المال عذاب،. 2/4،.
هذه السلسلة، سوف تغيّر نظرتك للمال 180 درجة،. ستدرك معها أنك كنت تجري وتسعى خلف (هلاكك) وأنت لا تدري،. بل كنت تدعو الله وترجوه أن يعطيك من (العذاب)،. وأنت لا تشعر أنه عذاب،. نعم،.. هذه هي الحقيقة، المال عذاب،.
ـــــــــ ولكن،.. كيف يكون المال عذاباً؟،.
سعة الرزق والمال ملهاة، وهي علامة الظالم والمكذب [كما سبق وذكرنا الآيات]،. الله يعطي المال للناس كلهم،. للمؤمن والكافر سواء،. يكتبه الله على الجميع ليفتنهم به،. فمن تخفف منه نجى،. ومن تشرَّف به هلك،.
كثرة المال، شرٌ في جميع أحواله،. فهو على الكافر بلاءٌ واستدراج فيه مهلكته،. وهو على المؤمن بلاءٌ وفتنة، فيه مهلكته،.
الله يعطي المؤمن والكافر سواء،. أما الكافر فيعطيه استدراجاً ويمده ليزداد كفراً،. ولكن المؤمن،.. يعطيه بلاءً،. يختبره ويمتحنه بها،. فهي عليه كذلك فتنة،. يبتليه الله ويفتنه لمجرد أنه آمن،. وصور الفتن هذه كثيرة متعددة،. أشدها وأقواها فتنة المال وسعة الرزق،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡیَةࣲ مِّن نَّبِي إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّیِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا۟ وَّقَالُوا۟ قَدۡ مَسَّ ءَابَاۤءَنَا ٱلضَّرَّاۤءُ وَٱلسَّرَّاۤءُ فَأَخَذۡنَاهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ *((وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَاتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ))* وَلَكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَاهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا بَیَاتࣰا وَهُمۡ نَاۤئمُونَ أَوَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا ضُحࣰى وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ أَفَأَمِنُوا۟ مَكۡرَ ٱللَّهِ فَلَا یَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف 94 - 99]،.
القارئ لهذه الآية يرى بأن البركات نعيم وخير وفضل ورحمة للذين آمنوا واتقوا،. ولكنها في الحقيقة بلاء وفتنة،. ولهذا قالَ اْللّٰه فيها،. لفتحنا (عليهم)،. ولم يقل لفتحنا (لهم)،. فلا يقال للخير عليك،. بل يقال لك،. انظر حين أعطى النّبي ﷺ الفتح، لم يقل ((إنا فتحنا عليك))،. بل قال،. ﴿إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِینࣰا﴾ [الفتح 1]،. وسنعود لهذه النقطة،.
قالَ اْللّٰه في الناس جميعاً، للكافر الذي يريد الدنيا وللمسلم الذي يريد الآخرة،. ﴿كُلࣰّا *((نُّمِدُّ هَؤُلَاۤءِ وَهَؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَ))* وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا﴾ [الإسراء 20]،. ولكن الإمداد للمسلم ليس جزاءً لإيمانه،. إنما زيادةُ بلاء،.
هذا المد [الذي بالأموال والبنين]،. يكون فتنة لينظر كيف يفعلون،. قالَ اْللّٰه قبلها،. ﴿ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَیۡهِمۡ *((وَأَمۡدَدۡنَاكُم بِأَمۡوَالࣲ وَبَنِینَ))* وَجَعَلۡنَاكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِیرًا إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَا..﴾ [الإسراء 6 - 7]،. إن أحسنوا فقد مهدوا لأنفسهم الخير يوم القيامة، ولكن المال فتنة،. فغالباً لن يحسنوا،. سيسيؤون،. ولو أساؤوا فقد أساؤوا بسبب المال والبنين،. وقعوا في الفتنة،. لأجلها أساؤوا،. ﴿..وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ ((فَلَهَا))﴾،. فلأجل كثرة المال والبنون،.
المد عذاب،. قالَ اْللّٰه،. ﴿قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَالَةِ *((فَلۡیَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَنُ مَدًّا))* حَتَّىٰۤ إِذَا رَأَوۡا۟ مَا یُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَیَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضۡعَفُ جُندࣰا﴾ [مريم 75]،. يمدهم بماذا؟!،.
قالَ اْللّٰه بعدها،. ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي ((كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا)) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ *((وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ))* وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ [مريم 77 ــ 80]،.
فالمد في حقيقته عذاب، يمدهم بالعذاب،. ولكن ما هو هذا العذاب؟! هذا العذاب هو المال والبنون،. قالَ اْللّٰه بعدها،. ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ..﴾ [مريم 80]،. أي نعطيه ما يقول! فما الذي قاله هذا المعذب؟! قال قبل ذلك،. ﴿..وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [مريم 77]،. فمده الله بما قال، وهذا المد سماه الله عذاباً، فالعذاب هو أن يمدك الله بالمال والبنين،.
قالَ اْللّٰه قبل ذلك،. ﴿قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَالَةِ فَلۡیَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَنُ مَدًّا حَتَّىٰۤ إِذَا رَأَوۡا۟ مَا یُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَیَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضۡعَفُ جُندࣰا وَیَزِیدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ٱهۡتَدَوۡا۟ هُدࣰى *((وَٱلۡبَاقِیَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ))* ثَوَابࣰا وَخَیۡرࣱ مَّرَدًّا﴾ [مريم 75 - 76]،. هذه التي تقابل المال والدنيا،. هذه ضدها،.
ــــــ قالَ اْللّٰه،. ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَاهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ فَلَوۡلَاۤ إِذۡ جَاۤءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِ *((فَتَحۡنَا عَلَیۡهِمۡ أَبۡوَابَ كُلِّ شَيءٍ))* حَتَّىٰۤ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَاۤ أُوتُوۤا۟ أَخَذۡنَاهُم بَغۡتَةࣰ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ *((ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟))* وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَالَمِینَ﴾ [الأنعام 42 ــ 45]،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿أبواب كل شيء﴾،. وهذه تدل على سعة الرزق والنعيم، وكثرة المال والبنين، وكل شيء يعجب الناس،. هذه النعم،. قد ذكرها الله في آية أخرى ولكن بكلمة مخيفة،. كلمة تعرفك أن الرزق الواسع الكثير ليس كما يظن الناس، بل بعكس ما هم عليه،. سماه عذاباً شديداً،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَإِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ وَلَوۡ رَحِمۡنَاهُمۡ وَكَشَفۡنَا مَا بِهِم مِّن ضُرࣲّ لَّلَجُّوا۟ فِي طُغۡیَانِهِمۡ یَعۡمَهُونَ وَلَقَدۡ أَخَذۡنَاهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمۡ وَمَا یَتَضَرَّعُونَ *((حَتَّىٰۤ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَابࣰا ذَا عَذَابࣲ شَدِیدٍ))* إِذَا هُمۡ فِیهِ مُبۡلِسُونَ﴾ [المؤمنون 74 - 77]،.
فهذه الآية أخت تلك، قد فسرتها وشرحتها،. هي شبيهة بها،. ولاحظ تشابه كلماتها،. ففي سياق الآيتين تجد التضرع والإبلاس،. وتلاحظ أنه في كلا الآيتين يستخدم الله (عليهم) بدلاً من (لــهم)،. فحين يكون الأمر خيراً يقول لك/لكم/له،. ولا يقول عليك/عليهم/عليه،.
والكلام في سورة "المؤمنون" كان عن المترفين [سبق تفصيلها]،. فالعذاب الشديد هو سعة الرزق والمال والولد،. بالمال يهلكهم الله ويبعدهم زيادةً،.
وهل تعتبر سعة المال والولد عذاباً؟ نعم،. قالَ اْللّٰه،. ﴿فَلَا تُعۡجِبۡكَ *((أَمۡوَالُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَادُهُمۡ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا))* وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَافِرُونَ﴾ [التوبة 55]،. وقال،. ﴿وَلَا تُعۡجِبۡكَ *((أَمۡوَ الُهُمۡ وَأَوۡلَادُهُمۡ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلدُّنۡیَا))* وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَافِرُونَ﴾ [التوبة 85]،. فيعذبهم الله في الدنيا بماذا؟! بكثرة الأموال والأولاد،.
كما قال موسى من قبل،. ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَاۤ *((إِنَّكَ ءَاتَیۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُ زِینَةࣰ وَأَمۡوَالࣰا فِي ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا رَبَّنَا لِیُضِلُّوا۟ عَن سَبِیلِكَ))...﴾* [يونس 88]،. بالتالي،. أكبر معينٍ للضلالة هو المال،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿وَلَا یَحۡزُنكَ ٱلَّذِینَ یُسَارِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَلَّا یَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظࣰّا فِي ٱلۡآخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمٌ إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَانِ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔا وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَیۡرࣱ لِّأَنفُسِهِمۡ، *((إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِثۡمࣰا))* وَلَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِیَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَنتُمۡ عَلَیۡهِ حَتَّىٰ یَمِیزَ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَیۡبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ یَجۡتَبي مِن رُّسُلِهِ مَن یَشَاۤءُ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِه وَإِن تُؤۡمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ﴾ [آل عمران 176 - 179]،.
❒ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﴿ﻻ ﺃﺣﺪ ﺃﺻﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺫﻯ ﻳﺴﻤﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ((ﺇﻧﻪ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻟﻪ اﻟﻮﻟﺪ)) ﺛﻢ ﻫﻮ ﻳﻌﺎﻓﻴﻬﻢ ﻭﻳﺮﺯﻗﻬﻢ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ.
فالله يعطي المال فتنة للمسلم والكافر سواء،.. الكافر يزداد إثماً، والمسلم يبتلى ويمتحن به، وعليه ألا يسيء [كما فعل الأكثرية]، عليه أن يقتصد ويتخفف منه [وهؤلاء قلة قليلة]،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوۡرَاةَ وَٱلۡإِنجِیلَ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِم *((مِّنۡهُمۡ أُمَّةࣱ مُّقۡتَصِدَةࣱ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ سَاۤءَ مَا یَعۡمَلُونَ))﴾* [المائدة 66]،.
ــــــ كيف نوفق بين فتنة المال وأن الله قال للمستغفرين أنه سيمدهم بالأموال؟!،. في قول الله في سورة نوح،. ﴿فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارࣰا یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَالࣲ وَبَنِینَ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّاتࣲ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَارࣰا﴾ [نوح 10 - 12]،.
حتى هذا المال فتنة،. فالحياة لم تنتهي بها،. سوء الفهم حصل بسبب ظن القارئ أن الأموال والبنون هي الجزاء النهائي للمستغفر،. وأنه إذا حصل المسلم على المال والبنين، تنتهي القصة هنا،. وكأنه دخل الجنة وقضي الأمر!،. لا يا أخي،. أنت ما زلت حياً تعيش في الدنيا، فالفتنة لم تنقضي،. ولو أعطاك المال، يعطيك ليرى ماذا ستفعل، القصة لم تنتهي فأنت ما زلت فيها،. في الفتنة والبلاء،. ولا يأمن الإنسان الفتنة على نفسه حتى يموت،. الله يعطي المال فتنة وبلاء،. قالَ اْللّٰه للمؤمنين خاصةً،. ﴿((یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟)) لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَانَاتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ *((وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أَمۡوَالُكُمۡ وَأَوۡلَادُكُمۡ فِتۡنَةࣱ))* وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ ((یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟)) إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ *((یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا¹))* وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال 27 - 29]،.
الله يعطي الجميع وليس للمستغفر فقط،. ولكن المؤمن يعلم أن المال فتنة، فلا يتعلق بها،. بل يطلب الآخرة ويسعى لها،. قالَ اْللّٰه،. ﴿مَّن كَانَ *((یُرِیدُ ٱلۡعَاجِلَةَ))* عَجَّلۡنَا لَهُ فِیهَا مَا نَشَاۤءُ لِمَن نُّرِیدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُ جَهَنَّمَ یَصۡلاهَا مَذۡمُومࣰا مَّدۡحُورࣰا *((وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡآخِرَةَ))* وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡیَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَئكَ كَانَ سَعۡیُهُم مَّشۡكُورࣰا *((كُلࣰّا نُّمِدُّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَ))* وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا ٱنظُرۡ كَیۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَلَلۡآخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَاتࣲ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِیلࣰا﴾ [الإسراء 18 - 21]،.
يعطى الناس كلهم، ومن جهلهم يحسبون أن الله يسارع لهم في الخيرات، بينما هي وبالٌ عليهم وهم لا يشعرون،. قالَ اْللّٰه،. ﴿فَذَرۡهُمۡ فِي غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِینٍ أَیَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِه مِن *((مَّالࣲ وَبَنِینَ نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَیۡرَاتِ؟))* بَل لَّا یَشۡعُرُونَ﴾ [المؤمنون 54 - 56]،. يقول اللّٰه مستنكراً،. أتظن أن ما أمدتك به كان مسارعةً منا لك في الخير؟!،. لا،. بل هو شر، ولكنك لا تشعر،. وهذا الكلام يشمل الجميع، الكافر والمسلم،.
الله يعطي المسلم فتنةً وبلاءً،. قال الله،. ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَارِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَذَا ٱلۡحَدِیثِ أَسَفًا *((إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا))* وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا﴾ [الكهف 6 - 8]،.
وفي مثل هذه الزينة قالَ اْللّٰه في نفس السورة،.. ﴿وَٱضۡرِبۡ لَهُم *((مَّثَلَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ))* فَٱخۡتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِیمࣰا تَذۡرُوهُ ٱلرِّیَاحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ مُّقۡتَدِرًا *((ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا))* وَٱلۡبَاقِیَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف 45 - 46]،.
فلا خير، إلا في الباقيات الصالحات، هي التي (ستبقى) لك،. هي أعمالك الصالحة كلها،. سواءً كانت الذكر، أو الصدقة أو ما قدمت لنفسك من عمل،. وليس المال،.
وهل مدح الله المال والبنون بقوله زينة الحياة الدنيا؟! لا،.
كلمة زينة لا تدل على مدح،. أصل كلمة الزينة هو ما زاد عن الأصل،. والزينة تصرف عن الأصل،. تغتر فيها، تعجبك، فتنصرف عن الحقيقة، تلهيك عن الحق،. لهذا يسمي الله الدنيا بالزينة،. قالَ اْللّٰه،. ﴿مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا نُوَفِّ إِلَیۡهِمۡ أَعۡمَالَهُمۡ فِیهَا وَهُمۡ فِیهَا لَا یُبۡخَسُونَ أُو۟لَئكَ ٱلَّذِینَ لَیۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِیهَا وَبَاطِلࣱ مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [هود 15 - 16]،.
سماها زينة لأنها تلهيك وتغريك،. ليست هي الحق،. الحق في الآخرة،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّن شَيءࣲ ((فَمَتَاعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتُهَا)) وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ أَفَمَن وَعَدۡنَاهُ وَعۡدًا حَسَنࣰا فَهُوَ لَاقِیهِ كَمَن مَّتَّعۡنَاهُ مَتَاعَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا ثُمَّ هُوَ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِینَ﴾ [القصص 60 - 61]،.
قالَ اْللّٰه في نفس سورة الكهف،. ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ ((زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ)) أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا﴾ [الكهف 7]،. فالزينة بلاء وفتنة،. وليس هذا مدح للمال والبنون،.
وفي سورة الكهف كذلك، يبين الله لك ماهي هذه الزينة،. قال ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِي یُرِیدُونَ وَجۡهَهُ *((وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ))* وَكَانَ أَمۡرُهُ فُرُطࣰا﴾ [الكهف 28]،.
ما الذي يُغفل الإنسان عن ذكر الله ويلهيه عن الآخرة؟!،. المال والبنين،. قالَ اْللّٰه،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ *((لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَالُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَادُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ))* وَمَن یَفۡعَلۡ ذَلِكَ فَأُو۟لَئكَ هُمُ ٱلۡخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا۟ مِن مَّا رَزَقۡنَاكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنِي إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِینَ وَلَن یُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَاۤءَ أَجَلُهَا وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [المنافقون 9 - 11]،.
قال محذراً من الدنيا وتكاثر الأموال فيها،. ﴿اعْلَمُوا *((أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ))* كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ *((وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ))﴾* [الحديد 20]،.
قال اْللّٰه،. ﴿فَأَمَّا ٱلۡإِنسَانُ *((إِذَا مَا ٱبۡتَلَاهُ رَبُّهُ))* فَأَكۡرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبّي أَكۡرَمَنِ/أَكۡرَمَنِي﴾ [الفجر 15]،. يفرح بها المسكين، يقول ربي أكرمني، أعطاني، فهو يحبني،. لا يدري أنها بلاء عليه،. رد الله عليه بعدها وقال ﴿كلا﴾،.أي، أنت مخطئ، هذا ليس بإكرام،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿وَلَئنۡ أَذَقۡنَاهُ *نَعۡمَاۤءَ بَعۡدَ ضَرَّاۤءَ مَسَّتۡهُ لَیَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّیِّـَٔاتُ عَنِّي ((إِنَّهُ لَفَرِحࣱ فَخُورٌ))* إِلَّا ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحاتِ أُو۟لَئكَ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرࣱ كَبِیرࣱ﴾ [هود 10 - 11]،.
والله لا يحب *المختال الفخور*،. قال الله،. ﴿لِّكَیۡلَا تَأۡسَوۡا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ *((وَلَا تَفۡرَحُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَاكُمۡ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورٍ))﴾* [الحديد 23]،.
فالأصل ألا نفرح بالمال الكثير،. ﴿ٱللَّهُ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ *((وَفَرِحُوا۟ بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا فِي ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا مَتَاعࣱ))﴾* [الرعد 26]،.
قالَ اْللّٰه عن قارون،. ﴿..إِذۡ قَالَ لَهُ قَوۡمُهُ *لَا تَفۡرَحۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَرِحِینَ وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَا* وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ [القصص 76 - 77]،.
فلا يدفعك أن الله أمدك بالأموال فتفترح بها، عليك أن تفرح بفضل الله ورحمته، وليس بالمال،. ﴿یَا أَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَتۡكُم مَّوۡعِظَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَاۤءࣱ لِّمَا في ٱلصُّدُورِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ *قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِه فَبِذَلِكَ فَلۡیَفۡرَحُوا۟ هُوَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ﴾* [يونس 57 - 58]،.
المؤمن في فتنة ما زال حياً،. فقد قالَ اْللّٰه لكل مؤمن،. ﴿الۤمۤ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ ((أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ؟)) وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَاذِبِینَ﴾ [العنكبوت 1 - 3]،. فيفتن الله المؤمن بالمال،. ينظر ماذا يفعل،. والناجي من أهلكه وأنفقه وتصدق به وتخلّص منه،.
يقول اْللّٰه للجميع،. ﴿كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤئقَةُ ٱلۡمَوۡتِ *((وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰ))* وَإِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ﴾ [الأنبياء 35]،. فاللّه قد يجعل البلاء فيما تظنه خيرٌ لك،. فلا تفرح بكل خيرٍ تراه في الدنيا،. الخير يكون في الآخرة فقط،.
المال الذي نراه اليوم خيرٌ!،. هو في الحقيقة بلاءٌ واختبارٌ ليس إلا،. ضرب الله مثل الدنيا بالماء ثلاث مرات،. قالَ،. ﴿إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا*(( كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَامُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَادِرُونَ عَلَیۡهَاۤ))* أَتَاهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَاهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡآیَاتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس 24]،. وقال،. ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ ((مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ)) أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ مُّقۡتَدِرًا ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡبَاقِیَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف 45 - 46]،. وقال،. ﴿اعْلَمُوا ((أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ((كَمَثَلِ غَيْثٍ)) أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد 20]،.
مثَّلَ اللهُ الدنيا في الأمثال الثلاثة بالماء،. والعجيب أن طالوت حين أراد اختبار جيشه وقومه، إن كانت قلوبهم متعلقة بالدنيا أم لا،. اختبرهم بالماء،. ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ ((مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)) فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ (اغْتَرَفَ غُرْفَةً) بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ..﴾ [البقرة 249]،.
فَتَنَهم طالوت بمَثَل الدنيا،. فمن كان قلبه متعلقاً بها فلن يصلح الجهاد في سبيل اللّٰه،. ولن يدفع نفسه للآخرة، إلا من استغنى بالآخرة عن الدنيا،. ولم يأخذ من الدنيا إلا (غُرفة)،. وهذا هو نصيبك القليل جداً من الدنيا،. كما قيل لقارون،. ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ((وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)) وأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ..﴾ [القصص 77]،.
هذا المثال في الآيات الثلاثة مثالٌ عظيم،. فيه تحذير ألا يغتر الإنسان ويفرح بما يراه ويظنه خيراً،. ولو كان بعد إيمانٍ وتقوى،. فيظن أن جزاءَ التقوى أن يكرمه الله بالزيادة والبركة والاكثار في المال والرزق،. بل هي فتنة، وكل رزق ونعمة فتنة وبلاء،.
قالَ اْللّٰه في سورة الفجر،. ﴿فَأَمَّا ٱلۡإِنسَانُ *((إِذَا مَا ٱبۡتَلَاهُ رَبُّهُ))* فَأَكۡرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبّي أَكۡرَمَنِ/أَكۡرَمَنِي﴾ [الفجر 15]،. يفرح بها المسكين، يقول ربي أكرمني، أعطاني، فهو يحبني،. لا يدري أنه بلاء عليه وفتنة،.
ثم قال،. ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ/أَهَانَنِي﴾ [الفجر 16]،. وهذا يشتكي ويقول أن الله أهانه بسبب قلة المال،. وكلاهما مخطئ،.
الانسان في كل أحواله يحب الدنيا، لا يطمئن قلبه حتى يغتني فيها ويتنعم،. لا ينظر للآخرة ولا يعلق قلبه فيها،. كل همه الدنيا وما فيها من نعيم،. إن أكرمه الله فيها فرح وقال ﴿أكرمني﴾! وإذا ضيق عليه اشتكى وقال ﴿أهانني﴾! يقول هذا لأن تفكيره في الدنيا فقط،. قالَ اْللّٰه بعدها ﴿كلا﴾،. أي أن ما ظنه الانسان خطأ،. فالأول لم يكرمه حين أنعم عليه، بل هو بلاء عليه واختبار فالمال ليس رفعة وتشريفاً له (ليست كرامة ولا إكرام)،. فهو لم يكرمه كما قال [أكرمني] فرحاً بها فخوراً، وحين ضيَّق عليه فهو لم يهنه كما قال [أهانني] شاكياً، إنما كانت له وقاية وبعدٌ من النار ولكنه لا يشعر فلهذا يشتكي ويظنها إهانة،. المال بلاءٌ لكليهما،. (الذي أنعم عليه)، ابتلاه فبخل ولم ينفق، (والذي ضيق عليه)، ابتلاه فجزع واشتكى ولم يصبر،. [كلا] فكلاهما مخطئ،. قلوبهم تعلقت بالدنيا،. وهكذا هو الانسان،. يطمئن للدنيا،. ينسى أن وراءه يوماً عظيماً، فلا يفكر بذلك اليوم ولا يعمل له،. كل كلامه وحرصه على الدنيا فقط،. لهذا يقول [أكرمني، وأهانني]،. قالَ اْللّٰه،. ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر 15 ــ 20]،. لو كانت نفسك مطمئنة،. لن تحب المال حبا جماً، وستهتم بآخرتك بإطعام المساكين وإكرام اليتامى،. لا أن تهتم بنفسك هل أكرمك الله بالمال أو لم يكرمك،. إن أعطاك الله أو حرمك فذلك بلاؤك،. ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا ((مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ)) ... وَأَمَّا إِذَا ((مَا ابْتَلَاهُ))...﴾،. يبتليك بالغنى والفقر، لينظر كيف تعمل،. هل تكون ممن تعلق قلبه في دنياه أم أهتم لليتامى والمساكين حتى يفوز بالآخرة؟!،.
ــــــ المؤمن يفتنه الله ويمده بالمال ليختبره، فإما أن يبخل [فيخسر دينه]،. وإما أن يتصدق فيرده الله عليه، ويمده الله أضعافاً [يفتنه]،. فيرجع ويتصدق، فيمده الله زيادة، يبقى يفتنه ما دام حياً،. حتى يموت فيفوز،. فالمؤمن لا يطمئن للدنيا أبداً،. إنما للآخرة،.
ــــــــــ لهذا،... لا تعجب إذا علمت أن الله جعل النّبي محمد ﷺ فقيراً،. تمر عليه الأيام والأشهر وليس في بيته طعام يُطبخ، ليس عنده سوى الماء، وأحيانا والتمر!،. رغم قدرته أن يجعله غنياً مترفاً يملك من المال ما يعينه على نشر الدعوة والإسلام،. ولكنه جعله فقيراً،. (في زماننا، هو أشبه بالمعدوم)،.
❒ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺯﻡ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﴿ﺟﺎء ﺭﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﻣﺠﻬﻮﺩ [أي جائع]، ﻓﺄﺭﺳﻞَ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻧﺴﺎﺋﻪ، ﻓﻘﺎﻟﺖ: *((ﻭاﻟﺬﻱ ﺑﻌﺜﻚ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﺇﻻ ﻣﺎء، ﺛﻢ ﺃﺭﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ، ﺣﺘﻰ ﻗﻠﻦ ﻛﻠﻬﻦ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ، ﻻ، ﻭاﻟﺬﻱ ﺑﻌﺜﻚ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﺇﻻ ﻣﺎء))،.* ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﻦ ﻳﻀﻴﻒ ﻫﺬا اﻟﻠﻴﻠﺔ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ، ﻓﻘﺎﻡ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎﺭ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻠﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻻﻣﺮﺃﺗﻪ: ﻫﻞ ﻋﻨﺪﻙ ﺷﻲء، ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ، ﺇﻻ ﻗﻮﺕ ﺻﺒﻴﺎﻧﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻌﻠﻠﻴﻬﻢ ﺑﺸﻲء، ﻓﺈﺫا ﺩﺧﻞ ﺿﻴﻔﻨﺎ ﻓﺄﻃﻔﺌﻲ اﻟﺴﺮاﺝ، ﻭﺃﺭﻳﻪ ﺃﻧﺎ ﻧﺄﻛﻞ، ﻓﺈﺫا ﺃﻫﻮﻯ ﻟﻴﺄﻛﻞ ﻓﻘﻮﻣﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﺴﺮاﺝ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﻔﺌﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﻌﺪﻭا ﻭﺃﻛﻞ اﻟﻀﻴﻒ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺻﺒﺢ، ﻏﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺪ ﻋﺠﺐَ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺻﻨﻴﻌﻜﻤﺎ ﺑﻀﻴﻔﻜﻤﺎ اﻟﻠﻴﻠﺔ﴾ وفي رواية ﴿...ﺿﺤﻚ اﻟﻠﻪ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻓﻌﺎﻟﻜﻤﺎ، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ {وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَانَ مِن قَبۡلِهِمۡ یُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَیۡهِمۡ وَلَا یَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةࣰ مِّمَّاۤ أُوتُوا۟ وَیُؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةࣱ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِ فَأُو۟لَئكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ}﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ.
❒ ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻝ ﴿ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﺎ اﺑﻦ ﺃﺧﺘﻲ ﺇﻥ ﻛﻨﺎ ﻟﻨﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻬﻼﻝ، ﺛﻢ اﻟﻬﻼﻝ، ﺛﻢ اﻟﻬﻼﻝ، ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻫﻠﺔ ﻓﻲ ﺷﻬﺮﻳﻦ، ﻭﻣﺎ ﺃﻭﻗﺪ ﻓﻲ ﺃﺑﻴﺎﺕ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻧﺎﺭٌ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻳﺎ ﺧﺎﻟﺔ! ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺸﻜﻢ؟! ﻗﺎﻟﺖ اﻷﺳﻮﺩاﻥ، اﻟﺘﻤﺮ ﻭاﻟﻤﺎء، ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺟﻴﺮاﻥ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎﺭ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﻨﺎﺋﺢ، ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺮﺳﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻣﻦ ﺃﻟﺒﺎﻧﻬﺎ ﻓﻴﺴﻘﻴﻨﺎﻩ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ.
لم يوقد في بيته نارٌ! أي أنه لم يأكل طعاماً مطبوخاً! كان طعامه كل تلك المدة مالا يُطبخ، كالتمر والماء،. فتخيل شدة فقره عَلَيْه اْلصَّلَاْة وَاْلسَّلَاْم،.
❒ ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ، قالت ﴿ﻛﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺸﻬﺮ ﻣﺎ ﻧﻮﻗﺪ ﻓﻴﻪ ﻧﺎﺭا، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﻤﺮ ﻭاﻟﻤﺎء، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻧﺆﺗﻰ ﺑﺎﻟﻠﺤﻴﻢ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.
❒ ﻋﻦ اﻷﺳﻮﺩ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ اﻟﻨﺨﻌﻲ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ ﴿ﻣﺎ ﺷﺒﻊ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ ﻣﻨﺬ ﻗﺪﻡ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻡ ﺑﺮ ﺛﻼﺙ ﻟﻴﺎﻝ ﺗﺒﺎﻋﺎً ﺣﺘﻰ ﻗﺒﺾ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.
❒ ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ ﴿ﻣﺎ ﺷﺒﻊ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺧﺒﺰ ﺑﺮ ﺇﻻ ﻭﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺗﻤﺮ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ.
❒ ﻋﻦ ﻗﺘﺎﺩﺓ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﻧﺄﺗﻲ ﺃﻧﺴﺎ ﻭﺧﺒﺎﺯﻩ ﻗﺎﺋﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻳﻮﻣﺎ: ﻛﻠﻮا ﴿ﻓﻮاﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﺃﻋﻠﻢ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺭﺃﻯ ﺭﻏﻴﻔﺎ ﻣﺮﻗﻘﺎً، ﻭﻻ ﺷﺎﺓ ﺳﻤﻴﻄﺎً ﺣﺘﻰ ﻟﺤﻖ ﺑﺮﺑﻪ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻭاﻟﺒﻐﻮﻱ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ، ﻓﻲ "ﺩﻻﺋﻞ اﻟﻨﺒﻮﺓ".
كان رسُول اللّٰه ﷺ مدركاً أن الكثرة حسرة وندامة،. فكان يتخلص مما معه مباشرةً، ولا يبقيه عنده،. كان لا يخزنه كما نفعل نحن [القرش الأبيض لليوم الأسود]،.
❒ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ، ﻋﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ اﻟﺤﺎﺭﺙ، ﻗﺎﻝ ﴿ﺻﻠﻴﺖ ﻭﺭاء اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، اﻟﻌﺼﺮ، ﻓﺴﻠﻢ، ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﻣﺴﺮﻋﺎ، ﻓﺘﺨﻄﻰ ﺭﻗﺎﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺣﺠﺮ ﻧﺴﺎﺋﻪ، ﻓﻔﺰﻉ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺳﺮﻋﺘﻪ، ﻓﺨﺮﺝ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﺮﺃﻯ ﺃﻧﻬﻢ ﻋﺠﺒﻮا ﻣﻦ ﺳﺮﻋﺘﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: *((ﺫﻛﺮﺕ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺗﺒﺮ ﻋﻨﺪﻧﺎ، ﻓﻜﺮﻫﺖ ﺃﻥ ﻳﺤﺒﺴﻨﻲ))*، ﻓﺄﻣﺮﺕ ﺑﻘﺴﻤﺘﻪ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.
أخبرنا النّبي ﷺ ألا نحرص على الدنيا،. وكان كثيراً ما ينبُذها ويحقّرها في أعين الصحابة حتى يكرهوها ويتجنبوها،.
ــــــ وفوق هذا، لم يكن النّبي ﷺ محتاجاً لأحد،. كان اعتماده كله على اللّٰه، أنه سيرزقه ويكفيه طلب الناس والتشرف بما عندهم،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَوَجَدَكَ عَاۤئلࣰا فَأَغۡنَىٰ﴾ [الضحى 8]،. ولكن،.. هل هذه الآية تدل على غنى النّبي ﷺ؟،. لا،.
لم يكن النّبي ﷺ مترفاً، وليس كل كلمة غني تعني غنى المال والنعمة والترف،. إنما الغنى غنى النفس،. فقد أغناه الله من سؤال الناس وطلب الأجر،. وجده عائلاً محتاجاً للناس،. فأغناه عن ذلك، وأعطاه مفاتيح كل شيءٍ،. قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ *﴿((ﺃﻭﺗﻴﺖ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻛﻞ ﺷﻲء))* ﺇﻻ اﻟﺨَﻤﺲ،.....} ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ،.
❒ ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﴿ﺑﻌﺜﺖ ﺑﺠﻮاﻣﻊ اﻟﻜﻠﻢ ﻭﻧﺼﺮﺕ ﺑﺎﻟﺮﻋﺐ *((ﻭﺑﻴﻨﺎ ﺃﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ ﺃﺗﻴﺖ ﺑﻤﻔﺎﺗﻴﺢ ﺧﺰاﺋﻦ اﻷﺭﺽ ﻓﻮﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﻳﺪي))* ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻓﺬﻫﺐ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﻨﺘﺜﻠﻮﻧﻬﺎ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ،.
فلم يكن النّبي ﷺ يطلب مالا من أحد،. أغناه الله منها،. وأعطاه كل شيءٍ في الدنيا والآخرة،. فترك مال الدنيا كله،. وأقبل على الآخرة،. وحض الناس على النفقة لأنفسهم،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا قُلۡ *((مَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَاۤءَ أَن یَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِیلࣰا))* وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيّ ٱلَّذِي لَا یَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِ وَكَفَىٰ بِه بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِیرًا﴾ [الفرقان 56 - 58]،. وقال،. ﴿...قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَى وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ نَّزِدۡ لَهُ فِیهَا حُسۡنًا إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ شَكُورٌ﴾ [الشورى 23]،.
❒ ﻋﻦ اﻷﻋﺮﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﴿ﻟﻴﺲ اﻟﻐﻨﻰ ﻋﻦ ﻛﺜﺮﺓ اﻟﻌﺮﺽ، ﺇﻧﻤﺎ اﻟﻐﻨﻰ ﻏﻨﻰ اﻟﻨﻔﺲ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ،. ولأجل ذلك كان يدعوا عَلَيْه اْلصَّلَاْة وَاْلسَّلَاْم،. ﴿اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﺳﺄﻟﻚ اﻟﻬﺪﻯ، ﻭاﻟﺘﻘﻰ، ﻭاﻟﻌﻔﺎﻑ، ﻭاﻟﻐﻨﻰ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻓﻲ "اﻷﺩﺏ اﻟﻤﻔﺮﺩ"، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ،.
ليس غنى المال،. إنما غنى النفس عن الطلب والسؤال،.
❒ ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻋﻦ ﺣﻜﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﺰاﻡ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ ﴿اﻟﻴﺪ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻴﺪ اﻟﺴﻔﻠﻰ، ﻭﻟﻴﺒﺪﺃ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺑﻤﻦ ﻳﻌﻮﻝ، ﻭﺧﻴﺮ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ﻏﻨﻰ، *((ﻭﻣﻦ ﻳﺴﺘﻐﻦ ﻳﻐﻨﻪ اﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻦ ﻳﺴﺘﻌﻔﻒ ﻳﻌﻔﻪ اﻟﻠﻪ))*،. ﻓﻘﻠﺖ: ﻭﻣﻨﻚ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻭﻣﻨﻲ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
❒ ﻋﻦ ﺛﺎﺑﺖ، ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎلك ﴿ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﺳﺄﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ ﻏﻨﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺟﺒﻠﻴﻦ، ﻓﺄﺗﻰ ﻗﻮﻣﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻱ ﻗﻮﻡ ﺃﺳﻠﻤﻮا، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﻟﻴﻌﻄﻲ ﻋﻄﺎء ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻑ اﻟﻔﻘﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﻧﺲ: ﺇﻥ ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺴﻠﻢ، ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﻻ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻤﺎ ﻳﻤﺴﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ اﻹﺳﻼﻡ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ.
❒ ﻋﻦ اﻷﻋﺮﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ ﴿ﻟﻴﺲ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﻄﻮاﻑ، اﻟﺬﻱ ﻳﻄﻮﻑ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ، ﺗﺮﺩﻩ اﻟﻠﻘﻤﺔ ﻭاﻟﻠﻘﻤﺘﺎﻥ، ﻭاﻟﺘﻤﺮﺓ ﻭاﻟﺘﻤﺮﺗﺎﻥ، ﻗﺎﻟﻮا: ﻓﻤﺎ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ؟ ﻗﺎﻝ: اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻏﻨﻰ ﻳﻐﻨﻴﻪ، ﻭﻻ ﻳُﻔﻄﻦ ﻟﻪ ﻓﻴُﺘﺼﺪَّﻕ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻘﻮﻡ ﻓﻴﺴﺄﻝ اﻟﻨﺎﺱ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ.
❒ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﴿ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﻮﻕ، ﺩاﺧﻼ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻛﻨﻔﺘﻪ، ﻓﻤﺮ ﺑﺠﺪﻱ ﺃﺳﻚ ﻣﻴﺖ، ﻓﺘﻨﺎﻭﻟﻪ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﺄﺫﻧﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﺃﻳﻜﻢ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻫﺬا ﻟﻪ ﺑﺪﺭﻫﻢ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻣﺎ ﻧﺤﺐ ﺃﻧﻪ ﻟﻨﺎ ﺑﺸﻲء، ﻭﻣﺎ ﻧﺼﻨﻊ ﺑﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﺗﺤﺒﻮﻥ ﺃﻧﻪ ﻟﻜﻢ؟ ﻗﺎﻟﻮا: ﻭاﻟﻠﻪ، ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﻴﺎ، ﻛﺎﻥ ﻋﻴﺒﺎ ﻓﻴﻪ ﻷﻧﻪ ﺃﺳﻚ، ﻓﻜﻴﻒ ﻭﻫﻮ ﻣﻴﺖ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻓﻮاﻟﻠﻪ، ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺃﻫﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا ﻋﻠﻴﻜﻢ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻓﻲ "اﻟﺰﻫﺪ"، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻓﻲ "اﻷﺩﺏ اﻟﻤﻔﺮﺩ"، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺎﺻﻢ، ﻓﻲ "اﻟﺰﻫﺪ"، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
كان يخشى أن نستكثر من المال والطعام وأن نتنافس عليها، كان يخاف أن تفتح علينا زهرة الدنيا،. يعلم أن كثرة المال مهلكة،.
❒ ﻋﻦ ﻋﻴﺎﺽ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ، ﺃﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺃﺑﺎ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ ﻳﻘﻮﻝ ﴿ﻗﺎﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻘﺎﻝ: *((ﻻ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ، ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﺨﺮﺝ اﻟﻠﻪ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺯﻫﺮﺓ اﻟﺪﻧﻴﺎ))*،. ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺃﻳﺄﺗﻲ اﻟﺨﻴﺮ ﺑﺎﻟﺸﺮ؟ ﻓﺼﻤﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺳﺎﻋﺔ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻛﻴﻒ ﻗﻠﺖ؟ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ: ﺃﻳﺄﺗﻲ اﻟﺨﻴﺮ ﺑﺎﻟﺸﺮ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ : ﺇﻥ اﻟﺨﻴﺮ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻻ ﺑﺨﻴﺮ، ﺃﻭ ﺧﻴﺮ ﻫﻮ، ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﺖ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻳﻘﺘﻞ ﺣﺒﻄﺎ ﺃﻭ ﻳﻠﻢ، ﺇﻻ ﺁﻛﻠﺔ اﻟﺨﻀﺮ، ﺃﻛﻠﺖ ﺣﺘﻰ ﺇﺫا اﻣﺘﻸﺕ ﺧﺎﺻﺮﺗﺎﻫﺎ اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ اﻟﺸﻤﺲ، ﺛﻠﻄﺖ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﺖ، ﺛﻢ اﺟﺘﺮﺕ، ﻓﻌﺎﺩﺕ، ﻓﺄﻛﻠﺖ، *((ﻓﻤﻦ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﺎﻻ ﺑﺤﻘﻪ ﻳﺒﺎﺭﻙ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ، ﻭﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﺎﻻ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻘﻪ ﻓﻤﺜﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ اﻟﺬﻱ ﻳﺄﻛﻞ ﻭﻻ ﻳﺸﺒﻊ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ.
❒ ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻭﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ، ﺃﻥ ﺣﻜﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﺰاﻡ ﻗﺎﻝ: "ﺳﺄﻟﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﺄﻋﻄﺎﻧﻲ، ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻓﺄﻋﻄﺎﻧﻲ، ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻓﺄﻋﻄﺎﻧﻲ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺣﻜﻴﻢ، *((ﺇﻥ ﻫﺬا اﻟﻤﺎﻝ ﺧﻀﺮﺓ ﺣﻠﻮﺓ، ﻓﻤﻦ ﺃﺧﺬﻩ ﺑﺴﺨﺎﻭﺓ ﻧﻔﺲ، ﺑﻮﺭﻙ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺧﺬﻩ ﺑﺈﺷﺮاﻑ ﻧﻔﺲ، ﻟﻢ ﻳﺒﺎﺭﻙ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ، ﻛﺎﻟﺬﻱ ﻳﺄﻛﻞ ﻭﻻ ﻳﺸﺒﻊ))*،. اﻟﻴﺪ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻴﺪ اﻟﺴﻔﻠﻰ. ﻗﺎﻝ ﺣﻜﻴﻢ: ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻭاﻟﺬﻱ ﺑﻌﺜﻚ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻻ ﺃﺭﺯﺃ ﺃﺣﺪا ﺑﻌﺪﻙ ﺷﻴﺌﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﻓﺎﺭﻕ اﻟﺪﻧﻴﺎ". ﻓﻜﺎﻥ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻳﺪﻋﻮ ﺣﻜﻴﻤﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻌﻄﺎء، ﻓﻴﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻠﻪ ﻣﻨﻪ، ﺛﻢ ﺇﻥ ﻋﻤﺮ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﺩﻋﺎﻩ ﻟﻴﻌﻄﻴﻪ، ﻓﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺇﻧﻲ ﺃﺷﻬﺪﻛﻢ ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻴﻢ، ﺃﻧﻲ ﺃﻋﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻘﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻲء، ﻓﻴﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬﻩ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮﺯﺃ ﺣﻜﻴﻢ ﺃﺣﺪا ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻲ.
ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻓﻲ "اﻟﺰﻫﺪ"، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
❒ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻮﺭ ﺑﻦ ﻣﺨﺮﻣﺔ، ﺃﻥ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﻮﻑ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ، ﻭﻫﻮ ﺣﻠﻴﻒ ﻟﺒﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻟﺆﻱ، ﻭﻛﺎﻥ ﺷﻬﺪ ﺑﺪﺭاً ﺃﺧﺒﺮﻩ ﴿ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﻌﺚ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺑﻦ اﻟﺠﺮاﺡ ﺇﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ، ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺠﺰﻳﺘﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻫﻮ ﺻﺎﻟﺢ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ، ﻭﺃﻣﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌﻼء ﺑﻦ اﻟﺤﻀﺮﻣﻲ، ﻓﻘﺪﻡ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺑﻤﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ، ﻓﺴﻤﻌﺖ اﻷﻧﺼﺎﺭ ﺑﻘﺪﻭﻡ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ، ﻓﻮاﻓﺖ ﺻﻼﺓ اﻟﺼﺒﺢ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻓﻠﻤﺎ ﺻﻠﻰ ﺑﻬﻢ اﻟﻔﺠﺮ اﻧﺼﺮﻑ، ﻓﺘﻌﺮﺿﻮا ﻟﻪ، ﻓﺘﺒﺴﻢ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺣﻴﻦ ﺭﺁﻫﻢ، ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﻇﻨﻜﻢ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻢ ﺃﻥ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﻗﺪ ﺟﺎء ﺑﺸﻲء؟ ﻗﺎﻟﻮا: ﺃﺟﻞ، ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: *((ﻓﺄﺑﺸﺮﻭا ﻭﺃﻣﻠﻮا ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻛﻢ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ، ﻻ اﻟﻔﻘﺮ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﺒﺴﻂ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻛﻤﺎ ﺑﺴﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻜﻢ، فتنافسوها ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺎﻓﺴﻮﻫﺎ، ﻭﺗﻬﻠﻜﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺃﻫﻠﻜﺘﻬﻢ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.
ولم يثبت ما يقال ويُنسب عن علي بن أبي طالب،. أنه قال،. ﴿لو كان الفقر رَجلاً لقتلته﴾،. بالعكس، الفقر رحمة بالمسلم، وقربى وتقوى،.
ــــــ هل استعاذ النّبي ﷺ من الفقر؟! لا،. إنما استعاذ من شر فتنة الفقر،.
ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﴿ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺑﻬﺆﻻء اﻟﺪﻋﻮاﺕ: اﻟﻠﻬﻢ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻨﺎﺭ ﻭﻋﺬاﺏ اﻟﻨﺎﺭ ﻭﻓﺘﻨﺔ اﻟﻘﺒﺮ ﻭﻋﺬاﺏ اﻟﻘﺒﺮ ﻭﻣﻦ ﺷﺮ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻐﻨﻰ ﻭﻣﻦ ﺷﺮ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻔﻘﺮ ﻭﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺷﺮ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺪﺟﺎﻝ اﻟﻠﻬﻢ اﻏﺴﻞ ﺧﻄﺎﻳﺎي ﺑﻤﺎء اﻟﺜﻠﺞ ﻭاﻟﺒﺮﺩ ﻭﻧﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻴﺖ اﻟﺜﻮﺏ اﻷﺑﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺲ ﻭﺑﺎﻋﺪ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎي ﻛﻤﺎ ﺑﺎﻋﺪﺕ ﺑﻴﻦ المشرق ﻭاﻟﻤﻐﺮﺏ اﻟﻠﻬﻢ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﻜﺴﻞ ﻭاﻟﻬﺮﻡ ﻭاﻟﻤﺄﺛﻢ ﻭاﻟﻤﻐﺮﻡ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.
لماذا استعاذ من شر فتنة الفقر؟،. لأن للفقر فتنة، ويلزمها صبر شديد،. وقد يلحق بالفقير من الأمور التي تخشى وقوعها نتيجة فقره،. كالدَّين (المَغرَم)، والبخل [تكنيز المال خشية نفاذه]، كما في نفس الحديث وفي غيره،.
فللفقر فتنة،. وفتنته كريهة، فالفقر متعب ومخيف،. لهذا يخشاه الناس، وحتى يتجنبوه يبخلون بمالهم ويتكاسلون عن النفقة،. هذا هو شر فتنة الفقر،. بالبخل والكسل، أو المغرم والمأثم،. يحرص على الدنيا الضيقة ويتناسى سعة الآخرة مقابل الدنيا،. قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ،. ﴿ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ ﺇﻻ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺃﺻﺒﻌﻪ ﻫﺬﻩ ﻓﻲ اﻟﻴﻢ ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ ﺑﻤﺎ ﺗﺮﺟﻊ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.
فتنة الفقر، هو أن تحرص على المال فلا تنفق، وتخشى الفقر فتمسك،.
❒ ﻋﻦ اﻷﻋﺮﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ ﴿ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ: *((ﺃَﻧﻔِﻖ ﺃُﻧﻔﻖ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻳﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﻸﻯ، ﻻ ﺗﻐﻴﻀﻬﺎ ﻧﻔﻘﺔ))*، ﺳﺤﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻭاﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﺭﺃﻳﺘﻢ ﻣﺎ ﺃﻧﻔﻖ ﻣﻨﺬ ﺧﻠﻖ اﻟﺴﻤﺎء ﻭاﻷﺭﺽ، *((ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻐﺾ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ))* ﻭﻛﺎﻥ ﻋﺮﺷﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء، ﻭﺑﻴﺪﻩ اﻟﻤﻴﺰاﻥ ﻳﺨﻔﺾ ﻭﻳﺮﻓﻊ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.
ــــــــــ المال هلاك ومهلكة،..
كلمة المهلكة التي ذكرها النّبي ﷺ في الحديث السابق، كانت لأجل المنافسة على الدنيا،. وهذه الكلمة ذكرها الله في القُــرآن كذلك لمن أراد الدنيا واحتفظ بماله وجمعه!،. قالَ اْللّٰه،. ﴿..ولَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ﴾،. ظنّ كل من قرأها أن المهلكة هي الأذى والضرر،. وأن الله يقصد لا تجازفوا بالمخاطر، ولا تَضُرّوا أنفسكم، أو لا تقتلوا أنفسكم،. وهذا خطأ،. هذه الآية تتكلم عن إنفاق المال، وتحذر إمساكه وجمعه،. قالَ اْللّٰه في أولها،. ﴿وَأَنفِقُوا۟ فِي سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [البقرة 195]،. فالاحتفاظ بالمال هي المهلكة، فأنت لم تكنزها عندك وتجمعها وتمتنع عن النفقة بها إلا لأجل حرصك على الدنيا، الدنيا هالكة مهلِكة فهي المَهلَكة،. ولا يكون الخلاص منها إلا بالتخلص من هذا المال بالانفاق به في سبيل الله،.
حتى التابعين قد فهموا هذه الآية خطأً كما يفهمها الناس اليوم،. وظنوا أن التهلكة هي أن ترمي بنفسك في مواضع قد تموت فيها،. ﻋﻦ ﺃﺳﻠﻢ ﺃﺑﻲ ﻋﻤﺮاﻥ، ﻗﺎﻝ: ﻏﺰﻭﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻧﺮﻳﺪ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ، ﻭﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ، ﻭاﻟﺮﻭﻡ ﻣﻠﺼﻘﻮ ﻇﻬﻮﺭﻫﻢ ﺑﺤﺎﺋﻂ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﺤﻤﻞ ﺭﺟﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻭ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺎﺱ: ﻣﻪ، ﻣﻪ، ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﺘﻬﻠﻜﺔ، ﻓﻘﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ ﻓﻘﺎﻝ ﴿ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ، ﺇﻧﻜﻢ ﻟﺘﺆﻭﻟﻮﻥ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﻭﻳﻞ؛ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺰﻟﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻷﻧﺼﺎﺭ، ((ﻟﻤﺎ ﺃﻋﺰ اﻟﻠﻪ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻛﺜﺮ ﻧﺎﺻﺮﻭﻩ، ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻟﺒﻌﺾ ﺳﺮاً ﺩﻭﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: ﺇﻥ ﺃﻣﻮاﻟﻨﺎ ﻗﺪ ﺿﺎﻋﺖ، ﻭﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﺃﻋﺰ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻛﺜﺮ ﻧﺎﺻﺮﻭﻩ، ﻓﻠﻮ ﺃﻗﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﻮاﻟﻨﺎ، ﻓﺄﺻﻠﺤﻨﺎ ﻣﺎ ﺿﺎﻉ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻪ ﷺ ﻳﺮﺩ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎ {وَأَنفِقُوا۟ فِي سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ}، ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺘﻬﻠﻜﺔ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻮاﻝ ﻭﺇﺻﻼﺣﻬﺎ، ﻭﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﻐﺰﻭ))، ﻓﻤﺎ ﺯاﻝ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻮﺏ ﺷﺎﺧﺼﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ، ﺣﺘﻰ ﺩﻓﻦ ﺑﺄﺭﺽ اﻟﺮﻭﻡ﴾ رواه أبوداود والترمذي والنسائي،. وﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻭاﺋﻞ، ﻋﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ قال ﴿ﻭﺃﻧﻔﻘﻮا ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﺗﻠﻘﻮا ﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﺘﻬﻠﻜﺔ}، ﻗﺎﻝ: ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻘﺔ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻓﻲ "اﻷﻭﺳﻂ".
التهلكة هي الدنيا وإصلاح المال،. وليست التهلكة المجازفة والتخاطر وأن تضر نفسك!،.
ذكر الله المهلكة كذلك مع المنافقين،. والمنافقون أكثر ما امتازوا به هو بخلهم بمالهم، وصدهم عن الانفاق في سبيل الله،. قالَ اْللّٰه [ولاحظ فيم ذكر الهلاك]،. قالَ اْللّٰه،. ﴿ٱنفِرُوا۟ خِفَافࣰا وَثِقَالࣰا *((وَجَاهِدُوا۟ بِأَمۡوَالِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِیلِ ٱللَّهِ))* ذَلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ لَوۡ كَانَ عَرَضࣰا قَرِیبࣰا وَسَفَرࣰا قَاصِدࣰا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَیَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ *((یُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ))* وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة 41 - 42]،.
فالغني، صاحب المال الكثير، يهلك نفسه دون أن يشعر،. إلا من رحمه الله وجعله يُهلك ماله في سبيل الله،. وهم قلة قلة، أقل من 1% من الناس يستطيع فعل هذا، هي ليست هينة سهلة، أن تتخلص من مالك كله أو معظمه،. نحن ندعوا الله لاجل المال دائماً،. فإن آتانا هل سنتخلص منه؟!،.
الدنيا هلاك،. والمهلكة هي الحياة الدنيا،. وهي حقيرة مقابل الآخرة،. قالَ اْللّٰه،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمۡ إِذَا قِیلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِي سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ؟ أَرَضِیتُم بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مِنَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ؟ *فَمَا مَتَاعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فِي ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ﴾* [التوبة 38]،. وقال،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ ((فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا)) وَلَا یَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ إِنَّ ٱلشَّیۡطَانَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَابِ ٱلسَّعِیرِ﴾ [فاطر 5 - 6]،.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
¹ لماذا قالَ اْللّٰه للمؤمنين أنه سيجعل لهم فرقاناً إن هم اتقوا الله؟! ﴿یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ *((یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا))* وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال 29]،. فما هو الفرقان؟!،.
ذكر اللّٰه الفرقان في معرض كلامه عن الدنيا وزينتها التي قد تفتن المؤمنين،. وتزيل عنهم تذكر الآخرة، فتتعلق قلوبهم بالدنيا وينسون الآخرة، الدار الأبدي الطويل،. الفرقان من التفرقة، ليجعلك تفرق بين أمور الدنيا والآخرة، ولا يختلط عليك أمرهما، لتعلم الحق من الباطل،. لتعرف الخير وتفرح به، وتعرف الشر والمهلكة وتحذر منها،. هذا التفريق هو الفرقان،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟) لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَانَاتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ *((وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أَمۡوَالُكُمۡ وَأَوۡلَادُكُمۡ فِتۡنَةࣱ))* وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ (یَا أَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟) إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ *((یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا))* وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الأنفال 27 - 29]،. وذكرها في سورة الأنفال، التي هي أموال الغنائم الكثيرة،.
من أعظم وأهم وأكبر الإيمان، هو الإيمان بــ لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اْللّه واليوم الآخر،. لو عرفتهما لفرقت بين الحق والباطل،. الحق هو اللّٰه واليوم الآخر،. والباطل هو الشرك والدنيا، والفرقان من أسماء القرآن والتوراة،. بل هو من أهم أسماء القُــرآن،. بدليل أن اللّٰه لم يسم سورةً من سور القُــرآن باسم من أسماء القُــرآن إلا سورة ((الفرقان))،. والقُــرآن مليءٌ بالفرقان [لتفرق بين الحق والباطل]،. وأما سورة النور ليست لاسم القُـرآن، إنما هي كما في السورة،. ﴿((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ..﴾ [النور 35]،.
فالفرقان، هو للتفرقة بين الحق والباطل،. وهذا القُــرآن يعلمك ويبين لك الفرق،.
ــــ نهاية الجزء الثاني من أربعة أجزاء،.
الجوع تقوى،. والمؤمن المُقل،. 3/4،.
في هذا الجزء، ستجد التوافق العجيب بين القُــرآن والسنة،. في أمورٍ ليست تكن ظاهرة جلية،. ولن تدركها إلا بالوقوف عليها وتدبرها،.
ذكرنا في الجزء الأول كيف أن المال يعين على التكذيب والبعد عن الله،. وفي الجزء الثاني أثبتنا بالقرآن أن المال عذاب ونقمة على صاحبه، بعكس ما يظنه الناس،. وفي هذا الجزء نتحدث عن أمر مشابه بما عند الفقير،. ألا وهو التقليل والتخفف،.
الفقير، لا يستطيع شراء كفايته من الطعام، فغالباً ما تجده جائعاً،. لهذا هو للّٰه أقرب من الغني، كما وجدنا في القُرآن،. وحال الفقير أشبه بحال الصائم، فالصائم كذلك لا يأكل فيجوع فيكون حاله كحال كالفقير الجائع،. والعجيب أن كلا الحالين يؤديان للتقوى،. فالفقير أتقى لربه من الغني،. أما الصائم فــــ،.. قالَ اْللّٰه،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ((كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ)) كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ ((لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ))﴾ [البقرة 183]،. فكانت الحكمة والعلة من الصيام [الانقطاع عن الطعام] هي التقوى،. ذلك أن الجائع أقرب لربه من الشبعان،. كالفقير تماماً،. والفقير أقرب للتقوى من الغني،.
❒ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ، ﻗﺎﻝ: ﺩﺧﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻭﻋﻨﺪﻩ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﻭاﻷﺳﻮﺩ، ﻓﺤﺪﺙ ﺣﺪﻳﺜﺎً، ﻻ ﺃﺭاﻩ ﺣﺪﺛﻪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻲ، ﻛﻨﺖ ﺃﺣﺪﺙ اﻟﻘﻮﻡ ﺳﻨﺎً، ﻗﺎﻝ ﴿ﻛﻨﺎ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺷﺒﺎﺏ، ﻻ ﻧﺠﺪ ﺷﻴﺌﺎً، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﺸﺒﺎﺏ، ﻣﻦ اﺳﺘﻄﺎﻉ ﻣﻨﻜﻢ اﻟﺒﺎءﺓ، ﻓﻠﻴﺘﺰﻭﺝ، ((ﻓﺈﻧﻪ ﺃﻏﺾ ﻟﻠﺒﺼﺮ، ﻭﺃﺣﺼﻦ ﻟﻠﻔﺮﺝ))*، ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ، ((ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺼﻮﻡ))، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻪ ﻭﺟﺎء﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﻋﻮاﻧﺔ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
جعل النّبي ﷺ الصوم كالبديل الذي به تتقي أكثر، تغض البصر، وتحصن الفرج،. كل ذلك بالتجويع، الصوم، الأكل الخفيف،. فلا تستغرب حين تجد الأنبياء أشد حرصاً على الصوم، فقد كان الرَّسـوْل ﷺ يصوم حتى يقال لا يفطر، وكان أحياناً يواصل الصيام يومين متتاليين فكان يزداد بالجوع تقوىً، وبالتخفف من الطعام تقرباً،.
ــــــ الشبع،.. أو كثرة الأكل،.. علامة المكذب،..
لو كان الصوم [أي قلة الأكل] يؤدي للتقوى،. فبالنقيض نقول،. كثرة الطعام تؤدي للفجور والكفر بالنعمة وإنكار الحق، كما شهد بذلك القُــرآن،. ومنه تفهم قول نَبِيّ اْللّٰه ﷺ جلياً،. ﴿ﻳﺄﻛﻞ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ معيٍ ﻭاﺣﺪ، ﻭاﻟﻜﺎﻓﺮ ﻳﺄﻛﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻌﺔ ﺃﻣﻌﺎء﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ.
المعي مفرد الأمعاء،. والحديث ينعت حال المؤمن والكافر في التكثير والتقليل من النعَم والطعام،. فالمؤمن مقل [جائع كالفقير]،. والكافر مكثر [يشبع كالغني]،. وليس في الحديث تكفير لمن يأكل كثيراً، إنما تحذيرٌ ألا نأكل كثيراً،. وليس الكلام عن الفرق بين عدد أمعاء المسلم والكافر كما قاله بعض أصحاب الاعجاز العلمي،. إنما عن الأكل الكثير والقليل،. فهذا عمل المؤمن وذاك عمل الكافر،.
الكلام عن كثرة الطعام،. وحتى تتيقن أن الفجور والكذب والإنكار مرتبط بكثرة الطعام،. انظر لقول النّبي ﷺ في حديث خير الناس قرني،.
❒ ﻋﻦ ﺯﻫﺪﻡ ﺑﻦ ﻣﻀﺮﺏ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻤﺮاﻥ ﺑﻦ ﺣﺼﻴﻦ ﻳﺤﺪﺙ ﴿ﺇﻥ ﺧﻴﺮﻛﻢ ﻗﺮﻧﻲ، ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ، ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ، ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ، ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮاﻥ: ﻓﻼ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﻧﻪ، ﻣﺮﺗﻴﻦ، ﺃﻭ ﺛﻼﺛﺔ، ﺛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻗﻮﻡ ﻳﺸﻬﺪﻭﻥ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪﻭﻥ، ﻭﻳﺨﻮﻧﻮﻥ ﻭﻻ ﻳﺆﺗﻤﻨﻮﻥ، ﻭﻳﻨﺬﺭﻭﻥ ﻭﻻ ﻳﻮﻓﻮﻥ، *((ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺴﻤﻦ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.
السمن هو ما نسميه اليوم بالسُمنة،. أو البدانة، (تخين، دب، بو كرشة)،. وهذه علامة على كثرة الأكل،. وفي هذا الحديث، ربط النّبي ﷺ السمنة بانتشار الكذب والتكذيب وفساد الشهادة،. فالجيل الطيب الذي سبق ظهور السمنة، كان جيلٌ مؤمنٌ صادق،. لهذا زكاهم النّبي ﷺ،. وبمقارنتهم لمن جاء بعدهم،. نعرف أن علامة السابقين أنهم لم يكونوا يكثرون من الأكل، فلم يظهر فيهم السمن بخلاف الذين خلفوهم، ظهرت فيهم البدانة،. وقد بين النّبي ﷺ وشرح عن الجيل اللاحق (السمين) في حديثه هذا،. وذكر علامتهم،.
❒ ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ ﴿ﺧﻴﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﻗﺮﻧﻲ ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ، ﻓﻼ ﺃﺩﺭﻱ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻗﺎﻝ: *((ﺛﻢ ﻳﺘﺨﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﺧﻠﻒ ﺗﺴﺒﻖ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻭﻳﻤﻴﻨﻪ ﺷﻬﺎﺩﺗﻪ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.
*((فالعلامة الفارقة بين السابقين واللاحقين هي كثرة الأكل))*،.
الأولين ــ،. يأكلون قليلاً،. عُرفوا بالصّدق،. هذه علامتهم،.
الآخرين ــ،. يأكلون كثيراً، عُرفوا بالكذب،. هذه علامتهم،.
وفي رواية أخرى لنفس المتن ولكن "سندها مضطرب"،. ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻡ ﻓﻴﻨﺎ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺏ اﻟﺠﺎﺑﻴﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﻗﺎﻡ ﻓﻴﻨﺎ ﻛﻘﻴﺎﻣﻲ ﻓﻴﻜﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ، ﺃﻛﺮﻣﻮا ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ، ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ، ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ، *((ﺛﻢ ﻳﻔﺸﻮ اﻟﻜﺬﺏ))* ﺣﺘﻰ ﺇﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺤﻠﻒ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺤﻠﻒ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ، ﻓﻤﻦ ﺳﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ ﺑﺤﺒﺤﺔ اﻟﺠﻨﺔ، ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻓﺈﻥ ﻳﺪ اﻟﻠﻪ ﻓﻮﻕ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻻ ﻳﺨﻠﻮﻥ ﺭﺟﻞ ﺑﺎﻣﺮﺃﺓ، ﻓﺈﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺛﺎﻟﺜﻬﻤﺎ، ﺃﻻ ﺇﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻣﻊ اﻟﻮاﺣﺪ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ اﻻﺛﻨﻴﻦ ﺃﺑﻌﺪ، ﺃﻻ ﻣﻦ ﺳﺎءﺗﻪ ﺳﻴﺌﺘﻪ، ﻭﺳﺮﺗﻪ ﺣﺴﻨﺘﻪ، ﻓﺬﻟﻚ اﻟﻤﺆﻣﻦ» (النسائي).
فمن أصيب بشيء من قلة الطعام،. فليعلم أنه في خيرٍ عظيم من الله،. وحال الفقير أفضل من حال الغني بألف ألف مرة،.
❒ ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ ﺃﺑﻲ اﻟﺤﺒﺎﺏ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻳﻘﻮﻝ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﴿ﻣﻦ ﻳُﺮِﺩ اﻟﻠﻪُ ﺑﻪ ﺧﻴﺮاً، ﻳُﺼِﺐْ ﻣﻨﻪ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ.
فلا تغتر بالغنى والترف ولا تسعى لها،. أن تبقى فقيراً فأنت على خيرٍ عظيم،. الفقر أحسن من الغنى،. الغني الشبعان أقرب للفسق والطغيان من الفقير،. أغلب المكذبين أغنياء مترفون،. وأعظمهم غنىً قارون،. وكان كافراً،.!! رغم أنه كان من قوم موسى، وليس من آل فرعون،. قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَیۡهِمۡ وَءَاتَیۡنَاهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَاۤ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوۤأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُو۟لِي ٱلۡقُوَّةِ..﴾ [القصص 76]،. وبقية الناس تمنوا أن يكونوا مثله،. وبعد أن خسف الله به،. قال،. ﴿تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ *((نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِي ٱلۡأَرۡضِ))* وَلَا فَسَاداً وَٱلۡعَاقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [القصص 83]،. فالمؤمن هو الذي تعلق قلبه بالآخرة ولم يرد العلو في الدنيا،. قالَ اْللّٰه في أول السورة،. ﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ ((عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ))..﴾ [القصص 4]،. وقال عن المستضعفين،. ﴿وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ((ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِي ٱلۡأَرۡضِ)) وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئمَّةࣰ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَارِثِینَ﴾ [القصص 4 - 5]،. وقد رويَ عن النّبي ﷺ أنه قال،. ﴿الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر﴾،. رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وابن حبان وفي سنده كلام،.
ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻌﻤﺮ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻗﺎﻝ،. ﴿اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ؛ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، *((قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ))* فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَتُرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ وَقَالَ الْآخَرُ : يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الْآخَرُ : إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الْآيَةَ...﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ.
لاحظ العلاقة بين الإكثار والغباء،. كلما سمنت أكثر، كلما قل فقهك،. 🤷🏻♂️،.
ــــــ وهنا يحضرني حديث عن النّبي ﷺ،. كم وددت أن يكون صحيح السند،. ولكن للأسف سنده لا يصح،. رغم أنه يوافق القُــرآن تماماً،. والحديث يتكلم عمن ينكر سنة النّبي ﷺ [يكذبها]،. ولكن العجيب، كيف نعته النّبي ﷺ [شبعان،. يأكل كثيراً،. صاحب نعمة ومال]،.
الحديث عن النّبي ﷺ أنه قال،. ﴿ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك ((رجل شبعان)) على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه..﴾ وفي لفظ ﴿ﺃﻻ ﺇﻧﻲ ﺃﻭﺗﻴﺖ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﻣﺜﻠﻪ ﻣﻌﻪ، ﺃﻻ ﺇﻧﻲ ﺃﻭﺗﻴﺖ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣﺜﻠﻪ ﻣﻌﻪ، *((ﺃﻻ ﻳﻮﺷﻚ ﺭﺟﻞ ﻳﻨﺜﻨﻲ شبعاناً ﻋﻠﻰ ﺃﺭﻳﻜﺘﻪ))،.* ﻳﻘﻮﻝ: ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻤﺎ ﻭﺟﺪﺗﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻼﻝ ﻓﺄﺣﻠﻮﻩ، ﻭﻣﺎ ﻭﺟﺪﺗﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺮاﻡ ﻓﺤﺮﻣﻮﻩ..﴾ وفي لفظ ﴿لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ *((مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ))*،. يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ﴾ رواه أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وابن حبان وابن ماجه.
فالشيء المشترك بين جميع المتون المختلفة،. أن سمة الرجل المنكر للحديث أنه شبعان [كثير الأكل]،. متكئٌ على أريكته [ذو نعمة ومال]،. في حيم أنه لم تكن الأرائك من أثاث الصحابة يومها،. ولكنها من علامات الترف عند الملوك والأثرياء،. وهي اليوم منتشرة في كل بيت،. فهي علامة على كثرة المال اليوم وتوفره بين الناس،. وكأن النّبي ﷺ يكلمنا عن يومنا هذا، الذي انتشر فيه المال والشبع،. فخرج فينا أناس ينكرون حديث النّبي ﷺ ويكذبونه،. وذكر علامتهم،. [الشبع]،.
العجيب أن منكري السـنة اليوم أحزاب مختلفة، اتفقوا كلهم على رد الأحاديث عموماً،. ولكن بعضهم يقبل الحديث بشرطٍ ابتدعه من كيسه،. قال شرطه أن يكون الحديث موافقاً للقُــرآن،. وبهذا الشرط الذي رضوه لأنفسهم، عليهم الآن أن يقبلوا بهذا الحديث لأنه فعلاً يوافق القُــرآن كما تبين، والأدلة كانت كثيرة جداً، كلها تدل أن الذي ينكر شبعانٌ مُنعّم،. فهل سيقبلونه الآن ويؤمنون بأحاديث النّبي ﷺ الصحيحة؟!،.
ــــــ الأنبياء فقراء، ماذا عن داوود وسليمان؟!،.
ــــ حين تكلم النّبي ﷺ عمن صام أفضل الصيام،. كان في نبيٍ ((ملك)) "داوود"،. ملك الأرض كلها، يفترض أنه كان يملك من المال ما يملك،. ولكنه كان من القلة الذين أهلكوا مالهم في سبيل الله، وانظر لمدى تقوى هذا النّبي،. كان يكثر من الصيام الذي يحبه الله،. كان يصوم يوماً ويفطر يوماً طوال حياته،. فصام شطر حياته،. قالَ عنه نَبِيّ اْللّٰه ﷺ ﴿ﺃﺣﺐ اﻟﺼﻮﻡ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ، ﺻﻮﻡ ﺩاﻭﺩ، ﻛﺎﻥ ﻳﺼﻮﻡ ﻳﻮﻣﺎً، ﻭﻳﻔﻄﺮ ﻳﻮﻣﺎً﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﺒﺰاﺭ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
❒ ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ، ﻭﺃﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪالرحمن؛ ﺃﻥ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻗﺎﻝ،. ﴿ﺃُﺧْﺒِﺮَ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺃﻧﻲ ﺃﻗﻮﻝ: ﻭاﻟﻠﻪ ﻷﺻﻮﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻷﻗﻮﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﻣﺎﻋﺸﺖ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻗﺪ ﻗﻠﺘﻪ، ﺑﺄﺑﻲ ﺃﻧﺖ ﻭﺃﻣﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺫﻟﻚ، ﻓﺼﻢ ﻭﺃﻓﻄﺮ، ﻭﻗﻢ ﻭﻧﻢ، ﻭﺻﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ، ﻓﺈﻥ اﻟﺤﺴﻨﺔ ﺑﻌﺸﺮ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﺜﻞ ﺻﻴﺎﻡ اﻟﺪﻫﺮ، ﻗﻠﺖ: ﺇﻧﻲ ﺃﻃﻴﻖ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺼﻢ ﻳﻮﻣﺎ، ﻭﺃﻓﻄﺮ ﻳﻮﻣﻴﻦ، ﻗﻠﺖ: ﺇﻧﻲ ﺃﻃﻴﻖ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: *ﻓﺼﻢ ﻳﻮﻣﺎ، ﻭﺃﻓﻄﺮ ﻳﻮﻣﺎ، فذلك ﺻﻴﺎﻡ ﺩاﻭﺩ، ﻭﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ اﻟﺼﻴﺎﻡ،* ﻓﻘﻠﺖ: ﺇﻧﻲ ﺃﻃﻴﻖ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ: *ﻻ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﺒﺰاﺭ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﻋﻮاﻧﺔ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ.
فأسرع طريق للتقوى هو الصيام،. فلا تعجب أن ينسب اللّٰه الصوم له،. فيقول ﴿ﻛﻞ ﻋﻤﻞ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﺼﻴﺎﻡ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺟﺰﻱ ﺑﻪ، ((ﻭاﻟﺼﻴﺎﻡ ﺟﻨﺔ))،...﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ.
ــــ داوود كان ملكاً،. وهذا يعني أنه كان كثير المال، حاله كحال الملوك،. ولكن الواقع هو العكس من ذلك،. داوود بدأ حياته قليل المال،. لم يؤتيه الله مالاً، ولكنه آتاه علماً،. ذهب يقاتل فقتل جالوت،. فآتاه الله المُلك والحكمة،. والحكمة تعني ضبط النفس عن الشهوات،. رويَ عن النّبي ﷺ [بسند فيه كلام] أنه قال،. ﴿ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ ((كان يأكلُ من عملِ يدِه))﴾ رواه البخاري،.
ملاحظة ــ،. قالَ اْللّه عن "طالوت" الذي،. ﴿زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾!،. أنه،. ﴿لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾،. واللبيب بالاشارة يفهم،. [هذه لمن عرف بأن طالوت هو نفسه داوود]،.
ــــ في سورة ص،. قالَ اْللّٰه للنّبي ﷺ اصبر على ما يقولون،. قالها بعد أن ذكر تكذيب المشركين له وصدهم عنه ونصرتهم لآلهتهم، ثم ذكّره بأحد الأنبياء،. ليواسي النّبي ﷺ ويصبّره على الأذى والصد والتكذيب والجفاء،. هذا النّبي الصابر كان هو داوود ((الملك الصابر))،. ﴿ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاودَ ذَا ٱلۡأَیۡدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص 17]،. تخيل؟!،. ملكٌ ويصبر،. يَصبِر على ماذا؟! ما الذي يجعله يصبر؟! هل يُصبَر على ترف وراحة الملوك؟! لا، هل يُصبَر على الشبع والرغد واليُسر؟! لا، هل يُصبَر على المُلك؟! كلا،. إنما الصبر على العسر والقسوة والشدة والضرر،. الصبر يكون على الجوع والتعب،. ولك أن تتخيل كيف كان داوود صابراً!،.
ملاحظة ــ،. قالَ اْللّٰه فيما قال عن لقمان وهو يعظ ابنه "الفرد الوحيد" [وليس أبناؤه]،. ﴿یا بُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ *((وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَ))* إِنَّ ذَلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾ [لقمان 17]،. واللبيب بالاشارة يفهم،. [هذه لمن عرف أن لقمان هو نفسه داوود، وابن لقمان الوحيد هو نفسه سليمان]،.
بقية الأنبياء كانوا فقراء،. لم يكونوا ملوكاً وأغنياء عدى داوود وابنه سليمان،. هؤلاء قيل لهم،. ﴿..ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوودَ شُكۡرࣰا وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ﴾ [سبأ 13]،. فاستعملوا المال في هكلته على الحق،. ولم يتخذوه لأنفسهم،. وقد رفض سليمان الهدية من ملكة سبأ وغضب،. ﴿وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَیۡهِم بِهَدِیَّةࣲ فَنَاظِرَةُ بِمَ یَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ فَلَمَّا جَاۤءَ سُلَیۡمَانَ *((قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالࣲ))* فَمَاۤ ءَاتانِ ٱللَّهُ خَیۡرࣱ مِّمَّاۤ ءَاتَاكُم *((بَلۡ أَنتُم بِهَدِیَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ))﴾* [النمل 35 - 36]،. الرسل لا يفرحون بالمال،. وهكذا كان النّبي ﷺ،. قال،. ﴿ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻧﻲ ﺃﻥ ﻟﻲ ﺃﺣﺪاً ﺫﻫﺒﺎً [أي ذهباً كجبل أحد]، ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺛﺎﻟﺜﺔ [أي ثلاثة أيام] ﻭﻋﻨﺪﻱ ﻣﻨﻪ ﺩﻳﻨﺎﺭٌ، ﺇﻻ ﺩﻳﻨﺎﺭاً ﺃﺭﺻﺪﻩ ﻟﺪﻳﻦٍ عليّ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ،.
وبالنظر لملك داوود وسليمان، لا تجد أن ملكهم كان قائماً على جمع المال والثروة، إنما سخّر الله لهم الجبال والطير والحديد والريح والجن والشياطين ومنطق الطير، وآتاهم من كل شيءٍ سبباً،،. فلم يكونوا ملوكاً بجمع المال، إنما بآيات الله وبما آتاهم من كل شيء،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَحُشِرَ لِسُلَیۡمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّیۡرِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ﴾ [النمل 17]،. كانوا يوزعون، أي يُلزمون بها غصباً عنهم،. فلم يكن سليمان يضطر أن يدفع لهم الرواتب والمعاشات والعلاوات، لهذا لم يكن بحاجة للمال أصلاً، ولم يسعَ لها يوماً،. حتى أن القوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً، عرضوا عليه يجعلوا له خرجاً من خراج الأرض من الذهب والفضة والزروع،. ﴿..فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰۤ أَن تَجۡعَلَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَهُمۡ سَدࣰّا﴾ [الكهف 94]،. فرفضه وقال،. ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِیهِ رَبِّي خَیۡرࣱ..﴾ [الكهف 95]،. فرفض المال واستعان بما يملك من آيات الله،. وكان سليمان مدركاً أن ما آتاه الله من فضل، إنما كان ابتلاء وامتحان، ما الذي سيفعل به؟!،. قال،. ﴿..هَذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي ((لِیَبۡلُوَنِي)) ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ كَرِیمࣱ﴾ [النمل 40]،. وكان يخشى أن يصرفه حبه للخير عن ذكر الله،. قالَ اْللّٰه،. ﴿إِذۡ عُرِضَ عَلَیۡهِ بِٱلۡعَشِي ٱلصَّافِناتُ ٱلۡجِیَادُ فَقَالَ ((إِنِّي أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَیۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي)) حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَي فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ﴾ [ص 31 - 33]،.
فلم يكن داوود وسليمان أصحاب دنيا ومال، بل كانت قلوبهم متعلقة باللّٰه وبالآخرة،. كانوا ينيبون إلى الله في جميع أمورهم،. قالَ اْللّٰه عن داوود،. ﴿ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوودَ ذَا ٱلۡأَیۡدِ ((إِنَّهُ أَوَّابٌ)) إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُ یُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِي وَٱلۡإِشۡرَاقِ وَٱلطَّیۡرَ مَحۡشُورَةࣰ كُلࣱّ لَّهُ أَوَّابࣱ وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُ وَءَاتَیۡنَاهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ﴾ [ص 17 - 20]،. وقال عن سليمان،. ﴿وَوَهَبۡنَا لِدَاوودَ سُلَیۡمَانَ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ ((إِنَّهُ أَوَّابٌ))﴾ [ص 30]،. ولا يمكن للعبد أن يجمع في قلبه حب الدنيا والآخرة معاً،. هؤلاء كانت قلوبهم خالصة مخلصة، أخلصها الله للآخرة،. قالَ اْللّٰه،. ﴿إِنَّاۤ أَخۡلَصۡنَاهُم بِخَالِصَةࣲ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَیۡنَ ٱلۡأَخۡیَارِ﴾ [ص 46 - 47]،.
ــــــ اسم سليمان،.
هنا العجب،. لأن *هذا الاسم لا ينبغي إلا لنبيٍ أوتي من الدنيا مالم يُؤتَ أحدٌ قبله ولا بعده مثله،.* لماذا؟،.
هذا النبي سأل الله ملكاً عظيماً،. ﴿قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِي لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِي إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ﴾ [ص 35]،. هذا المُلك فتنة عظيمة، فتنة شديدة تصرف القلب عن الآخرة،. ولكن الذي جعله يطلب هذا [الله]، هو نفسه سماه من قبل بسليمان،. حتى يصرف عنه فتنة الملك والدنيا في أشد ما تكون على عبدٍ أوتي من كل شيءٍ في الدنيا،.
في اسمه معاني عظيمة تدل على خلاصه من الدنيا،. اسم سُليمان في آخره ألف ونون، هذا للامتلاء، كشبع شبعان، جوع جوعان، نعس نعسان،. أما سُلَيْم فهي تصغيرٌ لاسم سَلِيْم،. كما أن حُميد تصغيرٌ لحَمِيْد،. فأصل الاسم من (سَليم) وهذا الاسم يقال للذي سَلِم من الشر،. وسليمان سَلِم قلبه من فتن الدنيا،. خرج منها سليماً خالصاً مخلصاً، أخلصه الله للآخرة،. قالَ اْللّٰه بعد أن ذكر قصة ملك سليمان،. ﴿إِنَّاۤ أَخۡلَصۡنَاهُم بِخَالِصَةࣲ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَیۡنَ ٱلۡأَخۡیَارِ﴾ [ص 46 - 47]،.
ــــ لماذا ربطت السلامة بفتن الدنيا حصراً؟!،.
قالَ اْللّٰه على لسان إبراهيم،. ﴿وَلَا تُخۡزِنِي یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ *((یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ))﴾* [الشعراء 87 - 89]،.
فسلامة القلب يوم القيامة، تكون بالتخلص من فتن الدنيا،. ((المال والبنون))،. هذا القول قاله إبراهيم البريء،. وفي إبراهيم ذاته عبرة وعظة في التخلص من البنون،. فهو الذي أمره الله بترك ابنه في واد غير ذي زرع، ثم أمر بذبحه،.. ذلك بعد أن خرج من قومه وحيداً ودعى الله أن يهبه ابناً،. قالَ اْللّٰه عنه شهادةً له،. ﴿إِذۡ جَاۤءَ رَبَّهُ بِقَلۡبࣲ سَلِیمٍ﴾ [الصافات 84]،. ثم ذكر تفصيل هذه السلامة،. ﴿قَالَ أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ قَالُوا۟ ٱبۡنُوا۟ لَهُ بُنۡیَانࣰا فَأَلۡقُوهُ فِي ٱلۡجَحِیمِ فَأَرَادُوا۟ بِهِ كَیۡدࣰا فَجَعَلۡنَاهُمُ ٱلۡأَسۡفَلِینَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبّي سَیَهۡدِینِ رَبِّ هَبۡ لي مِنَ ٱلصَّالِحِینَ فَبَشَّرۡنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِیمࣲ﴾ [الصافات 95 - 101]،. أخرجه قومه فبقي وحيداً ليس له غير ربه،. فذهب إليه ودعاه أن يهبه غلاماً يكون معه،. فلما وهبه أمره بتركه، ثم بذبحه،. هو الذي أمره الله بترك ابنه في واد غير ذي زرع،. قالَ،. ﴿رَّبَّنَاۤ إِنِّي أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّیَّتي بِوَادٍ غَیۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَیۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ...﴾ [إبراهيم 37]،. وفي الحديث *﴿..ﺣﺘﻰ ﻗﺪﻡ ﻣﻜﺔ، ﻓﻮﺿﻌﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺩﻭﺣﺔ، ﺛﻢ ﺭﺟﻊ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻪ، ﻓﺎﺗﺒﻌﺘﻪ ﺃﻡ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ، ﺣﺘﻰ ﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐﻮا ﻛﺪاء، ﻧﺎﺩﺗﻪ ﻣﻦ ﻭﺭاﺋﻪ: ﻳﺎ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ، ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﺘﺮﻛﻨﺎ؟ ﻗﺎﻝ: ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻟﺖ: ﺭﺿﻴﺖ ﺑﺎﻟﻠﻪ*،..... الحديث﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
ثم أمره الله بالتخلص من ابنه،. ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡي قَالَ یَابُنَي إِنِّي أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّي أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ یَا أَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِینَ فَلَمَّاۤ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُ لِلۡجَبِینِ وَنَادَیۡنَاهُ أَن یَا إِبۡرَاهِیمُ قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡیَاۤ إِنَّا كَذَلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِینَ ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَـٰۤؤُا۟ ٱلۡمُبِینُ))﴾ [الصافات 102 - 107]،.
فنجى إبراهيم من أعظم بلاءٍ قد يصاب به إنسان،. هذا النبي،. قالَ اْللّٰه عنه في بداية هذه القصة،. ﴿وَإِنَّ مِن شِیعَتِهِ لَإِبۡرَاهِیمَ *((إِذۡ جَاۤءَ رَبَّهُ بِقَلۡبࣲ سَلِیمٍ))﴾* [الصافات 83 - 84]،. قد سلم وبرء من فتنة الدنيا كلها [ولهذا إسمه إبراهيم]،. لم يمتلك مالاً ونعيماً،. وصَدَق الرؤيا بابنه،. فقالَ اْللّٰه عن هذا البلاء،. ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَـٰۤؤُا۟ ٱلۡمُبِینُ وَفَدَیۡنَاهُ بِذِبۡحٍ عَظِیمࣲ ((وَتَرَكۡنَا عَلَیۡهِ فِي ٱلۡآخِرِینَ سَلَامٌ عَلَىٰۤ إِبۡرَاهِیمَ))﴾ [الصافات 106 - 109]،.
هذه السلامة التي خرج بها من الدنيا، ولقي بها ربه،. كانت بسبب تخلصه من فتنة وبلاء الدنيا،. [المال والبنون]،. فما ظنك بمن سماه الله سليمان؟!،.
سليمان ملك الدنيا،. فكان أولى الناس من الوقوع في بلاءها، والغرق في فتنها،. لأن الله مَلَّكه ملكاً عظيماً،. فكانت فتنته أعظم وأكبر من كل ملوك الأرض الذين ملكوا أجزاء منها،. سليمان آتاه الله ملكاً، فكان يبنغي معه الفساد والظلم، والاستغلال والغفلة، وصرف القلب عن الذكر والآخرة،. فلا يستطيع الانسان أن ينجوا بمثل هذا الوضع،. إلا أن يتدخل الله نفسه فيعينه على النجاة ليسلم منها،. ولولا أن الله سلّم سليمان من الفتن لوقع فيها،. ولكن الله نجاه منها،. وسليمان كان يعلم أنه مبتلى،. وأن عليه أن يرجع لربه بقلب سليم،. لا بماله ولا بنفسه،. إنما بقلب (سليمٍ) من فتن الدنيا،. فالدنيا بلاء على الفقير، وتشتد بلاءً على الغني،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِ ((لَبَغَوۡا۟ فِي ٱلۡأَرۡضِ)) وَلَكِن یُنَزِّلُ بِقَدَرࣲ مَّا یَشَاۤءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِیرُۢ بَصِیرࣱ﴾ [الشورى 27]،. فكيف بمن كان ملكاً؟ سيشتد عليه البلاء،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَائفَ ٱلۡأَرۡضِ ((وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَاتࣲ لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِي مَاۤ ءَاتَاكُمۡ)) إِنَّ رَبَّكَ سَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورࣱ رَّحِیمُ﴾ [الأنعام 165]،. وقال،. ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِیَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءࣲ قَدِیرٌ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَیَوٰةَ ((لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا)) وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡغَفُورُ﴾ [الملك 1 - 2]،. وقال،. ﴿كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤئقَةُ ٱلۡمَوۡتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَ ((وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَاعُ ٱلۡغُرُورِ لَتُبۡلَوُنَّ فِي أَمۡوَالِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ))..﴾ [آل عمران 185 - 186]،.
ــ هل علم سليمان بأن بلاؤه شديد؟!،.
قالَ اْللّٰه عن سليمان،. ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوودَ وَسُلَیۡمَانَ عِلۡمࣰا وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ((ٱلَّذِي فَضَّلَنَا)) عَلَىٰ كَثِیرࣲ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَوَرِثَ سُلَیۡمَانُ دَاوودَ ((وَقَالَ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّیۡرِ وَأُوتِینَا مِن كُلِّ شَيءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِینُ))﴾ [النمل 15 - 16]،. هذا الفضل المبين [زيادة في كل شيء]، بلاءٌ مبين،. [وهو كما كان عند إبراهيم في البنين]،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَنَادَیۡنَاهُ أَن یَا إِبۡرَاهِیمُ قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡیَاۤ إِنَّا كَذَلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِینَ ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَـٰۤؤُا۟ ٱلۡمُبِینُ))﴾ [الصافات 104 - 106]،.
فالفضل المبين بلاءٌ مبين، وهذا يلزمه خروج بسلامة قلب من هذا البلاء،. وقد عرف سليمان هذا فقال،. ﴿قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلۡمࣱ مِّنَ ٱلۡكِتَابِ أَنَا۠ ءَاتِیكَ بِهِ قَبۡلَ أَن یَرۡتَدَّ إِلَیۡكَ طَرۡفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُ ((قَالَ هَذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِیَبۡلُوَنِي ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُ)) وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌ كَرِیمࣱ﴾ [النمل 40]،.
عرف سليمان أن هذا الفضل المبين إنما هو بلاء له،. فترك الدنيا وكان أواباً لربه ولم يغتر بالدنيا ولم تصرفه عن ذكر الله،. وشهد الله له فقالَ،. ﴿وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَیۡمَانَ ((نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذۡ عُرِضَ عَلَیۡهِ بِٱلۡعَشِي ٱلصَّافِنَاتُ ٱلۡجِیَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَیۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي)) حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَیَّ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ ((وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَیۡمَانَ وَأَلۡقَیۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِیِّهِ جَسَدࣰا ثُمَّ أَنَابَ)) قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِي لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِي إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّیحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِ رُخَاۤءً حَیۡثُ أَصَابَ وَٱلشَّیَاطِینَ كُلَّ بَنَّاۤءࣲ وَغَوَّاصࣲ وَءَاخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ هَذَا عَطَاۤؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ *((وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ¹))﴾* [ص 30 - 40]،.
رغم تعدد الفتن والبلايا، وقوة الملك والمال والإمكانيات،. إلا أن سليمان كان ينيب لربه، يرجع له ليهديه، يطلب منه أن يوزعه على الشكر والعمل الصالح،. قالَ اْللّٰه عن سليمان،. ﴿(وَحُشِرَ لِسُلَیۡمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّیۡرِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَوۡا۟ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةࣱ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُوا۟ مَسَاكِنَكُمۡ لَا یَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَیۡمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكࣰا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ *(((رَبِّ أَوۡزِعۡنِي أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِي أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَالِحࣰا تَرۡضَاهُ)))* وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِینَ﴾ [النمل 17 ــ 19]،.
سأل الله أن يوزعه، والإيزاع تعني الإلزام والإجبار،.. فهذه ليست فتنة عادية كالفتن التي تحصل لنا،. إنما هو ملك عظيم جداً جداً،. فيلزمه إلزام وإيزاع من الله حتى يخرج منها سليماً، ويأت الله بقلب سليم من التعلق بأمور الدنيا [الملك]،.
¹ كلمة ((حسن مآب)) لم تأت في القرآن كله، إلا في مقابل متاع الدنيا، لتخرج منها سليماً،. أولها كانت في قول الله،. ﴿زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَ ٰتِ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡبَنِینَ وَٱلۡقَنَاطِیرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَیۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَامِ وَٱلۡحَرۡثِ *((ذَلِكَ مَتَاعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ))﴾* [آل عمران 14]،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿ٱللَّهُ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ *((وَفَرِحُوا۟ بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا فِي ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا مَتَاعࣱ))* وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِي إِلَیۡهِ مَنۡ أَنَابَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَئنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئنُّ ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ *((وَحُسۡنُ مَـَٔابࣲ))﴾* [الرعد 26 - 29]
وعن داوود ((الملك))،. ﴿قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡخُلَطَاۤءِ لَیَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِیلࣱ مَّا هُمۡ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعࣰا وَأَنَابَ فَغَفَرۡنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ ((وَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ))﴾ [ص 24 - 25]،.
وقال بعد كلام عن سليمان، وذكر بعض الأنبياء الذي صبروا على مصائب الدنيا،. ﴿وَٱذۡكُرۡ عِبَادَنَاۤ إِبۡرَاهِیمَ وَإِسۡحَاقَ وَیَعۡقُوبَ أُو۟لِي ٱلۡأَیۡدِي وَٱلۡأَبۡصَارِ إِنَّاۤ أَخۡلَصۡناهُم ((بِخَالِصَةࣲ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ)) وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَیۡنَ ٱلۡأَخۡیَارِ وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَاعِیلَ وَٱلۡیَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِ وَكُلࣱّ مِّنَ ٱلۡأَخۡیَارِ هَذَا ذِكۡرࣱ ((وَإِنَّ لِلۡمُتَّقِینَ لَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ))﴾ [ص 45 - 49]،.
حتى حين سعى لأن ينجب أولاداً يقاتلون في سبيل الله،. لم يرزق سوى نصف إنسان،. ألقي على كرسيه،. فعرف أنه البلاء،. فرجع مجدداً لربه،. ﴿وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَیۡمَانَ وَأَلۡقَیۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِیِّهِ جَسَدࣰا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص 34]،.
خرج من الدنيا سليم القلب، خالصاً من فتنها،. إنه سليمان،. سليم القلب،. جاء ربه بقلب سليم،. قالَ نَبِيّ اْللّه ﷺ،. ﴿ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ((ﺻﻮﺭﻛﻢ ﻭﺃﻣﻮاﻟﻜﻢ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ)) ﻭﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ.
سليمان أتى الله بقلب سليم،. نجى من بلاء الدنيا وفتنتها [في أوجها، فقد كان ملكاً]،. اسمه سليمان،.
ــــ الصحابة،. معظم الصحابة كانوا فقراء، لا يجدون إلا ثوباً واحداً،. والغني منهم نادر جداً، كعثمان الذي أنفق ماله لتجهيز جيش العسرة،. وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، أما بقية الصحابة فكانوا فقراء،. والأغنياء كانوا يهلكون أموالهم في الصدقة، ولا يدخرونها لليوم الأسود كما نفعل،. فلا ترجو الله أن تكون مثلهم في الغنى، فمن منا يضمن أنه لو امتلك مالا سيُفنيه في الحق كما فعلوا؟! فالمال من أعظم الفتن،.
❒ ﻋﻦ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺯﻡ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﴿ﻻ ﺣﺴﺪ ﺇﻻ ﻓﻲ اﺛﻨﺘﻴﻦ: ﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻣﺎﻻً، ﻓﺴﻠﻂ ﻋﻠﻰ ﻫﻠﻜﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ، ﻭﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﻬﺎ، ﻭﻳﻌﻠﻤﻬﺎ﴾ ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﴿ﻻ ﺣﺴﺪ ﺇﻻ ﻓﻲ اﺛﻨﻴﻦ: ﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻣﺎﻻ، ﻓﺴﻠﻄﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﻠﻜﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ، ﻭﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﺣﻜﻤﺔ، ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﻬﺎ، ﻭﻳﻌﻠﻤﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻓﻲ "ﻣﺴﻨﺪﻩ"، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺒﺰاﺭ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭﺃﺑﻮ ﻋﻮاﻧﺔ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
❒ ﻋﻦ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ: ﴿ﻻ ﺣﺴﺪ ﺇﻻ ﻓﻲ اﺛﻨﻴﻦ: ﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺁﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ، ﻭﺁﻧﺎء اﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻣﺎﻻ، ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻨﻪ ﺁﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ، ﻭﺁﻧﺎء اﻟﻨﻬﺎﺭ﴾،. ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﴿ﻻ ﺣﺴﺪ ﺇﻻ ﻓﻲ اﺛﻨﺘﻴﻦ: ﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻣﺎﻻ، ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻔﻘﻪ ﺁﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻭﺁﻧﺎء اﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﺭﺟﻞ ﻋﻠﻤﻪ اﻟﻠﻪ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺁﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ، ﻭﺁﻧﺎء اﻟﻨﻬﺎر﴾،. ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﴿ﻻ ﺣﺴﺪ ﺇﻻ ﻓﻲ اﺛﻨﺘﻴﻦ: ﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺁﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻭاﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻣﺎﻻ، ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻔﻘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ، ﺁﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻭاﻟﻨﻬﺎﺭ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
❒ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺻﺎﻟﺢ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ ﴿ﻻ ﺣﺴﺪ ﺇﻻ ﻓﻲ اﺛﻨﺘﻴﻦ ﺭﺟﻞ ﺃﻋﻄﺎﻩ اﻟﻠﻪ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻠﻮﻩ ﺁﻧﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻭﺁﻧﺎء اﻟﻨﻬﺎﺭ ﻓﺴﻤﻌﻪ ﺭﺟﻞ ﻓﻘﺎﻝ ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﺃﻭﺗﻴﺖ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻲ ﻫﺬا ﻓﻌﻤﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﻫﺬا ﻭﺭﺟﻞ ﺁﺗﺎﻩ اﻟﻠﻪ ﻣﺎﻻ ﻓﻬﻮ ﻳﻬﻠﻜﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻖ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﺃﻭﺗﻴﺖ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻲ ﻫﺬا ﻓﻌﻤﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﻫﺬا﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.
ــــ فالحالة الوحيدة التي ستعفيك لو كنت غنياً، هو تسليطه وإهلاكه في النفقة، وأن تهلكه في الحق،. لهذا قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ،. ﴿..ﻭﺇﻥ ﻫﺬا اﻟﻤﺎﻝ ﺧﻀﺮ ﺣﻠﻮ، ﻭﻧﻌﻢ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻫﻮ ﻟﻤﻦ ﺃﻋﻄﻰ ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻭاﻟﻴﺘﻴﻢ ﻭاﺑﻦ اﻟﺴﺒﻴﻞ، ﻭﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬﻩ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻘﻪ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻟﺬﻱ ﻳﺄﻛﻞ ﻭﻻ ﻳﺸﺒﻊ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻬﻴﺪاً ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.
وإن فعلت ذلك،. [أهلكت مالك في الحق]،. هل تظن بأنك نجوت؟ كلا،. سيرد الله عليك أضعاف ما أهلكت،. وتبقى هكذا في فتنة حتى تلقى للّٰه،.
ــــــ الفقراء، أهل الجنة،.
في قصة قارون، قال الذين يريدون الحياة الدنيا،. ﴿وَأَصۡبَحَ ٱلَّذِینَ تَمَنَّوۡا۟ مَكَانَهُ بِٱلۡأَمۡسِ یَقُولُونَ وَیۡكَأَنَّ ٱللَّهَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِ وَیَقۡدِرُ لَوۡلَاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡنَا لَخَسَفَ بِنَا وَیۡكَأَنَّهُ لَا یُفۡلِحُ ٱلۡكَفِرُونَ تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰا وَٱلۡعَاقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [القصص 82 - 83]،.
ــــــ المكذب منعمٌ مرتاحٌ مادياً،. والمؤمن المتبع،. سمته الفقر وقلة الأكل،. لا يكثر من الدنيا ولا يكترث بها،. عينه على الآخرة،. يعلم أن الدنيا فانية والأخرى باقية،. قالَ اْللّٰه في آخر آية في القصص، بعد قصة قارون،. ﴿وَلَا یَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَایَاتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَیۡكَ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَۘ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ *((كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُ))* لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [القصص 87 - 88]،. ولهذا، أغلب أهل الجنة هم الفقراء والمستضعون،.
❒ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ ﴿ﻗﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺏ اﻟﺠﻨﺔ، *((ﻓﻜﺎﻥ ﻋﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺩﺧﻠﻬﺎ اﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺠﺪ ﻣﺤﺒﻮﺳﻮﻥ))،.* ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻨﺎﺭ ﻗﺪ ﺃﻣﺮ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺎﺭ، ﻭﻗﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺏ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﺈﺫا ﻋﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺩﺧﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء﴾،. ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﴿اﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، *((ﻓﺈﺫا ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻔﻘﺮاء، ﻭﺇﺫا ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺠﺪ ﻣﺤﺒﻮﺳﻮﻥ))،.* ﻭاﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﺈﺫا ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ،.
❒ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺭﺟﺎء اﻟﻌﻄﺎﺭﺩﻱ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻳﻘﻮﻝ: ﻗﺎﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ *﴿((اﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻔﻘﺮاء))*، ﻭاﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء﴾،. ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ: ﴿اﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﺈﺫا ﻋﺎﻣﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء، *((ﻭاﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، ﻓﺈﺫا ﻋﺎﻣﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﺒﺰاﺭ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ.
❒ ﻋﻦ اﻷﻋﺮﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﴿اﺣﺘﺠﺖ اﻟﻨﺎﺭ ﻭاﻟﺠﻨﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻫﺬﻩ ﻳﺪﺧﻠﻨﻲ اﻟﺠﺒﺎﺭﻭﻥ ﻭاﻟﻤﺘﻜﺒﺮﻭﻥ، ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻫﺬﻩ ﻳﺪﺧﻠﻨﻲ اﻟﻀﻌﻔﺎء ﻭاﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻓﻘﺎﻝ الله ﻟﻬﺬﻩ : ﺃﻧﺖ ﻋﺬاﺑﻲ ﺃﻋﺬﺏ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺃﺷﺎء، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﺻﻴﺐ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺃﺷﺎء، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﺬﻩ ﺃﻧﺖ ﺭﺣﻤﺘﻲ ﺃﺭﺣﻢ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺃﺷﺎء ﻭﻟﻜﻞ ﻭاﺣﺪﺓ ﻣﻨﻜﻤﺎ ﻣﻠﺆﻫﺎ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ.
❒ ﻋﻦ ﻣﻌﺒﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ؛ ﺳﻤﻌﺖ ﺣﺎﺭﺛﺔ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ ﴿ﺃﻻ ﺃﺩﻟﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ، ﻛﻞ ﺿﻌﻴﻒ ﻣﺘﻀﻌﻒ، ﻟﻮ ﺃﻗﺴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻷﺑﺮﻩ، ﻭﺃﻫﻞ اﻟﻨﺎﺭ ﻛﻞ ﺟﻮاﻅ، ﻋﺘﻞ، ﻣﺴﺘﻜﺒﺮ﴾،. ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﴿ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻛﻢ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ؟ ﻛﻞ ﺿﻌﻴﻒ ﻣﺘﻀﻌﻒ، ﻟﻮ ﺃﻗﺴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻷﺑﺮﻩ، ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻛﻢ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﻨﺎﺭ؟ ﻛﻞ ﺟﻮاﻅ، ﺯﻧﻴﻢ، ﻣﺘﻜﺒﺮ﴾،. ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ ﴿ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻛﻢ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ؟ ﻛﻞ ﺿﻌﻴﻒ ﻣﺘﻀﻌﻒ، ﻟﻮ ﻳﻘﺴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻷﺑﺮﻩ، ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻛﻢ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﻨﺎﺭ؟ ﻛﻞ ﺟﻮاﻅ، ﺟﻌﻈﺮﻱ، ﻣﺴﺘﻜﺒﺮ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
ــــ كل من قرأ التاريخ، قد عرف أن عز المسلمين وقوتهم كانت في فترة فقرهم، وقلة عددهم أمام جيش العدو،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ *((وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱ))* فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [آل عمران 123]،. فلم ينتصر المسلمون يوماً بكثرتهم،. بل كانوا ينتصرون باللّٰه وحده،. قالَ اْللّٰه،. ﴿..وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ﴾ [آل عمران 126]،. ينصرهم الله، فيغنمون وتزيد أموالهم،. *ثم حين يرون في أنفسهم كثرة مال وأنفس،. فيعتمدون عليها*، وعلى ما صار عندهم وينسون الله،. قالَ اْللّٰه،. ﴿لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِیرَةࣲ ((وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا)) وَضَاقَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّیۡتُم مُّدۡبِرِینَ﴾ [التوبة 25]،. فحين كانوا كُثر، هُزموا،. ثم مرت السنين واغتنى المسلمون وزادت أموالهم وترسخت أرجلهم في الدنيا،. فكانت ضريبة ذلك أنهم *ابتعدوا عن الله* والدين وأضاعوه، وتغير حالهم وسيطر عليهم الغرب الكافر في كل تفاصيل حياتهم، كما هو حالنا اليوم،. ولن يرجع المسلمين لحالهم الأول حتى يتعلقوا باللّٰه لينصرهم، ليس بتعلقهم بسلاحهم ومالهم وأسباب النصر كما يظنون، إنما النصر بيد الله وحده،.
فمن أعظم أسباب ضعف المسلمين اليوم هو كثرة أموالهم،. واعتزازهم بأموالهم وعددهم،. ونسوا الله والتوكل عليه،.
ــــــــــــ الشيطان يعدنا بالفقر!؟،. كيف هذا؟!،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿ٱلشَّیۡطَانُ یَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱللَّهُ یَعِدُكُم مَّغۡفِرَةࣰ مِّنۡهُ وَفَضۡلࣰا وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِیمࣱ﴾ [البقرة 268]،. يُفهم من الآية أي أن الذي يتبع الشيطان سيفتقر،... أليس الأولى أن يعدنا بالغنى؟ لأن الغنى يُبعد عن التقوى والدين كما وجدنا في القُــرآن والشيطان يريد هذا،. ولكنه يعدنا بالفقر وليس بالغنى!! فكيف ذلك؟!،.
الحق، أن الشيطان يريد أن يزيد الناس مالاً وغناً، لأنه مدركٌ بأن المال مشغلةٌ عن الدين، وأن الدنيا وزخرفها أكبر صارفٍ عن الله وعن الآخرة،. فهو يحرص أشد الحرص على إغناء أولياءه وأتباعه ومريديه [أكفر الناس في الأرض]،. وجعلهم في قمة الغنى والعز والنعمة والترف،. ألا ترى أن أولياءه وأتباعه وعبيده من الماسون والرؤوس الحاكمة قد ملكوا كل شيءٍ؟! بل أن من أشد أتباعه عائلة روتشيلد وروكفيلر الذين ملكهم الشيطان ذهب العالم ومصانع النقود وصاروا هم المسيطرين على أموال العالم،. وهم الذين يملكون أكبر مخزون الذهب في الأرض، بعد عملية نصب ماكرة، واحتيال خبيث على الشعوب،. واليوم يملكون ما لا يحصى من الذهب والمال،. فتحكموا في كل شيء،. الاقتصاد والسلطة والسلاح والتعليم والطب والإعلام والرياضة والترفيه الأرضي والخيال الفضائي،. وهم أكفر الناس،. أتباع الدجال صاحب العين الواحدة،. وتجد رموزهم في كل مكان،.
ــــــ لا يستطيع الشيطان أن يتحكم ويسيطر حتى يملك المال، فبه يغري الناس ويوصلهم للشهرة، وبه يشتري الذمم وينزع الأمانات،. وبه يملك الملوك،. وبه يقاتل الشعوب، وبه يمنع من يتمرد عليه، وبه يرفع ويعزز من يتبعه،. فالشيطان يدرك قوة المال وتأثيره على البشر، وإغوائهم به وإلصاقهم في الدنيا،. وأكثر ما يهواه البشر هو كثرة المال،. فالمال هوى،. والشيطان يدرك ذلك،. فيزيد أتباعه بالمال، يعلم أنه كلما زادهم مالاً، كلما غرقوا في وحل الدنيا وتبعوا أهوائهم،.
فمن يتبع الشيطان في الحقيقة، لن يصير فقيراً أبداً،. بل على العكس تماماً، سيصير غنياً فاحش الغنى،. وسوف تأتيه الأموال من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب،. وكما هو معلوم، طريق الحرام مربح يوصل للحرية المالية في وقت قصير،. يعرف هذا كل من فتح مشروعاً تجارياً في الخمر والزنا (الدعارة) والمقاهي الليلية،. فطريق الحرام سهل ومربح وسريع، أما التجارة في الحلال فصعب وبطيء الربح،.
ولكن كيف نفهم الآية الواضحة؟! فهي تقول بأنه يريد إفقارنا، والله فضحه، وأخبرنا أنه يعدكم بالفقر لنحذر منه ولا نفتقر؟!
الآية ليست بهذا الشكل الذي فهمه الناس،. أن الشيطان يسعى لتفقير الناس،. بل العكس، الشيطان يسعى لإغناء الناس، وقد شاهدنا كيف يغني أتباعه،. والآية إنما تتكلم عن الإنفاق،. ويكفيك أن تقرأها في سياقها لتعرف أن الكلام عن النفقة في سبيل الله،. فقبلها بصفحة كاملة كان الكلام عن النفقة، وبعدها ثلاثة صفحات متتالية تتكلم عن النفقة، وآية وعد الشيطان كانت بين آيات النفقة،. فوعد الشيطان في الحقيقة هو تخويف الشيطان للناس من الفقر،. لأنه يعلم أن الإنسان يهوى الغنى ويكره الفقر،. فالشيطان يخوف الإنسان أن إذا أنفقت وتصدقت سيفنى مالك وتفتقر،. كلامه هذا هو الوعد بالفقر،. قالَ اْللّٰه،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَنفِقُوا۟ مِن طَیِّبَاتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّاۤ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا تَیَمَّمُوا۟ ٱلۡخَبِیثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِآخِذِیهِ إِلَّاۤ أَن تُغۡمِضُوا۟ فِیهِ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌ حَمِیدٌ ٱلشَّیۡطَانُ یَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱللَّهُ یَعِدُكُم مَّغۡفِرَةࣰ مِّنۡهُ وَفَضۡلࣰا وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِیمࣱ یُؤۡتي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَابِ وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنۡ أَنصَارٍ﴾ [البقرة 267 - 270]،. فكما قرأت، الكلام كله عن النفقة،. فوعد الشيطان لك بالفقر، هو تخويفك من الفقر، يقول لا تنفق، سينتهي مالك ولن تجد شيئاً تأكله، ستكون فقيراً بلا مال!،. بينما الله يبين لنا الحقيقة التي لا نعرفها من النفقة أنها على العكس، لن تفقرك [وإن خشيتَ الفقر]، بل ستغنيك في الدنيا والآخرة،. قالَ اْللّٰه قبل تلك الآيات،. ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوالَهُمُ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِیتࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلࣱ ((فَآتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَیۡنِ فَإِن لَّمۡ یُصِبۡهَا وَابِلࣱ فَطَلࣱّ)) وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ﴾ [البقرة 265]،. وقال بعدها بآيات،. ﴿ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَالَهُم بِٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرࣰّا وَعَلَانِیَةࣰ ((فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ)) وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة 274]،. فاللّه يطمئن الذين ينفقون، ألا يخافوا من الفقر الذي وعدهم به الشيطان، بل النفقة والزكاة والصدقة ستزيد مالك،. قال الله،. ﴿یَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰا۟ ((وَیُرۡبي ٱلصَّدَقَاتِ)) [أي يكثّرها] وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِیمٍ إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّالِحاتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ((وءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ)) وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة 276 - 277]،. والآية نفسها، التي فيها وعد الشيطان بالفقر،. ﴿ٱلشَّیۡطَانُ یَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ..﴾،. قابلها الله بوعده هو بالزيادة والفضل لو أنفقت،. قال،. ﴿...وَٱللَّهُ یَعِدُكُم مَّغۡفِرَةࣰ مِّنۡهُ *((وَفَضۡلࣰا))* وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِیمࣱ﴾،. خشية الفقر أمر طبيعي لدى البشر، مزروع في الانسان،. ولكن الشيطان استغل ذلك وارهبك به،. فليست الآية على أن الشيطان يريد بك الفقر،. بل يخوفك بالفقر إن أنفقت،.
❒ ﻋﻦ اﻷﻋﺮﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﴿ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ: ﻳﺎ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ، ﺃﻧﻔﻖ ﺃﻧﻔﻖ ﻋﻠﻴﻚ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ.
❒ قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ لأسماء بنت أبي بكر،. ﴿ﺃﻧﻔﻘﻲ، ﺃﻭ اﻧﻀﺤﻲ [النضح صب الماء]، ﻭﻻ ﺗﺤﺼﻲ ﻓﻴﺤﺼﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﻻ ﺗﻮﻋﻲ ﻓﻴﻮﻋﻲ اﻟﻠﻪ عليك﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ،.
❒ وفي رواية أخرى قال لها،. ﴿..ﻭﻻ ﺗﻮﻛﻲ ﻓﻴﻮﻛﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ،.
الوكاء شد الوعاء وغلقه بإحكام، وهذا تشبيه لمن بخل بماله ومنعه من الخروج،. والوعاء هو ما يُحفظ فيه المال وغيره، هو ما نسميه نحن الخزنة أو الحصالة، التي نجمع فيها المال،. قالَ اْللّٰه،. ﴿یُبَصَّرُونَهُمۡ یَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ یَفۡتَدِي مِنۡ عَذَابِ یَوۡمِئذِۭ بِبَنِیهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِیهِ وَفَصِیلَتِهِ ٱلَّتِي تُـٔۡوِیهِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا ثُمَّ یُنجِیهِ كَلَّاۤ إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةࣰ لِّلشَّوَىٰ تَدۡعُوا۟ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ وَجَمَعَ *فَأَوۡعَىٰۤ﴾* [المعارج 11 - 18]،.
❒ عن ﺃﺑﻲ ﺯﺭﻋﺔ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ ﴿ﺃﺗﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺭﺟﻞ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺃﻯ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﺃﻋﻈﻢ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ((ﺃﻥ ﺗﺼﺪﻕ ﻭﺃﻧﺖ ﺻﺤﻴﺢ ﺷﺤﻴﺢ، ﺗﺨﺸﻰ اﻟﻔﻘﺮ ﻭﺗﺄﻣﻞ اﻟﻐﻨﻰ))، ﻭﻻ ﺗﻤﻬﻞ ﺣﺘﻰ ﺇﺫا ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺤﻠﻘﻮﻡ، ﻗﻠﺖ: ﻟﻔﻼﻥ ﻛﺬا، ﻭﻟﻔﻼﻥ ﻛﺬا، ﺃﻻ ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻔﻼﻥ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻓﻲ اﻷﺩﺏ اﻟﻤﻔﺮﺩ ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ.
الشيطان في الحقيقة يعِد الناس بالدنيا ويغريهم بها،. قالَ اْللّٰه عنه،. ﴿یَعِدُهُمۡ وَیُمَنِّیهِمۡ *وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾* [النساء 120]،. وقال،. ﴿وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَیۡهِم بِخَیۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَالِ وَٱلۡأَوۡلَادِ *وَعِدۡهُمۡ وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾* [الإسراء 64]،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ *((فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَلَا یَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ))* إِنَّ ٱلشَّیۡطَانَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَابِ ٱلسَّعِیرِ﴾ [فاطر 5 - 6]،. إن كان يدعو حزبه "الذين هم أولياؤه وأحبابه" للنار،. فكيف سيفعل بأعدائه؟! بدأت الآية بــ إِنَّ ٱلشَّیۡطَانَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ،.
قال الله،. ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ ٱلشَّیۡطَانُ *((یُخَوِّفُ أَوۡلِیَاۤءَهُ))* فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران 175]،. قال بعدها بآيات،. ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَانِ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔا وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ *((أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَیۡرࣱ لِّأَنفُسِهِمۡ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِثۡمࣰا))* وَلَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِیَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَنتُمۡ عَلَیۡهِ حَتَّىٰ یَمِیزَ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَیۡبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ یَجۡتَبي مِن رُّسُلِهِ مَن یَشَاۤءُ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤۡمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ ((یَبۡخَلُونَ بِمَاۤ ءَاتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ هُوَ خَیۡرࣰا لَّهُم بَلۡ هُوَ شَرࣱّ لَّهُمۡ)) سَیُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا۟ بِهِ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ وَلِلَّهِ مِیرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ﴾ [آل عمران 177 - 180]،.
ــــ الغني غارق في الدنيا، ترسخت وتسربت أرجله فيها فاغتر بها، أما الفقير لم يشغله المال ولا كثرة النعيم،. لهذا يقول الله عن الدنيا أنها متاع الغرور،. قالَ اْللّٰه،. ﴿كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤئقَةُ ٱلۡمَوۡتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَامَةِ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَ ((وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَاعُ ٱلۡغُرُورِ)) لَتُبۡلَوُنَّ فِي أَمۡوَالِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَابَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوۤا۟ أَذࣰى كَثِیرࣰا وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾ [آل عمران 185 - 186]،.
ــــــــ ما معنى الغرور؟،. ولماذا سمى الله الدنيا بمتاع الغرور؟!
المغــرور،. ليس هو ما تعارف عليه الناس بأنه المختال أو الفخور، أو المعجب بنفسه،. إنما تعني المضحوك عليه،. المغرر به، كما نقول اليوم، المغفل الغشيم، الغبي الساذج،. وهذه لا تحصل للإنسان حتى يعجبه ما هو مقدمٌ عليه [يغريه الأمر]،. ويرى أنه الكاسب الرابح، وهو موهومٌ،.
ﻋﻦ اﻷﻋﺮﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ ﴿ﻧﻬﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻋﻦ ﺑﻴﻊ اﻟﺤﺼﺎﺓ ﻭﻋﻦ ﺑﻴﻊ اﻟﻐﺮﺭ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، وأصحاب السنن،. وبيع الغرر هو البيع قبل أن يستوفى، كبيع الجزور وهو في بطن الناقة، وبيع السمك وهو في البحر،. وبيع المحصول قبل أن يثمر،. أو الطعام قبل أن يوزن ويكال،. قال ابن عباس ﴿أما اﻟﺬﻱ ﻧﻬﻰ ﻋﻨﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻬﻮ اﻟﻄﻌﺎﻡ، ﺃﻥ ﻳﺒﺎﻉ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻮﻓﻰ﴾ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﴿ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺎﻝ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ وغيرهم،.
الغالب في هذه البيوع رخص الثمن، فالبائع يقبض دون أن يعطي،. والمشتري يفرح بالثمن الزهيد وهو ليس بضامن، فقد لا ينال ما اشتراه لفسادٍ فيه، أو لنقصٍ، أو لحادثة تمنع وصول السلعة، فهو قد دفع ولم يأخذ شيئاً، اشترى الوهم، اشترى الكلام والوعد،. هذا مضحوكٌ عليه، مغررٌ به،. هذا هو الغرر،. أن تفرح بــ (لا شيء)،.
وهكذا هو المال،. (لا شيء)،. والذي تعلق قلبه بالمال،. قد أغرته الأموال فاغتر بها،. فهو مغرور،. فرح بــ (لا شيء)،.
ــــــــــــ أحاديث ضعيفة،.. لكن لها صلة بالموضوع،. لا نحتج فيها بشيء، ولكن نذكرها كشواهد،.
روي عن نَبِيّ اْللّه ﷺ أنه قال،. ﴿مَن كانتِ الآخرةُ هَمَّه، جعل اللهُ غِنَاه في قلبِه وجَمَع له شَمْلَه، وأَتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ، ومَن كانت الدنيا هَمَّه، جعل اللهُ فقرَه بين عَيْنَيْهِ، وفَرَّق عليه شَمْلَه، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له﴾ رواه الترمذي - 2465.
كذلك،. ﴿ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ حسْبُ الآدميِّ ((لقيماتٌ يُقِمنَ صلبَهُ))..﴾ رواه ابن ماجه - 2720.
هذه جميلة،. روي عن النّبي ﷺ أنه قال،. ﴿اللهِمْ مَنْ آمَنَ بِكَ، وشَهِدَ انِّي رسولُكَ؛ فَحَبِّبْ إليهِ لِقَاءَكَ، وسَهِّلْ عليهِ قَضَاءَكَ، *((وأَقْلِلْ لهُ مِنَ الدنيا))*، ومَنْ لمْ يُؤْمِنْ بِكَ، ولمْ يَشْهَدْ إنِّي رسولُكَ؛ فلا تُحَبِّبْ إليهِ لِقَاءَكَ، ولا تُسَهِّلْ عليهِ قَضَاءَكَ، *((وأَكْثِرْ لهُ مِنَ الدنيا))﴾* رواه ابن حبان 208،.
روي عن نَبِيّ اْللّه ﷺ ﴿إذا أحبَّ اللَّهُ عَبدًا ((حماهُ الدُّنيا)) كَما يظلُّ أحدُكُم يَحمي سَقيمَهُ الماءَ﴾ رواه الترمذي - 2036.
وروي عنه أنه قال،. ﴿قد أفلحَ من أسلمَ، ورُزِقَ كفافًا، وقنَّعَه اللهُ بما آتاهُ﴾،. وقال،. ﴿اللهُمَّ! اجْعلْ رِزقَ آلِ مُحمدٍ قُوتًا، وفي روايةٍ: كِفافًا﴾ رواهما مسلم 1054 ــ 1055.
ورويَ ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﴿ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﺪﺧﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻐﺪ﴾ تهذيب الآثار، مسند ابن عباس، 437،. ومن نفس المصدر،. ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺴﺮ اﻟﻤﺎﺯﻧﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻟﻌﻤﻪ اﻟﻌﺒﺎﺱ: ﴿ﻳﺎ ﻋﻢ، ﻗﻠﻴﻞ ﻳﻀﻨﻴﻚ، ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻳﻄﻐﻴﻚ﴾،. 441،. وفيه كذلك،. قيل لأبي الدرداء،. ﴿ﺃﻻ ﺗﺒﺘﻐﻲ ﻷﺿﻴﺎﻓﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺘﻐﻲ ﻓﻼﻥ ﻷﺿﻴﺎﻓﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: ﴿ﺇﻥ ﺃﻣﺎﻣﻜﻢ ﻋﻘﺒﺔ ﻛﺆﻭﺩا، ﻻ ﻳﺠﻮﺯﻫﺎ اﻟﻤﺜﻘﻠﻮﻥ، ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺗﺨﻔﻒ ﻟﺘﻠﻚ العقبة﴾،. 442، وأخرجه المنذري في الترغيب والترهيب 4805 والطبراني،.
روي عن نَبِيّ اْللّه ﷺ ﴿اثنتان يكرههما ابنُ آدمَ: يكرهُ الموتَ، والموتُ خيرٌ له من الفتنةِ، *((ويكرهُ قلَّةَ المالِ، وقِلَّةُ المالِ أقلُّ للحساب))﴾*
نهاية الجزء الثالث من أربعة أجزاء،.
ـــــــــــ ما معنى المال؟،. 4/4،.
تدبر كلمة المال في القُرآن، قادني لأمر خطير، لم أتوقع أنه بهذه الخطورة، علمت منه أن أكثر سببٍ يُصنف أهل النار هو ((المال))،. وأكثر سببٍ يُصنّف أهل الجنة،.. هو ((المال)) كذلك،. ولكن قبل الدخول في تفاصيل الجنة والنار، نتكلم عن أصل تسمية المال، وما معنى هذه الكلمة التي نتدارسها ونحوم حولها،. المال،.
الذي سمى المال مالاً هو الله، وليس العرب، بل الله هو الذي علّم العرب وأنطقهم بهذا اللسان، وليس كما يتصوره بعض (اللغويين)، أن الله اطلع على الناس فوجدهم يتكلمون بهذا اللسان، فقرر أن يخاطبهم بلسانهم [وكأنه اضطر إليها، حاشاه ربنا]،. بل الله هو الأول، هو الرحمن الذي خلق الإنسان وعلمه البيان،. وكل كلمة تجدها في القُــرآن فهي من كلمات الله العربية الأصيلة،. وليست من تسميات العرب،. وأول هذه الكلمات أسماؤه الحسنى كالرحمن، التي لم يعرف العرب الأقحاح ما هو،. ﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُوا۟ لِلرَّحۡمَنِ قَالُوا۟ وَمَا ٱلرَّحۡمَنُ؟..﴾ [الفرقان 60]،. فلا تظن بأن العرب هم أصل اللسان، بل الله هو الذي علم العرب هذا اللسان،. وهذا القُــرآن يحمل كلماته،. وطالما ذكر الله في القُــرآن كلمة المال، فهي كلمة عربية ولها معنى وتحمل دلالة،. وهذا شأن كل كلمات القُــرآن،. والله لم يسمه [مالاً] عبثاً ولا جزافاً،. إنما سماه هكذا لحكمة جليلة،..
كلمة (مَال) اسمٌ،. وقد تكون فعلاً بحسب موقعها من الجملة،. فـهي إما (مَالْ) من النقود،. أو (مَالْ) من الميلان، يميل ميلاً وإمالةً،. فمثلاً في جملة (ورثَ سعيدٌ مَالَ أبيه)، مالَ هنا [اسمٌ] بمعنى النقد أو ما يملكه الانسان بشكل عام من ذهب وفضة وأنعام وعقار وغيره،. أما في (مَالَ الجدار)،. مالَ هنا [فعلٌ]،. من الميلان، فأصل كلمة مالَ من المَيْل، كذلك المالُ يرجع لنفس الجذر، من [مَالَ أو موَّل أو مَيّل]،. ولم أجد في العربية تصريفاً آخر لجذر مال،. ولا حتى كلمة ملل، فهذه جذرها ملَلَ،. وليس مالَ،. فهما كلمتان فقط، مال ومال،. يجمعهما أصل واحد مشترك،. فينبغي أن يكون لهما معنى [ضمني] مشترك،.
ــــ ما علاقة المال بالميلان؟،.
المال فتنة عظيمة [كما سبق وتبين]،. وتعظم فتنتها في حب الأنفس لها وهي لا تشعر أنها فتنة وشر،. فالإنسان يحذر (ما يكره) ويعدّها فتنة، ويراها مصيبة فينفر منها،. ولكن لحبه الشديد للمال، لن ينظر إليها كفتنة وشر، فلن يحذرها ولن ينفر منها، وكيف ينفر مما يُحب ويشتهي؟،. بل سيسعى لها ويجتهد لتحصيلها ونيلها وإنمائها،. كما هو معلومٌ ومُشاهد،. وتعجب كثيراً حين ترى أن الفقهاء أنفسهم، جعلوا نماء المال وتكثيره والحفاظ عليه والسعي لأجله إحدى الضرورات الخمسة!!،. التي [بحد زعمهم] نصت عليها الشريعة!!،. وألفوا فيه [الضرورات الخمسة] الكتب والبحوث،. وصارت تدرس في الجامعات الشرعية والنظامية، حتى صارت إحدى أهداف الدارس للشريعة هو نيل شهادة الشريعة للوظيفة والتكسب والترزق بها (مرتزق)،. فالسعي عندهم لأجل المال أصبح ضرورة من ضرورات الدين، ولْاحَوْلَ ولاْ قُوّةَ إِلاّ بِاْللّٰه،.
المال سُمّي بهذا الاسم لحكمة عظيمة جداً، سماها الله هكذا بعلم وخبرة،. ستعجب منها كل العجب وتكبّر ربك أيّما تكبير، حين تعرف معناها بحق،. وكيف أن هذا الاسم مطابقٌ موافقٌ مواطئٌ لمسماه بشكل عجيب،. حينها ستؤمن من أعماق قلبك أن كاتب هذا الكتاب ليس من البشر،. بل يستحيل أن يكتبه بشر بهذه الدقة والتناسق، بهذا النسيج المترابط، الذي يوافق أوله آخره، ويؤيد بعضه كله،. ستقول في نفسك،. فعلاً هذا كتاب الرب العظيم،. هذا كتاب العليم الخبير،. هذا هو الكتاب الذي يستحيل أن يأتي الإنس والجن بمثله،. ولا بعُشر معشاره،.
سمي المال بهذا الاسم لأنه السبب الأعظم في إمالتك عن الجادة، هو العامل الأكبر لصرفك عن الآخرة، وكأن الدنيا كلها اختزلت في هذا الشيء (المال)،. فالناس كلهم يميلون له،. وهو يميّلهم عن الحق،. جبلت أنفسهم على حب المال، وتوقير صاحب المال،. وكما قيل، رأيت الناس قد مالوا، إلى من عنده مالُ،. فالناس [تميل للمال]،. وأكثر الناس حباً وميلاناً للمال هن النساء،. والواقع يشهد بهذا وبقوة،.
المرأة تبدّي وتختار صاحب المال على الفقير، وتفضّله على الفقير، وإن كان الفقير ذا دينٍ وخُلق،. وكلما زاد مال الرجل، كلما انجذبت إِليه المرأة أكثر،. وقد تقبل البنت البكر بالزواج من رجل مسن ولكنه غني، طمعاً فيما يملك من مال ونعمة،. فالمرأة تفضل أن تعيش منعَّمة، حرةٌ مالياً مع رجل كبير، أكثر من شاب فقير فتُحرم التسوق وشراء الذهب والسيارات والسفر،. كذلك عند التعدد،. يستطيع الرجل أن يمتص غضب وغيرة زوجته الأولى ويراضيها بالمال الكثير الوفير،. ويأخذ منها الموافقة على الزواج من أخرى بسهولة،. حتى تداول بعضهن،. (أبكي في قصر، ولا أبكي في كوخ)،. فالمال يواسي المكلومة، ويبرء المجروحة، ويداوي الحزينة، ويؤنس الوحيدة،. [وهذا الكلام عن معظم النساء وأغلبهن، لسن كلهن هكذا]،. ولكن المرأة اشتهرت بحبها وميلانها الشديد للمال، وتعلقها به أكثر من تعلق الرجل بالمال،. ومن شاهد مقاطع [شوارع أمريكا] عرف ذلك،. وقد سموهن الغرب بــ Gold Digger،. أي الباحثة عن الذهب،. وقد تبيع المرأة نفسها من أجل المال، تتكسب بـجسدها،. وأكثر ما يفرح المرأة هو التسوق وشراء الأغراض والملابس وكل شيء ينفع أو لا ينفع،. هكذا هي المرأة،. تحب المال جداً،. [نعيد ونذكّر] بأن هذا الكلام عن معظم النساء والأغلبية الساحقة منهن، وليس الكلام فيهن كلهن على الإطلاق، فمعلومٌ أن منهن الصالحات العفيفات اللائي تعلق قلبهن بالآخرة، واحتقرن الدنيا وزينتها،،،. وقليلٌ ما هن،.
العجب كل العجب،. لو نقبت عن كلمة المال في القُــرآن، ستجد أن الله ذكره في القُــرآن 86 مرة،. في سورٍ متعددة،. ولكن أكثر سورة في القُــرآن احتوت تصاريف كلمة "المال" هي سورة "النساء"،. بين سور القُرآن كله، ذكرت كلمة المال بجميع تصاريفها 86 مرة،. البقرة مثلاً فيها 11 مرة، آل عمران 3 مرات، النساء 14 مرة، المائدة 0، الأنعام 1، الأعراف 0، الأنفال 3 مرات، التوبة 12، يونس 2، هود 2، يوسف 0، الرعد 0، إبراهيم 0، الحجر 0، النحل 0، الإسراء 3، الكهف 3،... الخ،.
وقد عرفنا شدة حب النساء للمال، وميلانهن لمن يملك المال، أكثر من الفقير قليل المال،. وحبهن للتباهي بالمال، وصرف المال ببذخ، وحبهن للشراء والتسوق وإن كان بلا داعي ولا ضرورة،. فالعلاقة قوية بين النساء والمال،. لأن النصيب الأكبر لكلمة المال كان لسورة النساء،. 14 مرة،. النساء والمال!،. أضف إلى ذلك أن هذه السورة حصراً من دون بقية السور، تكلمت عن المواريث والفرائض والتركة التي يتركها الميت لتُقسم على الأحياء،. [المال]،. وكثر الكلام فيها عن الصداق "المهور"، وفيها العدل والقسط في اليتامى، وفيها أموال اليتامى،. وغيرها من الكلام الذي يدور حول المال،. كله في هذه السورة،. [النساء]،.
ــــ تشابه النساء والمال،.
لا يخفى على أحد التشابه بينهما [النساء والمال]، فكلاهما زينة الحياة الدينا، وكلاهما فتنة للرجل، تسلب دين المسلم،. وتلهيه عن ذكر ربه،. (المال والنساء) كلاهما يسلب قلب الرجل الحليم، وتذهب بلب الرجل الحازم،. (المال والنساء) يجعله مائلاً لها وإليها [للمال والنساء]،. قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ ﴿ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺖ ﺑﻌﺪﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺘﻲ ﻓﺘﻨﺔ، ﺃﺿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء﴾ أﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭغيرهم،. فالنبي ﷺ قالها بكل صراحة، النساء فتنة،. مثلها مثل المال،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ ((حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ)) وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ((ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران 14]،. قالَ اْللّٰه عن هذا كله ((ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) وعلى رأس القائمة (النساء)!،. ثم البنون والمال،. كلها فتنة،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ ((أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ)) عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا ((أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)) وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التغابن 14 ــ 15]،. في الأولى قال (أزواجكم وأولادكم)، في التي تليها استبدل الأزواج بــ الأموال! قال (أموالكم وأولادكم)! وذكر أنها فتنة!،.
قالَ اْللّٰه،. ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ ((أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)) وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ [طه 131]،. انظر كيف يفتن اللّٰهُ الناسَ بالأزواج!! ويسميهن صراحةً من غير تأويل ولا تفسير؛ زهرة الحياة الدنيا!،. كما قال عن المال والبنون ﴿زينة الحياة الدنيا﴾،. فالنساء والمال سواء،. وكلاهما فتنة!،.
فلا عجب أن يجعل الله أكثر تصاريف كلمة "المال" في سورة "النساء"،. لكثرة التشابة والتقارب الكبير بين المال والنساء،.
ــــــ النساء والميلان،.
الأعجب مما سبق،. هو أن لفظ (الميلان)، وهو التصريف الآخر المشتق من جذر (مالَ) قد ذكره الله في القُــرآن كله 6 مرات،. وكلهن في سورة النساء،. سُبْحَانَ اللّٰه،. انظر لهذا العجب،.
كلا التصريفين [المال والميلان] اجتمعا في سورة النساء،. ولا وجود للصدفة في كتاب الله،.
النساء والميلان؟! هذا يعيد بذاكرتك للحديث المنسوب للنّبي ﷺ،. ﴿نساءٌ مائلاتٌ مميلات!﴾،. وسنرجع إليه،.
الستة تصاريف للفظة الميلان كانت كالتالي،.
ــ ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن *((تَمِيلُواْ مَيْلاً))* عَظِيماً﴾ [النساء 27]،.
ــ ﴿..وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ *((فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً))* وَاحِدَةً..﴾ [النساء 102]،.
ــ ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ *((تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ))* فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ..﴾ [النساء 129]،.
وسُبْحَانَ اللّٰه،. لم يذكر الله لفظة الميلان في غير سورة النساء مطلقاً،. حتى حين مَالَ جدار الغلامين في سورة الكهف وكاد أن يسقط، لم يذكر الله في القصة كلمة الميلان،. إنما قال،. ﴿..فَوَجَدَا فِیهَا جِدَارࣰا یُرِیدُ أَن یَنقَضَّ فَأَقَامَهُ..﴾ [الكهف 77]،. وكأنه أراد تقييد كلمة الميلان لسورة النساء حصراً،. ليُعلم منه العلاقة بين النساء والمال، وكيف أنهن أشد ميلاً وميلاناً للمال،. وأن المال تشتد إمالته لدى النساء،.
لاحظ أن كلمات الميل الست السابقة،. قد حُصرت في ثلاث آيات فقط،. كل كلمتين في آية،. ((أن تَمِيلُواْ مَيْلاً))؛. ((فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً))؛. ((فلا تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ))؛. فألفاظ الميلان كلها أتت مضاعفة double!،. حتى في الحديث، كان الميل فيه مضاعفاً،. ﴿مائلات مميلات﴾،. وكأن الميلان الذي يُحدثه المال في الناس مضاعفٌ وقوي، يجعلك تميل وتحيد عن الجادة،. فلا تستهن بقوة المال في إمالة الأنفس،. وقد سمعنا عمن باع شرفه ودينه وأرضه لأجل المال، وما أكثر من باع ذمته في سبيل المال،. فالمَيَلان الذي يصنعه المال عظيم،. وأكثر شيء يجعلك تميل بعد المال، هن النساء،. لماذا؟ لأنهن مائلات في أصلهن، فيهن عوج، قد خلقن من ضلعٍ مِعوَج،.
عن ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺯﻡ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻗﺎﻝ،. ﴿ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻴﻮﻡ اﻵﺧﺮ ﻓﺈﺫا ﺷﻬﺪ ﺃﻣﺮاً ﻓﻠﻴﺘﻜﻠﻢ ﺑﺨﻴﺮ ﺃﻭ ﻟﻴﺴﻜﺖ، ﻭاﺳﺘﻮﺻﻮا ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء *((ﻓﺈﻥ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﺧُﻠﻘَﺖ ﻣﻦ ﺿِﻠﻊ، ﻭﺇﻥ ﺃﻋﻮﺝ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻀﻠﻊ ﺃﻋﻼﻩ، ﺇﻥ ﺫﻫﺒﺖ ﺗﻘﻴﻤﻪ ﻛﺴﺮﺗﻪ، ﻭﺇﻥ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﺰﻝ ﺃﻋﻮَﺝ))* اﺳﺘﻮﺻﻮا ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ﺧﻴﺮاً﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ،.
لاحظ الترابط العجيب بينهم،. النساء فيهن اعوجاج، يملن للمال،. المال الذي اسمه اشتق من الميلان [العوج]،. وأكثر كلمات المال في النساء، وكل ألفاظ الميلان في النساء!،. عجيب سُبْحَانَ اللّٰه،.
النقطة التالية، هي خلاصة هذا التدبر الطويل،....
ــــــــــ المال،. هو أكثر ما يُدخل الجنة، وهو أكثر ما يُدخل النار،.
تكمن خطورة المال،. أنه أكثر الأسباب في تصنيف أكثر أهل الجنة، وأكثر أهل النار، فقد كان الرابط بينهم هو المال،. كيف ذلك؟!،.
قال رسول الله ﷺ ﴿اﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻔﻘﺮاء، ﻭاﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء﴾،. ﻭﻓﻲ ﺭﻭاﻳﺔ: ﴿اﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﺈﺫا ﻋﺎﻣﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء، ﻭاﻃﻠﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، ﻓﺈﺫا ﻋﺎﻣﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﺒﺰاﺭ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ.
الرابط بين النساء والفقراء هو المال،. الفقير لا مال له،. والنساء يكنزن المال ويعشقن المال،. تميل قلوبهن للمال،. لهذا كان عامة أهل النار النساء، وحين قال النّبي ﷺ عنهن أنهن أكثر أهل النار،. ذكر السبب بكل وضوح، ربط ذلك بالمال مباشرةً في كلامه، كلامه كان في موضع الصدقة [المال]،.
ﻋﻦ ﻋﻴﺎﺽ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ، ﻗﺎﻝ ﴿ﺧﺮﺝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻲ ﺃﺿﺤﻰ ﺃﻭ ﻓﻄﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺼﻠﻰ، ﻓﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻘﺎﻝ: *((ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﻨﺴﺎء [[ﺗﺼﺪﻗﻦ]]، ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺭﻳﺘﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻞ اﻟﻨﺎﺭ))*،. ﻓﻘﻠﻦ ﻭﺑﻢ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺗﻜﺜﺮﻥ اﻟﻠﻌﻦ، ﻭﺗﻜﻔﺮﻥ اﻟﻌﺸﻴﺮ...﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ.
فأكثر أهل النار النساء، لشدة ميولهن للمال نفسه،. وحبهن لاكتناز المال وجمعه والاحتفاظ به، فحين أخبر النّبي ﷺ بهذا الخبر، قال قبلها،. [يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار]،. فانظر كيف ربط بين تخزين وكنز المال وبين كثرتهن في النار فقال [تصدقن]،. ولا تنس الحديث الذي قال فيه لأسماء بنت أبي بكر،. [لا تحصي، لا توعي، لا توكي]،. وكان الكلام لمرأة [أسماء]،. كان يحذرها المال أن تكنزه وتحصيه [أي تعده] وتوكيه [أي تغلق عليه] وتجمعه فتوعيه [من الوعاء كمثل الحصالة]،. قالَ اْللّٰه،. ﴿كَلَّاۤ إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةࣰ لِّلشَّوَىٰ تَدۡعُوا۟ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ وَجَمَعَ *فَأَوۡعَىٰۤ﴾* [المعارج 15 - 18]،. أوعى أي جعله في وعاء، بغرض الجمع والتكنيز،.
وقد بيّن النّبي ﷺ في حديثٍ آخر، سبباً آخر لكثرتهن في النار فقال،. [يكفرن العشير، يكفرن الاحسان]،. وهو كذلك أمر يتعلق بالمال،.
قالَ نَبِيّ اْللّٰه ﷺ،. ﴿...ﺇﻧﻲ ﺭﺃﻳﺖ اﻟﺠﻨﺔ، ﺃﻭ ﺃﺭﻳﺖ اﻟﺠﻨﺔ، ﻓﺘﻨﺎﻭﻟﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻨﻘﻮﺩا، ﻭﻟﻮ ﺃﺧﺬﺗﻪ ﻷﻛﻠﺘﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺑﻘﻴﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺭﺃﻳﺖ اﻟﻨﺎﺭ، ﻓﻠﻢ ﺃﺭ ﻛﺎﻟﻴﻮﻡ ﻣﻨﻈﺮا ﻗﻂ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء، ﻗﺎﻟﻮا: ﻟﻢ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﺑﻜﻔﺮﻫﻦ، ﻗﻴﻞ: ﻳﻜﻔﺮﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: *((ﻳﻜﻔﺮﻥ اﻟﻌﺸﻴﺮ، ﻭﻳﻜﻔﺮﻥ اﻹﺣﺴﺎﻥ، ﻟﻮ ﺃﺣﺴﻨﺖ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺪاﻫﻦ اﻟﺪﻫﺮ، ﺛﻢ ﺭﺃﺕ ﻣﻨﻚ ﺷﻴﺌﺎ، ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻨﻚ ﺧﻴﺮا ﻗﻂ))﴾* ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺪاﺭﻣﻲ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ، ﻭاﻟﺒﻴﻬﻘﻲ.
وهذه تدل كذلك على تعلقهن بالمال، فالذي أنكرته المرأة على الرجل كان ((الخير والمال الذي كان يعطيها وينفق عليها))،. كل ذلك المال، أنكرته بسبب خلاف حصل بينهم،. فسبب كونهن أكثر أهل النار [هو المال حصراً]،. وهذا بشكل عام عن النساء،. ولا نزعم أنهن إطلاقاً هكذا، ولكنها النسبة الأكبر الأعم فيهن،. ولاشك أن هناك استثناءات للنساء اللائي يخشين الله وقد جعلن الآخرة نصب أعينهن،. وقليلٌ ما هن،.
نعود لما كنا فيه، الذي جعل النساء أكثر أهل النار هو المال،. بينما أكثر أهل الجنة هم الفقراء،. لماذا؟! ومن هو الفقير؟!،
الفقير هو الذي لا مال له،. ــــــــــــ
هنا ندرك خطورة المال،. وأنه أكبر عامل للتفرقة بين أهل الجنة وأهل النار،.
ــــــ الخلاصة،. كل ما زاد مالك، مال قلبك للدنيا واطمئننت بها، وكرهت الموت، وكرهت لقاء الله، وزاد تكذيبك للحق،. وكلما نقص مالك، اقتربت أكثر من التصديق والإيمان بربك وبالآخرة وبالحق كله، وأحببت لقاء الله،. فابق فقيراً قدر استطاعتك،. وإن كنت ذا مال فاهلكه في الحق،. ولا تلق بنفسك إلى التهلكة [المال والدنيا]،.
ــــــ نصيحة أخيرة،. تحذر من دعاء الله ليزيدك من الدنيا،. فمن أستزاد من الدنيا، استنقص ذلك من آخرته، فأنت تُعطى الدينا على حساب الآخرة،. قال الله،. ﴿مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا نُوَفِّ إِلَیۡهِمۡ أَعۡمَالَهُمۡ فِیهَا وَهُمۡ فِیهَا لَا یُبۡخَسُونَ أُو۟لَئكَ ٱلَّذِینَ لَیۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡآخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِیهَا وَبَاطِلࣱ مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [هود 15 - 16]،. وقال،. ﴿ٱللَّهُ لَطِیفُ بِعِبَادِهِ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِیزُ مَن كَانَ یُرِیدُ حَرۡثَ ٱلۡآخِرَةِ نَزِدۡ لَهُ فِي حَرۡثِهِ وَمَن كَانَ یُرِیدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡیَا نُؤۡتِهِ مِنۡهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِن نَّصِیبٍ﴾ [الشورى 19 - 20]،. وقال،. ﴿مَّن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُ فِیهَا مَا نَشَاۤءُ لِمَن نُّرِیدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُ جَهَنَّمَ یَصۡلاهَا مَذۡمُومࣰا مَّدۡحُورࣰا﴾ [الإسراء 18]،.
قال الله،. ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ یُرِیدُونَ وَجۡهَهُ ))وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا(( وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمۡرُهُ فُرُطࣰا﴾ [الكهف 28]،.
سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا،.. ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ،.
نهاية الجزء الرابع، من أربعة أجزاء،.
بكيبورد، محسن الغيثي،.
واعذونا على الإطالة،.... دمتم بود،.