الخميس، 20 سبتمبر 2018

النقاب

النقاب والحجاب،.

بقلم محمود خليل الصعيدي،.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

كثر الجدل في السنوات القليلة الماضية حول مشروعية النقاب، أو الخمار، أو الحجاب، وصدر في ذلك العديد من النظريات، والكُتيبات، ما بين مؤيد للنقاب ومعارض للخمار، وآخر مؤيد للنقاب والخمار معًا، وثالث معارضٌ للنقاب مؤيد للخمار.

ودارت رَحى الجدل ومازالت، تطحن كلاما من هنا وهناك، وكل فريق يقوم بحشد عشرات الأحاديث، لا فرق بين صحيح عندهم وضعيف ، وعشرات الأقوال لهذا وذاك، وكل قول لا سند له ولا مصدر يعتمد عليه.

فيكفي عند هؤلاء أن يقرأ في كتابٍ مثل "تفسير ابن كثير" مثلا ، أو القرطبي أو " فقه السنة" أو أي شيء ، فيقرأ فيه : قال ابن عباس، مثلا، أو قال ابن مسعود، فيظن هذا القارئ أن ابن عباس، أو ابن مسعود، أو صاحب القول المنسوب إليه، قد قال هذا الكلام بالفعل، وحتى مالم يذكر ابن كثير أي إسناد لهذا القول، وذلك نظرا للحالة التي تردى لها الوضع العلمي عند المتدينين والذين لم يكسبوا من الإسلام إِلاَّ اللحية وأحيانا السواك.

وكما هو الحال في المسائل التي اختلفت فيها الفرق والجماعات التي تزعم أنها مسلمة، خرجت الأحكام والفتاوى والتشريعات ، ورمى كلَ فريق الفريق الآخر بكل ما وصلت إليه يداه من أحكام تبدأ من البدعة، مرورًا بالفسق والفجور والعصيان، انتهاءًا بالكفر والمروق من الإسلام مروق السهم من الرميّة!

وتحول الأمر في الحجاب والنقاب إلى صرعات واختراعات، وسارع الكثير من أفراد الجماعات بأمر نسائهم بارتداء النقاب، دون أن يعرف أحدهم لماذا، بل حتى لمجرد أن يرى في الشارع هذا النقاب بدأ ينتشر، أو الحجاب، أو الخمار.
والنقاب عند هؤلاء تحول هو الآخر إلى مذاهب وفرق وأحزاب، وكل حزب يرى أنه الوحيد الذي وصل إلى قمة الحق، وغيره لا يزال يتدحرج علىَ مدارج السفح.

فنقابٌ تظهر منه العين اليسرى فقط، وآخر - على مذهب اَخر - تظهر منه اليمنى، وثالث تظهر منه العينان، ورابع يًخفي العينين وجميع الوجه، وخامس قطعة واحدة، وسادس قطعتان، وكل فريق يعتقد أن نقابه هو النقاب الشرعي، وأن من خالفه تنطبق عليه أحكام أهل الكتاب.

والذي أدى بهؤلاء إلى هذا المستوى من الشَغْب هو كثرة المصادر التي يأخذون منها دينهم ، واختلاف مصادر التشريع عند كل فريق ، رغم زعم الجميع بأنهم يأخذون من القرآن والحديث والواقع العملي لهم يُكذِّبُ هذا الزعم فهم الذين يقولون ذلك ، وعند النقاش والحوار ورد الأمر ، تراهم يحتجون بأقوال للصحابي الكريم فلان والصحابة جميعا ودون استثناء هم خير هذه الأمة ، ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . في نفس الوقت الذي لا يعرف هؤلاء سندا صحيحا لقول هذا الصحابي رضي الله عنه ، ثم ينزلون بك للإحتجاج بابن كثير وأقواله، وابن تيمية، وابن باز، وابن القيم، وابن عثيمين، وابن كشك . . . إلى آخره، مرورا بالشوكاني والصنعاني والألباني والأفغاني، حتى صار الأئمة والذين لهم حق التشريع وإعادة صياغة الإسلام ! أكثر من الذين يتبعونهم.

من هنا بدأ البلاء على البلاد والعباد، إن المتدين هذه الأيام بمجرد أن يقرأ قولا في تفسير القرطبي، أو النسفي، أو ابن كثير، لأي رجل مجهول أو معلوم، يعتقدون هذا القول هو الوحي الذي نزل به جبريل على قلب محمد ﷺ مع أنه قد يكون الوحل الذي يرمى به شياطينُ الأنس أو الجن بعضهم إلى بعض.


لقد مات علم الحديث أو كاد، وصار البحث عن صحة الإسناد من أساطير الأولين، واعتاد المتحدثون والخطباء وأُمراء الجماعات على الكذب والباطل ممزوج بشيء من الحق، في نفس الوقت الذي لا يكاد أحدهم يميز بين الخبيث والطيب، والباطل والحق، ولا بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.


من هنا نشأ الخلاف في أمور الدين كلها، ولقد التقيت بهؤلاء وهؤلاء ورأيت أُناسًا يتحدثون عن الكفر بالطاغوت وزعيمهم لا يعرف كم عدد مجلدات صحيح البخاري، ناهيك عن جَهْلِه بالبخاري وكتابه، وشيوخه وترتيب الكتاب وطبقاته ودرجة الرواة فيه ونوع الأحاديث المذكورة فيه وعلاقة علل الحديث ببعض الطرق المذكورة عنده.

إن بضاعة إخواننا في هذه الجماعات الآن تتجمع في كتاب لابن تيمية أو " فقه السنة" أو شيء من هذا النحو الذي جاء في عصور متأخرة سادها ظلام المذاهب وعفن الفِرق وإعجاب كل ذي رأي برأيه.

وكلما ابتعد الناس عن عهد النبي ﷺ الذي عاش فيه وعصره، وأمر فيه بالمعروف ونهى فيه عن المنكر، كلما كثرت الخلافات وساد الضلال والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وكل إمام يريد تدعيم مذهبه وطريقته وجماعته، بالكذب والدجل، والقول على رسول الله ﷺ بما لم يقل.

ثم ينعكس هدا على عصرنا الحاضر، وما يليه من عصور، فإذا بدأ الحوار حول مسألة ما ، وجدت الأحاديث تخرج من أفواه الأحداث بسرعة قبل أن يرتد إليك طرفك ، وكيفما اتفق ، كذب في كذب في كذب وإذا ما سألتهم ، أين هذه الاحاديث ؟ قالوا : رواها الألباني في "الصحيحة" أو السيد سابق في " فقه السنة" أو ابن تيمية في "الفتاوى" أو ابن القيم في "الزاد" وربما ينحدر بك أحدهم أهوى من هذا الدرك فيقول : رواها الشيخ سيد في "الظلال"!

لذلك ، فعندما أكتب هذا البحث لا أكتبه لهؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله ، لأن هؤلاء سبق أن كتبت لهم "فتنة الاتباع" والذي يقرأ منهم هذا البحث سيشعر بالصدمة التي قد تدفعه إلى تمزيق البحث ، بعد قذف كاتبه بأنواع السباب التي صارت مألوفة ابتداءًا من : هدم الإسلام ، ومحاربة الأُمة ، والكفر ، وانتهاءًا بتخليده في النار مع قارون وهامان وأُبي بن خلف ، وربما بالعمالة للإمبريالية والصهيونية والماسونية.

كل هذه التَّهَم لأننا نقول لهم : لا تتبعوا غير رسول الله ﷺ لأن الله عز وجل لم يجعل الهداية في اتباع سواه ، فقال سبحانه : ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

وكل هذه السباب لأننا نقول لهم : إن الأحاديث الصحيحة لا تؤخذ من الأفغاني ولا الألباني ولا الشوكاني ولا سيد قطب ولا سابق ، ولا ابن تيمية ولا ابن القيم ، ولكن عودوا إلى دراسة وتعلم مصادر الحديث الاولى ، أيام خير القرون ، عند البخاري ومسلم وأحمد وابن معين ومالك ، بعد بحث كل سند ، وتمحيص كل متن ، وعرضها على أدق فنون علم الجرح والتعديل ، وقواعد علل الحديث.

وسيخلعون علينا كل رزيلة ، لأننا نقول لهم : إن أقوال ابن تيمية وابن القيم وابن باز ، وأي ابن آخر ، وأي مخلوق اَخر ، علت أو سفلت درجته ، أقوالهم ليست بحجة ، لأن الرحمن يقول : ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ فلا حجة في قول أحد بعد رسول الله ﷺ ، ولو كره المشركون.

وهؤلاء ، لا أكتب هذا البحث لهم ، وكل إنسان مازال في عقله رأي فلان وقول فلان ، لن ينتفع بشىءٍ من موضوع النقاب والحجاب.

والذي لا يميز بين الحديث الصحيح والضعيف ، وكل الذي في (السوق) عنده أحاديث ، ولا يملك من العلم أدوات الكشف عن علل الحديث ، وتدليس الرواة ، وضعف الرجال وتوثيقهم؛ هذا لن يتمكن من فهم الكثير ، لأن أحاديث كثيرة من ذوات الأسانيد الواهية ستظل عالقة في رأسه ، ولن نذكرها ها هنا ، وسوف يقول : لماذا لم يحتج بحديث كذا ، أو حديث كذا ، لأننا في بحثنا هذا لن نذكر إِلاَّ ما صح من أحاديث.

وعندما جلست لكتابة هذا البحث ، كنت -ولازلت- أكتبه لطائفة من خلق الله ، أولئك الذين آمنوا أن رسول الله ﷺ أكمل الرسالة.

أي: الذين إذا اختلفوا في شيء ردوه إلى الله ورسوله ﷺ فقط ، جاعلين خلف ظهورهم كل ما جاء من مذاهب وفرق وطرق وسلف وخلف، والذين يُحَكِّمون رسولَ الله ﷺ في كل ما شجر بينهم ، ولا يجدون في صدورهم حرجًا مما قضى ، ويُسَلِّموا تسليمًا.

والذين كفروا بالإجماع ، والقياس ، والمصالح المرسلة ، وجميع ما وضعه الناس من مصادر للتشريع ، وآمنوا أن الدين في القرآن والحديث ، وما عدا ذلك فإنما هو لهو ولعب وضلال بعيد.

هؤلاء هم الذين أكتب لهم هذا البحث ، سائلاً الله عز وجل التوفيق والسداد ، هو حسبي ونعم الوكيل.

ــــــ اَية الحجاب

سبب نزول الآية :
1= عن أنس بن مالك ، رضي الله تعالى عنه . قال : قال عُمر ، رضي الله عنه : قلتُ : يارسول الله ، يدخل عليك البَرّ والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب . فأنزل الله آية الحجاب.
وهذا جزء من حديث طويل . قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وافقت ربي في ثلاث ... الحديث.
أخرجه احمد 1/23 و 24 و 36 ، والبخاري 1/111 و 6/24 و 148 و 197 وابن ماجة (1009) ، والترمذي (2960).

2- وعن عروة بن الزبير ، أن عائشة ، رضي الله عنها ، زوج النبي ﷺ قالت : كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله ﷺ : أحجب نساءك . قالت : فلم يفعل ، وكان أزواج النبي ﷺ يخرجن ليلًا إلى ليل قِبَلَ المناصع ، فخرجت سودة بنت زمعة وكانت أمرأة طويلة ، فرآها عمر بن الخطاب ، وهو في المجلس . فقال : عرفناك ياسودة ، حرصًا على أن ينزل الحجاب . قالت : فأنزل الله عز وجل آية الحجاب.
أخرجه أحمد 6/56 و223 و271 ، والبخاري 1/49 و6/150 و7/49 و8/66 ومسلم 7/7و6 ، وابن خزيمة (54) .

3- وعن أنس بن مالك ، رضي الله عنه . قال : أنا أعلم الناس بهذه الآية ، آية الحجاب ، لَمَّا اهديت زينبُ إلى رسول الله ﷺ كانت معه في البيت ، صنع طعامًا ودعا القوم ، فقعدوا يتحدثون ، فجعل النبي ﷺ يخرج ثم يرجع ، وهم قعود يتحدثون ، فأنزل الله تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناَه ولكن إذا دُعيتم فادخلوا فإذا طَعِمتم فانتشروا ، ولا مستأنسين لحديث ، إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب﴾ . فضُرب الحجاب ، وقام القوم.
هذا الَحديث ؟ من رواية ثابت عن أنس ، أخرجه أحمد 3/195 ، وعبد بن حميد (1206) ، ومسلم 4/148 والنسائي 6/79.
ومن رواية عيسى بن طهمان ، عن أنس ، أخرجه أحمد 3/226 ، والبخارى 9/152 ، والنسائي 6/79.
" ومن رواية أبي مجلز ، عن أنس ، أخرجه البخاري 6/148 و8/66 و75 ، ومسلم 4/149.
ومن رواية أبي قلابة ، عن أنس ، أخرجه أحمد 3/241 ، والبخارى 6/149.
ومن رواية أبي عثمان ، عن أنس ، أخرجه أحمد 3/163 ، ومسلم 4/150 و151 والترمذي (3218) ، والنسائي 6/136.
ومن رواية ابن شهاب ، عن أنس ، أخرجه أحمد 3/168 و236 ، والبخارى 7/30 و107و 8/65 وفي الأدب المفرد (1051) ، ومسلم 4/150.

وفي حديث عائشة ، أُم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ، وِهي تروى حادثة الإفك قالت : "... وكان صفوان بن الُمعطَّل السلمى ، ثم الذَّكواني ، قد عرَّسَ من رواء الجيش فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسانٍ نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وقد كان يراني قبل أن يضُرب الحجاب عليَّ ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ..." الحديث . أخرجه أحمد 6/194 و197 ، والبخارى 3/219 و 227 و 4/40 و 5/110 و 6/96 و 8/168 و 172 و 9/139 و 176 و 193 ، ومسلم 8/112 و 118 وأبو داود (4735).

ومن خلال هذه الأحاديث الصحيحة ، وبعد أن نبذنا خلف ظهورنا كل إسناد لا تقوم به حجة وكل حديث ضعيف احتج به فريق أو أخذ به ، نقف على ما يأتي :

أ- أن آية الحجاب هي التي وردت في سورة الأحزاب ، برقم (53) يقول الله عز وجل : ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنِاَه ، و لكن إذا دعيتم فادخلوا ، فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ، إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا ، إن ذلكم كان عند الله عظيما﴾.

وهذه الآية الكريمة إذا أبعدنا عنها الذين في قلوبهم مرض من الذين يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه والذين يُحَمِّلون الآية ماليس فيها ، نجد بفضل الله تعالى أنه سبحانه ينظم علاقة المسلمين بزوجات رسول الله ﷺ ولاشيء غير هذا. ومن هذه الأمور التي وردت في الآية الكريمة ﴿وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب) فالشرط في ﴿وإذا سألتموهن﴾ مشروط على الذين آمنوا الذين بدأت الاية بالنداء عليهم ، والضمير في ﴿سألتموهن﴾ يعود على زوجات رسول الله ﷺ لا غير ، ثم تلا ذلك حكم آخر في الاية لا يتعداهن وخاص بهن : ﴿ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا﴾.

والذي يرى ان هذه الآية لها أدنى علاقة بالنقاب ، لا فرق بينه وبين الذي يرى أن سورة الفلق نزلت لتقسيم مسائل المواريث!!

فالحجاب هنا ليس حجاب الوجه كما يظن الذي ينعق بما لا يسمع ، بل هو حجاب وساتر بين الرجل من المسلمين وبين زوجة الرسول ﷺ ، حجاب يستر شخصها فهو إذا حادثها لا يرى أمامه غير الساتر ، وهي من وراء هذا الساتر.
وبيان ذلك ورد ضمن روايات الحديث السابق برقم (3) وهو حديث أنس بن مالك ، والذي سبق تخريجه ، ونذكر هنا من رواياته الصحيحة ما يفسر ذلك
ففي رواية عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس قال "... فرجع (ﷺ) حتى إذا وضع رجله في اسْكُفِّةِ الباب دَاخِلةً وأخرى خارجةً ، أرخى الستر بيني وبينه ، وأنزلت آية الحجاب.
" وفي رواية حميد ، عن أنس قال : " ... فرجع حتى دخل البيت ، وأرخى السِّتْر بيني وبينه ، وأنزلت آية الحجاب".
وفي رواية ابن شهاب الزهري ، عن أنس . قال : "... فضرب رسول الله ﷺ وبينهم بستر وأنزل الله عز وجل الحجاب .".

ب - أن الحجاب إنما كان أمرًا خاصًّا بزوجات رسول الله ﷺ لا غير ، ففي الحديث الأول قال عمر ، رضي الله عنه للرسول ﷺ : "... فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب . فأنزل الله آية الحجاب .".

وفي حديث عائشة ، رضي الله تعالى عنها - الحديث الثاني - قالت : " كان عمر يقول لرسول الله ﷺ أحجب نساءك ..."

ويؤيد هذا التخصيص - إضافة إلى ما سبق - قصة زواج النبي ﷺ من صفية بنت حُيي رضي الله عنها ، ففي حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه يقول : "... فقال الناس : والله ما ندري أتزوجها رسول الله ﷺ أو تسراها ؟ فلما حملها سترها وأردفها خلفه ، فعرف الناس أنه قد تزوجها..."

وفي رواية : "... وقال الناس : لا ندري أتزوجها أم اتخذها أمَّ ولد . قالوا: إن حجبها فهي امرأته ، وإن لم يحجبها فهى أم ولد ، فلما أراد أن يركب حجبها ..." أخرجه احمد 3/123 و246 ومسلم 4/146 و 5/185.

فكما أن نساء النبي ﷺ خصهن الله عز وجل بأمور دون غيرهن من النساء مثل المواريث فلا ترث من زوجها ﷺ شيئا ، والزواج ، فلا تتزوج من غيره أبدًا ، كذلك خصها الله عز وجل بالحجاب ، فإذا سألها أحدٌ متاعًا سألها من وراء حجاب.

ثم قد يقول قائل : إذا كان الله عز وجل قد خَصَّ نساءَ النبي ﷺ بالحجاب ، حفاظًا عليهن وصونًا فإنَّ تَمسُّكَ باقي النساء بذلك من باب الإسوة الحسنة والعمل الصالح ، والأخذ بما يصون عفة المرأة ويحمي عرضها.

أقول : كان بالإمكان أن أقول هذا كلام طيب ، ورأي صائب ، وتفكير مستقيم كان من الممكن أن أقول هذا ، ولكن في حالة واحدة هي أن تكون أوامر الاسلام تنبع من الكلام أو تأتي عن طريق الرأي ، أو تخضع لتفكير هذا وذاك.

والإسلام لم يكن هكذا في يوم من الأيام ، ولن يكون ، فالإسلام كتاب وسنة قرآن وحديث ، وماعدا ذلك فأساطير أولين ، مُكَاء وتصدية.

فالذي يحدد العفة وصون العرض ، والأعمال الصالحة ، إنما هو مصدر واحد ذلك هو الوحي الذي نزل على قلب محمد ﷺ ليُخرج الناس من ظلمات العمى ، إلى نور على نور ، وليس استحسان أحد أو استحبابه.

والذي كان على عهد النبي ﷺ أمران ولا ثالث لهما ، ومن ادعى غير هذا فعليه بالبرهان الصادر عن القرآن والحديث فقط ، فلا برهان ولا حجة في أحد من خلق الله كائنا من كان ، خلا الرسول ﷺ.

الأمر الأول : أن نساء النبي ﷺ فُرض عليهن الحجاب دون غيرههن ، هذا إذا كانت في بيتها ، وإذا ما خرجت فإنها تُخَمِّر وجهها بما يستره عن الناس . وهذا سبق بيانه فيما مضى من أحاديث.

الأمر الثاني : أن باقي النساء ، غير زوجات رسول الله ﷺ كنّ إذا سرنَ أو سافرن ، فإنهن لا يُغَطين وجوههن ، بل يضربن بخُمُرهنَّ على صدورهن والوجه ظاهر غير مغطى بشيء ، وهذا ما سنذكر له من الأدلة الآنَ - بحوَل الله - ما يفيد ويقنع كل مسلم يستمع الحق فيتبع أحسنه ، وغير هذا المسلم أنا لا أتحدث إليه الأن أصلًا.

ولكن قبل ذكر الأدلة وجب التنبيه والتحذير ، فإن أشباه المتدينين والذين رضعوا من جهل الفِرَق وتربوا تحت إمرة أمراء الجهل والعفن ، وسمعوا وأطاعوا لكل ناعق ، هؤلاء كلما أورودنا لهم حديثا يثبت كشف وجوه النساء في عهد النبي ﷺ ورؤيته لهن ، سمعت لهم نفورا كنفور الحُمُر ، وقالوا : إن هذا كان قبل نزول الحجاب.

وسبق أن أثبتنا بالقرآن والحديث أن آية الحجاب نزلت في نساء النبي ﷺ خاصة ، فلا يقول عاقل باحث عن الحق عندما نورد له أن باقي النساء كن يكشفن وجوههن بدليل كذا وكذا : إن هذا قبل نزول آية الحجاب.

وهذه طائفة من الأحاديث الصحيحة القاطعة ، والتي تثبت الأمر الثاني ، والخاص بباقي النساء ، ودون نساء رسول الله ﷺ :

1- عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما قال : أردف رسول الله r الفضل بن عباس ، يوم النحر ، خلفه ، على عجز راحلته ، وكان الفضل رجلاَ وضيئًا ، فوقف النبي ﷺ للناس يفتيهم ، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئةٌ ، تستفتي رسول الله ﷺ ، فطفق الفضل ينظر إليها ، وأعجبه حسنها ، فالتفت النبي ﷺ ، والفضل ينظر إليها ، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل ، فعدل وجهه عن النظر إليها . فقالت : يارسول الله ، إن فريضة الله في الحج على عباده ، أدركت أبي شيخا كبيرًا ، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة ، فهل يقضي عنه أن أحج عنه ؟ قال : نعم.".
أخرجه مالك - الموطأ صفحة 236 ، والحميدي (507) ، وأحمد 1/219 و251 و329 و346 و 359 ، والدارمي (8140) ، والبخاري 2/163 و3/23 و5/222 و8/63 ومسلم 4/101 ، و أبو داود (1809) ، والنسائي 5/617 و8/228 وابن خزيمة (3031 و3032 و 3033 و 3036 و 3042).

ففي هذا الحديث : "... وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة ..."
وفيه : "... فطفق الفضل ينظر إليها ، وأعجبه حسنها ...".
فأي شيء نعته ابن عباس في هذه المرأة ؟ ... بأنها وضيئة.
وأين ظهر حسنها الذي أعجب الفضلَ بن العباس رضي الله عنهما ؟ إن المرأة عندما قدمت على رسول الله ﷺ كانت مكشوفة الوجه فنعتها ابن عباس بأنها وضيئة ، وبالتالي أعجب الفضلَ حُسْنهُا.
ولكن هولاء الذين يتعلقون بموضوع النقاب ، وبأي ثمن ، يقولون : إن هذه القصة كانت في حجة الوداع ، والنبي ﷺ عندما ذكر ما ترتديه المرأة في الحج قال : "ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين".

وأقول : نعم . كان هذا في حجة الوداع ، ولكن النبي ﷺ لم يقل "ولا تنتقب المرأة" والصواب أن هذا القول إنما هو من كلام عبد الله بن عمر ، رضي الله عنه ، وليس من كلام رسول الله ﷺ.

وهنا لابد من عرض الحديث على علم "علل الحديث".
فقد رواه البخاري 3/19 من رواية الليث بن سعد ، قال : حدثنا نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قام رجل فقال : يارسول الله ، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام ؟ فقال النبي ﷺ : لا تلبسوا القُمُص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ، إِلاَّ أن يكون أحدٌ ليست له نعلان فليلبس الخفين ، وليقطع أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئًا مسه زعفران ، ولا الورس ، ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين .".
ثم قال البخاري : تابَعَهُ موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النقاب والقفازين ، وقال مالك عن نافع عن ابن عمر لا تنتقب المرأة.

ومالك رحمه الله ، هو من أوثق الرواة عن نافع ، كما هو مقرر عند أهل الحديث ، فرواية مالك في هذا الحديث موقوفة على ابن عمر ، ورفعها الليث والصواب ما رواه مالك.
فقوله في الحديث "ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" صوابه أنه موقوف من قول عبد الله بن عمر ، ليس من قول النبي ﷺ.

وقد رواه على الصواب - موقوفًا - مالك في الموطأ صفحة 217 من رواية يحيى بن يحيى ، عن مالك ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين.

وكذلك رواه موقوفًا عُبيد الله بن عمر العُمري ، عن نافع ، عن ابن عمر. أخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده ، عن محمد بن بشر وحماد بن مسعده ، وابن خزيمة من طريق بشر بن الفضل . ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، فساق الحديث إلى قوله "ولا ورس" قال : وكان عبد الله - يعني ابن عمر- يقول "ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين" انظر "فتح الباري" 4/64 شرح الحديث (1738) . وهناك في الفتح زيادات لم ننقلها خوفا من الإطالة فلتراجع هناك ففيها فوائد كثيرة.

ونعود الآن الى حديث الخثعمية الذي حاولوا إبعادنا عنه ، والذي يثبت بلا أدنى ريب ، أن رسول الله ﷺ أقرّ هذه المرأة على كشف وجهها مما يدلل على أن كشف الوجه كان هو المعروف في عهده ﷺ.

2- الحديث الثاني ، الذي يدلل على أن نساء المؤمنين كن لا يلبسن نقابًا على عهده ﷺ ، ما رواه جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما . قال : "شَهِدتُ مع رسول الله ﷺ الصلاة يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، بغير أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكّئا على بلال ، فأمر بتقوى الله ، وحث على طاعته ، ووعظ الناس ، وَذَكَّرَهُم ثم مضى حتى أتى النساء ، فوعظهن وَذَكَّرهن . فقال : تصدقن ، فإن أكثركن حطب جهنم . فقامت امرأة من سطَة النساء ، سفعاء الخدين . فقالت : لِمَ يا رسول الله ؟ قال : لأنّكنّ تكثرن الشَّكاةَ ، وتكفرَنَ العشير . قال : فجعلن يتصدقن من حُليّهن ، يُلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن .".
أخرجه أحمد 3143 و318 و382 ، والدارمي (1610 و1618) ، ومسلم 3/19 ، والنسائي 3/182 و 186 ، وابن خزيمة (1460).

ومعنى "من سطة النساء" أي من خيارهن ، والوسط . العدل والخيار.
ومعنى "سفعاء الخدين" أي خداها بهما سواد مشرب بحمرة.

وفي هذا الحديث يروي لنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، ما جرى أمام رسول الله ﷺ ، وقيام إمرأة من الصحابيات اللاتي حضرن صلاة العيد ، ثم نعْتُها وذكر لون خديها ، وهذا دليل آخر على ما أشرنا إليه من أن وجوه النساء في عهده ﷺ كانت ظاهرة إلى هذه الدرجة التي ذكرها جابر بن عبد الله رضي الله عنه . فإن قال قائل : إن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب . قلنا له : وآية الحجاب سبق ذكر الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ أنها خاصة بزوجات النبي ﷺ.

بل وصل السخف بأتباع الذين تشابه البقر عليهم ، من بقايا الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها أن يقولوا : إن جابر بن عبد الله عندما رأى وجه المرأة ونعته ، كان في هذه اللحظة تصادف مرور رياح شديدة ، كشف النقاب عن وجه هذه المرأة بالذات ، من أجل أن يراها جابر ، ثم عندما راَها توقفت الرياح ، وعاد النقاب إلى سيرته الأولى!!

وأنا لن أرد على هؤلاء الذين كذبوا على الله ، وعلى رسوله ﷺ لأن الحديث الذي ورد عن رسول الله ﷺ لم يزدهم إِلاَّ خسارًا وإذا كانوا لم يهتدوا بحديث رسول الله ﷺ ، وَحَّرفوه بالهواء والرياح ، فلن ينفعهم نصُحي ولا ردّي ، ولذلك قلت في التقديم : إن هذا مكتوب لأحباب رسول الله ﷺ فقط لا غير ، الذين أحبوّه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه.

3- والحديث الثالث ، الذي يثُبت كشف وجه النساء على عهد النبي ﷺ ما رواه سهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنه ، قال : جاءت امرأة الى رسول الله ﷺ فقالت : يارسول الله ، جئت أهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله ﷺ ، فَصَعَّدَ النظرَ فيها وصَوَّبَهُ ثم طأ طأ رسول الله ﷺ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست ..." الحديث.
أخرجه مالك (الموطأ) صفحة 325 ، والحميدي (928) ، وأحمد 5/330 و334 و336 ، والدارمى (2207) ، والبخارى 3/132 و6/236 و237 و7/8 و17 و19و21و22 و24 و26 و201 و9/151 ، ومسلم 4/143 و144 ، وأبودا ود (2111) ، وابن ماجة (1889) ، والترمذى (1114) ، والنسائي 6/54 و91 و113 و123.

وفي هذا الحديث نظر رسول الله ﷺ إلى هذه المرأة وَصَعَّدَ فيها النظر وصوّبه ، فهل نظر إلى النقاب الذي على وجهها ليحدد إن كان سيتزوجها أم لا ؟ لقد نظر رسول الله - لاريب - إلى وجه هذه المرأة.

4- والحديث الرابع ما روته أم المؤمنين ، عائشة ، رضي الله تعالى عنها . قالت : "إن نساءً من المؤمنات كُنَّ يصُلين مع رسول الله ﷺ الصبح ، متلفعات بمروطهن ، ثم يرجعن الى أهلهن وما يعرفهن أحد من الغلس .".
أخرجه الحميدي (174) ، ومالك في الموطأ (30) ، وأحمد 6/33 و37 و178و248 والبخارى 1/104 و151 و 219 ومسلم 2/118 و119 وأبودا ود (423) ، وابن ماجة (669) ، والتر مذي (153) ، والنسائي 1/217 و3/82 ، وابن خزيمة (350).

وفي هذا الحديث أيضًا دلالة واضحة أن المانع والسبب فى عدم معرفة النساء بعد صلاة الفجر ، هو الغلس - أي ظلمة آخر الليل - فلولا الغلس لعرفن ، ولو كُنَّ منتقبات لما كان هناك فرق في عدم معرفتهن بين الغلس ، ووقت الظهيرة ، فوجوههن كانت مكشوفة والذي منع من معرفتهن هو الغلس.

وبعد ،
لم أشأ في هذا البحث أن أقوم بالرد على ما احتج به الذين قالوا بوجوب النقاب من أدلة وأقوال لفلان وفلان من الذين اتخذهم الناس أئمة لأن صحة نسبة هذه الأقوال لأصحابها وعدم صحتها سواء ، فلا حجة فيها صحت أو لم تصح ، لأن الحجة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله ﷺ.

وقد احتج الذين قالوا بعدم وجوب النقاب أيضا بأحاديث واهية وأقوال منسوبة لهذا المذهب أو الأمام أوذاك ، وكل فريق قام بخوض غمار كتب التفسير ، وما فيها من أباطيل وأقوال وكلٌ يأتي ويستخرج ما يؤيد ما ذهب إليه.

وكان بالإمكان – ولا زال إن شاء الله - أن أقوم بجمع هذه الأقوال وإظهار ما فيها ، ولكن سبق أن أشرت إلى أنّ هذا البحث كُتب للذين يؤمنون بأن أي (قول) لأي (فلان) سواء علت منزلته أو سفلت ليس بحجة.

لقد أمر الله سبحانه نساء النبي خاصة بالحجاب ، وأنزل لهن اَية الحجاب خاصة وقد سبق في بداية البحث إثبات ذلك.
أما نساء المؤمنين - دون أمهات المؤمنين - فقد كان الأمر لهن في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى ﴿وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾
و(الخُمُر) جمع خمار ، وهو ما يُغطى به الرأس ، و(الجيوب) جمع جيب ، وهو موضع القطع من الدرع والقميص ، فأمر الله سبحانه بإسبال الخمار على العنق والصدر ، فدل على وجوب سترهما ، ولم يأمر فيه بتغطية الوجه.

لقد أمر الله سبحانه المؤمنين بغض أبصارهم فقال سبحانه : ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم﴾ فإذا البست المرأة النقاب ، ولم يظهر منها شيء ، فأي شيء هذا الذي نهى الله سبحانه المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عنه؟!

وأمر الله عز وجل نبَيَّهُ الكريم فقال :
﴿لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من ازواج ولو اعجبك حسنهن﴾ . فإذا لبست المرأة النقاب ولم يظهر منها شيء فأي حسن سيظهر من المرأة ؟ وما هو موضع الحسن في لسان العرب الذي لا يتعداه إلى غيره ؟ إنه وجه المرأة لاريب فيه.

وبقي أمران :
الأول : أن هناك بعضَ الذين خَلُصَت نواياهم من الذين اَمنوا بالقرآن والحديث ، وعلموا أن النقاب خاص بزوجات رسول الله ﷺ إذا خرجن ، والحجاب خاص بهن ، رضي الله عنهن إذا تحدثن مع الصحابة وغيرهم ، واَمنوا أن الخمار الذي يكشف الوجه خاص بباقي النساء دون أمهات المؤمنين.

هؤلاء يقولون : لا مانع من أن تلبس عامة النساء النقاب ، مادام الأمر لم يَرِدْ فيه تحريم.

وقد فرضتُ حُسْنَ النية عند هؤلاء ولم أفترض فيهم أنهم ما قالوه وما فعلوه إِلاَّ من باب التقليد الأعمى والجري وراء عفن الفرق ، وأمراء الجهل والمرض.

وأقول لهؤلاء: ثبت لكم بالدليل القاطع ما كان على عهد النبي ﷺ وما تركه لنا ، وما راَه وأقره ﷺ وقرأتم آية الحجاب ، وكيف أنها كانت - وستظل - في أزواج رسول الله ﷺ ورأيتم وجوه النساء كيف كانت مكشوفة في عهده ﷺ وذلك هو الأمر الذي عاش عليه وترك المسلمين عليه.
والنبي ﷺ يقول : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
أخرجه أحمد 6/73 و146 و180 و240 و256 و270 ، والبخاري 3/241 ، ومسلم 5/132 ، وأبوداود (4606) ، وابن ماجة (14) من حديث القاسم بن محمد ، عن عائشة ، رضي الله عنها

ونقول لهؤلاء ، إن كانوا من الذين يزعمون أنهم يأخذون دينهم من الكتاب والسنة :
الأذان الذي كان على عهد النبي ﷺ ، هل يقوم المؤذن بعده ، وبصوت مرتفع بالصلاة والسلام على رسول الله ﷺ لمدة ربع ساعة ، بدعوى أن الصلاة والسلام على رسول الله بعد الأذان لم يرد نص بتحريمها ؟

وكذلك إضافة التواشيح قبل أذان الفجر بنصف ساعة ، هل هو مشروع وحلال مادام لم يرد أمر بتحريمه ؟!

وصلاة الجمعة التي كانت على عهده ﷺ ، ترك الأمر على أنه لم يكن هناك قارئ يجلس قبل الخطبة يقرأ عليهم القرآن وسورة الكهف منه بالذات ، فهل يجوز الآن إضافة ذلك على صلاة الجمعة وشعائرها ، بحجة أنه لم يرد نص بمنع ذلك أو تحريمه ؟!

وعند رمي الجمار في الحج ، رمى النبي ﷺ جمرة العقبة بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، فهل يصلح أن يرميها المسلم بسبع وتسعين حصاة – مثلا - بحجة أنه لم يرد نص بتحريم التسعين حصاة الزيادة وأن الزيادة خير ؟! وهكذا في كل العبادات والاحكام.

فإن قال قائل : هذه الأمور جاءت محددة بنص قاطع.
أقول : والذي ورد في شأن الحجاب والنقاب والخمار جاء بنص قاطع.

قلت : بقي أمران ، فذكرتُ واحدا منهما ، وهذا هو الثاني ، أقول : إن هؤلاء ومن دافع الاحتجاج بغير الرسول ﷺ في بيان اَيات الله ، هؤلاء يظنون أن قول الله عز وجل : ﴿يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيما﴾ الأحزاب 59.
يظنون أن هذه الآية تعني تغطية الوجه.

في نفس الوقت الذي رأى فيها غيرهم أنها تعني كشف الوجه.
وسبب هذا الخلاف أن هؤلاء وهؤلاء لم يرجعوا الى كتب الحديث والأخذ منها بما صح سندًا ومتنًا ، بل رجعوا إلى كتب الإسرائيليات والأقوال المبتورة السند ، وآراء الناس ومذاهبهم مثل كتب التفسير ، والغريب أن كل فريق يأخذ ما يوافق هواه ويدع ما يخالفه.

ذنب هؤلاء أنهم ظنوا أن كتب التفسير فيها ما يسمن أو يطعم من جوع فراحوا ينقلون منها في كتبهم دون تدقيق أو تمحيص ، فحطبوا بليل ، فأصابهم سيئات ما جمعوا . فالذي يؤيد الخمار والذي يعارضه والذي يؤيد النقاب الخاص بالعين اليسرى والذي يعارضه ، والذي يرفض هذا كله ، كل هؤلاء ينقلون من صفحة واحدة في كتاب واحد ، وبطريقة الانتقاء فكل واحد يأخذ ما يناسب مقاسه!

خذ مثلا تفسير هذه الآية عند ابن كثير ، في تفسيره المجلد الثالث /صفحة 518/ طبعة دار التراث : قال ابن كثير (ولم يذكر أَيَّ إسناد لما قاله) "الجلباب هو الرداء فوق الخمار قاله ابن مسعود ، وعبيدة ، وقتادة ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء الخراساني ، وغير واحد.

وقال الجوهري : الجلباب المانعة . (للعلم نحن ما زلنا ننقل عن ابن كثير) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة ."
(وللعلم فإن هذا القول الذي اعتمدوه وأشاعوه ونشروه وأعتقدوا أنه الوحي الصادق ، وعين اليقين ، الغريب أنه قول يحمله إسناد أبتر ، ورجل أعوج ، فإن علي بن أبي طلحة لم يسمع من عبد الله بن عباس التفسير. انظر "المراسيل" لابن أبي حاتم صفحة 118/الترجمة (567) ففيها خلاف شديد حوله بين الجرح والتعديل ، ولكن الذي لا خلاف فيه ، انه لم يسمع من ابن عباس ، فهذه هي أسانيد الجهل والمرض المنتشرة في مستنقعات وأوحال جماعات الضلال والعفن ، ثم نعود إلى تفسير ابن كثير فما زال في الآراء والقيل والقال بقية) :

وقال محمد بن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل ﴿يدنين عليهن من جلابيبهن﴾ فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.
وقال عكرمة : تغطي ثغرة نحرها بجلبابه تدنيه عليها.
وكلام كثير من هذا النوع من القيل والقال ، وإنما ذكرنا إسناد أوثق ما يعتمدون عليه مع أن ابن كثير ذكر له خُمُس إسناد فقط ، وهو ما رواه علي بن أبي طلحة.

ولو رجعنا الى كتب اللغة ومعاجمها وقواميسها للوقوف على معنى الجلباب لوقعنا في نفس درجة التخبط.
فاذا نظرنا على أشمل هذه الكتب - على وجه التقريب - وهو "لسان العرب" المجلد الأول صفحة 272 : 273 للبحث عن معنى الجلباب لوجدنا : الجلباب : القميص . والجلباب : ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها ، وقيل هو الملحفة ، وقيل : هو دون الملحفة وقيل : هو الخمار وقيل الملاءة ... إلى اَخره.

وتأتي كل فرقة فتأخذ من ابن كثير ما يناسبها ، ومن القاموس مايؤيد هواها . فالذين يقولون بالنقاب يقولون : الجلباب في القاموس ثوب أوسع من الخمار دون الرداء ، تغطي له المرأة رأسها وصدرها.

والذين يقولون بالخمار يقولون : الجلباب في القاموس هو الخمار.
وهكذا اختلط الحابل بالنابل والسم والدسم ووصل الأمر إلى حالة من التمزق والخلاف بين مذاهب وفرق جميعها يزعم أن الإسلام هو الحل ، وفريق ثالث يؤمن أن الحل هو أن يطلب هؤلاء العلم كما طلبه الجيل الأول ، أو يتركوا الإسلام وشأنه فما هو بيان هذه الآية ؟
وأين نقف عليه ؟ حتى لا نضل.
والإجابة تقودنا إلى أن نقول :
عندما يأمر الله عز وجل بالصلاة فإننا نعلم أن النبي ﷺ هو المرجع الأول والأخير لبيان الصلاة ، حرفًا حرفًا وركنًا ركنًا ، فهو الذي يبين ركوعها وسجودها ووضوءها وختامها.

وعندما يأمر الله عز وجل بإيتاء الزكاة فإن نصابها وأداءها ووقتها وأحقّ الناس بها يبينها الذي نَزّل الله تبارك وتعالى عليه القرأن ليبين للناس ما نزّل إليهم.
وهكذا في الصيام والحج واللباس والزينة والأطعمة والأشربة وكل شيء وهذه الآية التي نريد بيانها نزلت على رسول الله ﷺ.

والذي كان على عهد النبي ﷺ هو بيان وتفسير هذه الآية . والذي كان على عهده هو ما سبق وبيناه بالقراَن والحديث.
فأُمهات المؤمنين إذا سألهن الناس متاعا سألوهن من وراء حجاب ، وإذا خرجن جعلن الخمار أو الجلباب على وجوههن.

وباقي النساء يسرن مكشوفات الوجه.
هذا ماكان في عهده ﷺ ، وهو البيان الوحيد للآية.
والحمد لله رب العالمين

أبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم
وأتحدث فقط في هذه الأمور:
الأول:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏"‏كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلّم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها‏.‏ فإذا جاوزونا كشفناه‏"‏، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏
أخرجه ابن أبي شَيْبَة 3/720 (14446) قال : حَدَّثَنا ابن فُضَيْل . و"أحمد" 6/30 (24522) قال : حدَّثنا هشيم . و"أبُو داوُد" (1833) قال : حَدَّثنا أحمد بن حنبل , حدَّثنا هشيم . و"ابن ماجَة" (2935) قال : حَدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة , قال : حدَّثنا مُحَمَّد بن فضيل (ح) وحدَّثنا علي بن مُحَمَّد , قال : حدَّثنا عبد الله بن إدريس . و"ابن خُزَيمة" (2691) قال : حَدَّثناه عبد الله بن سعيد الأشج , حدَّثنا ابن إدريس (ح) وحدَّثنا يُوسُف بن مُوسَى , حدَّثنا جرير (ح) وحدَّثنا مُحَمَّد بن هشام , حدَّثنا هشيم.
أربعتهم (مُحَمَّد بن فُضَيْل ، هُشَيْم ، وعبد الله بن إدريس ، وجرير بن عبد الحميد) عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن عائشة، به.
وفي إسناده علتان:
الأولى: مُجاهد بن جَبر لم يسمع من عائشة.
والثانية: يزيد بن أبي زياد ليس بثقةٌ ، من رؤوس الشيعة.
يكفي أن يقول فيه ابن حجر: يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم، الكُوفِيُّ، ضَعِيفٌ، كَبِرَ فتغيَّرَ وصار يتلقن وكان شِيعيًّا. "تقريب التهذيب".
* * *
الثاني، قول أحد الإخوة:
قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة‏"‏‏ و هذا قول لا يقال بالرأي لأنه أمر من الله سبحانه و تعالى.
وذهب الأخ إلى القطع بأن هذا لا يُقال بالرأي ، ومعناه أنه من قول النبي صلى الله عَليه وسلم.
وأقول للأخ : الذي روى هذا الكلام عن ابن عباس هو : علي بن أبي طَلْحَة سالم، أبو الحَسَن، أو أبو مُحَمَّد، أو أبو طلحة، مولى بني العَبَّاس، فقط لا غير.
وعلي هذا لم يسمع من ابن عباسٍ شيئًا !!
ـ قال ابن طَهْمان : سمعتُ يَحْيَى يقول : علي بن أَبِي طَلْحَة , روى عنه بُدَيْل في التفسير , ولم يسمع من ابن عَبَّاس شيئًا , فروى مرسلاً. "سؤالاته" (260).
ـ وقال أبو حاتم الرازي: سمعت دُحيما يقول إن علي بن أبي طلحة لَم يَسمع مِن ابن عباس التفسير.
وقال أبو حاتم الرازي: علي بن أبي طلحة، عنِ ابن عباس، مُرسَل إنما يروي، عن مجاهد والقاسم بن محمد وراشد بن سعد ومحمد بن زيد. "المراسيل" 1/140.

وليس هذا فقط ؛ بل لنا لقاء مع أحمد بن حنبل، رضي الله عنه؛
ـ قال الميموني : قال أبو عَبد الله أحمد بن حنبل: علي بن أبي طلحة ، له أشياء منكرات ، رجل من أهل حمص. "سؤالاته" (374).

ثم يا أخي ، طالما تنقل عن ابن عباس، فكان يلزمك أن تنقل كل ما جاء عنه ، ولا يصح أن تختار ما يناسبك من كلام ابن عباس ، وتترك ما لا يناسبك.
قال ابن كثير: وقال الأعمش ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس : {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال : وجهها وكفيها والخاتم. "تفسير ابن كثير" 6/45.

وقال ابن كثير: ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين ، وهذا هو المشهور عند الجمهور.
وأنا لا أذكر ذلك احتجاجًا ، ولكن لأبين لك أن ابن عباس نُسبت له عدة أقوال ، وليس القول الذي نقلته أنت فقط.
* * *
الثالث: قال أحد الإخوة.
أريد أن أسأل سؤالا، حديث النبي في النهي عن لبس النقاب للمحرمة , ماذا يفيد عندك لغير المحرمة ؟؟.
أقول:
حديث النهي عن لبس النقاب للمحرمة ، لو صحت نسبته للنبي ﷺ ، لأن الإخوة المتخصصين في علل الحديث يعلمون الخلاف في وقف ذلك على ابن عمر ، وأن قوله: لا تنتقب المرأة ، إنما هو من قول ابن عمر ، حتى قال البيهقي:
ـ أَخْبرنا أَبو عَبدِ اللهِ الحافِظُ، قالَ: قالَ أَبو علِيٍّ الحافِظُ: "لاَ تَنتَقِبُ المَرأَةُ" مِن قَولِ ابنِ عُمرَ، وَقَدْ أُدْرِجَ فِي الحَديثِ. "السنن الكبرى" 5/47.
والحديث؛ أخرجه مالك (918). وابن أَبِي شَيْبَة 4/322:1(14438) قال: حَدَّثنا وَكِيع، عن فُضَيْل بن غَزْوَان. وفي 4/323:1(14439) قال: حَدَّثنا أبو خالد الأَحْمَر، عن يَحْيَى بن سَعِيد، وعُبَيْد اللهِ. وفي 4/337:1(14541) قال: حَدَّثنا أبو خالد، عن يَحْيَى، وعُبَيْد اللهِ. وفي (14543) قال: حَدَّثنا عَبْدَة بن سُلَيْمَان، عن عُبَيْد اللهِ.
ثلاثتهم (مالك بن أَنَس، وفُضَيْل بن غَزْوَان، ويَحْيَى بن سَعِيد، وعُبَيْد اللهِ بن عُمَر) عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ تَنْتَقِبُ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ. "موقوف".
على أي حال ، هذا ليس مجال سؤال الأخ ، الأخ يقول:
أريد أن أسأل سؤالا حديث النبي في النهي عن لبس النقاب للمحرمة , ماذا يفيد عندك لغير المحرمة ؟؟.
الأمر سهلٌ؛
الله تعالى يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة : 197].
هذه الآية ماذا تفيد عندك في غير الحج ؟!

وللتوضيح: هناك من يقول: قول النبي صلى الله عَليه وسلم للمحرمة: ولا تنتقب المرأة.
معناه أنها تنقب في غير الإحرام.
وعلى نفس خط الحوار ، الله تعالى قال: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.
فهل معناه : ارفثوا، وافسقوا، وجادلوا في غير الحج؟

وفي النهاية أقول، لرفع سوء الظن، أخوكم هو أحد الذين دافعوا عن ابنتنا المنتقبة التي أهانها شيخ الأزهر الذي كان شريفا.
* * *
يقول الشيخ الألباني: وجه المرأة ليس بعورة، ولا يجب عليها سترة.
الألباني يتهم الذين تعصبوا للنقاب بأنهم كتبوا مستسلمين للعواطف البشرية، والاندفاعات الشخصية ، والتقاليد البالية ، وليس استسلاما للأدلة الشرعية.
الألباني يتهم الذين كتبوا بوجوب النقاب باللجوء إلى استعمال الرأي، ولغة العواطف، أو ما يشبه الفلسفة.
حمل كتاب الشيخ الألباني من هنا:
http://www.4shared.com/file/149260770/5aca2b93/___online.html

الصحابة وسلفهم الذين قالوا بكشف الوجه:
تكرر هنا كثيرا، القول بأنه لم يقل بكشف الوجه والكفين، من الصحابة والتابعين، وعلماء الأمة إلا القليل، والنادر، بل قال أحدهم وهذا النادر رجع وأمر بتغطية الوجه والكفين زمن الفتنة.
والحقيقة خلاف ذلك، لأن نفرا قليلا جدًّا من العلماء هم الذين قالوا بالتغطية.
وسأنقل لكم الآن عن أحد المواقع، بحثا لأحد المشاركين، لم أصدقه في البداية، فراجعتُ المراجع التي ذكرها بالجزء والصفحة، وإليكم مشاركته:

الصحابة
مصنف ابن أبي شيبة 235 - (9/281)
17290- حَدَّثنا شَبابَةُ بن سَوّارٍ, قال: حَدَّثنا هِشامُ بن الغازِ, قال: حَدَّثنا نافِعٌ، عن ابن عُمَرَ، قال: الزِّينَةُ الظّاهِرَةُ: الوجهُ والكَفّانِ.
السنن الصغرى للبيهقي 458 - (1/149)
وامّا المَرأَةُ الحَرَّةُ فَقَد قال الله عَزَّ وجَلَّ: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنها}.
263- ورُوِيَ عن ابن عَبّاسٍ أَنَّهُ قال: ما فِي الوجهِ والكَفينِّ.
264- وعن عائِشَةَ، ما ظَهَرَ مِنها الوجهُ والكَفّانِ , ورُوِيَ عن ابن عُمَرَ.

التابعون
مصنف ابن أبي شيبة 235 - (9/282)
17292- حَدَّثنا شَبابَةُ, عن هِشامٍ، قال: سَمِعتُ مَكحُولاً يَقُولُ: الزِّينَةُ الظّاهِرَةُ: الوجهُ والكَفّانِ.
تفسير الطبري 310 (دار هجر) - (17/258)
26166- حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، قال: حَدَّثَنا أَبو عاصِمٍ، قال: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن عَبدِ اللهِ بن مُسلِمِ بن هُرمُزَ، عن سَعِيدِ بن جُبَيرٍ، فِي قَولِهِ: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنها} قال: الوجهُ والكَفُّ.
26167- حَدَّثَنا عَمرُو بن عَبدِ الحَمِيدِ قال: حَدَّثَنا مَروانُ بن مُعاوِيَةَ، عن عَبدِ اللهِ بن مُسلِمِ بن هُرمُزَ المَكِّيِّ، عن سَعِيدِ بن جُبَيرٍ، مِثلَهُ.

أصحاب المذاهب
المالكية:
التمهيد 463 - (6/364)
قال ابن عبد البَر: وقد أجمعوا أنه من صلى مستور العورة فلا إعادة عليه وإن كانت امرأة فكل ثوب يغيب ظهور قدميها ويستر جميع جسدها وشعرها فجائز لها الصلاة فيه لأنها كلها عورة إلا الوجه والكفين على هذا أكثر أهل العلم.
وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام.
وقال مالك، وأبُو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول الأوزاعي وأبي ثور على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها
الحنفية
شرح معاني الآثار 321 - (3/16)
ـ وقال الطحاوي: واذا ثَبَتَ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى وجهِ المَرأَةِ لِيَخطُبَها حَلاَلٌ، خَرَجَ بِذَلِكَ حُكمُهُ مِن حُكمِ العَورَةِ، ولأنّا راينا ما هُو عَورَةٌ لاَ يُباحُ لِمَن أَرادَ نِكاحَها النَّظَرُ إِلَيها.
أَلاَ تَرَى أَنَّ مَن أَرادَ نِكاحَ امراةٍ، فَحَرامٌ عَلَيهِ النَّظَرُ إِلَى شَعرِها، وإِلَى صَدرِها، وإِلَى ما هُو أَسفَلَ مِن ذَلِكَ فِي بَدَنِها، كَما يَحرُمُ ذَلِكَ مِنها، عَلَى مَن لَم يُرِد نِكاحَها، فَلَمّا ثَبَتَ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى وجهِها حَلاَلٌ لِمَن أَرادَ نِكاحَها، ثَبَتَ أَنَّهُ حَلاَلٌ أَيضًا لِمَن لَم يُرِد نِكاحَها، إِذا كانَ لاَ يَقصِدُ بنظَرِهِ ذَلِكَ لِمَعنى هُو عَلَيهِ حَرامٌ.
وقَد قِيلَ فِي قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا ما ظَهَرَ مِنها}: إِنَّ ذَلِكَ المُستَثنَى هُو الوجهُ والكَفّانِ، فَقَد وافَقَ ما ذَكَرنا مِن حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ هَذا التّاوِيلَ.
ومِمَّن ذَهَبَ إِلَى هَذا التّاوِيلِ مُحَمدُ بن الحَسَنِ، كَما حَدَّثنا سُليمانُ بن شُعَيبٍ بِذَلِكَ، عن أَبِيهِ، عن مُحَمدٍ.
وهَذا كُلُّهُ قَولُ أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُفَ، ومُحَمدٍ.
الشافعية
السنن الكبرى البيهقي 458 - (7/86)
قال البيهقي: قال اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنها}.
قال الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِلاَّ وجهَها وكَفَّيها.
أصحاب التفاسير والكتب
تفسير الطبري 310 (دار هجر) - (17/261)
قال الطبري: وأولَى الأَقوالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوابِ: قَولُ مَن قال: عنيَ بِذَلِكَ الوجهُ والكَفّانِ، يَدخُلُ فِي ذَلِكَ إِذا كانَ كَذَلِكَ الكُحلُ، والخاتَمُ، والسِّوارُ، والخِضابُ والثياب.
وانَّما قُلنا ذَلِكَ أَولَى الأَقوالِ فِي ذَلِكَ بِالتّاوِيلِ، لِإِجماعِ الجَمِيعِ عَلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَن يَستُرَ عَورَتَهُ فِي صَلاَتِهِ، وانَّ لِلمَرأَةِ أَن تَكشِفَ وجهَها وكَفَّيها فِي صَلاَتِها، وانَّ عَلَيها أَن تُستَرَ ما عَدا ذَلِكَ مِن بَدَنِها إِلاَّ ما رُوِيَ عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ أَباحَ لَها أَن تُبدِيَهُ مِن ذِراعِها إِلَى قَدرِ النِّصفِ فاذ كانَ ذَلِكَ مِن جَمِيعِهِم إِجماعًا، كانَ مَعلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ لَها أَن تُبدِيَ مِن بَدَنِها ما لَم يَكُن عَورَةً كَما ذَلِكَ لِلرِّجالِ ؛ لأَنَّ ما لَم يَكُن عَورَةً فَغَيرُ حَرامٍ إِظهارُهُ . واذا كانَ لَها إِظهارُ ذَلِكَ، كانَ مَعلُومًا أَنَّهُ مِمّا استَثناهُ الله تَعالَى ذِكرُهُ بِقَولِهِ: {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنها} لأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ ظاهِرٌ مِنها.
أحكام القرآن للجصاص 370 - (5/172)
قال أَبو بَكرٍ الجصاص: قَوله تَعالَى: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها إنَّما أَرادَ بِهِ الأَجنَبِيِّينَ دُونَ الزَّوجِ وذَوِي المَحارِمِ ؛ لأَنَّهُ قَد بَيَّنَ فِي نَسَقِ التِّلاَوةِ حُكمَ ذَوِي المَحارِمِ فِي ذَلِكَ.
وقال أَصحابنا: المُرادُ الوجهُ والكَفّانِ ؛ لأَنَّ الكُحلَ زِينَةُ الوجهِ والخِضابَ والخاتَمَ زِينَةُ الكَفِّ، فاذ قَد أَباحَ النَّظَرَ إلَى زِينَةِ الوجهِ والكَفِّ فَقَد اقتَضَى ذَلِكَ لاَ مَحالَةَ إباحَةَ النَّظَرِ إلَى الوجهِ والكَفَّينِ.
ويَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوجهَ والكَفَّينِ مِن المَرأَةِ لَيسا بِعَورَةٍ أَيضًا أَنَّها تُصَلِّي مَكشُوفَةَ الوجهِ واليَدَينِ، فَلَو كانا عَورَةً لَكانَ عَلَيها سَترُهُما كَما عَلَيها سَترُ ما هُو عَورَةٌ.
المحلى 456 - (3/210)
قال ابن حزم: والعَورَة المُفتَرَض سَترُها عَلَى النّاظِر وفِي الصَّلاة ؛ من الرَّجُل: الذَّكَر وحَلقَة الدُّبُر فقَط؛ وليس الفَخِذ منه عَورَةً وهِي من المَرأَةِ: جَمِيع جِسمِها، حاشا الوجهِ، والكَفَّين فقَط، الحُرُّ، والعَبدُ، والحُرَّةُ، والأَمَةُ، سَواء فِي كُلّ ذَلك ولا فرقَ.
وقَد رُوِّينا عن ابن عَبّاس فِي ولا يُبدِين زِينتَهُنّ إلاّ ما ظَهَر منها قال: الكَفُّ، والخاتَمُ، والوجهُ.
وعن ابن عُمر: الوجهُ، والكَفّانِ، وعن أَنسٍ: الكَفُّ، والخاتَم وكُلّ هَذا عنهُم فِي غايَة الصِّحَّةِ، وكَذَلك أَيضًا عن عائِشَة وغَيرِها من التّابِعِين.
شرح السنة 516 - (9/23)
قال البغوي: وأما المرأة مع الرجل، فإن كانت أجنبية حرة، فجميع بدنها عورة في حق الرجل لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين، لقوله عز وجل: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنها} قيل في التفسير: هو الوجه والكفان.
المجموع للنووي 676 - (3/170)
قال النووي: وأما الحرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} النور: 13 قال ابن عباس وجهها وكفيها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة الحرام عن لبس القفازين والنقاب ولو كان الوجه والكف عورة لماحرم سترهما.
شرح صحيح البخاري لابن بطال - (9/20)
قال ابن بطال: وقد اختلف السلف في تأويل قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ماظهر منها} فذهب طائفة إلى أن قوله: {إلا ماظهر منها}: الكحل والخاتم وقيل: الخضاب والسوار والقرط والثياب.
وقال أكثر أهل العلم: {إلا ماظهر منها} الوجه والكفان، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأنس، وهو قول مكحول وعطاء والحسن.
التلخيص الحبير 852 - (3/150)
قال ابن حجر: قَولُهُ فِي قوله تعالى: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها}، هو مُفَسَّرٌ بِالوجهِ والكَفَّينِ انتَهَى.
السلسلة الصحيحة - (5/500)
قال الألباني: وفي قول ربنا تبارك وتعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} (النور: 30 ).
فإذا كان هذا الأمر الإلهي قد وجه مباشرة إلى ذاك الجيل الأول الأطهر الأنور ولم يكن يومئذ ما يمكن أن يرى من النساء إلا الوجه والكفان ومن بعضهن، كما تواترت الأحاديث بذلك كحديث الخثعمية، وحديث بنت هبيرة وغيرهما مما هو مذكور في "جلباب المرأة " و" آداب الزفاف".
إرواء الغليل - (6/200)
قال الألباني: (1790) - (قال ابن عباس فى قوله: (إلا ماظهر منها) الوجه والكفين.
* صحيح.
أخرجه ابن أبى شيبة (7/42/1) والبيهقى (7/225) من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عنه به.
قلت: وابن هرمز هذا ضعيف.
لكن له طريق أخرى عنه، فقال ابن أبى شيبة: حدثنا زياد بن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عنه: (ولا يبدين زينتهن) قال: " الكف ورقعة الوجه.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخارى غير صالح الدهان وهو صالح بن إبراهيم، ترجمه ابن أبى حاتم (2/1/393) وروى عن أحمد: ليس به بأس، وعن ابن معين: ثقة.
وأكرر:
وهذا رأي الطحاوي وهو صاحب العقيدة الطحاوية السلفية:
شرح معاني الآثار 321 - (3/16)
ـ وقال الطحاوي: واذا ثَبَتَ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى وجهِ المَرأَةِ لِيَخطُبَها حَلاَلٌ، خَرَجَ بِذَلِكَ حُكمُهُ مِن حُكمِ العَورَةِ، ولأنّا راينا ما هُو عَورَةٌ لاَ يُباحُ لِمَن أَرادَ نِكاحَها النَّظَرُ إِلَيها.
أَلاَ تَرَى أَنَّ مَن أَرادَ نِكاحَ امراةٍ، فَحَرامٌ عَلَيهِ النَّظَرُ إِلَى شَعرِها، وإِلَى صَدرِها، وإِلَى ما هُو أَسفَلَ مِن ذَلِكَ فِي بَدَنِها، كَما يَحرُمُ ذَلِكَ مِنها، عَلَى مَن لَم يُرِد نِكاحَها، فَلَمّا ثَبَتَ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى وجهِها حَلاَلٌ لِمَن أَرادَ نِكاحَها، ثَبَتَ أَنَّهُ حَلاَلٌ أَيضًا لِمَن لَم يُرِد نِكاحَها، إِذا كانَ لاَ يَقصِدُ بنظَرِهِ ذَلِكَ لِمَعنى هُو عَلَيهِ حَرامٌ.
وقَد قِيلَ فِي قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {ولاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا ما ظَهَرَ مِنها}: إِنَّ ذَلِكَ المُستَثنَى هُو الوجهُ والكَفّانِ، فَقَد وافَقَ ما ذَكَرنا مِن حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ هَذا التّاوِيلَ.
ومِمَّن ذَهَبَ إِلَى هَذا التّاوِيلِ مُحَمدُ بن الحَسَنِ، كَما حَدَّثنا سُليمانُ بن شُعَيبٍ بِذَلِكَ، عن أَبِيهِ، عن مُحَمدٍ.
وهَذا كُلُّهُ قَولُ أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُفَ، ومُحَمدٍ.

ليست هناك تعليقات: