حديث سحر النّبي ﷺ،..
18556- عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت:
«سحر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، دعا الله ودعاه، ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه، قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند راسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق، قال: فيما ذا؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان، قال: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة، فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله، أفأخرجته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثور على الناس منه شرا، وأمر بها فدفنت» (1).
- وفي رواية: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه» (2).
(1) اللفظ للبخاري (5766).
(2) اللفظ للبخاري (3175).
- وفي رواية: «سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة، وهو عندي، لكنه دعا ودعا، ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند راسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء، فقال: يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله، أفلا أستخرجه؟ قال: قد عافاني الله، فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا، فأمر بها فدفنت» (1).
- وفي رواية: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه ياتي النساء ولا ياتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا، فقال: يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند راسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند راسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم، رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت رعوفة في بئر ذروان، قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين، قال: فاستخرج، قالت: فقلت: أفلا؟ أي تنشرت، فقال: أما والله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا» (2).
(1) اللفظ للبخاري (5763).
(2) اللفظ للبخاري (5765).
- وفي رواية: «لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه ياتي ولا ياتي، فأتاه ملكان، فجلس أحدهما عند راسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما باله؟ قال: مطبوب قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فيم؟ قال: في مشط ومشاطة، في جف طلعة ذكر، في بئر ذروان، تحت رعوفة، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه، فقال: أي عائشة، ألم تري أن الله أفتاني فيم استفتيته، فأتى البئر، فأمر به فأخرج، فقال: هذه البئر التي أريتها، والله كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، فقالت عائشة: لو أنك، قال: كأنها تعني أن ينتشر، قال: أما والله قد عافاني الله، وأنا أكره أن أثير على الناس منه شرا» (1).
أخرجه الحميدي (261) قال: حدثنا سفيان. قال سفيان: فكان عبد الملك بن جريج حدثناه أولا قبل أن نلقى هشاما، فقال: حدثني بعض آل عروة، فلما قدم هشام حدثناه. و «ابن أبي شيبة» 7/ 388 (23985) قال: حدثنا عبد الله بن نمير. و «أحمد» 6/ 50 (24741) قال: حدثنا يحيى. وفي 6/ 57 (24804) قال: حدثنا ابن نمير. وفي 6/ 63 (24851) قال: حدثنا إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن معمر. وفي (24852) قال: حدثنا حماد بن أسامة. وفي 6/ 96 (25157) قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا وهيب. و «البخاري» 4/ 123 (3175) قال: حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى. وفي 4/ 148 (3268) و7/ 176 (5763) قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا عيسى بن يونس. قال البخاري (3268): وقال الليث: كتب إلي هشام. وقال البخاري (5763): تابعه أبو أسامة، وأبو ضمرة، وابن أبي الزناد، عن هشام. وقال الليث، وابن عيينة عن هشام في مشط ومشاقة، يقال: المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاقة من مشاقة الكتان.
(1) اللفظ لأحمد (24851).
وفي 7/ 177 (5765) قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: سمعت ابن عيينة يقول أول من حدثنا به ابن جريج، يقول: حدثني آل عروة، عن عروة، فسألت هشاما عنه، فحدثنا عن أبيه. وفي 7/ 178 (5766) قال: حدثنا عبيد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو أسامة. وفي 8/ 22 (6063) قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان. وفي 8/ 103 (6391) قال: حدثنا إبراهيم بن منذر، قال: حدثنا أنس بن عياض. و «مسلم» 7/ 14 (5754) قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن نمير. وفي (5755) قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة. و «ابن ماجة» (3545) قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عبد الله بن نمير. و «النسائي» في «الكبرى» (7569) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عيسى بن يونس. و «أبو يعلى» (4882) قال: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا أبو أسامة. و «ابن حبان» (6583) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا أبي. وفي (6584) قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عيسى بن يونس.
ثمانيتهم (سفيان بن عيينة، وعبد الله بن نمير، ويحيى بن سعيد، ومعمر بن راشد، وأبو أسامة، حماد بن أسامة، ووهيب بن خالد، وعيسى بن يونس، وأنس بن عياض) عن هشام بن عروة، عن أبيه، فذكره
والحديث؛ أخرجه إسحاق بن راهوية (737)، والطبري 2/ 351، والطبراني، في «الأوسط» (5926)، والبيهقي 8/ 135، والبغوي (3260).
ـ قال الدارقطني: يرويه هشام بن عروة، واختلف عنه؛
فرواه يحيى القطان، والليث بن سعد، ومرجى بن رجاء، وأبو أسامة، وابن عيينة، ومعمر، وحماد بن سلمة، وأنس بن عياض، ومسلمة بن سعيد، وعبد الله بن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.
ورواه جنادة بن مروان، عن هشام، عن عروة، مرسلا.
والمتصل أصح. «العلل» (3507).
ــــــ حديث سحر النّبي ﷺ،.
لا شك أن كتاب الصحيح المسند للبخاري من أعظم الكتب التي ضمت الصحيح المسند، والطاعنين فيه أغلبهم مرضى لا يختلفون عمن غلوا فيه وأوصلوه وكأنه عمل الرب،. يبقى الكتاب عملٌ بشري لا يخلو من أخطاء وزلات،. ولكن يستبين هذا بالتحقيق مجرداً من الهوى والحقد، فلا يُرد الحديث الصحيح لمجرد التناقض الظاهر فيه، فربما كان التناقض في رأس القارئ، وسوء فهم منه، وما أكثر ما وجدنا ذلك، لا يكون تناقضاً ولكن شُبِّه لهم،.
أما بخصوص حديث سحر النّبي ﷺ،.
أولاً،. الحديث فيه هشام بن عروة، هو ثقة حافظ متقن، كذا في شطر عمره، ولكن بعد رحلته إلى الشام خلط في بعض الروايات،. فروايته هذه محل شك،. خاصةً أن خبرٍ كهذا، لا يكون مستوراً موارىً،.
ثانياً،. لم يرو هذا أحد غيره، مع وجود عدة زوجات للنبي ﷺ، منهم ميمونة خالة ابن عباس كمثال،.
ثالثاً،. قال اللّٰه،. ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة 67]،. وقالَ اللّٰه ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [اﻹسراء 47]،.
فبضم الثلاثة إلى بعضهم تعرف أن الحديث لا يمكن الجزم بثبوته،.
يعني ولو أن الراوي لم يحدث في حفظه شيئاً، لم نك لنبحث هذه النقطة، لكن لمّا حدَث في حفظ هشام شيءٌ، أصبحنا لا نستطيع أن نجزم بهذا الحديث،. ـ فننظر فيه، ــ فنجده مخالفاً للآية ـ ثم هل رواه قبل أو بعد، لو كان بعد سفره للشام وخلطه، نريد قرينة لحديثه،. خاصةٌ مثل هذا الحديث، الذي له علاقة بزوجات النّبي ﷺ، وله عدة زوجات منهم على سبيل المثال ميمونة خالة ابن عباس، وحفصة أخت عبد الله بن عمر، وغيرهما، ولم يرو أحدٌ من زوجاته هذه القضية على عظمها،. كيف لا وقد روين كيفية غسل الجنابة بالتفصيل؟!
فهذه قرينة، بجانب مخالفة الآية تؤكد أن الرواية مما خلط فيه هشام،.
أما من قال أن موسى كذلك سُحر، ليزيل شبهة التعارض بين الخبر والآية،. فقوله مردود لسببين،. موسى لم يُسحر بل خيلّ إليه من سحرهم، والتخييل ليس سحراً، فسحرهم لم يكن في موسى، بل في حبالهم وعصيهم،. والأمر الآخر، أن الله لم يقل عن موسى ما قاله عن النّبي ﷺ (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)،. فحتى لو قيل أنه حصل لموسى كذا،. فما اللازم من حصول ذلك لباقي الأنبياء؟! فكل نبي له وضع خاصٌ فيه حكمةٌ من الله وعلم،. وليس كل الأنبياء سواء،. فليس يوسف كداوود في الملك، ولا نوح كيونس في الصبر،.. كل نبي أعطي أمراً،. قد لا يكون هذا الأمر لغيره من الأنبياء،. فلا يعمم ما حصل للنّبي ﷺ على كل الأنبياء، ولا ما حصل لموسى على بقية الأنبياء،.
طبعا السلفيين، الكلام معهم في هذا الموضوع يشبه الكلام مع النصاري في الآب والابن والروح القدس!،. يقول لك: الجزء الخاص بالوحي (اللاهوت) لم يتاثر، أما الجزء البشري (الناسوت) هو الذي تاثر!!
أكبر شيء أفسد الإسلام، وأوجد التعارض والتناقض بين نصوصه، هو عدم التمييز بين الصحيح والضعيف،. حديث سحر النّبي ﷺ في سنده شكوك،. ولا يقبل في الدين إلا اليقين،.
الخلاصة، التعارض قائم،. ولا يزول برده هكذا، بل بتحقيق سند الرواية،. وقد تبين أن سندها فيها ما فيها،.