الأربعاء، 21 سبتمبر 2022
كيف نتعامل مع المستجدات
الأربعاء، 14 سبتمبر 2022
الأمانة،.
الأمانة،.
ماهي الأمانة التي ذكرها الله في سورة الأحزاب؟!،. ولماذا رفضت السماوات والأرض والجبال حملها؟!،. ولماذا حملها الإنسان بعد أن رُفضت؟! وماذا فعل الانسان بالأمانة؟!،.
ــــــــ طلب ورجاء،. حتى تعي المقال أكثر وتفهم الأمانة بدقة، أعد قراءة (بداية المقال) بعد الانتهاء منه،. لأني كتبته بطريقة، قد يجد فيها القارئ نوعاً من الغموض في البداية، ووضعت نتائجها في آخرها،. فمن يقرأ المقال أول مرة، سيجد صعوبة في ربط الأدلة،. ولكن حين يعيد قراءتها بعد أن يعرف الأمانة [في نهاية المقال]، سيفهم الأدلة في المقدمة ويسهل عليه ربط النقاط كلها،.
قال ٱلله،. ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [اﻷحزاب 72]،.
هل الأمانة هي غسل الجنابة كما قالت بعض التفاسير؟!،. أم هي الفرائض والواجبات الدينية كما ظن بعض الناس؟!،. أم هي التكاليف الشرعية التي منها غسل الجنابة كما قالت التفاسير؟!،.
قبل الخوض فيها ننبه على أمر هام،. لا ينبغي تسمية الأمانة بأمرٍ آخر غير الأمانة،. [كأن يقال : الأمانة الدين، الأمانة قول لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله،. الأمانة هي التكاليف الشرعية]،. فهذا كله خطأ محض وغباء [وسيتبيّن لماذا]،. إنما علينا معرفة ماهية (الأمانة) نفسها، وعظيم محل هذه الكلمة،. وما هي مقتضيات الأمانة،.
ولا شيء مما سبق هي الأمانة،. الأمانة أعظم من ذلك كله،. ومن السفاهة الظن بأن السماوات والأرض والجبال أبين التكاليف الشرعية والفرائض والواجبات، واستثقلن غسل الجنابة!!،. هذه من السفاهة والحُمق،.
هذه القصة [عرض الأمانة، وحملها] حين حصلت، كانت قبل مجيئنا للدنيا،. كانت في عالم آخر غير عالمنا هذا،. والله ذكّرنا بها كما ذكّرنا كذلك بالميثاق حين أشهدنا على أنفسنا وشهِدنا،. كل ذلك كان قبل مجيئنا للدنيا،. ولكننا لا نذكر منها شيئاً، فقد أنسانا الله هذا الموقف وحذفه من ذاكراتنا، ولكن،...
من رحمته أنه أرسل رسلاً يذكروننا بها،. وأرسل كتباً تذكرنا بها،. وطالما أخبرنا الله عنها فهي حق، وقد حصلت بالفعل،. ولا يُشترط أن نتذكر كل ما فعلنا لنقطع بوقوعه، فنحن ننسى ما حصل قبل سنين،. ولا نذكر ما فعلناه ونحن صغار، فقد يذكر والداك حدثاً كنت تفعله وأنت طفل، ولكنك لا تذكر منه شيئاً، الذاكرة ليست العبرة والحجة،. فلا نرد الحق لمجرد أننا لا نذكره،. ولهذا يحصي الله ويستنسخ أعمالنا في صحف، ستنشر لنا يوم القيامة،. ﴿یَوۡمَ یَبۡعَثُهُمُ ٱللهُ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤا۟ *((أَحۡصَاهُ ٱللهُ وَنَسُوهُ))* وَٱللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ شَهِیدٌ﴾ [المجادلة 6]،. ففي يوم الدين،. سيعرض الله علينا كل أعمالنا في الدنيا، وسنكون قد نسيناها، ولكنها وقعت،. وكذلك الأمانة والميثاق،. قال ٱلله،. ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤ، أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِینَ أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾ [الأعراف 172 - 173]،.
فهاتين الواقعتين [الأمانة والميثاق] قد حصلتا فعلاً قبل مجيئنا للدنيا، ولكننا نسينا،. وسنرجع لنفس المكان الذي كنا فيه بعد هذه الدنيا،.
قال بعضهم "بأن الأمانة هي حرية الاختيار لأن الإنسان حر في اختياراته، قد يقبل وقد يرفض بخلاف باقي الخلق الذي جُبل على شيء محدد فلا يستطيع الخروج عنه، كالملائكة جبلت على الطاعة، والشياطين جبلت على الشر"،. ولكن هذا خطأ،. لأنه حتى السماوات والأرض والجبال أبت حمل الأمانة والله لم يؤاخذها بهذا الإباء [الرفض]،. فكانت مخيرة، تملك حرية الاختيار،.
إباء السماوات والأرض والجبال للأمانة التي عرضها الله عليهم،. هذا الإباء يخبرك أن الأمانة لم تكن الدين ولا الخضوع ولا التسليم ولا السجود لله ولا الإيمان ولا الشهادة بأنه لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله،.. لأن كل ذلك حاصلٌ وموجودٌ الآن في السماوات والأرض والجبال،. كلها مسلمة لله، تؤمن به وتخضع له وتدين له،.
❀ كل شيء يدين لله،. ﴿وَلَهُ *((مَا في ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّینُ وَاصِبًا))* أَفَغَیۡرَ ٱللهِ تَتَّقُونَ﴾ [النحل 52]،.
❀ وكل شيء أسلم لله حقا،. قال ٱلله،. ﴿أَفَغَیۡرَ دِینِ ٱللهِ یَبۡغُونَ *((وَلَهُ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا))* وَإِلَیۡهِ یُرۡجَعُونَ﴾ [آل عمران 83]،.
❀ وكل شيء يخضع له،. ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ *((إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللهُ مِن شَيءࣲ یَتَفَیَّؤُا۟ ظِلَالُهُ عَنِ ٱلۡیَمِینِ وَٱلشَّمَاۤئلِ سُجَّدࣰا لله))* وَهُمۡ دَاخِرُونَ وَلِلهِ یَسۡجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَاۤبَّةࣲ وَٱلۡمَلَائكَةُ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [النحل 48 - 49]،.
❀ وكل شيء يسجد له،. ﴿وَلِلهِ *((یَسۡجُدُ مَن في ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا))* وَظِلَالُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡآصَالِ﴾ [الرعد 15]،.
❀ وكل شيء يسبح بحمده،. *﴿((تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّ وَإِن مِّن شَيءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِ))* وَلَكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡ إِنَّهُ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا﴾ [الإسراء 44]،.
❀ ومن المستحيل لهذه المخلوقات الخاضعة المسلّمة لله، الساجدة المسبحة، التي تشهد بأن الله له كل شيء،. ثم يعرض الله عليها كلمة الاخلاص (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله) فترفضها وتأباها،.
فالأمانة لم تكن الدين،. ولا الخضوع والطاعة، ولا كلمة (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله)،. بل من الحماقة أن نظن هذا بالسماوات والأرض والجبال،. لأنها كلها تعلم أن الله هو خالقها،. ولا تشرك بالله آلهة أخرى،. بل تكاد تنفطر السماوات حين يشرك بالله أحد من البشر،. وتكاد الجبال تخر هداً، وتنشق الأرض لمجرد أن ادعى الانسان أن لله الولد [تعالى ربنا]،.
❁ قال ٱلله،. ﴿وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَنُ وَلَدࣰا لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَیۡـًٔا إِدࣰّا *((تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا))* أَن دَعَوۡا۟ لِلرَّحۡمَنِ وَلَدࣰا﴾ [مريم 88 - 91]،.
❁ وقال كذلك،. ﴿تَكَادُ *((ٱلسَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّ وَٱلۡمَلَائكَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ))* أَلَاۤ إِنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾ [الشورى 5]،.
فكيف نقول أن السماوات والأرض والجبال، رفضت قول (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله)؟!،. أو نقول بأنها رفضت الدين؟!،. هذا محال، بالتالي، الأمانة ليست الدين، وليست كلمة (لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْلله)،. وليست التشريعات والأوامر التي أمر الله بها،. لأن كل هذه المخلوقات تخضع لله طوعاً وكرهاً وتسبح بحمده وتطيعه وتسجد له،. ولم يعاند ويرفض العبادة إلا البشر،. قال ٱلله،. ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللهَ یَسۡجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَاۤبُّ وَكَثِیرࣱ مِّنَ ٱلنَّاسِ *((وَكَثِیرٌ حَقَّ عَلَیۡهِ ٱلۡعَذَابُ))* وَمَن یُهِنِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكۡرِمٍ إِنَّ ٱللهَ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ﴾ [الحج 18]،.
هذه الكلمة [الأمانة]،. يعرف معناها كل البشر،. ومن معانيها بل من مقتضياتها : الحفاظ عليها دون عبثٍ فيها،. ودون تبديلها وتغييرها، دون المساس بها واستخدامها لمصالح شخصية،. والصبر عليها حتى تؤدى لمن اءتمنك عليها،. فالأمانة شيءٌ مُصان، وجب الحفاظ عليها بصبر وإخلاص،.
ــــــــــــ الأمانة لم تُعرض على الإنسان،..
حين تتدبر آية الأمانة في ٱلۡقُرآن،. عليك أن تدرك، أن الأمانة لم تُعرض على الانسان أبداً، لا قبل ولا بعد،. إنما عُرضت على السماوات والأرض والجبال فحسب،. قال ٱلله،. ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ *((عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَیۡنَ أَن یَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا))* وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا﴾ [الأحزاب 72]،.
فالأمانة لم تُعرض "أساساً" على الإنسان، إنما فُتن بها الإنسان، وأحبها، وسال لعابه عليها، وتمناها وأرادها هو من نفسه،. فطلبها هو، فأُعطي وحملها،.
ــــــــ ما هو العرض الذي عرضه الله؟!،.
أولاً، عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال فقط،. ولم يعرضها على الانسان،. ولكن الانسان هو الذي طلبها فحملها ذلك بعد أن رَأَى أن السماوات والأرض والجبال رفضنَها [فَأَبَیۡنَ أَن یَحۡمِلۡنَهَا]،.
والإباء هو الرفض،. قال ٱلله،. ﴿یُرِیدُونَ أَن یُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللهِ بِأَفۡوَاهِهِمۡ *((وَیَأۡبَى ٱللهُ إِلَّاۤ أَن یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَافِرُونَ))﴾* [التوبة 32]،.
وقال،. ﴿فَسَجَدَ ٱلۡمَلَائكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ *((إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰۤ))* أَن یَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِینَ﴾ [الحجر 30 - 31]،.
وقال،. ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَائكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِآدَمَ فَسَجَدُوۤا۟ *((إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ))﴾* [طه 116]،.
وقال،. ﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلࣲ *((فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا))﴾* [الإسراء 89]،.
وقال،. ﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَاهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ *((فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا))))* [الفرقان 50]،.
السماوات والأرض والجبال، رفضن حمل الأمانة لسبب، لم يكن مجرد هوى،. إنما لسبب قوي،. رفضنها وأشفقن منها،. فالواضح أنها كانت مخيفة،.
ــــــــ الأمانة كانت مخيفة،.
قال ٱلله،. ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ((وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا))﴾،. الإشفاق هو شدة الخوف حتى يتأثر الخائف فيتغير لونه خوفاً،. قال ٱلله،. ﴿وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ ((مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ))..﴾ [الكهف 49]،.
وقال،. ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ *((وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ))﴾* [الأنبياء 28]،.
قال ٱلله،. ﴿ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ *((وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ))﴾* [الأنبياء 49]،.
قال ٱلله،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم *((مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ))﴾* [المؤمنون 57]،.
قال ٱلله،. ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا *((وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ))* أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾ [الشورى 18]،.
قال ٱلله،. ﴿تَرَى ٱلظَّالِمِينَ *((مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ))* وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ﴾ [الشورى 22]،.
قال ٱلله،. ﴿قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ [الطور 26]،.
والشفق هو تغير لون الأفق للحمرة بعد غروب الشمس،. قال ٱلله،. ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ﴾ [الانشقاق 16]،.
فالجبال والأرض والسماوات أشفقن من الأمانة جداً جداً،. فالأمانة لم تكن حلوة، بل كانت مخيفة جداً، وفيها فتن عظيمة جليلة، ولكن الإنسان سعى لها وطلبها بنفسه،. سالت لعابه على الأمانة،. فيبدوا أنها كانت مغرية جداً بالنسبة للإنسان،. وفي نفس الوقت كانت مخيفة وخطيرة [ولم يلاحظ الانسان خطورتها]،. كانت مفزعة، بحيث أن هذه المخلوقات العظيمة خافت منها بل أشفقن منها فرفضن الأمانة،. حملها الإنسان، وهي لم تكن معروضة عليه أساساً،. فلماذا أرادها الإنسان؟!،.
ــــــ الأمانة كانت مغرية [رغم أنها مخيفة]،.
العرض الذي عرضه الله على السماوات والأرض والجبال، لم يكن ملزماً لهم ولم يكن واجباً عليهم حملها،. إنما كان عرضاً، وهم في قبوله بالخيرة،. ولهذا اختاروا الرفض ولم يقبلوها،. ولو كانت الأمانة ملزمة، لما استطاعوا ردها ورفضها،. ولكنها رفضت، فماذا حصل لهم؟!،. ما هو الخيار الآخر مقابل الأمانة؟!،.
الحقيقة،. أن هذا الأمر تستطيع إدراكه بمقارنة مصير هذه المخلوقات بمصير الإنسان الذي حمَل الأمانة،. فضع السماوات والأرض والجبال في كفة، والإنسان في كفة،.. وقارن بين الكفتين،. لتعرف ما الذي سيحصل للإنسان، وما الذي سيحصل للسماوات والأرض والجبال،.
الإنسان مصيره بعد هذه الدنيا هو الخلود في الآخرة، إما في نعيم الجنة أو عذاب النار،. أما السماوات والأرض والجبال فلا،. لا جنة لهم ولا ولا نار،. أي أنه لا جزاء عليها ولا حساب (ولا خلود)،.
بالتالي، السماوات والأرض والجبال التي أبت حمل الأمانة، فمصيرها الزوال والتبديل حين تُقام الساعة،. فهي لن تبقى للأبد كالإنسان،. وهذا هو ما نجده في ٱلۡقُرآن فعلاً،.
ــــــــــــ حال السماوات حين تقوم الساعة،.
قال الله،. *﴿((وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَهِيَ یَوۡمَئذࣲ وَاهِیَةࣱ))* وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰۤ أَرۡجَائهَا وَیَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَئذࣲ ثَمَانِیَةࣱ﴾ [الحاقة 16 - 17]،.
وقال،. ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا *((يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ))﴾* [المعارج 5 - 8]،.
وقال،. ﴿فَإِذَا *((ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةࣰ كَٱلدِّهَانِ))﴾* [الرحمن 37]،.
وقال،. *﴿((إِذَا ٱلسَّمَاۤءُ ٱنشَقَّتۡ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ))﴾* [الانشقاق 1 - 2]،.
وقال،. *﴿((یَوۡمَ نَطۡوِی ٱلسَّمَاۤءَ))* كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلۡكُتُبِ كَمَا بَدَأۡنَاۤ أَوَّلَ خَلۡقࣲ نُّعِیدُهُ وَعۡدًا عَلَیۡنَاۤ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِینَ﴾ [الأنبياء 104]،.
وقال،. ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعࣱ مَّا لَهُ مِن دَافِعࣲ *((یَوۡمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاۤءُ مَوۡرࣰا))* وَتَسِیرُ ٱلۡجِبَالُ سَیۡرࣰا فَوَیۡلࣱ یَوۡمَئذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ﴾ [الطور 7 - 11]،.
وقال،. ﴿فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتۡ *((وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ فُرِجَتۡ))* وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ نُسِفَتۡ﴾ [المرسلات 8 - 10]،.
وقال،. *﴿((يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا))﴾* [النبأ 18 ــ 19]،.
وقال،. ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعࣱ *((فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتۡ وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ فُرِجَتۡ))﴾* [المرسلات 7 - 9]،.
وقال،. *﴿وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ﴾* [التكوير 11]،.
ــــــــــــ حال الأرض حين تقوم الساعة،.
قال ٱلله،. ﴿يَوْمَ *((تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ))* وَبَرَزُوا لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم 48]،.
وقال،. ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةࣱ وَاحِدَةࣱ *((وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةࣰ وَاحِدَةࣰ))* فَیَوۡمَئذࣲ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ﴾ [الحاقة 13 - 15]،.
وقال،. ﴿یَوۡمَ *((تَرۡجُفُ ٱلۡأَرۡضُ))* وَٱلۡجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلۡجِبَالُ كَثِیبࣰا مَّهِیلًا﴾ [المزمل 14]،.
وقال،. ﴿كَلاَّ إِذَا *((دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً))﴾* [الفجر 21]،.
قال الله عن الأرض يوم القيامة،. *﴿((إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا وَقَالَ ٱلۡإِنسَانُ مَا لَهَا یَوۡمَئذࣲ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا))* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا﴾ [الزلزلة 1 - 5]،.
وقال،. ﴿إِنَّ ٱللهَ *((یُمۡسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَا))* وَلَئن زَالَتَاۤ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا﴾ [فاطر 41]،.
وقال،. ﴿وَإِذَا *((ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ وَأَلۡقَتۡ مَا فِیهَا وَتَخَلَّتۡ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ))﴾* [الانشقاق 3 - 5]،.
ــ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺯﻡ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺳﻬﻞ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ ﴿ﻳﺤﺸﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺑﻴﻀﺎء ﻋﻔﺮاء، كقرصة ﻧﻘﻲ﴾ ﻗﺎﻝ ﺳﻬﻞ، ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ: ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻠﻢ ﻷﺣﺪ،.
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ،.
ــــــــــــــ حال الجبال حين تقوم الساعة،.
قال ٱلله،،. ﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ *((یَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفࣰا فَیَذَرُهَا قَاعࣰا صَفۡصَفࣰا لَّا تَرَىٰ فِیهَا عِوَجࣰا وَلَاۤ أَمۡتࣰا))﴾* [طه 105 - 107]،.
وقال،. ﴿إِذَا رُجَّتِ ٱلۡأَرۡضُ رَجࣰّا *((وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسࣰّا فَكَانَتۡ هَبَاۤءࣰ مُّنۢبَثࣰّا))﴾* [الواقعة 4 - 6]،.
وقال،. *﴿وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾* [القارعة 5]،.
وقال،. ﴿یَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ *((وَكَانَتِ ٱلۡجِبَالُ كَثِیبࣰا مَّهِیلًا))﴾* [المزمل 14]،.
كيف تكون كثيباً مهيلاً هباءً منبثاً، كالعهن المنفوش؟!،.
قال اللّٰه،. *﴿((يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ))* فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا *((وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا))﴾* [النبأ 18 ــ 20]،.
وهذه الآية فسرها الله فقال،. *﴿((وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ))* فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرين *((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ))* صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل 87 ــ 88]،.
وقال،. ﴿وَیَوۡمَ *((نُسَیِّرُ/تُسَيَّرُ/تَسِيْرُ ٱلۡجِبَالَ))* وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَةࣰ وَحَشَرۡنَاهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدࣰا﴾ [الكهف 47]،.
وقال،. *﴿وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ﴾* [التكوير 3]،.
❒ فالسماوات ستأذن لربها، فتنشق وتنفطر وتُطوى وتصير كالمهل وتتبدل لتكون وردة كالدهان فتمور،. والأرض ستأذن لربها، وستتزلزل وتمتد وتنشق وتتخلى وتلقي ما فيها وتتبدل لأرض بيضاء نقية كقرص خبز نقي، ليس فيه معلم ولا شاهق،. والجبال ستُدك وتُسيَّر وتُهد وتكون كالعهن المنفوش وتصير هباءً منبثاً، وتُسوَّى بالأرض لتكون قاعاً صفصفا، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً،.
فلن تدوم السماوات والأرض والجبال،. ولكن الإنسان سيدوم، وهكذا كان العرض الذي أغرى الإنسان،.
العرض الذي عرضه الله، كان فيه خيارين،. إما أن يقبلها [المعروض عليه] فيدوم خالداً، أو يرفضها فينتهي دوره عند قيام الساعة، فأبتها السماوات والأرض والجبال، وحملها الإنسان بجهله وطمعه في الخلود [غريزة البقاء]،.
ــــــــــ العرض كان على الآخرة والحياة الأبدية،..
كانت خيارات العرض كالتالي:-
❊ الخيار الأول،. إما أن تحمل الأمانة، فتنزل للدنيا، دار الاختبار والفتن العظيمة والبلايا والمحن الثقيلة والصعبة حتى تقوم الساعة،. فيدخلهم الله النار جميعاً، خالدين فيها أبداً، لا يخفف عنهم العذاب ولا يخرجون منها،. ويتمنون أن يكونوا تراباً ولن يكونوا،. ولن يموتوا أبداً، ويستثنى منهم عدد قليل، فيدخل الجنة نفسٌ واحدة،. من كل ألف نفس،. تسعمائة وتسعُ وتسعون نفساً تملؤ النار للأبد خالدين فيها [كما في حديث بعث النار]،. وواحد في الجنة خالداً فيها، منعّماً أبداً،.
بل أسوء من هذه النسبة بكثير،. ففي نفس حديث [بعث النار]،. أخبر النّبي ﷺ فيه أن مثل المؤمنين في الكافرين يوم القيامة، كشعرة بيضاء في جلد الثور الأسود،. فالمؤمنون لا يكادون يرون، فعددهم بالنسبة للكافرين ليس بشيء،. فكل البشر سيدخل جهنم،. إلا النذر اليسير الذي لا يكاد يُرى،.
قال ٱلله،. ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ *((الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا))* فَوَرَبِّكَ *((لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا))* ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم 68 ـ 72]،.
وقال ٱلله،. ﴿وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَاحِدَةࣰ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمۡ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ *((لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ))﴾* [هود 118 - 119]،.
فالناس والجن، سيدخلون جهنم أجمعين،. هذا يعني أن الإنسان لن يحافظ على الأمانة وسيخسر فعلاً،. فيكون مصيره أن يدخل النار خالداً فيها،. ولكن،...
ــــــ لماذا سيفشل الجميع؟!،. سيدخل الجميع النار؟!،.
سبب الخلود في النار هو الفتن العظيمة التي سيجعلها الله عليهم في الدنيا،. سيكون فيها فتنٌ جليلة وتناقضات كثيرة ستحصل للإنسان،. كلها متحققة الآن فينا، أودعها الله فينا ليتحقق البلاء والفتنة،.
ــ كنا عنده وشاهدناه وشهِدنا، ولكنه نزع عنا تذكر هذا، وذكّرنا هو بها عبر رسله وكتبه، فلا سبيل لمعرفة الحقيقة إلا بها،.
ــ جعل اللّٰه نفسه غيباً عنا، وأمرنا بالإيمان به دون أن نراه،.
ــ زين لنا الدنيا وزَخرَفَها لنا، وحذّرنا منها، وحث على الآخرة، وجعلها كل شيءٍ، وجعلها غيباً عنا،.
ــ جعلك تحب الزيادة في المال والبنين، وأخبرك أنه استدراج وكيد وفتنة ومتاع قليل،.
ــ جعلك تجل صاحب المال، وجعل الغنى والأموال في يد الكفار والمنافقين،.
ــ جعلك تكره الفقر وتبغضه،. وجعله في أتباع الأنبياء،.
ــ زرع فينا الخوف والحرص على الأخذ بالأسباب، فتحسب لنفسك ألف حساب وتقدّر وتفكّر،. وقال أن الرزق منه وحده، قدره لك مسبقاً،. وأمرنا بالتوكل عليه وحده،. وقال لن ينفعكم شيء دوني،.
ــ أعطاك قدرةً على التفكير والتخطيط والإدارة لتدر به رزقك، وأمرك أن تنسب الرزق له ولا تنسبه لنفسك،.
ــ سَهّل للشر أن ينتشر ويشتهر، وجعل لأصحاب الشر شُهرة وسُمعة وقُبول، وأغلق أبواب الشهرة والانتشار على الخير وضيّق عليه، وجعل الحق لطائفة قليلة لا تكاد تُرى،.
ــ جعل الناس تُجمع وتتفق على أشياء، فتشتهي أن تكون معهم، ظناً أن الجماعة لا يمكن أن تتفق على ضلال،. وجعل الحق بخلاف ما عند الأكثرية، جعلها مع القلة القليلة الغريبة،.
ــ جعل الهداية من عنده حصراً، فلا يهدي إلا هو،. ولن تعرف نفسٌ أين الهُدَىٰ إلا بالله،.
ــ يسر القُرآن للذكر، وأمرك بتدبره،. وجعله يعمي كثيراً من الناس ويضلهم،.
ــ أودع فيك فكراً حراً مستقلاً، وجعل الدين تسليماً وعبودية،.
ــ أعطاك منطقاً تزن به وتقيس به كل شيء،. وجعل الدين بخلاف المنطق،. لينظر من تتبع، الدين أم المنطق،.
ــ أعطاك قوة ومكنك، وقال لا قوة لك ولا حول من دوني،.
ــ أعطاك حريةً في التصرف،. وقال تصرفك تحت مشيئتي،.
ــ حبب إليك المال والأبناء، وقال لن تنفعكم أموالكم ولا أولادكم،.
ــ أمرك بالعمل،. وقال لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله،.
ــ أمرك أن تعبده كأنك تراه، دون أن تراه،.
كل هذه فتن وبلاءات ومَصدَّات وحواجز [في الدنيا]، يصعب من ينجو منها ويفوز بالآخرة أحد،. فمعظم الناس سيفشلون،. وسيدخلون النار للأبد،. ولن ينجو من النار إلا واحد من كل ألف إنسان،. أي [0.01%]،. فقط سيدخلون الجنة،. أما البقية [99.99%]،. ففي النار خالدين فيها،. بل أشد من ذلك،. ففي نفس الحديث [حديث بعث النار]، بين النّبي ﷺ أن عدد المؤمنين في الكافرين يوم القيامة،. *((كشعرة بيضاء في جلد الثور الأسود))،.
ــ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺴﻤﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ: ﻳﺎ ﺁﺩﻡ ﻗﻢ، ﻓﺎﺑﻌﺚ ﺑﻌﺚ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻟﺒﻴﻚ ﻭﺳﻌﺪﻳﻚ، ﻭاﻟﺨﻴﺮ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻚ ﻳﺎ ﺭﺏ، ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺚ اﻟﻨﺎﺭ؟ ﻗﺎﻝ: *((ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﻟﻒ ﺗﺴﻊ ﻣﺌﺔ ﻭﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ))*، ﻗﺎﻝ: ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻳﺸﻴﺐ اﻟﻤﻮﻟﻮﺩ، ﻭﺗﻀﻊ ﻛﻞ ﺫاﺕ ﺣﻤﻞ ﺣﻤﻠﻬﺎ، ﻭﺗﺮﻯ اﻟﻨﺎﺱ ﺳﻜﺎﺭﻯ، ﻭﻣﺎ ﻫﻢ ﺑﺴﻜﺎﺭﻯ، ﻭﻟﻜﻦ ﻋﺬاﺏ اﻟﻠﻪ ﺷﺪﻳﺪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻓﺄﻳﻨﺎ ﺫﻟﻚ اﻟﻮاﺣﺪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: ﺗﺴﻊ ﻣﺌﺔ ﻭﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻳﺄﺟﻮﺝ ﻭﻣﺄﺟﻮﺝ، ﻭﻣﻨﻜﻢ ﻭاﺣﺪ ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺎﺱ: اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﺭﺑﻊ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﺛﻠﺚ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻧﺼﻒ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﺒﺮ اﻟﻨﺎﺱ، ﻗﺎﻝ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: *((ﻣﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻻ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮﺓ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻓﻲ اﻟﺜﻮﺭ اﻷﺳﻮﺩ، ﺃﻭ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮﺓ اﻟﺴﻮﺩاء ﻓﻲ اﻟﺜﻮﺭ اﻷﺑﻴﺾ))»* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ. ﻭاﻟﻠﻔﻆ ﻷﺣﻤﺪ (11457) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻭﻛﻴﻊ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﻟﺢ، ﺑﻪ. ✅،.
يعني : الذي سيحمل الأمانة،. سيدخلون النار جميعاً ما عدا عدد قليل جداً، غير مرئي كالشعرة البيضاء الضائعة التي لا تكاد تُرى في الشعر الأسود،.
وهذه الأمور، كانت هي السبب الأول في تنازل السماوات والأرض والجبال لإغراء الخلود مقابل حمل الأمانة،. لما وجدوا فيها من استحالة من النجاة،. ولهذا أبيْنَ حملها،. لأن احتمال العذاب الأبدي فيه كبير جداً،.
❊ الخيار الثاني،. أن تُرفض حمل الأمانة،. فلا أبدية،. ولا خلود،. ولا جنة ولا نار،. ولا اختبار ولا فتن،. إنما حين يأتي يوم القيامة تفنى وتزول وتتبدل،. ففط،.
فاختارت [السماوات والأرض والجبال] الخيار الثاني،. وتركت حمل الأمانة المخيفة، لأن الذي سينجوا منها واحدٌ مقابل (999)،. وهذا سبب رفضها الأول،.
فالأمر كان مخيفاً جداً، لم تضمن السماوات أن تكون هي الناجية، ولا الأرض ولا الجبال، لم تقل كما يقول الإنسان : لعلي أكون ذاك الشخص الناجي من الألف،. فلهذا أبوا أن يحملنها شفقةً وخشيةً من الهلاك الأبدي،.
أما الإنسان، فكل شخص منهم، طمع أن يكون ذاك الواحد، رأى ثمة أمل وبريق للحياة الأبدية،. ولو كانت فرصتها ضيقة، ولكن أمله بالخلود كبير،. وحبه للبقاء شديد،. على الأقل في الخيار الثاني، هناك أمل،. فحملها الإنسان مجازفاً ومخاطراً بنفسه،. كل نفس تقول أنا سأكون الناجي، وأنا صاحب الحظ السعيد،.
فحين شاهد الإنسان، أن السماوات والأرض والجبال تركت وردت العرض الأول وأبت حمل الأمانة، اشتهى الإنسان حمل الأمانة،. فأعطاهم الله بناءً على طلبهم هم،.
ــــــــ الإنسان والخلود،.
الإنسان لا يحب الموت،. يخافه ويخشاه، ويشتهي الخلود، ويسعى للبقاء بكل ما يمكنه،. وهو الذي عبّر عنه ملاحدة علوم الأحياء بــ (غريزة البقاء)،. وتخرّصوا له بعض الفرضيات مثل (يكون البقاء للأقوى، والبقاء للأصلح)،. ويسعى الغرب اليوم لإيجاد حل للخلود، أو في أقل حالاته، حلاً يُبقي الإنسان أمداً أطول من الواقع، فتجده يكرس حياته ليحارب الشيخوخة وكل مظاهرها ولو بالتزييف والتجميل والغش وشد الجلد وصبغ الشعر، وزراعة الأسنان،. كله لأجل البقاء أمداً أطول،. فالإنسان يكره الموت،. وهذا هو الشيء الذي أغرى آدم فأكل من الشجرة،. لأجل الخلد،. قال له الشيطان،. ﴿..مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ *((تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَالِدِینَ))﴾* [الأعراف 20]،. وقال كذلك،. ﴿..یَا آدَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ *((شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ))* وَمُلۡكࣲ لَّا یَبۡلَىٰ﴾ [طه 120]،. فأكل آدم من الشجرة ابتغاء الخلد، وهكذا أبناء آدم كلهم،. يبتغون الخلد،. حتى في هذه الدنيا المؤقتة،. وينسون كثيراً أن الموت مصيرهم، وأن الخلد الحقيقي هو ما سيكون بعدها،. ولأجل هذا الخلد المغري لبني آدم، حمل الإنسان الأمانة،.
ــــــــ مثال على هذا العرض،.
القارئ الذي يسمع عن هذا العرض الآن، سيقول في نفسه: لن أقبلها، سأذهب للخيار الثاني الذي ذهبت إليه السماوات والأرض والجبال،. ولكنه مُتوهّم، فالإنسان لا يفكر هكذا أبداً،. ولتفهم العرض بشكل أكبر، نضرب له مثالاً ليتضح أنه لو عرض عليك مثله اليوم، ستختار الخيار الأول، الذي فيه بارقة أمل، وستجازف بنفسك ظنا بنفسك الخير،. فلنضرب لها مثلاً،.
افترض أنك ذهبت لتقدّم على وظيفة في إحدى الشركات، فعرض عليك صاحب الشركة عرض عمل فيه خياران،.
✺ العرض A أن يستخدمك كموظف لمدة سنة براتب شهري جيد، تكون فيه تحت المراقبة والاختبار،. ثم بعد عام من العمل الشاق المتعب، يقيّمك صاحب العمل، فإن نجحت خلال السنة، أعطاك إجازة لبقية حياتك بأضعاف هذا الراتب [مع إخبارك أن معظم الذين سبقوك بالوظيفة لم ينجحوا فيها]،. ولكن إن فشلت خلال هذه السنة،... سيقتلك،.
✺ والعرض B هو أن يستخدمك كرمز أو علامة فخرية لعراقة الشركة أو يستخدمك كمجسم يمثّل صاحب الشركة، يتباهى بك،. ولن يكلفك بأي عمل،. إنما سيستخدمك فخراً له،. وعند تمام السَّنة،... سيقتلك،.
فماذا ستختار؟!،. كل الناس سيختارون العرض الأول،. لأن فيه أمل للحياة، ولو كان الاختبار صعباً عسيراً،. لن يختار أحد ذاك العرض المؤقت، الذي نهايته فناء في كل الأحوال، فليس فيه أي أمل بالبقاء،.
هكذا كان العرض على المخلوقات العظمى، السماوات والأرض والجبال،. ((ولله المثل الأعلى))،. ولكنها رفضت الخيار الأول وأبت من شدة الخوف،. أما الإنسان الذي أُشرِب في قلبه حب الخلود والنعيم، طلبها فحمل الأمانة الثقيلة،. فكانت النتيجة،. ﴿... وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَانُ *((إِنَّهُ كَانَ ظَلُومࣰا جَهُولࣰا لِّیُعَذِّبَ ٱللهُ ٱلۡمُنَافِقِینَ وَٱلۡمُنَافِقَاتِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ وَٱلۡمُشۡرِكَاتِ وَیَتُوبَ ٱللهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَاتِ))* وَكَانَ ٱللهُ غَفُورࣰا رَّحِیمَۢا﴾ [الأحزاب 72 - 73]،.
أنزل الله علينا كتابا ((لنتذكر)) هذا الأمر،. لأننا سننساه،. والذكر في اللسان هو ما يضاد النسيان والغفلة، كالإظهار والتبيان،. والذكر في ٱلۡقُرآن على هذا،. يظهر لك ما غفلت عنه ونسيته [يوم حملت الأمانة]، يحذرك وينذرك من العقاب [أن من كل ألف، سينجو واحداً]،. حتى تنتفع فتتقي،. وإلا فالعقاب قادم على الجميع،. قال ٱلله،. ﴿وَلَوۡ شِئۡنَا لَآتَیۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَاهَا وَلَكِنۡ *((حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ فَذُوقُوا۟ بِمَا نَسِیتُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَذَاۤ))* إِنَّا نَسِینَاكُمۡ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [السجدة 13 - 14]،.
ــــــ فالذكر تذكيرٌ وإنذارٌ وزجرٌ لما سيأتي،.
قال ٱلله،. ﴿الۤمۤصۤ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَیۡكَ فَلَا یَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجࣱ مِّنۡهُ *((لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ))﴾* [الأعراف 1 - 2]،.
ثم قال،. ﴿ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ مِن دُونِهِ أَوۡلِیَاۤءَ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ *((وَكَم مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَاهَا فَجَاۤءَهَا بَأۡسُنَا بَیَاتًا أَوۡ هُمۡ قَاۤئلُونَ))﴾* [الأعراف 3 - 4]،.
في سورة يس، قال اْلله،. ﴿وَسَوَاۤءٌ عَلَیۡهِمۡ *((ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِيَ ٱلرَّحۡمَنَ بِٱلۡغَیۡبِ))* فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةࣲ وَأَجۡرࣲ كَرِیمٍ﴾ [يس 10 - 11]،.
قال اْلله قبلها،. ﴿یسۤ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِیمِ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ عَلَىٰ صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ *((تَنزِیلَ ٱلۡعَزِیزِ ٱلرَّحِیمِ لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أُنذِرَ ءَابَاۤؤُهُمۡ فَهُمۡ غَافِلُونَ لَقَدۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَىٰۤ أَكۡثَرِهِمۡ))* فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [يس 1 - 7]،.
فالله أنزل الذكر ليذكرنا وينذرنا، بأن العقاب الشديد وراءكم، فاحذرو،. قال ٱلله،. ﴿إِنَّ عَلَیۡنَا لَلۡهُدَىٰ *((وَإِنَّ لَنَا لَلۡآخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارࣰا تَلَظَّىٰ))﴾* [الليل 12 - 14]،.
هذا ٱلۡقُرآن ذكر، لأننا ننسى ما نحن مقبلون عليه من العذاب،. قال،. ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا *((فِيهِ ذِكْرُكُمْ))* أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [اﻷنبياء 10]،.
وقال،. ﴿..بَلْ أَتَيْنَاهُمْ *((بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ))﴾* [المؤمنون 71]،.
فلأجل هذا أنزل الله ٱلۡقُرآن، وذكّر الإنسان وأخبره في ٱلۡقُرآن بأنه ضَعِيفٌ؛ طَاغِيَةٌ؛ ظَلُومٌ؛ كَفَّارٌ؛ عَجُولٌ؛ قَتُورٌ؛ يَؤُوسٌ؛ قَنُوْطٌ؛ كَفُورٌ مبينٌ؛ جَدِلٌ؛ عَجولٌ؛ ظَلُومٌ؛ جَهُولٌ؛ خَصِيمٌ؛ فَاجِرٌ؛ مُعرِضٌ؛ لِرَبه كَنُود!!،. فهذا الخلق مستحقٌ للعقاب الآجل يوم الساعة،. *﴿إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَآتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ فِیهَا وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾* [غافر 59]،.
هذا اليوم، يتمنى الكافر [شعر الثور الأسود] أنه لم يحمل الأمانة،. فيكون حاله كحال السماوات والأرض والجبال،. فيختفي للأبد،. لا جنة ولا نار،. بل تراب،. أي لا شيء،. قال ٱلله،. ﴿ذَلِكَ ٱلۡیَوۡمُ ٱلۡحَقُّ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَـَٔابًا *((إِنَّاۤ أَنذَرۡنَاكُمۡ عَذَابࣰا قَرِیبࣰا یَوۡمَ یَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ یَدَاهُ وَیَقُولُ ٱلۡكَافِرُ یَا لَیۡتَنِي كُنتُ تُرَابَۢا))﴾* [النبأ 39 - 40]،.
ــــــــــ الحياة الدنيا، والموت بعدها،. ليست شيئاً،.
منذ حمل الإنسان الأمانة، صار خالداً للأبد، لن يموت،. إما إلى جنة أبدية، أو إلى نار أبدي،. أما الدنيا، والبرزخ بعدها،. فليست بشيء مقارنةً بالحياة الأبدية،. فهمها طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا ولو كان عمره كعمر نوح،. لو وضعت عمره مقابل الرقم اللانهائي ∞ فيصير لا شيء،. ولو كان عمره ألف ألف سنة،. وكذلك لو أضاف إليها فترة موته وقبره قبل البعث،. كلها لا شيء مقابل الآخرة، فالآخرة هي الأصل الذي سنكون فيه،. وهذه الدنيا ليست بشيء، لأنها مؤقتة قصيرة جداً جداً،. وكلنا أحببناها وغرقنا فيها وتركنا الآخرة،. قال ٱلله،. ﴿كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ ٱلۡآخِرَةَ﴾ [القيامة 20 - 21]،. وقال،. ﴿إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ یُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَرَاۤءَهُمۡ یَوۡمࣰا ثَقِیلࣰا﴾ [الإنسان 27]،.
فالدنيا في الحقيقة خدعة،. فترة يسيرة حقيرة، ليست بشيء مقابل الآخرة الأبدية،. مهما طال العمر فيها، هي (صفر) مقابل اللانهائية،. والله لم يخلقنا للدنيا،. ليست هي المصير،.
ــــــــــــــــ خلقنا الله لأجل الآخرة،.
ــ قال ٱلله،. ﴿وَلَقَدۡ *((جِئۡتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقۡنَاكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ))* وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَاكُمۡ وَرَاۤءَ ظُهُورِكُمۡ...﴾ [الأنعام 94]،.
ــ قال ٱلله،. ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا *((خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ))﴾* [المؤمنون 115]،.
ــ وقال،. ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا ((خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا))﴾ [الكهف 48]،.
لم يخلقنا الله للبقاء في هذه الدنيا،. إنما خلقنا للآخرة، أما الدنيا فهي مؤقتة سريعة، تعتبر لا شيء بالمقارنة بالآخرة الأبدية،. لهذا، الدنيا أهون على الله من الجدي الأسك،. وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة،. وحين أراد النّبي ﷺ تشبيه قيمتها بقيمة الآخرة قال،. *«ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ، ﺇﻻ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺇﺻﺒﻌﻪ ﻫﺬﻩ ﻓﻲ اﻟﻴﻢ، ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ ﺑﻢ ﺗﺮﺟﻊ»*
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ. ✅،.
لهذا، حذرنا الله الدنيا كثيراً،. قال ٱلله،. ﴿ٱللهُ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ *((وَفَرِحُوا۟ بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا فِي ٱلۡآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعࣱ))﴾* [الرعد 26]،.
ــ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ:
"ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﻮﻕ، ﺩاﺧﻼ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻛﻨﻔﺘﻪ، ﻓﻤﺮ ﺑﺠﺪﻱ ﺃﺳﻚ ﻣﻴﺖ، ﻓﺘﻨﺎﻭﻟﻪ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﺄﺫﻧﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺃﻳﻜﻢ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻫﺬا ﻟﻪ ﺑﺪﺭﻫﻢ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻣﺎ ﻧﺤﺐ ﺃﻧﻪ ﻟﻨﺎ ﺑﺸﻲء، ﻭﻣﺎ ﻧﺼﻨﻊ ﺑﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﺗﺤﺒﻮﻥ ﺃﻧﻪ ﻟﻜﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮا: ﻭاﻟﻠﻪ، ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﻴﺎ، ﻛﺎﻥ ﻋﻴﺒﺎ ﻓﻴﻪ ﻷﻧﻪ ﺃﺳﻚ، ﻓﻜﻴﻒ ﻭﻫﻮ ﻣﻴﺖ؟!،. ﻓﻘﺎﻝ: ﻓﻮاﻟﻠﻪ، ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺃﻫﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻋﻠﻴﻜﻢ".
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻓﻲ "اﻟﺰﻫﺪ"، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻓﻲ "اﻷﺩﺏ اﻟﻤﻔﺮﺩ"، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺎﺻﻢ، ﻓﻲ "اﻟﺰﻫﺪ"، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
ــــ وفي الضعيف ماهو أسوء من هذا التشبيه ⚠️،.
فقد ﺃﺧﺮج ﺃﺣﻤﺪ (15839) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ، ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺟﺪﻋﺎﻥ [ضعيف جداً ❌]، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮﻱ [مدلس، عنعنه، ليس بحجة ❌]، ﻋﻦ اﻟﻀﺤﺎﻙ ﺑﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ اﻟﻜﻼﺑﻲ؛ «ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺿﺤﺎﻙ، ﻣﺎ ﻃﻌﺎﻣﻚ؟ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، اﻟﻠﺤﻢ ﻭاﻟﻠﺒﻦ، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢ ﻳﺼﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺫا؟ ﻗﺎﻝ: ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺈﻥ اﻟﻠﻪ، ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺿﺮﺏ ﻣﺎ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻣﺜﻼ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ»
وﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ (35977) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻷﺳﺪﻱ، ﻋﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ﻳﻮﻧﺲ، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ [مدلس ❌]، ﻋﻦ ﻋﺘﻲ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ، ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﻃﻌﺎﻡ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺿﺮﺏ ﻣﺜﻼ، ﻭﺇﻥ ﻣﻠﺤﻪ ﻭﻗﺰﺣﻪ ﻋﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺮ.
وﺃﺧﺮج ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﺔ، ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ [ضعيف في سفيان ❌]، ﻋﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ﻳﻮﻧﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮﻱ [مدلس ❌]، ﻋﻦ ﻋﺘﻲ ﺑﻦ ﺿﻤﺮﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ ﻣﻄﻌﻢ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺟﻌﻞ ﻣﺜﻼ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺇﻥ ﻗﺰﺣﻪ ﻭﻣﻠﺤﻪ، ﻓﺎﻧﻈﺮﻭا ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺮ» (الصحيح أنه موقوف على أبي بن كعب).
هذه أحاديث ضعيفة، ولا حاجة لنا بها، فالله أغنانا بالصحيح،. ونعت الدنيا بأسوء النعوت والخصال لنحذرها،. كيلا نخون أماناتنا فيها،.
ــــــــــ فالشيء الذي سيفسد الأمانة، هي الدنيا،.
قال ٱلله عن الدنيا،. ﴿وَٱضۡرِبۡ لَهُم *((مَّثَلَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِیمࣰا تَذۡرُوهُ ٱلرِّیَاحُ وَكَانَ ٱللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ مُّقۡتَدِرًا ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا))* وَٱلۡبَاقِیَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف 45 - 46]،.
فالدنيا،. مال وبنون،. قال ٱلله كذلك،. ﴿ٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا لَعِبࣱ وَلَهۡوࣱ وَزِینَةࣱ وَتَفَاخُرُۢ بَیۡنَكُمۡ *((وَتَكَاثُرࣱ فِي ٱلۡأَمۡوَالِ وَٱلۡأَوۡلَادِ))* كَمَثَلِ غَیۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَاهُ مُصۡفَرࣰّا ثُمَّ یَكُونُ حُطَامࣰا وَفِي ٱلۡآخِرَةِ عَذَابࣱ شَدِیدࣱ وَمَغۡفِرَةࣱ مِّنَ ٱللهِ وَرِضۡوَانࣱ *((وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَاعُ ٱلۡغُرُورِ))﴾* [الحديد 20]،.
فالدنيا [وهي الممر الذي سندخله كلنا]،. عبارة عن مالٌ وبنون وتكاثر ولعب ولهو،. وزينة مغرية وتفاخر وشهوات وملذات وحرص على البقاء،. كل هذه الأمور تعين على إفساد الأمانة وخيانتها،. والله حذرنا منها، بل حذر خيانة الأمانة وهو يتكلم عن فتن الدنيا،.
قال اْلله،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللهَ وَٱلرَّسُولَ *((وَتَخُونُوۤا۟ أَمَانَاتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أَمۡوَالُكُمۡ وَأَوۡلَادُكُمۡ فِتۡنَةࣱ))* وَأَنَّ ٱللهَ عِندَهُ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللهَ *((یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا))* وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ وَٱللهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال 27 - 29]،.
وذكرها في سورة الأنفال، التي هي أموال الغنائم [معدن الدنيا]،. وقد قال قبل تلك الآيات،. ﴿یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡ ((وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِ)) وَأَنَّهُ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ وَٱتَّقُوا۟ *((فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰ))* وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الأنفال 24 ــ 25]،. ما هي هذه الفتنة؟!،.
الدنيا فتنة، وهذه الفتنة ستصيب الجميع،. ليس الذين ظلموا فقط،. لَّا تُصِیب ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ فحسب،. بل ستصيب الكل،. التقي والعاصي، المذنب والمؤمن،. كما قال اْلله،. ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ *((أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ))﴾* [العنكبوت 2]،.
فهذه الدنيا،. هي المفسدة الأكبر للأمانة،. هي التي بسببها سنبدل ونغير ونحذف ونزيد حتى نخون الأمانة التي سلمنا الله إياها، وحين نرجع عنده يوم القيامة،. سنرد الأمانة مشوهة، ليست كما كانت حين سلمنا،.
ــــــــ ما هي الأمانة تحديداً؟!،.
حين كنا عند ربنا،. عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال، ثم رفضنها، وجئنا نحن وحملناها،. فسلمنا الله الأمانة،. وحذرنا أول ما حذرنا من يوم القيامة،. لنرد الأمانة كما كانت في ذاك الوقت،.
قال ٱلله،. ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ *((وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ، أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡ؟ قَالُوا۟ بَلَىٰ، شَهِدۡنَاۤ))* أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِینَ أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾ [الأعراف 172 - 173]،.
هذه الآية تتكلم عن تسليم الأمانة بالتحديد،. هنا سلمنا الله إياها بقوله،. ألست بربكم؟!،. وهذا السؤال يدل أن المسؤول يعلم حقيقة الأمر،. وعليه أن يجيب بــ (بلىٰ)،. فمثل هذا السؤال، لا يكون جوابه (نعم) أو (لا) فلم يبدأ السؤال بــ (هل؟!،...)،. إنما حين يبدأ السؤال بـالنفي كــ [أليس؟! ألست؟! أليسوا؟! ألم يكن؟! ألم تقل؟!،....]،. يكون الجواب حينها [بلىٰ]،. لأنك تسأل من يعرف مسبقا،. فكنا نعرف ربنا حق المعرفة مسبقاً، لهذا أجبنا بــ ﴿بَلَىٰ﴾،.
ــــ فشهدنا كلنا أنه ربنا،. *((وطالما شهدنا حينها أنه ربنا،. وأنه إلهنا، وأنا خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا وأنه خالق كل شيء،. فكنا مسلمين مؤمنين مخلصِين حينها،. هذه الحالة التي كنا عليها هي الأمانة التي شهدنا جميعاً عليها،. وهي التي سوف يستردّها اللّٰه منا يوم القيامة،. يريد الله أن نحافظ عليها،. يريدنا أن نرجع إليه ونحن على ذات الحال التي كنا فيها عنده))،.*
سلّمنا الله الأمانة، وسيستردها يوم القيامة، فذكرنا بيوم استرداد الأمانة مباشرةً،. قال،. ﴿أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِینَ﴾،. فكأنه يقول: لا تنسوا هذا اليوم، ولا تنسوا يوم القيامة،. وستنسون،.. وسأنزل عليكم ذكراً يذكّركم به وينذركم لقاء يوم الدين،. وسأنزل كتباً فيها ذكركم،. ورسلاً معهم الذكر لينذرونكم ما سيأتي عليكم،. وأنبياءً يذكرونكم أن معظمكم سيدخل النار للأبد، ولن ينجوا إلا القليل القليل،. فاحذروا،.
ــ قال ٱلله،. ﴿یُنَزِّلُ ٱلۡمَلَائكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ *((أَنۡ أَنذِرُوۤا۟ أَنَّهُ لَاۤ إِلَهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ))﴾* [النحل 2]،.
ــ وقال،. ﴿رَفِیعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ یُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ *((لِیُنذِرَ یَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ))﴾* [غافر 15]،.
ــ وقال،. ﴿وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ *((إِلَّا مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ))* فَمَنۡ ءَامَنَ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [الأنعام 48]،.
ــ وقال،. ﴿وَمَاۤ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡیَةٍ *((إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ذِكۡرَىٰ))* وَمَا كُنَّا ظَالِمِینَ﴾ [الشعراء 208 - 209]،.
ــ ولكن للأسف،. ﴿وَكَذَّبُوا۟ وَٱتَّبَعُوۤا۟ أَهۡوَاۤءَهُمۡ وَكُلُّ أَمۡرࣲ مُّسۡتَقِرࣱّ وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَاۤءِ مَا فِیهِ مُزۡدَجَرٌ حِكۡمَةُۢ بَالِغَةࣱ *((فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ))﴾* [القمر 3 - 5]،.
ــ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ *«ﺇﻧﻤﺎ ﻣﺜﻠﻲ ﻭﻣﺜﻞ اﻟﻨﺎﺱ، ﻛﻤﺜﻞ ﺭﺟﻞ اﺳﺘﻮﻗﺪ ﻧﺎﺭاً، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺿﺎءﺕ ﻟﻪ، [جعل اﻟﻔﺮاﺵ ﻭاﻟﺠﻨﺎﺩﺏ ﻳﻘﻌﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻳَﺬُﺑْﻬﻦ ﻋﻨﻬﺎ¹]، ﻓﺄﻧﺎ ﺁﺧﺬ ﺑﺤﺠﺰﻛﻢ ﻋﻦ اﻟﻨﺎﺭ، ﻭﺃﻧﺘﻢ [ﺗَﻔﻠَّﺘُﻮﻥ ﻣﻦ ﻳﺪﻱ¹] ﺗﻘﺘﺤﻤﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ»* الحُجز: موضع شد الإزار،.
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، عن أبي هريرة،.
¹ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، عن جابر،.
ــــــ من مقتضيات أي (أمانة)،. هي الحفاظ عليها دون عبث،. وألا تبّدلها وألا تغيّرها، وألا تمسها وتستخدمها لمصالح شخصية،. وأن تصبر عليها حتى تؤديها لمن ائتمنك،. فالأمانة شيءٌ مُصان، يجب الحفاظ عليها بصدق وإخلاص،.
كنا عند الله مخلَصين مخلِصين [أنقياء مزَكَّين]،. أمننا الله أنفسنا المؤمنة النقية، فعلينا أن نبقى [أتقياء مزَكَّين]،. نحافظ على إيماننا ذاك، كما كنا عنده، لا نبدله ولا نمسه، علينا أن نصون أنفسنا المؤمنة، ولا نستغلها للتفاخر والرياء والسمعة ولا نتكسب بها ثمناً قليلاً [مالاً، ومتابعين، ومريدين، ومشتركين، وداعمين وفانزات، ومادحين،.....]،. إنما علينا أن نحافظ عليها كما كانت، إلى أن نردها لله دون إفساد للأمانة،. فإن رجعنا لله فاسدين [ملوَّثين]، فقد كان ذلك بسبب حبّنا للدنيا،. بسبب فِتَنها تغيّرنا فأفسدنا أنفسنا ولوّثناها، وأفسدنا الأمانة وطمسناها،. وحينها لا سبيل للرجوع للدنيا لأصلاح ما أفسدناه في الدنيا،.
ــ قال ٱلله،. *﴿((وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّاهَا))* فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَاهَا *((قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّاهَا))﴾* [الشمس 7 - 10]،.
ــ وقال،. ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ *((وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ))* فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾ [النازعات 40 - 41]،.
لاحظ في الآيات التالية، التفرقة في كلام الله، بين النفس [المخلصة النقية التي كانت عنده قبل استلام الأمانة]،. وبين الإنسان [الذي حمل الأمانة] كيف أفسد في نفسه فشوّهها ولوَّثها،.
ــ قال الله في سورة القيامة،. ﴿لَاۤ أُقۡسِمُ بِیَوۡمِ ٱلۡقِیَامَةِ *((وَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ))* أَیَحۡسَبُ *((ٱلۡإِنسَانُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُ))* بَلَىٰ قَادِرِینَ عَلَىٰۤ أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُ بَلۡ یُرِیدُ *((ٱلۡإِنسَانُ لِیَفۡجُرَ أَمَامَهُ))﴾* [القيامة 1 - 5]،.
ــ وقال،. ﴿وَجِيءَ یَوۡمَئذِۭ بِجَهَنَّمَ یَوۡمَئذࣲ *((یَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ یَقُولُ یَالَیۡتَنِي))* قَدَّمۡتُ لِحَیَاتِي فَیَوۡمَئذࣲ لَّا یُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدࣱ وَلَا یُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدࣱ *((یَـٰۤأَیَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئنَّةُ ٱرۡجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ))* رَاضِیَةࣰ مَّرۡضِیَّةࣰ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَادِي وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر 23 - 30]،.
الأمانة التي يحملها الإنسان هي نفسه المؤمنة المطمئنة النقية المخلصة الطاهرة السوية الزكية،. ﴿وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ﴾،. وعليه أن يحافظ على هذه الأمانة،. حتى ترجع لربها كما كانت،. فيسلمه نفسه دون تشويه وتبديل وخيانة،.
ــــــــــ مراحل خلق الإنسان،،.
قال ٱلله،. ﴿قَالُوا۟ رَبَّنَاۤ *((أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَیۡنِ وَأَحۡیَیۡتَنَا ٱثۡنَتَیۡنِ))* فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجࣲ مِّن سَبِیلࣲ﴾ [غافر 11]،.
ماهي هذه الموتتان والحياتان؟!،.
قال ٱلله في سورة البقرة، قبل أن يقول أنه سيجعل في الأرض خليفة،. قال،. ﴿كَیۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللهِ *((وَكُنتُمۡ أَمۡوَاتࣰا فَأَحۡیَاكُمۡ ثُمَّ یُمِیتُكُمۡ ثُمَّ یُحۡیِیكُمۡ ثُمَّ إِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ))﴾* [البقرة 28]،.
هذه هي كل المراحل التي مررنا بها،.
1 ❊ وَكُنتُمۡ أَمۡوَاتࣰا [حيناً من الدهر لم نكن شيئاً مذكوراً]،.
2 ❊ فَأَحۡیَاكُمۡ [أشهدنا على أنفسنا، حملنا الأمانة، وجئنا للدنيا]،.
3 ❊ ثُمَّ یُمِیتُكُمۡ [بعد هذه الحياة الدنيا فندخل البرزخ]،.
4 ❊ ثُمَّ یُحۡیِیكُمۡ [البعث، الخروج من القبور]،.
5 ❊ ثُمَّ إِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ [الحساب (استرداد الأمانة) فالجزاء]،.
قال ٱلله على لسان نوح،. ﴿مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلهِ وَقَارࣰا وَقَدۡ *((خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا))﴾* [نوح 13 - 14]،. فخلقنا مر بمراحل عديدة،. وبعد أن حملنا الأمانة،. خلق الله آدم من تربة الأرض، وجعله في الأرض وجئنا بعده،. وإلّا، فنحن كنا عند الله قبل أن يخلق آدم،. قال ٱلله،. ﴿وَلَقَدۡ *((خَلَقۡنَاكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَاكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَائكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِآدَمَ))* فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ لَمۡ یَكُن مِّنَ ٱلسَّاجِدِینَ﴾ [الأعراف 11]،.
تكملة الآيات من سورة نوح،. قال ٱلله،. ﴿أَلَمۡ تَرَوۡا۟ كَیۡفَ خَلَقَ ٱللهُ سَبۡعَ سَماوَاتࣲ طِبَاقࣰا وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِیهِنَّ نُورࣰا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجࣰا *((وَٱللهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتࣰا ثُمَّ یُعِیدُكُمۡ فِیهَا وَیُخۡرِجُكُمۡ إِخۡرَاجࣰا))﴾* [نوح 15 - 18]،. فسنخرج ونرجع لله،.
وحين نرجع لربنا، نرجع لنفس النقطة التي كنا فيها حين سلّمنا الله الأمانة،. هنا يسترد الله أمانته التي حملنا إياها، فالذي حافظ عليها وردها كما هي،. هو الذي سينجو ويخلد في النعيم،. أما الذي أفسد فيها وزاد وغيرها وبدلها،. هو الذي سيخلد في العذاب،. وهم الأكثرية،. قال ٱلله،. ﴿وَلَوۡ شِئۡنَا لَآتَیۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَاهَا وَلَكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ فَذُوقُوا۟ بِمَا نَسِیتُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَاذَاۤ إِنَّا نَسِینَاكُمۡ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [السجدة 13 - 14]،.
والنجاة،.. قال ٱلله،. *﴿((وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِي یُرِیدُونَ وَجۡهَهُ))* وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمۡرُهُ فُرُطࣰا﴾* [الكهف 28]،.
ــــــــــــ وماذا عن الجن؟!،. هل حملت الأمانة كالإنسان؟!،.
الجن مكلَّفون بالعبادة، قال ٱلله،. ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات 56]،.. وسيكون عليهم حسابٌ وجزاء يوم القيامة،. قال ٱلله،. ﴿وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ لَهُمۡ قُلُوبࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمۡ أَعۡیُنࣱ لَّا یُبۡصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمۡ ءَاذَانࣱ لَّا یَسۡمَعُونَ بِهَاۤ أُو۟لَئكَ كَٱلۡأَنۡعَامِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ أُو۟لَئكَ هُمُ ٱلۡغَافِلُونَ﴾ [الأعراف 179]،.
ولكن هذا كله عليهم من غير (تحميل للأمانة)،. فآية الأمانة لم تتكلم عن الجن، بل خصت (الإنسان) فقط بحمل الأمانة،. فالأمانة كانت على ظهر الإنسان وحده،. بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال حملها،. وبمجرد وجود عقاب وجزاء، لا يلزم منه أمانة،. فالله خص الإنسان بشيء، وخص السماوات بشيء، والأرض بشيء، والجبال بشيء، والدواب بشيء، والجن كذلك بشيء يخصهم،. ولا يلزم التشابه في كل خلقه،.
الأمر الآخر، أن الجن خلقٌ قرينٌ مصاحب للإنسان، هو تابعٌ للإنسان،. وليس نِداً مساوياً له،. إنما الأصل في الأرض هو الإنسان، ثم كان الجن تابعاً له [أما الذي خلق قبل الإنسان فهو إبليس فقط، هو الذي خلق قبل آدم]،. ولهذا لا نجد كتاباً نزل على الجن يخصّهم، إنما كانوا يتبعون كتب الإنسان كالتوراة وٱلۡقُرآن،. ولا نعلم عن رسلهم بشكل خاص،. رغم أن الآية تشير لوجود رسلٍ منهم،. ﴿یَا مَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَقُصُّونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَاتِي وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَذَا...﴾ [الأنعام 130]،.
والأمر العجيب في الجن،. أنك لن تجد آية في ٱلۡقُرآن خاصة فيهم، تدل أن الجن سيُخَلّدون في الجنة، ((مطلقاً)) إلا الآيات العامة التي تخاطب المؤمنين،. وهذا عجيب،. [إنما تجد وعداً بالجنة لمن خاف مقام ربه، في سورة الرحمن]،. أما بقية الآيات، فكلها كانت وعيداً لهم بالنار، فلا أحد يعلم [على وجه اليقين] ما هو مصير المؤمنين من الجن،. وهذا ينصر قولنا أن الأمانة كانت على الخلود الأبدي للإنسان،.
أما البهائم والدواب، فتصير إلى تراب بعد اقتصاصها من بعض [هذا إن صح الحديث فيها، ولم أكلف نفسي بالتحقيق فيه]،.
رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.
بكيبورد، محسن الغيثي،..
السبت، 27 أغسطس 2022
إبطال أقسام التوحيد
إبطال تقسيم التوحيد،.
هذا المقال ليس للقراء المسلمون، إنما هو خاص بالسلفيين، لأن المسلمون لا يعرفون ما هي البدعة التي يتم الرد عليها هنا، فلن يفهموا ما الذي يجري، ولكن السلفيون يعرفون تماماً كل تفاصيل الشبهة،. ويعرفون المقصود من الكلام،. ولا أريد أن أشرح بدعتهم للمسلمين،. فرجائي من المسلمين تجنب هذا المقال،. وليحمدوا الله أن فطرتهم لم تتدنس بنجاسة تثليث التوحيد،.
المقتسمون هنا هم السلفيون،. هم الذين قسموا التوحيد لثلاثة أقسام،. وضعوا لكل قسم تعريفاً مبنياً على الاستقراء في ٱلۡقُرآن والسنة،. ومنه أُصدِرَ كتاب التوحيد،. الذي انتشر في الآفاق، وأعجب به بقية الشيوخ،. وانبهروا به، قالوا إن الكتاب مليء بالاستدلال بالقرآن والسنة،. مَاْ شَٰاْءَ اللّٰه، تبٰـارك الله،. سنرى ذلك،.
ــــ ملاحظة : أول من ابتدع [التوحيدات الثلاثة]،. ليس محمد بن عبدالوهاب، إنما هو ابن تيمية،. ثم سار أتباعه من السلفية على نهجه،. وكذلك فعل ابن عبدالوهاب، قلده وألف كتاب التوحيد،.
قال الذهبي في رسالته لابن تيمية،. "جِدٍوا في ذكر بدعٍ ((كنا نعدها من أساس الضلال، قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد))، ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار" [النصيحة الذهبية صــ 1]،.
قال ابن القيم الجوزية،. في كتابه مدارج السالكين،. وهو كتاب كتبه أخيراً، أي بعد هدايته ودخوله في دين ابن تيمية [حتى لا يقول قائل أنه كتبه وهو صوفي ضال]،. قال فيه،. "التوحيد نوعان، توحيد معرفة وإثبات [حقيقة ذات الرب وأسمائه]، وتوحيد قصد وطلب"،. [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإِيَّـاْك نستعين 1/48]،.
ثم قسم التوحيد الثاني لقسمين آخرين،. ولكن،. لم يأخذ الناس بتوحيدات ابن القيم الثنائية، إنما أخذوا بتوحيدات ابن تيمية الثالوثية،.
ــــــــــ لماذا الإصرار على ثلاثة؟!،. لماذا لم تكن أربعة، أو خمسة، بإضافة توحيد الحاكمية وتوحيد الملوكية؟!،. لماذا ثلاثة فقط؟!،.
التوحيدات الثلاثة فيها نفَسُ إبليس،. فهذه بصمته المتكررة في تاريخ البشر،. فإبليس الشيطان، مر على معظم الأمم السابقة فأضلها عن الاخلاص لربها، جاءهم بملة [عقيدة] جديدة،. هذه الملة تشابهت وتكررت عند معظم الأمم السابقة التي كانت تعبد الله وحده في بداية أمرها،. ثم انحرفت "عقيدتها" لثلاثة آلهة،. جائهم الشيطان بتقسيمٍ ثلاثي للرب الواحد، إلى ثلاثة أرباب، أو ثلاثة آلهة، *((مع إبقاء مجموعها واحداً))،.* وهكذا فعل إبليس بالمصريون القدماء،. جعل إلههم الواحد ثلاثة (أُوزير ــ إيزيه ــ حور)،. وفعل مثل ذلك مع الهنود، فجعل إلههم الواحد ثلاثة (براهما ــ فيشنو ــ شيفا)،. وكلمة تريمورتي (كلمة سنسكريتية تعني الأشكال الثلاثة) هي "عقيدة" هندوسية تقول "إن الوظائف الكونية الثلاث من خلق وحفظ وتدمير مجسدة في براهما وفيشنو وشيفا على الترتيب" وتُدعَى هذه الآلهة الثلاثة بــ "ــالثالوث الهندوسي" أو "الثالوث الأعظم"،.
وقبل الهندوس مرّ على الإغريق، فجعل الإله عندهم ثلاثة آلهة (أبريديت ــ أثيني ــ هيرا)،. بل جعل لنفسه رمزاً ثلاثيا بات يُعرف به على شكل مثلث أو هرم،. ثم ذهب للنصارى وجعل ربهم الواحد ثلاثة (الآب ــ الإبن ــ الروح القدس)،. وقد ذكر الله تثليث النصارى في ٱلۡقُرآن أول مرة، حين كانوا يقولون أن مريم إلهة وليس الروح القدس،. قال الله فيهم،. ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة،...﴾،.
وحين جاء الشيطان للمسلمين،. وضع فيهم بصمته،. التي لم تكن إلا نسخةً طبق الأصل لما قد فعله في الأمم السابقة، فالناس منذ بعثة النّبي ﷺ لم يعرفوا سوى الاخلاص لرب واحد، إله واحد لا شريك له، لا يتجزّء ولا ينقسم ولا يتعدد، ولكن فكرة التثليث كانت تراود الشيطان، ويريد أن يكررها، ولكنه قابل خصماً جلداً [المسلمون]، وجسماً صلباً لا تهزه الدعاوى الفاسدة للشرك بالله،. ولكنه لم يستسلم لهم، وأصر على ترك بصمة التثليث فيهم قبل ذهابه،. *فقسّم توحيدهم إلى ثلاثة،.* فجعل الواحد ثلاثة،. وأبقى مجموع الثلاثة واحداً،.
لم يستطع أن يجعل ربنا ثلاثة أقانيم كما فعل بالنصارى وبتلك الأمم قبل النصارى،. ولكن رضي بالقليل، جعل التوحيد ثلاثة أقسام، بأسماء بدعية منكرة،. الألوهية والربوبية وآخرها الأسماء والصفات،. فأخذها الناس عنه بحفاوة ورحابة صدر، وتلقتها الأمة بالقبول، ظانِّين بها خيراً، وهي من أشد المحدثات في الإسلام،.
هذه المحدثة التي نسخها ابن تيمية من الملل قبلنا،. كانت المعين الأكبر لاحقاً في إراقة دماء أبرياء المسلمين،. فقد قتلت مدناً بأسرها، وسبيت الحرائر المسلمات، ونهبت الأموال،. تحت شعار هذه البدعة التي جاء بها ابن تيمية،. جعل المسلمين مرتدون، لأنهم يوحدون الله ربوبيةً ولا يوحدونه ألوهية، فاستحقوا القتل بذلك، والذي رفع راية القتل هو خليفة ابن تيمية،. محمد بن عبدالوهاب النجدي،. قرن الشيطان،.
ــــــــــــ الأقسام الثلاثة باختصار هي كالتالي،.
1 ــ توحيد الألوهية [توحيد العبادة]،. أن لا تصرف العبادة لغير الله، كذلك الدعاء والرجاء والخوف والتوكل والخشية،. فهذا النوع من التوحيد متجه من العباد إلى اللّٰه،.
2 ــ توحيد الربوبية [توحيد الخالقية]،. أن تؤمن بأنه خلقك ورزقك ويحييك ويميتك وينجيك وهو المدبر المتصرف وووو إلخ،. وهذا النوع من التوحيد متجه من الله إلى العباد،.
3 ــ توحيد الأسماء والصفات،. أن تؤمن بأسماء الله وما قاله عن نفسه،. دون تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تجسيم ولا سؤال عن الكيفية،.
في هذا المقال، سنتناول دراسة التوحيدين الأولين فحصاً وتحقيقاً وتمحيصاً ونرى هل ما قالوه فعلاً صحيح؟،.
السلفية، المقسمين المقتسمين،. بنوا دينهم وتوحيدهم على *((التفريق بين الرب والإله [الربوبية والألوهية]،.))* ومنه قالوا،. لا يكفي للمسلم بأن يؤمن بتوحيد الربوبية فقط،. لأن المشركين كانوا يؤمنون بالله،. [already]،. أي بالربوبية،.. ولكنهم كانوا لا يصرفون العبادة لله وحده، فهم مشركون ألوهية، رغم كونهم مؤمنين ربوبيةً!،. بالتالي أخي المسلم المؤمن،. عليك أن توحد الله ألوهيةً وربوبيةً معاً،. أي،. أن الله إلهٌ وربٌ معاً،. وإلا فأنت كافرٌ مشرك، مثلك مثل كفار ومشركي قريشٍ الذين وحدوا الله في قسمٍ واحد [أي الربوبية] وتركوا قسماً آخر [الذي هو الألوهية]،.
ثم جاء الأتباع لنصرة الشيخ المقسم،. فقالوا بأن المشركين كان عندهم آلهة متعددة لأنهم يعلمون بأن الرب واحد، فلا يقولون أجعل الأرباب رباً واحداً، إنما قالوا،. ﴿أَجَعَلَ ٱلۡآلِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَاحِدًا؟! إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابࣱ وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡ إِنَّ هَذَا لَشيءࣱ یُرَادُ﴾ [ص 5 - 6]،. ولأجل هذا قالت العرب،. (سفهت آلهتنا)،. ولم يقولوا أربابنا، لأنهم يعلمون بأن الرب هو الله،. كذلك الرسل، بعثوا بتوحيد الألوهية،. فنوح ﷺ مثلاً،. ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِ فَقَالَ یَاقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَهٍ غَیۡرُهُ..﴾[الأعراف 59]! ولم يقل، ما لكم من رب غيره،. ذلك أنهم يعرفون الرب الواحد الخالق المالك الرازق، ولا يعرفون الإله الواحد [أي المعبود]،.
وبسبب هذا التفريق، تراهم يكفرون غلاة الصوفية، لأنهم دعوا المقبورين الأموات،. فيسمونهم مشركين،. ولم يسلم الأشاعرة والإباضية وغيرهم من التكفير، لأنهم لا يوحدون توحيد الأسماء والصفات،. وقس على ذلك بقية الفرق، فكل فرقة عندها خلل في جزئية معينة، فهي كافرة،. ومعلومٌ عندهم أنها كلها في النار إلا الفرقة السلفية الناجية،.....
ــــــ الرد على هذه التقسيمات والتعريفات المصطلحة،.
نقول أولاً وقبل كل شيء،. من قال لكم بأن مشركي مكة كانوا يؤمنون بربوبية اللّٰه؟!،. الجواب هو قول الله،. ﴿وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ ((لَیَقُولُنَّ ٱللهُ)) قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [لقمان 25]،. انظر انظر، مَاْ شَٰاْءَ اللّٰه يستدلون بالقرآن!،. ولأجل هذه الاستدلالات قيل بأن كتاب التوحيد كله آيات وأحاديث،. اللّٰه أكبَر،. ولكن لحظة لحظة،....
سؤال،. لماذا اخترت هذه الآية تحديدا وتركت غيرها؟! لو نقبت في القُــرآن ستجد أمثال هذه الآيات مما تشبهها تماماً وكما تحب، وفيها التي تريدها، كلمة (ليقولن الله، سيقولون الله)،. لتستشهد بها وتقول بأن الكفار يعلمون من خلق السماوات والأرض وهكذا،. ولكني أعجب، لماذا اخترت هذه الآية وحدها؟! ألأن بقية الآيات ستخرب بنيانك الذي بنيته؟ هل لأن بقية الآيات ستنسف كل أساسيات تقسيم وتفريق التوحيد؟!،.
لاحقا،. سأذكر بعض الآيات *المتشابهات* التي تركتها،. (مما لا ينبغي لك تركها)،. وسأقف عليها لأنظر هل صدقت في دعواك أم كنت من الذين في قلوبهم زيغ، فيتبعون آية مما تشابه منه، ويتركون بقية المتشابهات، ابتغاء الفتنة [التكفير]،. وابتغاء إنزاله على الصوفية [التأويل]؟! أما الآن، فسوف أرد على هذا الاستدلال بالتحديد،.
قال أن دليله بأن مشركي مكة كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية، هو قول الله،. ﴿وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ ((لَیَقُولُنَّ ٱللهُ)) قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [لقمان 25]،. جميل،.. ولكن أين كلمة (الرب) فيها؟! ألم يكن الأولى أن تقول توحيد الألّاهية المشتقة من اسم (الله) نفسه؟! لماذا اخترت الربوبية؟!،.
فــ استدل بقول اْلله في آية أخرى "هكذا دون تفكير"،. وترك ما قبلها وما بعدها،. استدل بــ،.،. ﴿قُلۡ مَن ((رَّبُّ)) ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبۡعِ ((وَرَبُّ)) ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ ((سَیَقُولُونَ لِلهِ)) قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون 86 ــ 87]،. سيقول هذا لفظ (الرب) الذي أخذنا منه الربوبية،.،. وهذا الاستدلال مردود،.
اختار هذه الآية تحديداً لأن فيها كلمة رب،. فهي تخدم ما ذهب إليه،. ولكن لنقرأ الآية بتركيز ودقة، ونعطيها حقها في النظر،. حتى نكون على بينةٍ من ديننا، ولا نُفتن كما فتن الذين استدلوا بها،.
قال اْلله،. ﴿قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهَاۤ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ سَیَقُولُونَ لِلهِ قُلۡ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ *((قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ سَیَقُولُونَ لِلهِ))* قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلۡ مَن بِیَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءࣲ وَهُوَ یُجِیرُ وَلَا یُجَارُ عَلَیۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ سَیَقُولُونَ لِلهِ قُلۡ فَأَنَّى تُسۡحَرُونَ بَلۡ أَتَیۡنَاهُم بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّهُمۡ لَكَاذِبُونَ مَا ٱتَّخَذَ ٱللهُ مِن وَلَدࣲ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنۡ إِلَهٍ إِذࣰا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهِ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ سُبۡحَانَ ٱللهِ عَمَّا یَصِفُونَ﴾ [المؤمنون 84 - 91]،.
1 ــ هؤلاء ابتداءً كفار لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر،. ثم هم كاذبون،. فقد كذّبهم الله بنفسه، قال في سياقها،. ﴿بَلۡ أَتَیۡنَاهُم بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّهُمۡ لَكَاذِبُونَ﴾،. فهم كاذبون ولو قالوا بأنهم يقرون بالله،. وهذا ديدنهم وشأنهم،. هم دائماً يكذبون،. قال اْلله،. ﴿أَلَاۤ إِنَّهُم مِّنۡ ((إِفۡكِهِمۡ لَیَقُولُونَ)) وَلَدَ ٱللهُ ((وَإِنَّهُمۡ لَكَاذِبُونَ))﴾ [الصافات 151 - 152]،. فلا تعتبر كل كلام الكفار صدق وعدل،. بل الأصل أنهم يكذبون ويعاجزون الأنبياء،. وٱلۡقُـرآن وضّحَ هذا في عدة مواضع،.
يقول الله عنهم،. ﴿وَلَوۡ أَنَّاۤ أَهۡلَكۡنَاهُم بِعَذَابࣲ مِّن قَبۡلِه لَقَالُوا۟ ((رَبَّنَا لَوۡلَاۤ أَرۡسَلۡتَ إِلَیۡنَا رَسُولࣰا فَنَتَّبِعَ ءَایَاتِكَ)) مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ﴾ [طه 134]،. بينما يقول الله في موضع آخر تكذيباً لقولهم،. ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللهَ وَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلطَّاغُوتَ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَیۡهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِیرُوا۟ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ﴾ [النحل 36]،. فهؤلاء مكذبين كذابين، وهذا تكذيب لهم،. وهنا تعلم أن كلام الكافر كذب وتعجيز، ولا ينبغي حمل قولهم على محمل الصدق والأمانة،.
قال الله كذلك عنهم،. ﴿وَلَوۡلَاۤ أَن تُصِیبَهُم مُّصِیبَةُ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ فَیَقُولُوا۟ ((رَبَّنَا لَوۡلَاۤ أَرۡسَلۡتَ إِلَیۡنَا رَسُولࣰا فَنَتَّبِعَ ءَایَاتِكَ)) وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فَلَمَّا جَاۤءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوا۟ لَوۡلَاۤ أُوتِي مِثۡلَ مَاۤ أُوتِي مُوسَىٰۤ ((أَوَلَمۡ یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أُوتِي مُوسَىٰ مِن قَبۡلُ قَالُوا۟ سِحۡرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوۤا۟ إِنَّا بِكُلࣲّ كَافِرُونَ))﴾ [القصص 47 - 48]،. بالتالي،. الكفار حين قالوا "الله"،. فهم كاذبون،. وعلى هذا ينبغي حمل كلامهم،.
2 ــ ولو افترضنا الصدق في كلامهم،. فنقول كما سمعنا في ٱلۡقُرآن دون تحريف وزيادة، كونهم يعلمون أو يقرون بأن الله رب السماوات والأرض،. لا يقتضي ولا يستلزم أنهم يؤمنون به رباً،.
كاللّص يعرف أن المال مال فلان،. ولكنه لا يقبل إرجاعه،. الآن، كونه يعرف أو يعلم أو يعترف بأن هذا المال هو مال فلان، فهل يقتضي من ذلك أنه صادقٌ أو أمين؟!،. أو نقول بأن اللص يقر بالصدوقية؟! ولا يعمل بالأمونية؟! هذا من مثل استدلالكم!،.
العلم بالشيء لا يقتضي الإقرار به أو الإيمان به،. أرسل اْلله لفرعون آيات واضحات وبصائر،. ﴿...فِي تِسۡعِ ءَایَاتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمࣰا فَاسِقِینَ فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَاتُنَا مُبۡصِرَةࣰ قَالُوا۟ هَذَا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ﴾ [النمل 12 - 13]،. فعرفوا الحقيقة بل تيقنوا منها،. رغم ذلك حجدوا بها ظلماً وعلواً،. قال اْلله عنهم،. ﴿وَجَحَدُوا۟ بِهَا ((وَٱسۡتَیۡقَنَتۡهَاۤ أَنفُسُهُمۡ)) ظُلۡمࣰا وَعُلُوࣰّا فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ [النمل 14]،. فالكافر يعلم، ولكن لا يقر ولا يؤمن جحوداً وعناداً،.
مثله مثل البوذيين والهندوس اليوم، لو سألتهم من خلق السماوات والأرض؟ لن يقولوا بوذا، ولن يقولوا كريشنا ولا شيفا ولا البقرة ولا كوفوشيوس،. بل سيقولون اللّٰه،. فَهم يعرفون الله، ويعرفون نِعَم الله عليهم، وهذا لا يعني أبداً أنهم يؤمنون بالله،. بل يعرفون الحق وينكرونه،. قال اْلله،. ﴿یَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللهِ ثُمَّ یُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَافِرُونَ﴾ [النحل 83]،. وقال اْلله عن مشركي قريش،. ﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُ لَیَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي یَقُولُونَ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ *((وَلَكِنَّ ٱلظَّالِمِینَ بِآیَاتِ ٱللهِ یَجۡحَدُونَ))﴾* [الأنعام 33]،.
ثم اعلم، أنه لا تشابه البتة بين هؤلاء الذين في الآية،. وبين الصوفية والأشعرية ومن تكفرونهم،. هؤلاء مسلمون ضلوا ببدعهم وجهلهم كما تفعلون أنتم [بل أنتم في بدعتكم أشد وأنكى]،. أما أولئك فكفار من قبل أن يردوا بــ (الله)،. هم لا يعبدون الله ولا يؤمنون به،. إنما يعرفونه فقط،. فلا تستخدم آيات نزلت في الكفار على مسلمين يؤمنون بالله ثم تكفرهم وتبيح دماءهم وحريمهم وأموالهم،. كما فعل الخارجي النجدي قرن الشيطان من قبل، وكما يفعل السلفية داعش اليوم،. وسنفصل في تشبيه الصوفية بمشركي مكة في آخر المقال،.
3 ــــ الآيات الباقية ليس فيها كلمة الرب،. ألهذا اخترت الآية الوحيدة التي فيها الرب؟،. لتقول بعدها : شوف؟ شوف؟ هذي ربوبية،. لأنك تعلم، أنك لو قرأتها في سياقها لفسدت عليك خطتك المعفنة!،.
4 ــــ الآية نفسها، والتي سبقتها، والتي تليها فيها اسم الله،. ففي كل مرة،. ﴿سيقولون الله﴾،. أو ﴿سيقولون لله﴾،. بالقرائتين،. ولم يقولوا الرب لتقول [ربوبية]،. وهذا الاسم (الله)،. أعم وأشمل من اسم الرب،. والله رب وإله، فلماذا حصرتها في معنى الربوبية؟!،. فالأولى بك أن تقول توحيد [الألّاهية]،. بتفخيم اللام،. وليس بترقيقها، من مثل لفظك لاسم الله (الله)،. وليس من الإله [الألوهية]،. وفي كلا الحالتين، سواء قلت بهذه أو بتلك، فهو بعيدٌ جداً عن مرادك وما تريده أنت،. أنت تريد الرب [الربوبية] أصلاً،. وليس الإله،.
الألوهية عندكم مشتقة من اسم الله (الإله)،. والربوبية مشتقة من اسم الله (الرب)،. ولكن اسم (الله) بذاته،. يدل على الألوهية،. ولا يدل على الربوبية،. بينما كفار قريش، كانوا يقولون (اللّٰه)،. وليس (الرب)،. ودليل مقسمي التوحيد هو قول اْلله،. ﴿وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ ((لَیَقُولُنَّ ٱللهُ)) قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [لقمان 25]،. فحتى في هذه الآية، قالوا (الله)،. ولن تجد في القُرآن كله أنهم قالوا (الرب)،. ذلك أنهم لا يقرون به رباً،. فبم جعلتم هذا النوع من التوحيد توحيد ربوبية؟!،.
5 ــــ الآية ليس فيها أنهم آمنوا بالله،. إنما قالوا،. ﴿الله﴾،. رداً على من يسأل عن رب السماوات والعرش، فأين وجدت في الآية أنهم آمنوا بالله؟ حتى تقول آمنوا بالله رباً [ووحدوه ربوبية!!]؟،. فيها أنهم سيقولون الله، فهم يعرفون الله، ويعلمون أن الله رب السماوات والعرش،. ولكن لا يؤمنون به،. كالبوذي والمجوسي والهندوسي، سله من خلق السماء والأرض وجميع الخلق وزرقهم ومن رب السماوات والعرش؟! كلهم يعرفون من هو، كلهم سيقولون الله، ولكنهم لا يؤمنون به، ولا يعبدونه، لا إلهًا، ولا رباً! فكيف تلصق فيهم الإقرار أو الإيمان بالرب،. [وتقول بعدها هذا توحيد ربوبية]؟،.
هل تعلم أنهم لو اكتفوا بقول (ربنا الله) لنجوا بها؟!،. وهنا العجب،. أن المشركين والكفار لا يقولون (ربنا الله) ولن تجد في ٱلۡقُرآن كله أنهم قالوها،. ولو أنهم قالوها لنجوا بها،. لأن الله قال على لسان مؤمن آل فرعون،. ﴿وَقَالَ رَجُلࣱ مُّؤۡمِنࣱ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَكۡتُمُ إِیمَانَهُ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن ((یَقُولَ رَبِّيَ ٱللهُ)) وَقَدۡ جَاۤءَكُم بِٱلۡبَیِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمۡ وَإِن یَكُ كَاذِبࣰا فَعَلَیۡهِ كَذِبُهُ وَإِن یَكُ صَادِقࣰا یُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي یَعِدُكُمۡ إِنَّ ٱللهَ لَا یَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ كَذَّابࣱ﴾ [غافر 28]،. والزيادة على قول ربي الله تكون بالاستقامة عليه،.
قال الله،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ ((رَبُّنَا ٱللهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَامُوا۟)) تَتَنَزَّلُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَلَائكَةُ أَلَّا تَخَافُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَبۡشِرُوا۟ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت 30]،.
وقال،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ ((رَبُّنَا ٱللهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَامُوا۟)) فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [الأحقاف 13]،.
ثم لو كان المراد بتوحيد الرب،. هو توحيده [بالربوبية]،. وألا يكون هناك ربٌ غيره،. فكيف يقول يوسف عن العزيز : ربي،. قالَ اْلله،. ﴿وَرَاوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَیۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَابَ وَقَالَتۡ هَیۡتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللهِ ((إِنَّهُ رَبِّيَ أَحۡسَنَ مَثۡوَاي)) إِنَّهُ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّالمُونَ﴾ [يوسف 23]،.
وكيف يقر أن للكافر السجين رباً،. قال الله،. ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجࣲ مِّنۡهُمَا ((ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ))..﴾ [يوسف 42]،.. بل وكيف يقول الله عن الكافر أنه ربٌ؟،.
قال اْلله،. ﴿..فَأَنسَاهُ ٱلشَّیۡطَانُ ((ذِكۡرَ رَبِّهِ)) فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِینَ﴾ [يوسف 42]،.
ألم تسميه توحيداً؟! أي لا ينبغي أن تكون [الربوبية] لغير الله وحده؟! فما بال ٱلۡقُرآن يذكر الكافر بــ : رب؟!،.
6 ــــ الآية التي استدللت بها دون اخواتها،. السؤال فيها كان : مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ، وليس عن ربهم هم! ركّز شوي،. هم قالوا بأن اللّٰه رب السماوات ورب العرش،. ففي الحقيقة، هم لم يقروا بأنه (ربٌ لهم هم) أصلاً،. ولا أنه خالقهم ولا رازقهم ولا شيء،. إنما ردّوا على السؤال بأن الله رب السماوات والعرش! فأين توحيدهم للربوبية في استدلالك هذا؟!،.
لنفرض أن لصاً سرق مالاً من قصر لزيدٍ وأبى الاعتراف بأنه مال زيد،. فسألته،. لمن هذا القصر؟! فقال هو لزيد والمال ماله،. فهل هذا يدل أن اللص امتلك مالاً حلالاً؟! بمجرد أنه اعترف بأن القصر لزيد؟! وهل هذا يدل بأن اللص شريفٌ؟! وأنه صادقٌ أمين؟! أم سنقول بأن اللص مقرٌ بالصدوقية [الصدق]، ولا يقر بالأُمونية [الأمانة]؟! كما قيل عن مشركي قريش،. مؤمني ربوبية [الرب]، ومشركي ألوهية [الإله]،.
7 ــــ لو أكملت قراءة الآية لوجدت في سياقها ما يبطل حصرك وتعريفك للرب والربوبية،. قال اْلله بعدها،. ﴿مَا ٱتَّخَذَ ٱللهُ مِن وَلَدࣲ ((وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنۡ إِلَهٍ إِذࣰا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهِ بِمَا خَلَقَ)) وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ سُبۡحَانَ ٱللهِ عَمَّا یَصِفُونَ﴾ [المؤمنون 91]،.
الشاهد منها، أن الله ذكر الإله [الألوهية] وليس الرب [الربوبية]،. لتقول أن المشركين يقرون بالربوبية! ثم الأمر الآخر، تجد فيها أن الله جعل الخلق من سمات الإله،. وليس كما زعمتم أن الخلق يندرج تحت الربوبية!،.
8 ــــ هذه بعض الآيات المتشابهة، التي لو اخذت بها كما أخذت بتلك الآية، لاستحييت من الاستدلال بها،. لأنها لا تحصر الخلق بالربوبية، ولا تدل على إقرارهم بالرب،.
أ ــ عندك مثلاً في سورة يونس،. قال اْلله،. ﴿قُلۡ مَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن یَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَارَ وَمَن یُخۡرِجُ ٱلۡحَي مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَیُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتَ مِنَ ٱلۡحَي وَمَن یُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ ((فَسَیَقُولُونَ ٱلله)) فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ ٱلله رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَالُ فَأَنَّى تُصۡرَفُونَ﴾ [يونس 31 - 32]،. رغم أن في آخرها لفظة الرب، إلا أنه لا يحق لك الاستدلال بها دون جمعها مع أخواتها،.
ب ــ فعندك مثلاً في سورة المؤمنون ختمها بالإله وليس بالرب،. قال اْلله،. ﴿قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهَاۤ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ((سَیَقُولُونَ لِلهِ)) قُلۡ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ ((سَیَقُولُونَ لِلهِ)) قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلۡ مَن بِیَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءࣲ وَهُوَ یُجِیرُ وَلَا یُجَارُ عَلَیۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ((سَیَقُولُونَ لِلهِ)) قُلۡ فَأَنَّى تُسۡحَرُونَ بَلۡ أَتَیۡنَاهُم بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّهُمۡ لَكَاذِبُونَ مَا ٱتَّخَذَ ٱللهُ مِن وَلَدࣲ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنۡ إِلَهٍ إِذࣰا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهِ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ سُبۡحَانَ ٱللهِ عَمَّا یَصِفُونَ﴾ [المؤمنون 84 - 91]،.
ج ــ وعندك مثلاً في سورة العنكبوت وليس فيها لفظة الرب التي منها استخلصت [الربوبية]،. قال اْلله،. ﴿وَكَأَیِّن مِّن دَاۤبَّةࣲ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللهُ یَرۡزُقُهَا وَإِیَّاكُمۡ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ ((لَیَقُولُنَّ ٱللهُ)) فَأَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ ٱللهُ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ وَیَقۡدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِیمࣱ وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا ((لَیَقُولُنَّ ٱللهُ)) قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ وَمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَهۡوࣱ وَلَعِبࣱ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡآخِرَةَ لَهِي ٱلۡحَیَوَانُ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُا۟ ٱللهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ یُشۡرِكُونَ لِیَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَیۡنَاهُمۡ وَلِیَتَمَتَّعُوا۟ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنࣰا وَیُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡ أَفَبِٱلۡبَاطِلِ یُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللهِ یَكۡفُرُونَ﴾ [العنكبوت 60 - 67]،.
د ــ وعندك التي تستدل بها من سورة لقمان نفسها، وليس فيها كلمة الرب التي اشتققت منها [الربوبية!]،. قال اْلله،. ﴿وَمَن كَفَرَ فَلَا یَحۡزُنكَ كُفۡرُهُ إِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤا۟ إِنَّ ٱللهَ عَلِیمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمۡ قَلِیلࣰا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِیظࣲ وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ ((لَیَقُولُنَّ ٱللهُ)) قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ لِلهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُ ٱلۡحَمِیدُ وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَامࣱ وَٱلۡبَحۡرُ یَمُدُّهُ مِنۢ بَعۡدِهِ سَبۡعَةُ أَبۡحُرࣲ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَاتُ ٱللهِ إِنَّ ٱللهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسࣲ وَاحِدَةٍ إِنَّ ٱللهَ سَمِیعُۢ بَصِیرٌ﴾ [لقمان 23 - 28]،.
ه ــ وعندك مثلاً التي في سورة الزمر،. وهي تشبه تماماً آية لقمان وليس فيها لفظة الرب التي اشتققت منها كلمتك [الربوبية!]،. قال اْلله،. ﴿وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ ((لَیَقُولُنَّ ٱللهُ)) قُلۡ أَفَرَءَیۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللهِ إِنۡ أَرَادَنِي ٱللهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوۡ أَرَادَني بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَاتُ رَحۡمَتِهِ قُلۡ حَسۡبِي ٱللهُ عَلَیۡهِ یَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر 38]،.
و ــ كذلك في سورة الزخرف،. وليس فيها لفظة الرب،. قال اْلله،. ﴿وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّماوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ ((لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡعَلِیمُ)) ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدࣰا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِیهَا سُبُلࣰا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ [الزخرف 9 - 10]،.
ز ــ في سورة الزخرف آية ستجعل المقتسمين يقولون بأن مشركي قريش يقرون بتوحيد الأسماء والصفات،. قال اْلله،. ﴿وَلَئن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَیَقُولُنَّ ((خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡعَلِیمُ))﴾ [الزخرف 9]،. لم يقولوا : الله،. بل قالوا العزيز العليم،. فبالتالي [بمثل طريقتهم في الاستدلال]،. يكون المشركون مؤمنين بقسمين من أقسام التوحيد،. وبقي قسم واحد ツ،.
وغيرها الكثير من مثل هذه الآيات،. وهذه التالية في سورة النمل،. كانت قاضية لما ذهب إليه المقسمون،. فهذه آيات عظيمة تنسف كل المزاعم أن [الربوبية] تعني الخلق والرزق والإحياء -نعم ليس فيها سؤال الكفار-،.. ولكن فيها كلام الله الحق،. فاسمع وتدبر،. وانظر كيف يذكر الله الإله [الألوهية]،. وليس الرب [الربوبية]،. مع التي جعلتموها تحت الربوبية،.
قال اْلله،. ﴿قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِینَ ٱصۡطَفَىٰۤ ءَاۤللهُ خَیۡرٌ أَمَّا یُشۡرِكُونَ أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِ حَدَاۤئقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤ ((أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللهِ)) بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارࣰا وَجَعَلَ خِلَالَهَاۤ أَنۡهَارࣰا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَیۡنَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ حَاجِزًا ((أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللهِ)) بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِ ((أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللهِ)) قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن یَهۡدِیكُمۡ فِي ظُلُمَاتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن یُرۡسِلُ ٱلرِّیَاحَ بُشۡرَا بَیۡنَ یَدَي رَحۡمَتِهِ ((أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللهِ)) تَعَالَى ٱللهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ أَمَّن یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَمَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ ((أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللهِ)) قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَانَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَادِقِینَ قُل لَّا یَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَیۡبَ إِلَّا ٱللهُ وَمَا یَشۡعُرُونَ أَیَّانَ یُبۡعَثُونَ بَلِ ٱدَّارَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡآخِرَة بَلۡ هُمۡ فِي شَكࣲّ مِّنۡهَا بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ﴾ [النمل 59 - 66]،.
فالله ذكر الإله [الألوهية]،. مع الخلق، وإنزال الماء، وإنبات الحدائق، وذكر الإله [الألوهية]،. مع من جعل الأرض قراراً،. وإجابة المضطر، والهداية في الظلمات،. وذكر الإله [الألوهية]،. مع إرسال الرياح،. ثم أكد عليه، وذكر الإله مجدداً [الألوهية]،. مع الخلق والزرق،. وهذه كلها عن المقتسمين، تندرج تحت توحيد الربوبية، وليس توحيد الألوهية،.
9 ــــ في هذه الآيات يتكلم الله فيه عن أمورٍ،. قال السلفية أنها تندرج تحت الربوبية [الرب]،. ولكن في كل مرة، يجيب الله باسمه (الله)،. [وليس بالرب هي عند السلفيين ربوبية]،. ولا يحق لك أن تشتق الرب من اسم الله ﴿الله﴾،. والسبب أن أعلام وأقحاح العرب مختلفين في تعريب اسم الله،. فيتساءلون هل لفظ الجلالة (الله) مترجل أم منتسل؟ [أي جامد أم مشتق؟]،. [أي جذر ومصدر أم تصريف؟]،. فأغلبهم استقر أن الله مشتق من اسم (إله)، وكذلك الاسم (إله)،. مشتق أيضاً ولكن مم؟،. هم في ذلك على أربعة أقوال،.
1 ــ لاه، يلوه، لوهاً، معناها : احتجب وتستر،.
2 ــ لاه، يليه، [مصدر لوه، لوهان] : على وارتفع،.
3 ــ وله، يوله، يحبه ويشتاق إليه الخلائق ويتعلقون به،.
4 ــ أله، يأله، من معانيها : العبادة، الاستكانة، التحير، الفزعة،.
فإن كان العرب مختلفين حول معنى الله،. لأربعة أجزاء،. وجزء واحد منها فيه أربعة أقوال،. أحد الأربعة، في ربعه المعبود،. فكيف تلزم الناس بجزء من جزء من جزء من قولهم وتختار المعبود دون بقية الأقوال؟،.
ــــــــــ إدراجات وخصائص الربوبية والألوهية، والتفريق بينهما،.
زعم المقسّم المقتسم،. أن أفعال الله من خلق وزرق وتدبير وإحياء وإماتة وغيرها، كلها تندرج تحت الربوبية،. التي كان المشركون يؤمنون بها!! نسألهم،. *وماذا عن البعث؟!* هل البعث كذلك عندكم، يندرج تحت الدرج، أقصد تحت بند الربوبية؟!،. وهل كانوا يؤمنون به؟! اقرأ واكتحل،. قال اْلله،. ﴿أَمَّن ((یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ)) وَمَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ ((أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللهِ)) قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَانَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَادِقِینَ﴾ [النمل 64]،.
ليس لك الآن [بعد أن تورطت فيها]،. أن تُخرج (البعث) من الربوبية، وتضعه تحت الألوهية،. لأن الألوهية عندك هو صرف العبادة للّٰه وحده،. وليس فيه شيء من أفعال الرب،. بل كلها تخرج من العبد للرب وليس من الرب للعبد،. ولكن هذه الآية وحدها تكذب مزاعمك كلها،. حيث جعل اللّٰه الخلق والرزق مع الإله،. وليس مع الرب،. وجعل البعث مع الإله كذلك،. وبهذا يسقط كل ما قلته حول إيمان المشركين بالربوبية،. فمن أظهر ما كانوا يكفرون به هو البعث،.
الآن،. لو جعلت البعث تحت الربوبية فقط كذبت نفسك،. لأن المشركين لم يكونوا يؤمنون بالبعث أبداً، ولا لحظة،. وأنت تعرّف الربوبية أنها : أن تؤمن بأن الله يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويبعث ويشفي وغير ذلك،. ولكن المشركين (الموحدين ربوبية عندكم)، لم يكونوا يؤمنون بالبعث، وهذه عند المقتسمين، نوع من أنواع توحيد الربوبية،. فكيف كانوا مؤمنين ربوبية؟!
ولو جعلت البعث تحت الألوهية،. كذلك كذبت نفسك،. لأن الألوهية في تعريفك هي صرف العبادة للّٰه،. والبعث ليس له علاقة بالعبادة،. ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ ((مُخْتَلِفٍ)) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ ((الْخَرَّاصُونَ))﴾ [الذاريات 8 ــ 10]،.
هكذا يحصل للمبتدع حين يبتدع في دين الله ما ليس منه،. يختلف ويتناقض، أمره كله مريج،. ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق 5]،.
ــــــ هل الخلق والرزق يندرجان تحت الربوبية؟!،.
ــ الخلق والرزق مُدرجان تحت توحيد الربوبية حصراً، وليس تحت توحيد الألوهية،. ولكن،.... كيف يكون الخلق والرزق من الرب [الربوبية] حصراً،. والله يقول،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللهِ عَلَیۡكُمۡ *((هَلۡ مِنۡ خَالِقٍ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَاۤ إِلَهَ إِلَّا هُوَ))* فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ وَإِن یُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ وَإِلَى ٱللهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ﴾ [فاطر 3 - 4]،. ذكر اللّٰه هنا الخلق، وربطه بالإله،. وليس بالرب، فكيف جعلت الخلق من خصائص الرب [الربوبية]،.
ــ عند المقتسمين، الخلق يندرج تحت توحيد الربوبية [الرب]، وليس تحت توحيد الألوهية [الإله]،. ولكن قالَ اْللّٰه،. ﴿وَٱتَّخَذُوا۟ ((مِن دُونِهِ ءَالِهَةࣰ لَّا یَخۡلُقُونَ شَیۡـࣰٔا وَهُمۡ یُخۡلَقُونَ)) وَلَا یَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰا وَلَا یَمۡلِكُونَ مَوۡتࣰا وَلَا حَیَوٰةࣰ وَلَا نُشُورࣰا﴾ [الفرقان 3]،. هنا الخلق الذي زعم الزاعمون أنه من خصائص الربوبية، ولكن الله ذكر فيه الإله،. وليس الرب،.
كذلك هذه الآية،. ﴿بَلۡ أَتَیۡنَاهُم بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّهُمۡ لَكَاذِبُونَ مَا ٱتَّخَذَ ٱلله مِن وَلَدࣲ ((وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنۡ إِلَهٍ إِذࣰا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهِ بِمَا خَلَقَ)) وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ سُبۡحَانَ ٱللهِ عَمَّا یَصِفُونَ عَالِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ﴾ [المؤمنون 90 - 92]،.
ــ الأنعام بلا شك من نعم الله ورزقه لنا،. وحين ذكرها في سورة الحج،. علل وربط هذا الرزق بالإله،. قال اْلله،. ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ ((عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَـإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ)) فَـلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج 34]،. أليس هذا توحيد الألوهية الذي يدعونه،. ﴿فَـإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ﴾؟! فلم يقرن الله الرزق بالإله وليس بالرب؟!،.
ــ يذكر اْلله الإله [الألوهية]، لا إله إلا هو،... ويقول بعدها : فاعبدوه،. وهو يتكلم عن أسماءٍ "هي عند المقتسمين تندرج تحت توحيد الربوبية"،. كالخالق والبديع والقدير،. ﴿وَجَعَلُوا۟ لِلهِ شُرَكَاۤءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡ وَخَرَقُوا۟ لَهُ بَنِینَ وَبَنَاتِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ سُبۡحَانَهُ وَتَعَلَىٰ عَمَّا یَصِفُونَ بَدِیعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنَّى یَكُونُ لَهُ وَلَدࣱ وَلَمۡ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةࣱ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءࣲ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِیمࣱ *((ذَلِكُمُ ٱللهُ رَبُّكُمۡ لَاۤ إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَلِقُ كُلِّ شَيءࣲ فَٱعۡبُدُوهُ))* وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ وَكِیلࣱ﴾ [الأنعام 100 - 102]،.
أعلم أنك ستقول، بأن الألوهية متضمنة للربوبية،. ولكن لا تستعجل رزقك،. سآتيك بآيات فيها الرب وليس في الإله،. وهي بمواضع، كان من المفترض أن تذكر الإله ولم تذكره، كونه أشمل وأعم من الربوبية ومتضمن للربوبية،.
ــــ الإله هو الله، والرب هو الله،. لا نفرق بينهما بتقسيم مفترى،.
قال اْلله،. [ولاحظ كيف يذكر الرب والإله معاً]،. ﴿أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَاكُمۡ عَبَثࣰا وَأَنَّكُمۡ إِلَیۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ فَتَعَالَى ٱللهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِیمِ وَمَن یَدۡعُ مَعَ ٱللهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا یُفۡلِحُ ٱلۡكَافِرُونَ وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلرَّاحِمِینَ﴾ [المؤمنون 115 - 118]،.
ــ لمن زعم وادعى بأن الألوهية متضمنة للربوبية،. وأنها أعم وأشمل من الربوبية،. هذه آيات فيها الربوبية وليس في الألوهية،. وهي بمواضع كان من الأحق بزعم المقتسم أن تذكر الإله وليس الرب، ولم تذكره،.
ــ الكفار يوم القيامة، بعد أن وقع الحق وعرفوا الحق وانكشف كل شيء،. يفترض هنا أنهم عرفوا الفرق بين الألوهية والربوبية،. وأنه حان الأوان لدعوة الله الإله، وليس بدعوته بالرب! فهم [بزعم المقتسمين يقرون بالربوبية]،. ولكن العجيب أن كل دعائهم يوم القيامة كان للرب، وليس للإله،. فعلى سبيل المثال لا الحصر،. ﴿یَوۡمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ یَقُولُونَ یَالَیۡتَنَاۤ أَطَعۡنَا ٱللهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠ وَقَالُوا۟ ((رَبَّنَاۤ إِنَّاۤ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاۤءَنَا)) فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِیلَا۠ ((رَبَّنَاۤ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَیۡنِ)) مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنࣰا كَبِیرࣰا﴾ [الأحزاب 66 - 68]،.
وهكذا، كل أدعيتهم يوم القيامة بالرب،.... ﴿وَنَادَوۡا۟ یَا مَالِكُ ((لِیَقۡضِ عَلَیۡنَا رَبُّكَ)) قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ﴾ [الزخرف 77]،. فلماذا لم يدعونه هنا بالإله وهي أحق وأوجب عليهم،. حيث أن الخلل كان في الألوهية وليس في الربوبية؟،.
لماذا يوم القيامة لا تجد قولا واحداً للكفار (إلهنا)؟،. وقد عرفوا الآن أنه هو الإله بحق، فتابوا وندموا، وفوق هذا، مازالوا يقولون يوم القيامة،. ث
ــ ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ((رَبَّنَاۤ)) أَرِنَا ٱلَّذَیۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنس..﴾ [فصلت 29]،.
ــ ﴿وَهُمۡ ((یَصۡطَرِخُونَ فِیهَا رَبَّنَاۤ)) أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَالِحًا غَیۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُ..﴾ [فاطر 37]،.
ــ ﴿قَالُوا۟ ((رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَیۡنَا شِقۡوَتُنَا)) وَكُنَّا قَوۡمࣰا ضَاۤلِّینَ ((رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا)) مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون 106 - 107]،.
وقالوا يا مالك ادع لنا ربك،. لماذا لم يقولوا إلهك؟! أليس يوم القيامة يعرفون أن الله هو الإله الحق؟! وأن آلهتهم هبو؟! فلماذا لا يدعونه الآن بالإله [تلك الألوهية التي كانوا يكفرون بها في الدنيا]!،. فليعوضوا عما فاتهم!،.
ــ حين يُدخل العبد القبر، يُسأل من ربك [وهذه ربوبية]؟،. لماذا لا يسأل من إلهك [أين الألوهية وهي أشمل]؟! إن قلت بأن الرب هو الإله [وهذا انقلاب]، أقول بالتالي [نكاية فيك] إقرار المشركين بالرب إقرارٌ بالإله،.
ﻋﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪﺓ، ﻋﻦ اﻟﺒﺮاء ﺑﻦ ﻋﺎﺯﺏ؛ «ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: ﺫﻛﺮ ﻋﺬاﺏ اﻟﻘﺒﺮ، ﻗﺎﻝ: ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ: *((ﻣﻦ ﺭﺑﻚ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: اﻟﻠﻪ ﺭﺑﻲ))*،. ﻭﻧﺒﻴﻲ ﻣﺤﻤﺪ، ﻓﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻳﺜﺒﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻳﻦ آمنوا ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎﺓ اﻟﺪﻧﻴﺎ} ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻤﺴﻠﻢ» ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ «ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ: اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺇﺫا ﺳﺌﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺮ، ﻳﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻳﺜﺒﺖ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎﺓ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ} ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.
ــ توحيد العبادة،. [الألوهية]،. علمونا بأن توحيد الألوهية متعلق بالعباد تجاه الإله، وتوحيد الربوبية متعلقة بالرب تجاه العباد،. كذلك هذا باطل، بدليل،....
ــــ في سورة الأنبياء،. ربط اللّٰه العبادة باسمه الرب، وكذلك ربط العبادة باسمه الإله،. مما يعني أن هذا العلم كله بني على باطل،. لأن الرب يُعبد، والإله يُعبد،. ولا فرق،. فالله رب نعبده،. وإله نعبده،.
قال اْلله،. ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَیۡهِ أَنَّهُ ((لَاۤ إِلَهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ))﴾ [الأنبياء 25]،. وقال اْلله،. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَاحِدَةࣰ ((وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ))﴾ [الأنبياء 92]،.
فالله أمرنا أن نعبده كرب [ربوبية]، وأمرنا أن نعبده كإله [ألوهية]،.
ــــ أول موضع في ٱلۡقُرآن، أمرنا الله بعبادته، قال فيه (ربكم)، ولم يقل (إلهكم)،. قال،. ﴿یَا أَیُّهَا ٱلنَّاسُ ((ٱعۡبُدُوا۟ رَبَّكُمُ)) ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة 21]،. مع أن الربوبية لا تعني العبادة عند المقتسمين،. الذين جعلوا ٱلۡقُرآن عضين،.
ــــ هل كان المشركون يؤمنون بالرب "الخالق" فعلاً؟،.
قالوا،. المشركين يقولون ﴿لو شاء ربنا﴾،. ولا يقولون لو شاء إلهنا! فبالتالي هم يؤمنون بالرب،..
طبعاً هذا الكلام كذب على الله ابتداءً، ثم هو كذب على المشركين أنفسهم،. فالمشركين لم يكونوا يؤمنون بالرب خالقاً،. كانوا يكفرون بالله خالقاً،. ويكفرون به رباً وإلهاً،. قال اْلله عن المشركين،. ﴿قُلۡ أَئنَّكُمۡ ((لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ)) فِي یَوۡمَیۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُ أَندَادࣰا ((ذَلِكَ رَبُّ ٱلۡعَالَمِینَ))﴾ [فصلت 9]،. والخلق عن المقتسمين يندرج تحت توحيد الربوبية، الذي يزعمون بأن مشركي قريش كانت تؤمن به!! اللّٰه أكبَر،.
وهذه الآية، رغم وضوحها في أنهم يكفرون بالربوبية وهذا هو الدليل الواضح فيها،. إلا أن المقسّمين المقتَسِمين يرون فيها دليلاً إضافيا على إصرارهم وبدعتهم، بأن "الخلق" من معاني الربوبية، ذلك أن الله قال في آخرها : ذَلِكَ رَبُّ ٱلۡعَالَمِینَ!،..
نقول،. رغم أن "الخلق" يندرج عندهم تحت توحيد الربوبية (عند المقتسمين)،. إلا أن الله قد ذكره مع الإله [الألوهية]،. قال اْلله،. ﴿ما ٱتَّخَذَ ٱللهُ مِن وَلَدࣲ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنۡ ((إِلَهٍ إِذࣰا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهِ بِمَا خَلَقَ)) وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ سُبۡحَانَ ٱللهِ عَمَّا یَصِفُونَ﴾ [المؤمنون 91]،.
فبالتالي،. الخلق، ليس من خصوصيات الربوبية كما زعم المقتسمين،.
قال اْلله،. ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ ((مَا خَلَقَ ٱلله)) مِن شَيءࣲ یَتَفَیَّؤُا۟ ظِلَالُهُ عَنِ ٱلۡیَمِینِ وَٱلشَّمَاۤئلِ سُجَّدࣰا لله وَهُمۡ دَاخِرُونَ وَلِلهِ یَسۡجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَاۤبَّةࣲ وَٱلۡمَلَائكَةُ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ یَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَیَفۡعَلُونَ مَا یُؤۡمَرُونَ وَقَالَ ٱللهُ ((لَا تَتَّخِذُوۤا۟ إِلَهَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَاحِدࣱ)) فَإِیَّاي فَٱرۡهَبُونِ وَلَهُ مَا فِي ٱلسَّماوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّینُ وَاصِبًا أَفَغَیۡرَ ٱللهِ تَتَّقُونَ﴾ [النحل 48 ـ 52]،.
قال المقتسمين أن المشركين يقرون بالرب،. بينما يقول الله في تتمة آيات سورة النحل،. ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةࣲ فَمِنَ ٱللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَیۡهِ تَجۡـَٔرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنكُم ((بِرَبِّهِمۡ یُشۡرِكُونَ لِیَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَیۡنَاهُمۡ)) فَتَمَتَّعُوا۟ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل 53 ـ 55]،.
ــــــــــــــــــ الدعاء،...
الألوهية عندهم هو صرف (العبادة) لله وحده،. الدعاء هو العبادة،. أو مخ العبادة، وأصل العبادة،. ويندرج تحته الاستغاثة والاستعانة والتوكل والخوف والرجاء، وهذا ما يسمونه المقتسمين (توحيد الإرادة والطلب، أو توحيد العبادة)،. وكلامهم كله باطل، بدليل،...
ــــ ذكرت تصاريف الرب 929 مرة في ٱلۡقُرآن،. بينما تصاريف اسم الإله قد ذكرت 147 مرة في ٱلۡقُرآن كله،. ولا يوجد فيه دعاء باسم الإله،. كلها باسم الرب،. مثال،. رب اصرف عني، رب هب لي،. ربنا،.
ــــ ربط اْلله الدعاء باسمه الرب وليس بالإله،. قالَ اْلله،. ﴿وَقَالَ *((رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِي))* أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ﴾ [غافر 60]،.
ــ قال اْلله،. ﴿((إِنَّ رَبَّكُمُ)) ٱللهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَیَّامࣲ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ یُغۡشِي ٱلَّیۡلَ ٱلنَّهَارَ یَطۡلُبُهُ حَثِیثࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتِۭ بِأَمۡرِهِ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُ تَبَارَكَ ٱللهُ ((رَبُّ)) ٱلۡعَالَمِینَ ((ٱدۡعُوا۟ رَبَّكُمۡ)) تَضَرُّعࣰا وَخُفۡیَةً إِنَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ﴾ [الأعراف 54 - 55]،.
ــ قال اْلله،. ﴿((إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ)) فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَائكَةِ مُرۡدِفِینَ﴾ [الأنفال 9]،. مع أن الاستغاثة من الألوهية، وليست من الربوبية،. والاستغفار كذلك،.
ــ قال اْلله على لسان هود،. ﴿وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ إِنَّ رَبِّي رَحِیمࣱ وَدُودࣱ﴾ [هود 90]،.
ــــ الرحمن من أسماء الله التي ربطها الله نفسه بالدعاء،. قالَ اْللّٰه،. ﴿قُلِ ٱدۡعُوا۟ ٱللهَ أَوِ ٱدۡعُوا۟ ٱلرَّحۡمَنَ أَیࣰّا مَّا تَدۡعُوا۟ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَیۡنَ ذَلِكَ سَبِیلࣰا﴾ [الإسراء 110]،.
وفي سورة ((الرحمن)) نفسها،. لا يوجد ذكر الإله أبداً، بل ولا يوجد فيه اسم الله (الله)،. بل أكثر الذي تجده هو "ربكما"،. وتجد "ربكم، رب المشرقين والمغربين،. ذو الجلال والإكرام"،.
ــــ إبراهيم ﷺ،. لم يدع الله ولا مرة في ٱلۡقُرآن كله باسم الله الإله،. وإبراهيم، لم يك من المشركين،. مثل،. ﴿رَبِّ هَبۡ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِینَ﴾ [الصافات 100]،.
إبراهيم،. حين كان يحاجج قومه الذين كفروا [بالألوهية]،. وكانوا مقرين [بالرب] بزعم المقتسمين،. لم يكلمهم إلا عن الرب،. قال اْلله علي لسانه،. ﴿قَالَ أَفَرَءَیۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ فَإِنَّهُمۡ عَدُوࣱّ لِّي إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَالَمِینَ ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ یَهۡدِینِي وَٱلَّذِي هُوَ یُطۡعِمُنِي وَیَسۡقِینِي وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ یَشۡفِینِي وَٱلَّذِي یُمِیتُنِي ثُمَّ یُحۡیِینِي وَٱلَّذِي أَطۡمَعُ أَن یَغۡفِرَ لِي خَطِیۤـَٔتي یَوۡمَ ٱلدِّینِ﴾ [الشعراء 75 - 82]،. فأين الإله في كلام إبراهيم؟! وهو أبو المسلمين في الملة؟!،.
أليس عجيباً أن يتكلم إبراهيم الحنيف الأواه المنيب خليل الله،. فقط عن أشياء يعدها المقتسمين شنشنات المشركين؟! وهي لا ترقى ولا تكفي المؤمن ليكون موحداً بالله؟! كان عليه أن يتكلم عن الإله وليس عن الرب وما يحمل من معانيه عند القوم!،. ولكنه لم يذكر الإله قط، في ٱلۡقُرآن كله، إلا في موضع ينكره فيه عليهم، فحين ذكر الإله كان عن آلهة المشركين، وليس عن الله، وذكره امتعاضاً وتكذيباً ومقتاً لهم وإنكاراً عليهم،. ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَاهِیمُ لِأَبِیهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ ((أَصۡنَامًا ءَالِهَةً))؟ إِنِّي أَراكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَالࣲ مُّبِینࣲ﴾،[الأنعام 74]،. وقال،. ﴿أَءِفۡكًا ءَالِهَةࣰ دُونَ ٱللهِ تُرِیدُونَ﴾ [الصافات 86]،. فلما رد عليهم الآلهة،. صرفهم للّٰه الواحد،. وطالما هو الآن في معرض مقابلة بين الآلهة الإفك وبين الله،. فيفترض منه أن يذكر (ألوهية) الله الآن،. فانظر ماذا قال بعد تلك الآية مباشرةً،. قال،. ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَالَمِینَ﴾ [الصافات 87]،.
ماذا نقول بعد هذا؟،. إبراهيم وحده، يكفي ليرد كل ضلالات المقتسمين،. صَلَّىٰ اْللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،.
(ملاحظة) تجد في ٱلۡقُرآن كثيراً،. ﴿رب العالمين﴾،. ولا يوجد في القُــرآن أبداً (إله العالمين)،. ولا حتى في الأحاديث،. إنما تجد (إله الناس)،. ولك أن تتسائل لماذا!،.
ــــ التوكل من العبادة عند المقتسمين،. أي أنهما يندرجان تحن توحيد الألوهية،. وليس الربوبية،.
لا شك عند المقتسمين، أن التوكل لا يكون إلا لله، فهو ضمن توحيد الألوهية،. ولكن،..
ــ قال اْلله،. ﴿إِنَّ عِبَادِي لَیۡسَ لَكَ عَلَیۡهِمۡ سُلۡطَانࣱ ((وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِیلࣰا))﴾ [الإسراء 65]،.
ــ وقال،. ﴿وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ مِن ((رَّبِّكَ)) إِنَّ ٱللهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا ((وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللهِ وَكَفَى بِٱللهِ وَكِیلࣰا))﴾ [الأحزاب 2 - 3]،.
وفيه التوكل والاتباع،. نسبهما الله للرب، ولم ينسبها للإله،. كما زعم المقتسمون أنها تندرج تحت الألوهية،.
قال اْلله،. ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَيءࣲ فَحُكۡمُهُ إِلَى ٱللهِ ((ذَلِكُمُ ٱلله رَبِّي عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ)) وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ﴾ [الشورى 10]،. وغيرها كثير،. مما يدل أنه كان عليهم وضع التوكل تحت الرب، وليس تحت الإله،. ولكنهم إن فعلوا هذه فسوف ينهار بنيانهم الذي بنوه فوق رؤوسهم! فتوحيد الإلوهية هو المعني بأمور العبادة 😏 وليس توحيد الربوبية!!،.
ــ قال المقتسمون،. الأنبياء لم يُبعثوا بقول أن الخالق هو الله، لأن الناس يعرفون،. [يقصد يعرفون الربوبية]،. ثم استدل بـقول بعض الأنبياء،. (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، ولم يقل ما لكم من رب غيره،. ثم شرح : فالأنبياء يوجهون الناس لتوحيد الألوهية، توحيد العبادة،. لأن الناس تعرف الربوبية ولا تعرف الألوهية، طيب طيب،...
1 ــ ماذا عن إبراهيم؟،. إبراهيم لم يكلم قومه نهائياً عن الإله، كل كلامه معهم كان عن الرب،. وقال لهم،. ﴿إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللهِ أَوۡثَانࣰا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًا إِنَّ ٱلَّذِینَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللهِ ((لَا یَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقࣰا فَٱبۡتَغُوا۟ عِندَ ٱللهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ)) وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُ إِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [العنكبوت 17]،. ومعلومٌ أن الزرق من خصائص الربوبية،. فلماذا كلهم عن الربوبية وهم مؤمنون أصلاً بالربوبية؟!،.
2 ــ من الجميل الاستدلال بكلام الأنبياء، ولكن ليس من الأمانة العلمية الانتقاء والاستقطاع وإخفاء بقية النصوص، تأخذ ببعض قول بعض الأنبياء وتترك أقوال الأنبياء الآخرين، كإبراهيم وموسى وعيسى،. هل تعلم أن إبراهيم الذي وفى، لم يدع قومه (للإله) ولا مرة؟! كل كلامه كان عن الرب فقط؟ هل تعلم أن موسى الذي أُرسِل لفرعون [الذي قال ما علمت لكم من إله غيري، وقال لإن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين..] لم يكلمه موسى عن الله (كإله) ولا مرة ولم يتلفظ بها نهائياً عند فرعون؟،. بل كان يذكر الرب فقط؟ هل تعلم أن عيسى لم يدع قومه البتة للّٰه (الإله)؟! ولم يتلفظ بها البتة، في ٱلۡقُرآن كله؟! كل مرة كان يقول ربي وربكم، ربي وربكم، حتى قيل له هل يستطيع ربك ولم يقولوا هل يستطيع إلهك،. وهؤلاء الأنبياء بلا شك أعلى مقاماً ومدحاً وفضلاً وأكثر ذكراً في ٱلۡقُرآن،. فلم تركت قولهم وذكرت فقط ما يخدم دعوتك؟!،.
3 ــ طيب،.. ذكر قول نوح، ولكن،.. لماذا استقطعته؟! أكمله،. تعال لنقرءها كاملة،. قال اْلله،. ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِ فَقَالَ یَاقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللهَ ((مَا لَكُم مِّنۡ إِلَهٍ غَیۡرُهُ)) إِنِّي أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالࣲ مُّبِینࣲ قَالَ یَا قَوۡمِ لَیۡسَ بِي ضَلَالَةࣱ ((وَلَكِنِّي رَسُولࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَالَمِینَ))﴾ [الأعراف 59 - 61]،.
فنوح بزعمك يتكلم معهم عن الربوبية، جميل،. فلماذا تارة يذكر لهم اسم الإله [الألوهية]،. وتارة يذكرهم برب العالمين [الربوبية]،. واضح أنها ليست كما تدعي بسبب خللهم في توحيد الألوهية، إنما بسبب أنهم ((لا يعبدون الله))،. سواء سميته رباً أو إلهاً،.
كذلك فعل من بعده من الأنبياء،. يدعون قومهم للإله، وللرب،. قال اْلله،. ﴿وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰا قَالَ یَا قَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللهَ ((مَا لَكُم مِّنۡ إِلَهٍ غَیۡرُهُ)) إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ یَا قَوۡمِ لَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِنۡ أَجۡرِي إِلَّا عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعۡقِلُونَ وَیَا قَوۡمِ ((ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ)) ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡا۟ مُجۡرِمِینَ﴾ [هود 50 - 52]،.
ــ الله بنفسه يرد عليك ما زعموه بأن العبادة تخص الألوهية ولا تخص الربوبية،. قالَ اْلله لنا وهو يدعونا لعبادته [الذي تسمونه توحيد العبادة أو الألوهية]،. قال،. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَاحِدَةࣰ ((وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ))﴾ [الأنبياء 92]،. فهنا،.. أستطيع أن أقول مثل قولك، الله لم يقل (وأنا إلهكم فاعبدون) فبالتالي، الناس يعرفون توحيد الألوهية، ولكنه صرفهم للربوبية فقال (وأنا ربكم) وهذا ينسف تلك الدعوى برمتها،.
ــ الاستدلال بآية الميثاق،. وهي ضدهم، قال أن الله فيها قال ألست بربكم؟! ولم يقل ألست بإلهكم! قالوا لأن الاختبار سيكون في الدنيا بالألوهية وليس بالربوبية، طيب، ولماذا يذكرهم بنفسه كرب وليس كإله؟! فالله ذكر الرب في معرض تحذيرهم من الشرك، بينما كان الأولى أن يذكر (الإله) لأنه يعلم أن الخلل سيكون في الألوهية وليس في الربوبية،. فالآية ضد استدلالهم،.
عند المقتسمين،. معظم البشرية لا يشركون بالربوبية، ولكن عندهم مشكلة بالألوهية، فأين توحيد الألوهية في آية الميثاق الأول؟،. وهي من الأصول الأوائل التي يخاطب الله فيه ذرية آدم كلهم الذين سيشركون بالألوهية ولكن لا يذكر الإله، بل الرب،. هذه الآية يسميها كثير من العلماء بآية "الميثاق" لعظمتها،. قال اْلله فيها،. ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ((رَبُّكَ)) مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ *((أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡ قَالُوا۟ بَلَىٰ))* شَهِدۡنَاۤ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِینَ أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾ [الأعراف 172 - 173]،.
ألم يكن من الأولى تذكير بني آدم بالألوهية؟! وليس بالربوبية كونهم [يؤمنون بالربوبية بالفطرة]،. ويعرفون أنه الرب، ويؤمنون بأنه الرب!،.
ــــ إن كان مشركي قريش مؤمنون ربوبيةً، فأهل الكتاب بلا شك مؤمنين ربوبية،. وليس عندهم في هذا القسم خلل،. ولكن العجيب،. أن عيسى لم يدعهم ولا مرة للألوهية، بل في كل مرة كان يقول دائماً،. ربي وربكم،. ولم يقل إلاهي وإلهكم ولا مرة،.
ــ قال اْلله عن عيسى،. ﴿وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَي مِنَ ٱلتَّوۡرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَیۡكُمۡ وَجِئۡتُكُم بِآیَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُوا۟ ٱللهَ وَأَطِیعُونِ ((إِنَّ ٱللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُ)) هَذَا صِرَاطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ﴾ [آل عمران 50 - 51]،.
ــ قال الله،. ﴿لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَقَالَ ٱلۡمَسِیحُ یَا بَنِي إِسۡرَاءِیلَ ((ٱعۡبُدُوا۟ ٱللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡ)) إِنَّهُ مَن یُشۡرِكۡ بِٱللهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللهُ عَلَیۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ﴾ [المائدة 72]،.
ــ وقال عيسى،. ﴿مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَاۤ أَمَرۡتَنِي بِهِ ((أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡ)) وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيءࣲ شَهِیدٌ﴾ [المائدة 117]،.
ــ وقال،. ﴿ذلِكَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِي فِیهِ یَمۡتَرُونَ مَا كَانَ لِلهِ أَن یَتَّخِذَ مِن وَلَدࣲ سُبۡحَانَهُ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ كُن فَیَكُونُ وَإِنَّ ٱللهَ ((رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُ)) هَذَا صِرَاطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ﴾ [مريم 34 - 36]،.
ــ وقال،. ﴿وَلَمَّا جَاۤءَ عِیسَىٰ بِٱلۡبَیِّنَاتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَیِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِیهِ فَٱتَّقُوا۟ ٱللهَ وَأَطِیعُونِ إِنَّ ٱللهَ هُوَ ((رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُ)) هَذَا صِرَاطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ﴾ [الزخرف 63 - 64]،.
لماذا لم يقل لهم : إن الله إلهي وإلهكم، وقد كان ينقصهم توحيد الألوهية؟،. فطالما هم مؤمنين ربوبية،. فلماذا يذكرهم بالرب في كل مرة؟،. ربي وربكم،. ربي وربكم،. حتى ترسخت هذه الكلمة في أذهان الحواريين فقالوا،. ﴿إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِیُّونَ یَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ((هَلۡ یَسۡتَطِیعُ رَبُّكَ)) أَن یُنَزِّلَ عَلَیۡنَا مَاۤئدَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ قَالَ ٱتَّقُوا۟ ٱللهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [المائدة 112]،. ولم يقولوا هل يستطيع إلهك..!؟
ــ السامري أخرج لبني إسرائيل عجلاً فقالوا هو إله، فرد عليهم هارون بأن ربكم الرحمن،. ولم يقل إلهكم،.
قال اْلله،. ﴿فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلࣰا جَسَدࣰا لَّهُ خُوَارࣱ فَقَالُوا۟ ((هَذَاۤ إِلَهُكُمۡ وَإِلَهُ مُوسَىٰ)) فَنَسِيَ أَفَلَا یَرَوۡنَ أَلَّا یَرۡجِعُ إِلَیۡهِمۡ قَوۡلࣰا وَلَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰا وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَرُونُ مِن قَبۡلُ یَاقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ((وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَنُ)) فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِیعُوۤا۟ أَمۡرِي﴾ [طه 88 - 90]،.
ففي حسبة المقتسمين،. كان على هارون أن يقول لهم إلهكم الرحمن، لأن مشكلتهم كانت [ألوهية]! وليست [ربوبية]،. فهل أخطأ هارون؟!
ــ الله يحذر من اتخاذ غيره رباً ويحذر من اتخاذهم إلهاً،.
يقول الله،. ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُؤۡتِیَهُ ٱللهُ ٱلۡكِتَابَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادࣰا لِّي مِن دُونِ ٱللهِ وَلَكِن كُونُوا۟ رَبَّانِیِّينَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ وَلَا یَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡمَلَائكَةَ وَٱلنَّبِیِّينَ ((أَرۡبَابًا)) أَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران 79 - 80]،.
ويقول،. ﴿أَمِ ٱتَّخَذُوۤا۟ ((ءَالِهَةࣰ)) مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ یُنشِرُونَ لَوۡ كَانَ فِیهِمَاۤ ((ءَالِهَةٌ)) إِلَّا ٱللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبۡحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا یَصِفُونَ لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ ((أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِ ءَالِهَةࣰ قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَانَكُمۡ)) هَذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِي وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِي بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّ فَهُم مُّعۡرِضُونَ وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَیۡهِ أَنَّهُ ((لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ)) وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدࣰا سُبۡحَانَهُ بَلۡ عِبَادࣱ مُّكۡرَمُونَ لَا یَسۡبِقُونَهُ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِ یَعۡمَلُونَ یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡیَتِهِ مُشۡفِقُونَ ((وَمَن یَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّي إِلَـٰهࣱ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجۡزِیهِ جَهَنَّمَ)) كَذَلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّالِمِینَ﴾ [الأنبياء 21 - 29]،.
ــ عيسى بن مريم،. يخاطبه الله عن التأليه، فيرد بالتربيب!،.
قال اْلله،. ﴿وَإِذۡ قَالَ ٱللهُ یَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّي ((إِلَهَیۡنِ)) مِن دُونِ ٱللهِ قَالَ سُبۡحَانَكَ مَا یَكُونُ لِي أَنۡ أَقُولَ مَا لَیۡسَ لِی بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلۡتُهُ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَاۤ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ ٱلۡغُیُوبِ مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَاۤ أَمَرۡتَنِي بِهِ ((أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡ)) وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ شَهِیدٌ﴾ [المائدة 116 - 117]،.
فبحسبة المقتسمين، كان على عيسى أن يوجه قومه لتصحيح الألوهية، وليست لتصحيح الربوبية! فهل أخطأ فيها؟!،. لأنه لم يفرق بين الرب والإله؟!،.
ــــ قالوا بأن المشركون اتخذوا آلهة عديدة،. ولم يتخذوا أربابا عديدة!،. ولهذا كانوا يقولون سفهت آلهتنا!! فقالوا،. العرب تعرف الفرق بين الربوبية والألوهية، ولهذا حين سمع العربي أن النّبي ﷺ يدعوهم : قال إذاً تعاديك العرب،. واستدل بــ ﴿أَجَعَلَ ((ٱلۡآلِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَاحِدًا)) إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابࣱ وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ((ءَالِهَتِكُمۡ)) إِنَّ هَذَا لَشيءࣱ یُرَادُ﴾ [ص 5 ــ 6]؟!،.
ولم يقولوا أجعل الأرباب رباً واحداً! لأنهم يعلمون أنه ربٌ واحد وهم يؤمنون به، ولكن الآلهة عندهم عديدة!!،.
طيب،.. لنرد هذا الزعم الغبي،.
1 ــ قال اْلله على لسان يوسف،. ﴿قَالَ لَا یَأۡتِیكُمَا طَعَامࣱ تُرۡزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِیلِهِ قَبۡلَ أَن یَأۡتِیَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمࣲ لَّا یُؤمِنُونَ بِٱللهِ وَهُم بِٱلۡآخِرَةِ هُمۡ كَافِرُونَ وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَاۤءِي إِبۡرَاهِیمَ وَإِسۡحَاقَ وَیَعۡقُوبَ مَا كَانَ لَنَاۤ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللهِ مِن شَيءࣲ ذَلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللهِ عَلَیۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَشۡكُرُونَ یَاصَاحِبَي ٱلسِّجۡنِ ((ءَأَرۡبَابࣱ مُّتَفَرِّقُونَ)) خَیۡرٌ أَمِ ٱللهُ ٱلواحِدُ ٱلۡقَهَّارُ﴾ [يوسف 37 - 39]،.
وهذا قول نبي كريم، بن نبي بن نبي بن نبي كريم،. وليس بقول عابر من فقيه جلف،. سمى آلهتهم بالأرباب،. ولم يقل فيهم آلهة،. رغم أن موضوع النقاش كان في العبادة [أي في الألوهية]، وليس في الرزق والخلق،. [التي هي عندكم الربوبية]،.
2 ــ يقول الله،. ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُؤۡتِیَهُ ٱللهُ ٱلۡكِتَابَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادࣰا لِّي مِن دُونِ ٱللهِ وَلَكِن كُونُوا۟ رَبَّانِیِّينَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ وَلَا یَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡمَلَائكَةَ وَٱلنَّبِیِّينَ ((أَرۡبَابًا)) أَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران 79 - 80]،.
3 ــ أحكام الشريعة من حلال وحرام، والطاعة والاتباع،. بلا شك أنها للّٰه وحده، ولا تنبغي لأحد غيره،. هل تندرج تحت الألوهية أم الربوبية؟! فإن كانت الربوبية فقط اخطأتم،. لأن الله قال في معرض اتباع الهوى،. ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ ((اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ)) وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً...﴾ [الجاثية 23]،.
الآن،. قال اْلله،. ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ *((أَرْبَابًا))* مِنْ دُونِ اللهِ...﴾ [التوبة 31]،. قال أرباباً ولم يقل آلهة،. بينما الأصل عند المقتسمين، أن يقول اتخذوا أحبارهم ورهبانهم آلهة من دون الله،. لماذا؟! لأن الاتباع والطاعة في التحليل والتحريم عند السلفية،. يندرج تحت توحيد الألوهية، وليس توحيد الربوبية،. قال اْلله،. ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ ((اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ)) أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان 43 ـ 44]،.
فبالتالي،. الاتباع والطاعة عبادة، والعبادة تندرج تحت توحيد الألوهية وليس الربوبية،،. فماذا قال اْلله أنهم اتخذوهم أربابا، ولم يقل إلهة؟!،. هل كانوا يظنون أن الأحبار والرهبان يخلقون ويرزقون كما يفعل الرب [ربوبية]؟!،.
4 ــ النّبي ﷺ نفسه يسمي صاحب البعير رباً،. فكيف تسمي الربوبية توحيداً؟!،.
عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد، رضي الله عنه، "أن رجلا سأل رسول الله ﷺ عن اللقطة؟ فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها، فأدها إليه، فقال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، قال: يا رسول الله، فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله ﷺ، حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه، ثم قال: مالك ولها؟! معها حذاؤها وسقاؤها، ((حتى يلقاها ربها))".
أخرجه مالك، والحميدي، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، والبزار، وابن الجارود، وأبو عوانة، وابن حبان، والطبراني، والدارقطني، والبيهقي.
ــــ طريقة الاستدلال هذه، طريقة غبية وفاسدة،.
حين أتوا على هذه الآيات،.. ﴿ولئن سألتهم﴾،. قالوا بأن المشركين يؤمنون بالربوبية،. دعونا نجرب طريقتهم هذه في الاستدلال، على حوادث أخرى في القُــرآن لننظر، ما الذي سنجنيه من وراء هذا،. وليتبين للناس أن هذه الطريقة في الاستقراء والاستنتاج طريقة معفنة فاسدة، لا تصلح إلا لمكب النفايات،.
ــ حين أسلم إبراهيم،. أسلم للرب ولم يذكر الإله،. ﴿وَمَن یَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَیۡنَاهُ فِي ٱلدُّنۡیَا وَإِنَّهُ فِي ٱلۡآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِینَ *((إِذۡ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسۡلِمۡ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ))* ٱلۡعَالَمِینَ﴾ [البقرة 130 - 131]،. فهل يصح أن تقول عندها، أن إبراهيم مؤمن ربوبية فقط بمثل طريقهم في الاستقراء؟! خاصةً أنك لا تجد إبراهيم ذكر ألوهية الله أبداً، في القُــرآن كله،. فهل يكون مؤمنا ربوبية فقط؟!،.
ــ وملكة سبأ، حين أسلمت، قالت أنها أسلمت بالرب، وليس بالإله،. قال اْلله،. ﴿قِیلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةࣰ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَیۡهَا قَالَ إِنَّهُ صَرۡحࣱ مُّمَرَّدࣱ مِّن قَوَارِیرَ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي *((وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَانَ لِلهِ رَبِّ))* ٱلۡعَالَمِینَ﴾ [النمل 44]،.
فهل يصح لنا أن نقول عنها، بأنها آمنت بالربوبية دون الألوهية؟!،. أم أن هذا ضرب من الخبل والهراء؟!،.
ــــــــــــ تشبيه الصوفية بمشركين قريش،.
مشركي قريش وغيرهم، من الذين كانوا [كما زعم المقتسمون]،. موحدين ربوبية ولكنهم يدعون غير الله [لا يصرفون العبادة لله] فهم ليسوا موحدين ألوهية،. لماذا سموا مشركين؟،. هل كانوا مشركين لأنهم دعوا الأصنام؟! أم كانوا مشركين لأنهم اتخذوا الأصنام آلهة؟! هذا سؤالٌ مفصلي مهم جداً،.
نعيد السؤال بصياغة أخرى،. متى صار الصنم رباً عند مشركي قريش؟! هل صار المدعو [الصنم] رباً حين دُعيَ؟! أم صار رباً قبل ذلك ثم دُعيَ؟!
لا يمكنك القول البتة بأن الصنم لم يكن بشيءٍ حتى دُعيَ ثم فجأةً حينها صار عندهم رباً وإلهً!!!،. بل ستذهب للخيار الثاني لزاماً، ستقول أنهم اتخذوا الأصنام آلهة،. فهم مشركون كفرة، ثم دعوهم وعبدوهم من دون الله،. بل هنا يصبح دعاء الصنم أو أي عمل لا قيمة له ولا تأثير،. سواء عبد أو لم يعبد،. سواء دعى أو لم يدع،. هو كافر من قبل أن يعمل،. فمشركي قريش مشركين ليس بالدعاء، الدعاء لا يحدد شيئاً،. هم مشركين، ولو لم يدعوا الأصنام،.
بمعنى آخر،. لو قال أحدهم أن هذا الصنم إله،. ولكنه لا يدعوه، يكون مشركاً،. ولو لم يدعوه ويستغيثه ويسترحمه،.
ولو قال عن صنمه أنه ربٌ وإله،. ولكن ظل يشتمه ويسبه ليل نهار، ويلعنه ويزدريه، بل ويبول ويتغوط على رأس الصنم كل صباح،. سيكون كافراً كذلك ولو فعل كل ذلك، ولو لم يدع صنمه أو يستغيث به،. فهو مشرك باتخاذه إلهً من دون الله، ولم يسمى مشركاً بمجرد عبادته لهذا الإله،. بالتالي،. سواء دعى أو لم يدع،. هو مشرك،.
يعني،... لو وجدت إنساناً يدعو صنما اتخذه لنفسه، واستغاث به، فهذا يقتضي أنه اتخذ الصنم ((ربا وإلهً)) قبل دعائه واستغاثته ولأجل ذلك دعاه،. فهو كافر مشرك،. قال الله،. ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡراهِیمُ لِأَبِیهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ ((أَصۡنَامًا ءَالِهَةً)) إِنّي أَراكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَالࣲ مُّبِینࣲ﴾ [الأنعام 74]،.
فالخلل، ليس في دعاء غير الله، بل في اتخاذ آلهةً من دون الله،. قالَ اْلله،. ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ لِیَكُونَ لِلۡعَالمِینَ نَذِیرًا ٱلَّذِي لَهُ مُلۡكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدࣰا وَلَمۡ یَكُن لَّهُ شَرِیكࣱ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءࣲ فَقَدَّرَهُ تَقۡدِیرࣰا وَٱتَّخَذُوا۟ ((مِن دُونِهِ ءَالِهَةࣰ)) لَّا یَخۡلُقُونَ شَیۡـࣰٔا وَهُمۡ یُخۡلَقُونَ وَلَا یَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰا وَلَا یَمۡلِكُونَ مَوۡتࣰا وَلَا حَیَوٰةࣰ وَلَا نُشُورࣰا﴾ [الفرقان 1 - 3]،.
وقال،. ﴿فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللهِ ((قُرۡبَانًا ءَالِهَةَ)) بَلۡ ضَلُّوا۟ عَنۡهُمۡ وَذَلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ﴾ [الأحقاف 28]،.
انتبه لهذه،. المشرك مشركٌ *((ليس لأنه دعى صنمه فحسب))*،. بل لأنه اتخذ لنفسه رباً وإلهً،. فهو مشرك قبل أن يدعو صنمه،. *((ولا يقال بأنه مشرك بمجرد دعاءه لصنمه))*،. فالدعاء نفسه لا يقدم ولا يؤخر شيئاً،. سواءً دعى أو لم يدعو، سواء استغاث أم لم يستغث، سواء أحبه أم لم يحبه،. هو مشركٌ لأنه سمى لنفسه إلهً غير الله،. وهذه هي النقطة المفصلية،.
الآن،. لماذا تسمون الصوفية مشركين،. ألأنهم اتخذوا القبور آلهة وأربابا من دون الله؟! أم لأنهم دعوا غير الله؟!،.
كلنا يعلم، بأن الصوفية لا يقولون عن الأضرحة والقبور والأموات بأنهم آلهة، ولا أرباباً من دون الله،. فكيف تشبهون الصوفية بمشركي قريش؟! ثم تسمونهم مشركين مرتدين؟!،.
ــــــــــــ [ملخَّص] دعوى أن مشركي قريش كانوا يؤمنون بالربوبية!!،.
من الخطأ القول بأن المشركين كانوا يؤمنون بأن الله خلق الأرض، وهذا مخالف، لأن الله قال في مشركي قريش،. ﴿قُلۡ أَئنَّكُمۡ ((لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ)) فِي یَوۡمَیۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُ أَندَادࣰا ((ذَلِكَ رَبُّ ٱلۡعَالَمِینَ))﴾ [فصلت 9]،.
ففي الحقيقة لم يكونوا يؤمنون بالرب، ولا يؤمنون بخالق الأرض أصلاً،. وإنما كان جوابهم بــ الله، على سؤال من خلق السماوات والأرض، جواب كذبٌ منهم وتعجيز ليس إلا، لا ينبغي حمل قولهم محمل الصدق، فإنهم قوم بهت قد كذبوا في أمور كثيرة قبلها وبعدها،.
ثم مجرد الجواب أنه الله، لا يقتضي منه الاعتراف به والإيمان به كما نقل مقسمي الله لعدة أقسام، (منها الله الإله، والله الرب)،.
لو فرضنا أن لصاً سرق مالاً من قصر لزيدٍ وأبى الاعتراف بأنه مال زيد،. فسألته،. لمن هذا القصر؟! فقال هو لزيد والمال ماله،. فهل هذا يدل أن اللص امتلك مالاً حلالاً؟! بمجرد أنه اعترف بأن القصر لزيد؟! وهل هذا يدل بأن اللص شريفٌ؟! وأنه صادقٌ أمين؟! أم سنقول بأن اللص مقرٌ بالصدوقية [الصدق]، ولا يقر بالأُمونية [الأمانة]؟! كما قيل عن مشركي قريش،. مؤمني ربوبية [الرب]، ومشركي ألوهية [الإله]،.
ــــــــ إبطال مضمون توحيد الاسماء والصفات [عالسريع]،.
كيف توحد الله الرب (العزيز الكريم)،. وقد قال اْلله عن الكافر،. ﴿إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ طَعَامُ ٱلۡأَثِیمِ كَٱلۡمُهۡلِ یَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ كَغَلۡي ٱلۡحَمِیمِ خُذُوهُ فَٱعۡتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلۡجَحِیمِ ثُمَّ صُبُّوا۟ فَوۡقَ رَأۡسِهِ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِیمِ *((ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡكَرِیمُ))﴾* [الدخان 43 - 49]،.
إسمه العزيز، ويسمي غيره العزيز بلام العهد ولام التعريف،. قالَ اْلله،. ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ ((الْعَزِيزِ)) تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ..﴾ [يوسف 30]،. واسمه الملك، وهو ملك يوم الدين، وسمى عزيز مصر بالملك بلام العهد!،.. ﴿وَقَالَ ((الْمَلِكُ)) إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ..﴾ [يوسف 43]،. واسمه الرب، وسمى عزيز مصر رباً،.. ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ ((رَبِّكَ)) فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ ((رَبِّهِ))..﴾ [يوسف 42] ويقال لراعي الإبل، رب الإبل،. وتسمى الزوجة، ربة بيت،. واسمه العلي، ويمسي به غيره،. ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا ((عَلِيًّا))﴾ [مريم 57]،. وعندنا (علي) بن أبي طالب رَضِيَ اْللّهُ عَنْهُ،.
وهو الرؤوف الرحيم،. ﴿هُوَ ٱلَّذِي یُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ءَایَاتِۭ بَیِّنَاتࣲ لِّیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ *وَإِنَّ ٱللهَ بِكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾* [الحديد 9]،. وقال عن النّبي ﷺ أنه رؤوفٌ رحيم!،. ﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم *بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾* [التوبة 128]،.
فكيف توحد هذه الأسماء والصفات وقد كانت لآخرين دون الله؟!،. فهذا لم يعد توحيداً له!،.
وهناك بعض "الصفات" كالضحك، والنزول، والمجيء، والسعي،... وكيف يكون فيها توحيدٌ لله،. وكلنا نضحك وننزل ونجيء ونسعى!،. أي أن هذه الصفات قد اشتركت في الخالق والمخلوق،. فكيف جعلتها للّٰه وحده وسميتها "توحيداً لله"؟! أين التوحيد؟!
كيف توحده بشيء أنت تشاركه فيه؟! كالعزة واليد والعين وغيره؟!
ستقول : ليس كمثله شيء،. سآتيك على هذه إِنْ شٰاْءَ اللّٰه،. تفكر أنك وجدت مخرجاً؟! ツ
حين تقول لشيء أنه (توحيد)،. فيفترض أنه للّٰه (وحده)، لا يشاركه فيه أحد من خلقه، كمثل الإله،. هو الإله وحده ولا يسمى غيره بإله مهما،. أما الرب مثلاً،. فقد سمى عبده بنفس الاسم (رب)،. هو الملك وسمى عبده بالملك،. فلم يتحقق التوحيد في هذه الاسماء، ولا في كثير من التي تقول عنها "الصفات"،. فلا يصح تسميتها بتوحيد الاسماء والصفات،. عنوان هذا القسمِ جهلٌ، الذي افتراه جاهل، وهم الذين ادعوا العلم،.
إذاً، قلت لي،. ﴿ولم يكن له كفؤا/كفءاً أحد﴾،. أو،. ﴿...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..﴾،. أقول،.. جميل، جيد،. إذاً لا تقل (توحيد) الأسماء والصفات،.. فتعم كل الاسماء والصفات، بل قل توحيد الكفئية، أو توحيد الكمِثلية،. ومعناه : أن الله ﴿ليس كمثله شيء﴾،. ﴿وليس له كفؤ أحد﴾،. ثم تفلسف بما تشاء وضع شروطك، وادرج تحته ما تشاء من الباطل الذي تحب افتراؤه على الله،.
أن كان رأس الأمر [التوحيد والعقيدة]،. فيه كل هذا، وقد أفسدوا فيه من يسمون بالعلماء، فما بالك ببقية المسائل المفتراة في الدين؟! وحَسْبُنَا اللّٰه وَنِعْمَ الْوَكِيْل،.
ــــــــ الختام،.
استدلالكم خطأ، تقسيمكم للتوحيد باطل، استقراؤكم للقُـرآن ناقص قاصر،. كل القُــرآن يرد على هذا التقسيم الجائر الظالم،. أنتم أيها السلفية أغبياء، لا تفقهون شيئا في دين الله،.
وهذه التقسيمات المبتدعة ليست هينة، كانت نتيجتها دماء وأموال وأعراض المسلمين،. فالذي قسمها بهذا الشكل المحدث، قام بعدها بتكفير المسلمين بدعوى أنهم لم يوحدوا الله ألوهية،. فقتلهم وأجرم فيهم،. فهذه البدعة ليست كبقية البدع الصغيرة التي لم تكن نتيجتها دماء المسلمين،. وحَسْبُنَا اللّٰه وَنِعْمَ الْوَكِيْل،.
رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.
بكيبورد، محسن الغيثي،.