡ [أشهدنا على أنفسنا، حملنا الأمانة، وجئنا للدنيا]،.
3 ❊ ثُمَّ یُمِیتُكُمۡ [بعد هذه الحياة الدنيا فندخل البرزخ]،.
4 ❊ ثُمَّ یُحۡیِیكُمۡ [البعث، الخروج من القبور]،.
5 ❊ ثُمَّ إِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ [الحساب (استرداد الأمانة) فالجزاء]،.

قال ٱلله على لسان نوح،. ﴿مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلهِ وَقَارࣰا ۝ وَقَدۡ *((خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا))﴾* [نوح 13 - 14]،. فخلقنا مر بمراحل عديدة،. وبعد أن حملنا الأمانة،. خلق الله آدم من تربة الأرض، وجعله في الأرض وجئنا بعده،. وإلّا، فنحن كنا عند الله قبل أن يخلق آدم،. قال ٱلله،. ﴿وَلَقَدۡ *((خَلَقۡنَاكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَاكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَائكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِآدَمَ))* فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ لَمۡ یَكُن مِّنَ ٱلسَّاجِدِینَ﴾ [الأعراف 11]،.

تكملة الآيات من سورة نوح،. قال ٱلله،. ﴿أَلَمۡ تَرَوۡا۟ كَیۡفَ خَلَقَ ٱللهُ سَبۡعَ سَماوَاتࣲ طِبَاقࣰا ۝ وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِیهِنَّ نُورࣰا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجࣰا ۝ *((وَٱللهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتࣰا ۝ ثُمَّ یُعِیدُكُمۡ فِیهَا وَیُخۡرِجُكُمۡ إِخۡرَاجࣰا))﴾* [نوح 15 - 18]،. فسنخرج ونرجع لله،.

وحين نرجع لربنا، نرجع لنفس النقطة التي كنا فيها حين سلّمنا الله الأمانة،. هنا يسترد الله أمانته التي حملنا إياها، فالذي حافظ عليها وردها كما هي،. هو الذي سينجو ويخلد في النعيم،. أما الذي أفسد فيها وزاد وغيرها وبدلها،. هو الذي سيخلد في العذاب،. وهم الأكثرية،. قال ٱلله،. ﴿وَلَوۡ شِئۡنَا لَآتَیۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَاهَا وَلَكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ ۝ فَذُوقُوا۟ بِمَا نَسِیتُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَاذَاۤ إِنَّا نَسِینَاكُمۡ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [السجدة 13 - 14]،.

والنجاة،.. قال ٱلله،. *﴿((وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِي یُرِیدُونَ وَجۡهَهُ))* وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمۡرُهُ فُرُطࣰا﴾* [الكهف 28]،.

ــــــــــــ وماذا عن الجن؟!،. هل حملت الأمانة كالإنسان؟!،.

الجن مكلَّفون بالعبادة، قال ٱلله،. ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات 56]،.. وسيكون عليهم حسابٌ وجزاء يوم القيامة،. قال ٱلله،. ﴿وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ لَهُمۡ قُلُوبࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمۡ أَعۡیُنࣱ لَّا یُبۡصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمۡ ءَاذَانࣱ لَّا یَسۡمَعُونَ بِهَاۤ أُو۟لَئكَ كَٱلۡأَنۡعَامِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ أُو۟لَئكَ هُمُ ٱلۡغَافِلُونَ﴾ [الأعراف 179]،.

ولكن هذا كله عليهم من غير (تحميل للأمانة)،. فآية الأمانة لم تتكلم عن الجن، بل خصت (الإنسان) فقط بحمل الأمانة،. فالأمانة كانت على ظهر الإنسان وحده،. بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال حملها،. وبمجرد وجود عقاب وجزاء، لا يلزم منه أمانة،. فالله خص الإنسان بشيء، وخص السماوات بشيء، والأرض بشيء، والجبال بشيء، والدواب بشيء، والجن كذلك بشيء يخصهم،. ولا يلزم التشابه في كل خلقه،.

الأمر الآخر، أن الجن خلقٌ قرينٌ مصاحب للإنسان، هو تابعٌ للإنسان،. وليس نِداً مساوياً له،. إنما الأصل في الأرض هو الإنسان، ثم كان الجن تابعاً له [أما الذي خلق قبل الإنسان فهو إبليس فقط، هو الذي خلق قبل آدم]،. ولهذا لا نجد كتاباً نزل على الجن يخصّهم، إنما كانوا يتبعون كتب الإنسان كالتوراة وٱلۡقُرآن،. ولا نعلم عن رسلهم بشكل خاص،. رغم أن الآية تشير لوجود رسلٍ منهم،. ﴿یَا مَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَقُصُّونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَاتِي وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَذَا...﴾ [الأنعام 130]،.

والأمر العجيب في الجن،. أنك لن تجد آية في ٱلۡقُرآن خاصة فيهم، تدل أن الجن سيُخَلّدون في الجنة، ((مطلقاً)) إلا الآيات العامة التي تخاطب المؤمنين،. وهذا عجيب،. [إنما تجد وعداً بالجنة لمن خاف مقام ربه، في سورة الرحمن]،. أما بقية الآيات، فكلها كانت وعيداً لهم بالنار، فلا أحد يعلم [على وجه اليقين] ما هو مصير المؤمنين من الجن،. وهذا ينصر قولنا أن الأمانة كانت على الخلود الأبدي للإنسان،.

أما البهائم والدواب، فتصير إلى تراب بعد اقتصاصها من بعض [هذا إن صح الحديث فيها، ولم أكلف نفسي بالتحقيق فيه]،.

رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.

بكيبورد، محسن الغيثي،..